حكاية ناي ♔
12-25-2023, 11:17 AM
ذلك القرآن الذي يعلم كثيرًا من مدعي الرجولة معنى الرجولة والبطولة الحقة يضرب لهم القدوة والمثل بامرأة، ولكنها ليست كأي امرأة، إنها واحدة من خير نساء العالمين، فليست العبرة بالجنس رجلًا كان أو امرأة، ولكن العبرة في الوجود الفاعل والحقيقي وقيمة الانسان على الأرض، وليس الأمر رجل وامرأة، ولكن إنسان وإنسان، قيمة وقيمة؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساءِ إِلا مريمُ بنتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إننا نتحدث عن التي قال الله تعالى فيها: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلًا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدَّقت رسوله موسى، وهي تحت عدو من أعداء الله كافر، فلم يضرها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة بالله، وكان من قضاء الله في خلقه أنْ لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكل نفس ما كسبت؛ إذ قالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتًا في الجنة.
عن سلمان الفارسي، قال: كانت امرأة فرعون تعذَّب بالشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة[1].
وعن القاسم بن أبي بَزَّة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون، فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون؛ فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
وعن قتادة، قوله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾، وكان أعتى أهل الأرض على الله، وأبعده من الله، فو الله ما ضرّ امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكمٌ عدل، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه، وقوله: ﴿ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾، وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله. وقوله: ﴿ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك، ومن عذابهم [2].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه: (إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرِقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، فكشف لها عن بيتها في الجنة"[3]، وعن أبي رافع قال: "وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم حمل على بطنها رَحًا عظيمة حتى ماتت" [4].
قال القشيري رحمه الله تعالى: (قالوا: صغرت همتها حيث طلبت بيتًا في الجنة، وكان من حقّها أن تطلب الكثير، ولا كما توهّموا: فإنها قالت: ربّ ابن لي عندك، فطلبت جوار القربة، ولبيت في الجوار (أي جوار الله تعالى) أفضل من ألف قصر في غير الجوار، ومن المعلوم أن العنديَّة هنا عندية القربة والكرامة، ولكنه على كل حال بيت له مزية على غيره، وله خصوصية، وفي معناه أنشدوا:
إني لأحسد جاركم لجواركم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طوبى لمن أضحى لدارك جارا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا ليت جارك باعني من داره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شبرا لأعطيه بشبرٍ دارا[5]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي الآية دليل على أن الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه عز وجل، ومسألة الخلاص منه تعالى عند المحن والنوازل - من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين، وهو في القرآن كثير.
قال صاحب الظلال رحمه الله تعالى: ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة، فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ، في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي، ولكنها استعلت على هذا بالإيمان، ولم تعرض عن هذا العرض فحسب، بل اعتبرته شرًّا ودنسًا وبلاءً، تستعيذ بالله منه، وتتفلت من عقابيله، وتطلب النجاة منه!
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر عظيم، فالمرأة أشد شعورًا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته، ولكن هذه المرأة وحدها في وسط ضغط المجتمع، وضغط القصر، وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي!
وهي نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر، وكل هذه المعوقات، وكل هذه الهواتف، ومن ثَم استحقت هذه الإشارة في كتاب الله الخالد الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ ﴾: إنها كذلك مثل للتجرد لله منذ نشأتها التي قصها الله فيسورأخرى، ويذكر هنا تطهرها: ﴿ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾، يبرئها مما رمتها به اليهودالفجرة، ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾، ومن هذه النفخة كان عيسى عليه السلام، كما هومفصلفي السورة المفصلة لهذا المولد "سورة مريم"، فلا نستطرد معه هنا تمشيًا مع ظلالنصالحاضر الذي يستهدف تصوير طهارة مريم وإيمانها الكامل وطاعتها: ﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾.
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ ﴾ عطف على ﴿ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾؛ أي: وضرب مثلًا للذين آمنوا حالتها وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء، مع كون أكثر قومها كفارًا، ﴿ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ﴾: صانته ومنعته من الرجال، وقيل: منعته عن دنس المعصية، ﴿ فَنَفَخْنا فِيهِ ﴾[6]، جاء في تفسير أبي السعود: قوله تعالى: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: اذكر خبرَ التي أحصنتْه على الإطلاق من الحلال والحرام، والتعبيرُ عنها بالموصول (التي) لتفخيم شأنِها وتنزيهها عما زعموه في حقها، وقال البقاعي في نظم الدرر: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [الأنبياء: 91]؛ أي: حفظته من الحلال والحرام حفظًا يَحق له أن يُذكَر ويُتحدَّث به؛ لأنه غاية في العفة والصيانة، والتخلي عن الملاذ إلى الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة، مع ما جمعت إلى ذلك من الأمانة والاجتهاد في متانة الديانة).
والإضافة في قولها تعالى: (مِنْ رُوحِنا) للتشريف، والمراد من روحٍ خلقناه بلا توسط أصل، (وأنقل عن القرطبي رحمه الله تعالى ما قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فَلَا يَذْهَبَنَّ وَهَمُكَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ مِنْ لَطِيفِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَنْزَهُ مَعْنًى، وَأَوْزَنُ لَفْظًا، وَأَلْطَفُ إِشَارَةً، وَأَحْسَنُ عِبَارَةً مِنْ أَنْ يُرِيدَ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَهَمُ الْجَاهِلِ، لَا سِيَّمَا وَالنَّفْخُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ بِأَمْرِ الْقُدُّوسِ، فَأَضِفِ الْقُدُسَ إِلَى الْقُدُّوسِ، وَنَزِّهِ الْمُقَدَّسَةَ الْمُطَهَّرَةَ عَنِ الظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَدْسِ.
﴿ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا ﴾؛ يَعْنِي أَمَرْنَا جِبْرِيلَ حَتَّى نَفَخَ فِي دِرْعِهَا، فَأَحْدَثْنَا بِذَلِكَ النَّفْخِ الْمَسِيحَ فِي بَطْنِهَا)[7].
وقوله تعالى: ﴿ وَصَدَّقَتْ ﴾: آمنت، ﴿ بِكَلِماتِ رَبِّها وكتبه ﴾، قوله تعالى: ﴿ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ﴾؛ أي: من عداد المواظبين على الطاعة، فمن للتبعيض، والتذكير للتغليب، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم، فهو أبلغ من قولنا: وكانت من القانتات، أو قانتة، وهي على ما في بعض الأخبار سيدة النساء ومن أكملهن، وفي الصحيح "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، وخص الثريد - وهو خبز يجعل في مرِق وعليه لحم - كما قيل: إذا ما الخبز تأدمه بلحم، فذاك أمانة الله الثريد، لا اللحم فقط كما قيل؛ لأن العرب لا يؤثرون عليه شيئًا، حتى سموه بحبوحة الجنة، والسر فيه على ما قال الطيبي: إن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة، والقوة وسهولة التناول، وقلة المؤونة في المضغ، وسرعة المرور في المريء، فضرب به مثلاً؛ ليؤذن بأنها رضي الله تعالى عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق، وفصاحة اللهجة، وجودة القريحة، ورزانة الرأي، ورصانة العقل، والتحبب للبعل، فهي تصلح للبعل والتحدث والاستئناس بها، والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، وعلى مزيد فضلها في هذه السورة الكريمة من عتابها وعتاب صاحبتها حفصة رضي الله تعالى عنهما ما لا يخفى، ثم لا يخفى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها من حيث البضعية - (وهي بضعة رسوا الله صلى الله عليه وسلم) - لا يعد لها في الفضل أحد، وتمام الكلام في ذلك في محله[8].
هذان نموذجان لبطولة الإيمان واليقين والصبر في الإسلام، يؤكدان أول ما يؤكدان أن الرجولة بمعناها الدلالي في الإسلام ليست حكرًا على الذكور، والذين ربما تجد فيهم الكثير من المخنثين الذين لا هم لهم إلا سافل الهمم، وتافه الأهداف والغايات، إن المنهج الإسلامي الحقيقي لا يصنع إلا الأبطال، فإذا ما قابلت السفهاء والمخنثين، فاعلم أن داخلهم خواء من قيم الإسلام وتعاليمه، إن البيئة العاتية في الطغيان والكفر في عقر دار فرعون تحولها امرأةٌ مؤمنةٌ حقَّ الإيمان إلى صرحٍ عالٍ ونموذجٍ فريدٍ من البطولة والتضحية، من أجل العقيدة، ولعل هذا هو سبب الإصرار العجيب في الذكر الحكيم على تسمية (آسية بنت مزاحم) القديسة المؤمنة، بكنيتها (امرأة فرعون)؛ ليتعلم المؤمنون الدرس الأهم في عمق الرجولة الإسلامية، وهو أن الإسلام يصنع البطولات من النساء كما هي من الرجال ولا فرق، والنقطة الثانية في الدرس السامي أن الإسلام يزرع بالإيمان النور في قلب الظلام يشقه شقًّا، ولا يبالي بسطوة الظلام أيًّا كانت هذه الدروس الراقية في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم للبطولة والرجولة، يسوقها الله سبحانه في قرآنه في شخص الطاهرة النقية (امرأة فرعون)، وكما أقول امرأةٌ بألف رجل!
أما النموذج الثاني، فهو للتي أحصنت فرجها بطولةٌ من نوعٍ آخر، إنها بطولة العفة والطهارة؛ والارتقاء بالمرأة التي أرادها الغرب وفقط فرجًا مدنَّسًا في غرفة النوم، ومهيجًا للغرائز الحيوانية الساقطة، وواجهة إعلانٍ مبتذلةٍ لأتفه المنتجات أرادها (ديكورًا) ومختبرًا لأحدث (تقاليعه وموضاته)، ومختبرًا لتجاربه في إفساد الحياة الاجتماعية والإنسانية، ولكن الإسلام جاء ليعرض عليها دور البطولة في الحياة الإنسانية، دور الأم ذلك البحر الخضم من المشاعر الدافئة والقيم النبيلة للبناء والتعمير، فهي كما وصفها الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها ♦♦♦ أعددت شعبًا طيب الأعراقِ
وليعرض عليها دور الزوجة الصالحة ذلك الدور العظيم في حياة أي رجل ناجح، ألا ترى أن امرأة ً مثل أم المؤمنين خديجة عليها السلام، قد سطرت اسمها في التاريخ ببطولتها في احتضان أعظم دعوةٍ في تاريخ الدنيا تحتضن بدفء حنانها ورعايتها لزوجها صلى الله عليه وسلم وليد الإسلام بين ذراعيها، فاستحقت أن يبلغها أشرف رسل الملائكة جبريل عليه السلام، وأشرف رسل البشر صلى الله عليه وسلم أشرف رسالة بالسلام من الله عز وجل روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ)؛ متفق عليه[9].
وما هذه المنزلة إلا لدورها الجليل في مؤازرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمتها في تثبيته وتدبر معي هذا المعنى في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 2] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرِقةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرًا تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرِقةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرِقةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرِقةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ) متفق عليه[10].
ولا تعليق غير الذي سبق إلى وهلتك من معنى البطولة في خديجة عليها السلام، فأين نساؤنا من عظمة أمهم أم المؤمنين خديجة؟ بل أين الرجال[11]؟!
ونعود فنقول: إن هذا الارتقاء بالمرأة يرسمه لنا القرآن في مثل فريد عن (مريم ابنة عمران) التي أعلى القرآن من شأنها، فصارت الاسم النسائي الوحيد المذكور في القرآن، بل إن واحدة من أعذب سوره الكريمة باسمها؛ ذلك لأنها أحصنت فرجها، فصارت المثل في البطولة والعفة حقًّا امرأة بألف رجل!
[1] قال الألباني في الصحيحة: رواه الحاكم (2 / 496)، وقال: " صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا).
[2] من تفسير الطبري 23/ 499.
[3] قال الألباني في الصحيحة 2508 أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1521 - 1522): حدثنا هدبة أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن فرعون ... إلخ. هكذا وقع فيه موقوفًا عليه غير مرفوع، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي، مع احتمال كونه من الإسرائيليات، قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم.
[4] وهذا صحيح، لكنه مع وقفه مرسل؛ (قاله الألباني).
[5] من لطائف الإشارات؛ للقشيري 3/ 309.
[6] قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة؛ لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه، والأظهر في ظاهر الكلام (تفسير الطبري 18/ 522)... عند الألوسي باختصار: النافخ رسوله تعالى وهو جبريل عليه السلام، فالإسناد مجازي، وقيل: الكلام على حذف مضاف؛ أي: فنفخ رسولنا، والضمير فِيهِ للفرج، واشتهر أن جبريل عليه السلام نفخ في جيبها، فوصل أثر ذلك إلى الفرج، وروي ذلك عن قتادة، وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل؛ لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق، فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها؛ لأنها إذا منعت جيب درعها، فهي للنفس أمنع، وفي مجمع البيان عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليه السلام، وكان ذلك على ما قيل: قولها ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، وأفاد كلام البعض أن أحصنت فرجها على ما نقل أولاً عن الفراء كناية عن العفة؛ نحو قولهم: هو نقي الجيب طاهر الذيل...
[7] تفسير القرطبي 11/ 338.
[8] راجع تفسير الألوسي 14/ 258، وتفسير القرطبي، والفرج ما بين الرجلين، وكني به عن السوءة، وكثر حتى صار كالصريح، ومنه ما هنا عند الأكثرين.
[9] جاء في شرح محمد فؤاد عبدالباقي، (سمعت أبا هريرة) هذا الحديث من مراسيل الصحابة، وهو حجة عند الجماهير وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني؛ لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة، فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (قد أتتك) معناه توجهت إليك، (فإذا هي أتتك)؛ أي: وصلتك، (فاقرأ عليها السلام)؛ أي: سلم عليها (من قصب)، قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف، وقيل: قصر من ذهب منظوم بالجوهر، قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف قصب، وقد جاء في الحديث مفسرًا ببيت من اللؤلؤ محياة، وفسروه بمجوفه، قال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر (صخب) الصخب الصوت المختلط المرتفع، (نصب): النصب المشقة والتعب، ويقال: فيه نصب ونصب، لغتان حكاهما القاضي وغيره؛ كالحزن والحزن، والفتح أشهر وأفصح، وبه جاء القرآن، وقد نصب الرجل ينصب إذا أعيا.
[10] تعليق مصطفى البغا؛ أخرجه البخاري برقم 3 (1/ 4)، وأخرجه مسلم في الإيمان باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 160..
(الصالحة) الصادقة وهي التي يجري في اليقظة ما يوافقها، (فلق الصبح) ضياؤه ونوره، ويقال هذا في الشيء الواضح البين، (الخلاء) الانفراد، (بغار حراء) الغار هو النقب في الجبل وحراء اسم لجبل معروف في مكة، (ينزع) يرجع (ما أنا بقارئ) لا أعرف القراءة ولا أحسنها، (فغطني) ضمني وعصرني حتى حبس نفسي، ومثله غتني، (الجهد) غاية وسعي، (أرسلني) أطلقني، (علق) جمع علقة وهي المني بعد أن يتحول إلى دم غليظ متجمد، والآيات المذكورة أول ما نزل من القرآن الكريم، وهي أوائل سورة العلق، (يرجف فؤاده) يخفق قلبه ويتحرك بشدة، (زملوني) لفوني وغطوني، (الروع) الفزع، (ما يخزيك) لا يذلك ولا يضيعك، (لتصل الرحم) تكرم القرابة وتواسيهم، (تحمل الكل) تقو بشأن من لا يستقل بأمره ليتم وغيره وتتوسع بمن فيه ثقل وغلاظة، (تكسب المعودم) تتبرع بالمال لمن عدمه وتعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، (تقري الضيف) تهيئ له القرى وهو ما يقدم للضيف من طعام وشراب، (نوائب الحق) النوائب جمع نائبة وهي ما ينزل بالإنسان من المهمات، وأضيفت إلى الحق؛ لأنها تكون في الحق والباطل، (تنصر) ترك عبادة الأوثان واعتنق النصرانية، (الناموس) هو صاحب السر والمراد جبريل عليه السلام، سُمِّي بذلك لاختصاصه بالوحي، (فيها) في حين ظهور نبوتك، (جذع) شاب، والجذع في الأصل الصغير من البهائم، ثم استعير للشاب من الإنسان، (يومك) يوم إخراجك أو يوم ظهور نبوتك وانتشار دينك، (مؤزرًا) قويًّا من الأزر وهو القوة، (ينشب) يلبث، (فتر الوحي) تأخر عن النزول مدة من الزمن.
[11] آمل أن يمن الله سبحانه على بكتاب كامل عن (أكمل نساء العالمين)؛ لنأخذ منهم القدوة والمثل.
إننا نتحدث عن التي قال الله تعالى فيها: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
يقول تعالى ذكره: وضرب الله مثلًا للذين صدقوا الله ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته، وصدَّقت رسوله موسى، وهي تحت عدو من أعداء الله كافر، فلم يضرها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة بالله، وكان من قضاء الله في خلقه أنْ لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكل نفس ما كسبت؛ إذ قالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ﴾، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتًا في الجنة.
عن سلمان الفارسي، قال: كانت امرأة فرعون تعذَّب بالشمس، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة[1].
وعن القاسم بن أبي بَزَّة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون، فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون؛ فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
وعن قتادة، قوله: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾، وكان أعتى أهل الأرض على الله، وأبعده من الله، فو الله ما ضرّ امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن الله حكمٌ عدل، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه، وقوله: ﴿ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ﴾، وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره بالله. وقوله: ﴿ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك، ومن عذابهم [2].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه: (إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرِقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، فكشف لها عن بيتها في الجنة"[3]، وعن أبي رافع قال: "وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم حمل على بطنها رَحًا عظيمة حتى ماتت" [4].
قال القشيري رحمه الله تعالى: (قالوا: صغرت همتها حيث طلبت بيتًا في الجنة، وكان من حقّها أن تطلب الكثير، ولا كما توهّموا: فإنها قالت: ربّ ابن لي عندك، فطلبت جوار القربة، ولبيت في الجوار (أي جوار الله تعالى) أفضل من ألف قصر في غير الجوار، ومن المعلوم أن العنديَّة هنا عندية القربة والكرامة، ولكنه على كل حال بيت له مزية على غيره، وله خصوصية، وفي معناه أنشدوا:
إني لأحسد جاركم لجواركم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طوبى لمن أضحى لدارك جارا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا ليت جارك باعني من داره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شبرا لأعطيه بشبرٍ دارا[5]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي الآية دليل على أن الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه عز وجل، ومسألة الخلاص منه تعالى عند المحن والنوازل - من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين، وهو في القرآن كثير.
قال صاحب الظلال رحمه الله تعالى: ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة، فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ، في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي، ولكنها استعلت على هذا بالإيمان، ولم تعرض عن هذا العرض فحسب، بل اعتبرته شرًّا ودنسًا وبلاءً، تستعيذ بالله منه، وتتفلت من عقابيله، وتطلب النجاة منه!
وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية، وهذا فضل آخر عظيم، فالمرأة أشد شعورًا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته، ولكن هذه المرأة وحدها في وسط ضغط المجتمع، وضغط القصر، وضغط الملك، وضغط الحاشية، والمقام الملوكي، في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء وحدها في خضم هذا الكفر الطاغي!
وهي نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر، وكل هذه المعوقات، وكل هذه الهواتف، ومن ثَم استحقت هذه الإشارة في كتاب الله الخالد الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى.
وقوله تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ ﴾: إنها كذلك مثل للتجرد لله منذ نشأتها التي قصها الله فيسورأخرى، ويذكر هنا تطهرها: ﴿ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾، يبرئها مما رمتها به اليهودالفجرة، ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾، ومن هذه النفخة كان عيسى عليه السلام، كما هومفصلفي السورة المفصلة لهذا المولد "سورة مريم"، فلا نستطرد معه هنا تمشيًا مع ظلالنصالحاضر الذي يستهدف تصوير طهارة مريم وإيمانها الكامل وطاعتها: ﴿ وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾.
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ ﴾ عطف على ﴿ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾؛ أي: وضرب مثلًا للذين آمنوا حالتها وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء، مع كون أكثر قومها كفارًا، ﴿ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ﴾: صانته ومنعته من الرجال، وقيل: منعته عن دنس المعصية، ﴿ فَنَفَخْنا فِيهِ ﴾[6]، جاء في تفسير أبي السعود: قوله تعالى: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: اذكر خبرَ التي أحصنتْه على الإطلاق من الحلال والحرام، والتعبيرُ عنها بالموصول (التي) لتفخيم شأنِها وتنزيهها عما زعموه في حقها، وقال البقاعي في نظم الدرر: ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [الأنبياء: 91]؛ أي: حفظته من الحلال والحرام حفظًا يَحق له أن يُذكَر ويُتحدَّث به؛ لأنه غاية في العفة والصيانة، والتخلي عن الملاذ إلى الانقطاع إلى الله تعالى بالعبادة، مع ما جمعت إلى ذلك من الأمانة والاجتهاد في متانة الديانة).
والإضافة في قولها تعالى: (مِنْ رُوحِنا) للتشريف، والمراد من روحٍ خلقناه بلا توسط أصل، (وأنقل عن القرطبي رحمه الله تعالى ما قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فَلَا يَذْهَبَنَّ وَهَمُكَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ مِنْ لَطِيفِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَنْزَهُ مَعْنًى، وَأَوْزَنُ لَفْظًا، وَأَلْطَفُ إِشَارَةً، وَأَحْسَنُ عِبَارَةً مِنْ أَنْ يُرِيدَ مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَهَمُ الْجَاهِلِ، لَا سِيَّمَا وَالنَّفْخُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ بِأَمْرِ الْقُدُّوسِ، فَأَضِفِ الْقُدُسَ إِلَى الْقُدُّوسِ، وَنَزِّهِ الْمُقَدَّسَةَ الْمُطَهَّرَةَ عَنِ الظَّنِّ الْكَاذِبِ وَالْحَدْسِ.
﴿ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا ﴾؛ يَعْنِي أَمَرْنَا جِبْرِيلَ حَتَّى نَفَخَ فِي دِرْعِهَا، فَأَحْدَثْنَا بِذَلِكَ النَّفْخِ الْمَسِيحَ فِي بَطْنِهَا)[7].
وقوله تعالى: ﴿ وَصَدَّقَتْ ﴾: آمنت، ﴿ بِكَلِماتِ رَبِّها وكتبه ﴾، قوله تعالى: ﴿ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ﴾؛ أي: من عداد المواظبين على الطاعة، فمن للتبعيض، والتذكير للتغليب، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم، فهو أبلغ من قولنا: وكانت من القانتات، أو قانتة، وهي على ما في بعض الأخبار سيدة النساء ومن أكملهن، وفي الصحيح "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، وخص الثريد - وهو خبز يجعل في مرِق وعليه لحم - كما قيل: إذا ما الخبز تأدمه بلحم، فذاك أمانة الله الثريد، لا اللحم فقط كما قيل؛ لأن العرب لا يؤثرون عليه شيئًا، حتى سموه بحبوحة الجنة، والسر فيه على ما قال الطيبي: إن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة، والقوة وسهولة التناول، وقلة المؤونة في المضغ، وسرعة المرور في المريء، فضرب به مثلاً؛ ليؤذن بأنها رضي الله تعالى عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق، وفصاحة اللهجة، وجودة القريحة، ورزانة الرأي، ورصانة العقل، والتحبب للبعل، فهي تصلح للبعل والتحدث والاستئناس بها، والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، وعلى مزيد فضلها في هذه السورة الكريمة من عتابها وعتاب صاحبتها حفصة رضي الله تعالى عنهما ما لا يخفى، ثم لا يخفى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها من حيث البضعية - (وهي بضعة رسوا الله صلى الله عليه وسلم) - لا يعد لها في الفضل أحد، وتمام الكلام في ذلك في محله[8].
هذان نموذجان لبطولة الإيمان واليقين والصبر في الإسلام، يؤكدان أول ما يؤكدان أن الرجولة بمعناها الدلالي في الإسلام ليست حكرًا على الذكور، والذين ربما تجد فيهم الكثير من المخنثين الذين لا هم لهم إلا سافل الهمم، وتافه الأهداف والغايات، إن المنهج الإسلامي الحقيقي لا يصنع إلا الأبطال، فإذا ما قابلت السفهاء والمخنثين، فاعلم أن داخلهم خواء من قيم الإسلام وتعاليمه، إن البيئة العاتية في الطغيان والكفر في عقر دار فرعون تحولها امرأةٌ مؤمنةٌ حقَّ الإيمان إلى صرحٍ عالٍ ونموذجٍ فريدٍ من البطولة والتضحية، من أجل العقيدة، ولعل هذا هو سبب الإصرار العجيب في الذكر الحكيم على تسمية (آسية بنت مزاحم) القديسة المؤمنة، بكنيتها (امرأة فرعون)؛ ليتعلم المؤمنون الدرس الأهم في عمق الرجولة الإسلامية، وهو أن الإسلام يصنع البطولات من النساء كما هي من الرجال ولا فرق، والنقطة الثانية في الدرس السامي أن الإسلام يزرع بالإيمان النور في قلب الظلام يشقه شقًّا، ولا يبالي بسطوة الظلام أيًّا كانت هذه الدروس الراقية في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم للبطولة والرجولة، يسوقها الله سبحانه في قرآنه في شخص الطاهرة النقية (امرأة فرعون)، وكما أقول امرأةٌ بألف رجل!
أما النموذج الثاني، فهو للتي أحصنت فرجها بطولةٌ من نوعٍ آخر، إنها بطولة العفة والطهارة؛ والارتقاء بالمرأة التي أرادها الغرب وفقط فرجًا مدنَّسًا في غرفة النوم، ومهيجًا للغرائز الحيوانية الساقطة، وواجهة إعلانٍ مبتذلةٍ لأتفه المنتجات أرادها (ديكورًا) ومختبرًا لأحدث (تقاليعه وموضاته)، ومختبرًا لتجاربه في إفساد الحياة الاجتماعية والإنسانية، ولكن الإسلام جاء ليعرض عليها دور البطولة في الحياة الإنسانية، دور الأم ذلك البحر الخضم من المشاعر الدافئة والقيم النبيلة للبناء والتعمير، فهي كما وصفها الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها ♦♦♦ أعددت شعبًا طيب الأعراقِ
وليعرض عليها دور الزوجة الصالحة ذلك الدور العظيم في حياة أي رجل ناجح، ألا ترى أن امرأة ً مثل أم المؤمنين خديجة عليها السلام، قد سطرت اسمها في التاريخ ببطولتها في احتضان أعظم دعوةٍ في تاريخ الدنيا تحتضن بدفء حنانها ورعايتها لزوجها صلى الله عليه وسلم وليد الإسلام بين ذراعيها، فاستحقت أن يبلغها أشرف رسل الملائكة جبريل عليه السلام، وأشرف رسل البشر صلى الله عليه وسلم أشرف رسالة بالسلام من الله عز وجل روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ)؛ متفق عليه[9].
وما هذه المنزلة إلا لدورها الجليل في مؤازرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمتها في تثبيته وتدبر معي هذا المعنى في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: " فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 2] " فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرِقةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وَكَانَ امْرًا تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرِقةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرِقةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرِقةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ) متفق عليه[10].
ولا تعليق غير الذي سبق إلى وهلتك من معنى البطولة في خديجة عليها السلام، فأين نساؤنا من عظمة أمهم أم المؤمنين خديجة؟ بل أين الرجال[11]؟!
ونعود فنقول: إن هذا الارتقاء بالمرأة يرسمه لنا القرآن في مثل فريد عن (مريم ابنة عمران) التي أعلى القرآن من شأنها، فصارت الاسم النسائي الوحيد المذكور في القرآن، بل إن واحدة من أعذب سوره الكريمة باسمها؛ ذلك لأنها أحصنت فرجها، فصارت المثل في البطولة والعفة حقًّا امرأة بألف رجل!
[1] قال الألباني في الصحيحة: رواه الحاكم (2 / 496)، وقال: " صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا).
[2] من تفسير الطبري 23/ 499.
[3] قال الألباني في الصحيحة 2508 أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1521 - 1522): حدثنا هدبة أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن فرعون ... إلخ. هكذا وقع فيه موقوفًا عليه غير مرفوع، وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي، مع احتمال كونه من الإسرائيليات، قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم.
[4] وهذا صحيح، لكنه مع وقفه مرسل؛ (قاله الألباني).
[5] من لطائف الإشارات؛ للقشيري 3/ 309.
[6] قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة؛ لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه، والأظهر في ظاهر الكلام (تفسير الطبري 18/ 522)... عند الألوسي باختصار: النافخ رسوله تعالى وهو جبريل عليه السلام، فالإسناد مجازي، وقيل: الكلام على حذف مضاف؛ أي: فنفخ رسولنا، والضمير فِيهِ للفرج، واشتهر أن جبريل عليه السلام نفخ في جيبها، فوصل أثر ذلك إلى الفرج، وروي ذلك عن قتادة، وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل؛ لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق، فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها؛ لأنها إذا منعت جيب درعها، فهي للنفس أمنع، وفي مجمع البيان عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليه السلام، وكان ذلك على ما قيل: قولها ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، وأفاد كلام البعض أن أحصنت فرجها على ما نقل أولاً عن الفراء كناية عن العفة؛ نحو قولهم: هو نقي الجيب طاهر الذيل...
[7] تفسير القرطبي 11/ 338.
[8] راجع تفسير الألوسي 14/ 258، وتفسير القرطبي، والفرج ما بين الرجلين، وكني به عن السوءة، وكثر حتى صار كالصريح، ومنه ما هنا عند الأكثرين.
[9] جاء في شرح محمد فؤاد عبدالباقي، (سمعت أبا هريرة) هذا الحديث من مراسيل الصحابة، وهو حجة عند الجماهير وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني؛ لأن أبا هريرة لم يدرك أيام خديجة، فهو محمول على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (قد أتتك) معناه توجهت إليك، (فإذا هي أتتك)؛ أي: وصلتك، (فاقرأ عليها السلام)؛ أي: سلم عليها (من قصب)، قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف، وقيل: قصر من ذهب منظوم بالجوهر، قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف قصب، وقد جاء في الحديث مفسرًا ببيت من اللؤلؤ محياة، وفسروه بمجوفه، قال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر (صخب) الصخب الصوت المختلط المرتفع، (نصب): النصب المشقة والتعب، ويقال: فيه نصب ونصب، لغتان حكاهما القاضي وغيره؛ كالحزن والحزن، والفتح أشهر وأفصح، وبه جاء القرآن، وقد نصب الرجل ينصب إذا أعيا.
[10] تعليق مصطفى البغا؛ أخرجه البخاري برقم 3 (1/ 4)، وأخرجه مسلم في الإيمان باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم 160..
(الصالحة) الصادقة وهي التي يجري في اليقظة ما يوافقها، (فلق الصبح) ضياؤه ونوره، ويقال هذا في الشيء الواضح البين، (الخلاء) الانفراد، (بغار حراء) الغار هو النقب في الجبل وحراء اسم لجبل معروف في مكة، (ينزع) يرجع (ما أنا بقارئ) لا أعرف القراءة ولا أحسنها، (فغطني) ضمني وعصرني حتى حبس نفسي، ومثله غتني، (الجهد) غاية وسعي، (أرسلني) أطلقني، (علق) جمع علقة وهي المني بعد أن يتحول إلى دم غليظ متجمد، والآيات المذكورة أول ما نزل من القرآن الكريم، وهي أوائل سورة العلق، (يرجف فؤاده) يخفق قلبه ويتحرك بشدة، (زملوني) لفوني وغطوني، (الروع) الفزع، (ما يخزيك) لا يذلك ولا يضيعك، (لتصل الرحم) تكرم القرابة وتواسيهم، (تحمل الكل) تقو بشأن من لا يستقل بأمره ليتم وغيره وتتوسع بمن فيه ثقل وغلاظة، (تكسب المعودم) تتبرع بالمال لمن عدمه وتعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، (تقري الضيف) تهيئ له القرى وهو ما يقدم للضيف من طعام وشراب، (نوائب الحق) النوائب جمع نائبة وهي ما ينزل بالإنسان من المهمات، وأضيفت إلى الحق؛ لأنها تكون في الحق والباطل، (تنصر) ترك عبادة الأوثان واعتنق النصرانية، (الناموس) هو صاحب السر والمراد جبريل عليه السلام، سُمِّي بذلك لاختصاصه بالوحي، (فيها) في حين ظهور نبوتك، (جذع) شاب، والجذع في الأصل الصغير من البهائم، ثم استعير للشاب من الإنسان، (يومك) يوم إخراجك أو يوم ظهور نبوتك وانتشار دينك، (مؤزرًا) قويًّا من الأزر وهو القوة، (ينشب) يلبث، (فتر الوحي) تأخر عن النزول مدة من الزمن.
[11] آمل أن يمن الله سبحانه على بكتاب كامل عن (أكمل نساء العالمين)؛ لنأخذ منهم القدوة والمثل.