حكاية ناي ♔
01-13-2024, 01:36 PM
لم يَمُر على غزوة بَدر سوى سنة واحدة وشهر - أي: في السنة الثالثة من الهجرة - حتى شرعتْ قريش في شَنِّ هجوم على المدينة؛ لتثأر لهزيمتها في بدر، وتستعيد جزءًا من مكانتها عند العرب، وقد جهَّزتْ لهذا الهجوم منذ هزيمتها ببدر؛ حيث خصَّصتْ أرباح القافلة التجارية التي نجت لتجهيز الجيش[1].
وخرج الكفار في جيش من ثلاثة آلاف رجل، معهم مائتا فرس، وفيهم سبعمائة دارع[2].
وبعد مشاورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، استقرَّ الرأي على الخروج لمواجهة العدو القادم، وعدم التحصُّن بالمدينة، وفي الطريق انسَحب ثلاثمائة من المنافقين بقيادة عبدالله بن أُبَيّ ابن سلول.
وتقدَّم الجيش الإسلامي إلى ميدان المعركة، جاعلاً ظهره إلى جبل أحد، ووجهه قبالة المدينة، وجعل خمسين من الرُّماة بقيادة عبدالله بن جبير فوق جبل عينينِ المقابل لأُحد؛ لحماية المسلمين من الالتفاف عليهم، وشدَّد الرسولُ عليهم ألا يَبرَحوا أماكنهم قائلاً: ((إن رأيتمونا تَخْطَفنا الطيرُ، فلا تَبْرحوا مكانَكم هذا، وإن رأيتمونا هَزَمْنا القومَ وأوطأناهم، فلا تبرحوا مكانكم))[3]. وكان عدد أفراد الجيش بعد انسحاب المنافقين حوالي سبعمائة رجل، معهم فرسان فقط ومائة دارع[4].
وفي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة 3 هـ بدأت المعركة والتحم الجيشان، وقدَّم جندُ الإسلام بطولات نادرة، وحقَّقوا مكاسبَ كبيرة، وظلَّ المسلمون مُسيطرين على المعركة رُغم وقوع عدد من الشهداء في صفوفهم، على رأسهم أسد الله حمزة رضي الله عنه، وبدأت رياحُ الهزيمة تَعصِف بجيش المشركين، فخارت عزائمهم وتشتَّتتْ صفوفُهم، وسقط لواؤهم، وتفرَّقت جموعهم، وأخذت في الانسحاب، ولجأت إلى الفرار، حتى رُئيت نساء المشركين وفيهن هند بنت عتبة "يَشتدِدْنَ في الجبل قد بدتْ خلاخلهن وَأَسْوُقُهُنَّ، رافعات ثيابهن"[5].
وبينما شرع جيشُ المسلمين في تسجيل نَصْر ساحق على جيش الكفار، وقعت غلطة فظيعة من مجموعة الرُّماة، حيث أنساهم ما رأوه من نَصْر وغنيمة عظيمةٍ ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم تَرْك أماكنهم، وغلبت عليهم أثارة من حبِّ الدنيا؛ فقال بعضهم لبعض: "الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟ فقال قائدهم عبدالله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: والله لنأتينَّ الناسَ، فلنُصيبن من الغنيمة".
ونزل الرُّماة وانكشف المسلمون، وانتهز القائدُ العبقري خالد بن الوليد هذه الفرصة، وكرَّ إلى جبل الرماة، فأَجهَز على عبدالله بن جبير ومَن بقي معه من الرماة، ثم انقضَّ على جيش المسلمين مِن خَلْفهم، ودبَّت الفوضى في صفوف المسلمين، ورأى المشركون ذلك، فعادوا من جديد واجتمعوا حول لوائهم، وفقد المسلمون صوابَهم، واستحرَّ القتل بهم، وهربت طائفة منهم إلى المدينة، وأخرى لاذت بالجبل، وانتحى البعض جانبًا فجلس دون قتال لا سيما بعد شيوع خبر كاذب عن مقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ودارت معركة حامية شديدة حول النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اجتمع المشركون مُصرِّين على قَتْله، وحوله عصابة قليلة من أصحابه يُقاتِلون ببطولة وبسالة مُنقطِعة النظير، وطمِع الكفار في القضاء عليه صلى الله عليه وسلم؛ حيث نالوا منه، فكسروا رَبَاعِيَتَه، وشَجُّوا رأسَه، وضربوا على عاتقه بالسيف ضربةً اشتكى منها أكثر من شهر، ثم ضربوا على وَجْنته حتى دخلت حلقتان من المغْفَر في وجنته، ولم يكن معه في بعض تلك اللحظات إلا سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيدالله، وقد قاتلا بشكل عجيب خارق، وتمكَّنا بفضل الله من صدِّ جحافل الشرك، فلم ينالوا مرادَهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
واستجمع جيش المسلمين شيئًا من قوَّتهم، وبدؤوا يدفعون عن نبيهم، ويقاتلون عدوهم، واستمر القتال حتى أُجهد الطرفان.
وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالانسحاب نحو أُحُد، وصعِد أَحَد شعابه وتَبِعه المسلمون، في حين تعب المشركون ويئسوا من تحقيق نصر حاسم؛ لِمَا رأوه من جَلَد وشجاعة وبطولة المسلمين، فلم يُطارِدوهم في شِعاب أُحد، بل امتطوا إبلهم قانعين بما حقَّقوا من انتقام، ولم يتطلَّعوا إلى نَصْر حاسم يَرُد لهم كرامتَهم.
وما أن غادرت قريش المكان، حتى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء، وكانوا سبعين شهيدًا، ولم يؤسر من المؤمنين أحد.
أما قريش، فقتل منهم اثنان وعشرون رجلاً، وأُسِر رجل واحد، وبعد عودة جيش المسلمين إلى المدينة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كانوا معه في المعركة أن يستعدوا للخروج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد، ولم يأذَن لأحد سواهم بالاشتراك في هذه الحملة، وأسرعوا مُلبِّين أمْرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، رُغم إصابة الكثيرين منهم بالجراح، ورغم ما تَملَّكهم من نَصَب شديد، وإنهاك قد بلغ ذُروته.
وسار الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد على بُعْد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك ثلاثة أيام ثم رجعوا إلى المدينة.
أما جيش قريش، فقد أخذه الفزع والرعب، ولم يرَ العافية إلا في مواصلة المسير إلى مكة، خاصة بعد أن لَعِب معبد بن أبي معبد دورًا كبيرًا في هزيمتهم نفسيًّا وبث الرعب في قلوبهم؛ إذ خوَّفهم من ملاحقة المسلمين لهم بجيش لا قَبِل لهم به.
وكانت حمراء الأسد آخر صفحات غزوة أحد التي أخذ فيها كل من الفريقين حظَّه من الانتصار والهزيمة، وإن كان التفوق العسكري والخسائر البشرية تُرجِّح كِفَّة جيش مكة، إلا أنه نصر خاطف خافتٌ، سُرِق في غفلة، ولم يقوَ الكفار على تثبيته أو تأكيده[6].
ورغم الهزيمة المفاجئة لجيش المسلمين في أحد، إلا أنهم قد حقَّقوا جملة من المكاسب، خاصة بعد خروجهم إلى حمراء الأسد لملاحقة فلول قريش الذين جَبُنوا عن مواجهتهم، وآثروا الإسراعَ إلى مكة؛ ليحفظوا شيئًا مما خطفوه من انتصار مُتلجلِج.
وخرج الكفار في جيش من ثلاثة آلاف رجل، معهم مائتا فرس، وفيهم سبعمائة دارع[2].
وبعد مشاورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، استقرَّ الرأي على الخروج لمواجهة العدو القادم، وعدم التحصُّن بالمدينة، وفي الطريق انسَحب ثلاثمائة من المنافقين بقيادة عبدالله بن أُبَيّ ابن سلول.
وتقدَّم الجيش الإسلامي إلى ميدان المعركة، جاعلاً ظهره إلى جبل أحد، ووجهه قبالة المدينة، وجعل خمسين من الرُّماة بقيادة عبدالله بن جبير فوق جبل عينينِ المقابل لأُحد؛ لحماية المسلمين من الالتفاف عليهم، وشدَّد الرسولُ عليهم ألا يَبرَحوا أماكنهم قائلاً: ((إن رأيتمونا تَخْطَفنا الطيرُ، فلا تَبْرحوا مكانَكم هذا، وإن رأيتمونا هَزَمْنا القومَ وأوطأناهم، فلا تبرحوا مكانكم))[3]. وكان عدد أفراد الجيش بعد انسحاب المنافقين حوالي سبعمائة رجل، معهم فرسان فقط ومائة دارع[4].
وفي صباح يوم السبت السابع من شهر شوال سنة 3 هـ بدأت المعركة والتحم الجيشان، وقدَّم جندُ الإسلام بطولات نادرة، وحقَّقوا مكاسبَ كبيرة، وظلَّ المسلمون مُسيطرين على المعركة رُغم وقوع عدد من الشهداء في صفوفهم، على رأسهم أسد الله حمزة رضي الله عنه، وبدأت رياحُ الهزيمة تَعصِف بجيش المشركين، فخارت عزائمهم وتشتَّتتْ صفوفُهم، وسقط لواؤهم، وتفرَّقت جموعهم، وأخذت في الانسحاب، ولجأت إلى الفرار، حتى رُئيت نساء المشركين وفيهن هند بنت عتبة "يَشتدِدْنَ في الجبل قد بدتْ خلاخلهن وَأَسْوُقُهُنَّ، رافعات ثيابهن"[5].
وبينما شرع جيشُ المسلمين في تسجيل نَصْر ساحق على جيش الكفار، وقعت غلطة فظيعة من مجموعة الرُّماة، حيث أنساهم ما رأوه من نَصْر وغنيمة عظيمةٍ ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم تَرْك أماكنهم، وغلبت عليهم أثارة من حبِّ الدنيا؛ فقال بعضهم لبعض: "الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون؟ فقال قائدهم عبدالله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: والله لنأتينَّ الناسَ، فلنُصيبن من الغنيمة".
ونزل الرُّماة وانكشف المسلمون، وانتهز القائدُ العبقري خالد بن الوليد هذه الفرصة، وكرَّ إلى جبل الرماة، فأَجهَز على عبدالله بن جبير ومَن بقي معه من الرماة، ثم انقضَّ على جيش المسلمين مِن خَلْفهم، ودبَّت الفوضى في صفوف المسلمين، ورأى المشركون ذلك، فعادوا من جديد واجتمعوا حول لوائهم، وفقد المسلمون صوابَهم، واستحرَّ القتل بهم، وهربت طائفة منهم إلى المدينة، وأخرى لاذت بالجبل، وانتحى البعض جانبًا فجلس دون قتال لا سيما بعد شيوع خبر كاذب عن مقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ودارت معركة حامية شديدة حول النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اجتمع المشركون مُصرِّين على قَتْله، وحوله عصابة قليلة من أصحابه يُقاتِلون ببطولة وبسالة مُنقطِعة النظير، وطمِع الكفار في القضاء عليه صلى الله عليه وسلم؛ حيث نالوا منه، فكسروا رَبَاعِيَتَه، وشَجُّوا رأسَه، وضربوا على عاتقه بالسيف ضربةً اشتكى منها أكثر من شهر، ثم ضربوا على وَجْنته حتى دخلت حلقتان من المغْفَر في وجنته، ولم يكن معه في بعض تلك اللحظات إلا سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيدالله، وقد قاتلا بشكل عجيب خارق، وتمكَّنا بفضل الله من صدِّ جحافل الشرك، فلم ينالوا مرادَهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
واستجمع جيش المسلمين شيئًا من قوَّتهم، وبدؤوا يدفعون عن نبيهم، ويقاتلون عدوهم، واستمر القتال حتى أُجهد الطرفان.
وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالانسحاب نحو أُحُد، وصعِد أَحَد شعابه وتَبِعه المسلمون، في حين تعب المشركون ويئسوا من تحقيق نصر حاسم؛ لِمَا رأوه من جَلَد وشجاعة وبطولة المسلمين، فلم يُطارِدوهم في شِعاب أُحد، بل امتطوا إبلهم قانعين بما حقَّقوا من انتقام، ولم يتطلَّعوا إلى نَصْر حاسم يَرُد لهم كرامتَهم.
وما أن غادرت قريش المكان، حتى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفن الشهداء، وكانوا سبعين شهيدًا، ولم يؤسر من المؤمنين أحد.
أما قريش، فقتل منهم اثنان وعشرون رجلاً، وأُسِر رجل واحد، وبعد عودة جيش المسلمين إلى المدينة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كانوا معه في المعركة أن يستعدوا للخروج لمطاردة جيش قريش إلى حمراء الأسد، ولم يأذَن لأحد سواهم بالاشتراك في هذه الحملة، وأسرعوا مُلبِّين أمْرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج، رُغم إصابة الكثيرين منهم بالجراح، ورغم ما تَملَّكهم من نَصَب شديد، وإنهاك قد بلغ ذُروته.
وسار الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد على بُعْد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك ثلاثة أيام ثم رجعوا إلى المدينة.
أما جيش قريش، فقد أخذه الفزع والرعب، ولم يرَ العافية إلا في مواصلة المسير إلى مكة، خاصة بعد أن لَعِب معبد بن أبي معبد دورًا كبيرًا في هزيمتهم نفسيًّا وبث الرعب في قلوبهم؛ إذ خوَّفهم من ملاحقة المسلمين لهم بجيش لا قَبِل لهم به.
وكانت حمراء الأسد آخر صفحات غزوة أحد التي أخذ فيها كل من الفريقين حظَّه من الانتصار والهزيمة، وإن كان التفوق العسكري والخسائر البشرية تُرجِّح كِفَّة جيش مكة، إلا أنه نصر خاطف خافتٌ، سُرِق في غفلة، ولم يقوَ الكفار على تثبيته أو تأكيده[6].
ورغم الهزيمة المفاجئة لجيش المسلمين في أحد، إلا أنهم قد حقَّقوا جملة من المكاسب، خاصة بعد خروجهم إلى حمراء الأسد لملاحقة فلول قريش الذين جَبُنوا عن مواجهتهم، وآثروا الإسراعَ إلى مكة؛ ليحفظوا شيئًا مما خطفوه من انتصار مُتلجلِج.