حكاية ناي ♔
01-13-2024, 01:42 PM
إن إيثار الحقِّ والرحمة بالخَلْق من شعار هذه الأمة ودِثارها؛ فربُّها الرحمن الرحيم، ورسولها رؤوف رحيم، ومن مواقف الرحمة في هذه الغزوة:
استقرارُ الرأي بعد انتهاء المعركة على قَبُول الفِدية في الأسرى وإطلاقهم، وكان من بينهم أبو عزة عمرو بن عبيدالله بن عثمان بن أهيب بن حذافة، كان محتاجًا ذا بنات فقال: يا رسول الله، لقد عرفتَ ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامْنُن عليَّ، فمَنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألا يُظاهِر أحدًا، فقال أبو عزة يمدح رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
مَن مُبلغ عني الرسولَ محمدًا
بأنَّك حقٌّ والمليك حميدُ
وأنت امرؤٌ تدعو إلى الحقِّ والهدى
عليك من الله العظيم شهيد
وأنت امرؤ بوِّئت فينا مباءة
لها درجاتٌ سهلةٌ وصُعُود
فإنَّك مَن حاربتَه لَمُحَارَبٌ
شقيٌّ ومَن سالمتَه لسعيد
ولكن إذا ذُكِّرتُ بدرًا وأهلَه
تأوَّب ما بي، حسرة وقعود[1]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان ناسٌ من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فِداء، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يُعلِّموا أولادَ الأنصار الكتابةَ"[2].
فانظر إلى هذا الموقف الجليل، الذي فيه الرحمة بالأسرى، والحكمة في إدارة الأمور، والاهتمام بالعلم وتحصيله، سابقًا بذلك كلَّ الأنظمة العصرية التي أقرَّت الخدمةَ الاجتماعية كعقوبة لبعض المُخالَفات، وإن لم تَرْقَ إلى هذا المستوى الشامخ في معاملة الأسرى.
وهذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة يرى أباه - وكان من قَتْلى الكفار - محمولاً ليلقى في القليب، فيكتئب ويتغيَّر لونه حزنًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا حذيفة، لعلك دخَلك في شأن أبيك شيء؟))، فقال: "لا والله يا رسول الله، ما شككتُ في أبي ولا في مصرعه، ولكن كنتُ أعرف من أبي رأيًا وحِلمًا وفضلاً، فكنتُ أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيتُ ما أصابه، ذكرتُ ما مات عليه من الكُفْر، بعد الذي كنتُ أرجو له، أحزنني ذلك"، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا[3].
فهذه فريدة بَدْرية، تُمثِّل قوةَ التَّجاذُب بين الإيمان في ذروة اليقين، والعاطفة البشريَّة في قمة الوفاء النبوي، فالإيمان في الإسلام لا يُميت المشاعرَ البشريَّة، ولكنَّه يُهذِّبها، فيُحوِّلها من عصبية جاهليَّة إلى وفاء لا يُنكِره المنهجُ في تطبيقه العِلْمي، فأبو حذيفة إذ يرى أباه يُقتَل ثم يُلقى في قليب بدر يأخذه أسفُ العاطفة البشرية والرحمة والوفاء بأبيه، ولكنه يَظلُّ مُزمَّلاً بإيمانه الراسخ رسوخَ الأطواد الشامخات[4].
إنَّ المسلمين يُحِبون الخيرَ لأعدائهم، وإن رفَعوا عليهم السيوفَ، ويبكون أسفًا عليهم إذا ماتوا على الكُفْر؛ لأنَّ قلوبهم قد امتلأت رحمة على خَلْق الله وشفقة بهم أن يُصيبهم عذاب أليم.
استقرارُ الرأي بعد انتهاء المعركة على قَبُول الفِدية في الأسرى وإطلاقهم، وكان من بينهم أبو عزة عمرو بن عبيدالله بن عثمان بن أهيب بن حذافة، كان محتاجًا ذا بنات فقال: يا رسول الله، لقد عرفتَ ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامْنُن عليَّ، فمَنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألا يُظاهِر أحدًا، فقال أبو عزة يمدح رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:
مَن مُبلغ عني الرسولَ محمدًا
بأنَّك حقٌّ والمليك حميدُ
وأنت امرؤٌ تدعو إلى الحقِّ والهدى
عليك من الله العظيم شهيد
وأنت امرؤ بوِّئت فينا مباءة
لها درجاتٌ سهلةٌ وصُعُود
فإنَّك مَن حاربتَه لَمُحَارَبٌ
شقيٌّ ومَن سالمتَه لسعيد
ولكن إذا ذُكِّرتُ بدرًا وأهلَه
تأوَّب ما بي، حسرة وقعود[1]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان ناسٌ من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فِداء، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يُعلِّموا أولادَ الأنصار الكتابةَ"[2].
فانظر إلى هذا الموقف الجليل، الذي فيه الرحمة بالأسرى، والحكمة في إدارة الأمور، والاهتمام بالعلم وتحصيله، سابقًا بذلك كلَّ الأنظمة العصرية التي أقرَّت الخدمةَ الاجتماعية كعقوبة لبعض المُخالَفات، وإن لم تَرْقَ إلى هذا المستوى الشامخ في معاملة الأسرى.
وهذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة يرى أباه - وكان من قَتْلى الكفار - محمولاً ليلقى في القليب، فيكتئب ويتغيَّر لونه حزنًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا حذيفة، لعلك دخَلك في شأن أبيك شيء؟))، فقال: "لا والله يا رسول الله، ما شككتُ في أبي ولا في مصرعه، ولكن كنتُ أعرف من أبي رأيًا وحِلمًا وفضلاً، فكنتُ أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيتُ ما أصابه، ذكرتُ ما مات عليه من الكُفْر، بعد الذي كنتُ أرجو له، أحزنني ذلك"، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا[3].
فهذه فريدة بَدْرية، تُمثِّل قوةَ التَّجاذُب بين الإيمان في ذروة اليقين، والعاطفة البشريَّة في قمة الوفاء النبوي، فالإيمان في الإسلام لا يُميت المشاعرَ البشريَّة، ولكنَّه يُهذِّبها، فيُحوِّلها من عصبية جاهليَّة إلى وفاء لا يُنكِره المنهجُ في تطبيقه العِلْمي، فأبو حذيفة إذ يرى أباه يُقتَل ثم يُلقى في قليب بدر يأخذه أسفُ العاطفة البشرية والرحمة والوفاء بأبيه، ولكنه يَظلُّ مُزمَّلاً بإيمانه الراسخ رسوخَ الأطواد الشامخات[4].
إنَّ المسلمين يُحِبون الخيرَ لأعدائهم، وإن رفَعوا عليهم السيوفَ، ويبكون أسفًا عليهم إذا ماتوا على الكُفْر؛ لأنَّ قلوبهم قد امتلأت رحمة على خَلْق الله وشفقة بهم أن يُصيبهم عذاب أليم.