حكاية ناي ♔
01-17-2024, 11:48 AM
كة بعث النبي صلى الله عليه وسلم سراياه لإخضاع القبائل المحيطة بها، وتدعوهم إلى الإسلام دون أمرهم بالقتال، ومن تلك البعوث سرية دعوية بقيادة خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم رضي الله عنه كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبدأهم بالقتال، فلم يحسنوا الإخبار عن إسلامهم وإيمانهم بالله ورسوله، بأن يعلنوا شهادة الإسلام، بل قالوا كلمة (صبأنا)، وهذه كلمة لها ماض سيئ في الإسلام، حيث كانت تطلق في مقام الذم للمسلمين الأوائل في مكة، فتأول خالد رضي الله عنه كلمتهم، ورأى أنها استهزاء وسخرية وانتقاص للإسلام، فقتل منهم وأسر، ثم أمر بعد ذلك بقتل الأسرى باعتبار انهم كفار مستهزئون بالإسلام، فعارضه بعض الصحابة، ولم ينقادوا لأمره[1].
ثم لمَّا رجعوا إلى المدينة، رفعوا الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت معالجته الحكيمة لهذا الخطأ كالتالي:
1- لم يوافق صلى الله عليه وسلم خالداً فيما فعله من القتل والأسر، بل أنكر عليه العجلة وعدم التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا[2].
2- أعلن تبرؤه من هذه الفعلة أمام الناس، كي يستوعب الجميع الخطأ، ولم تمنعه مكانة خالد من ذلك، بل جاهر بكشف الخطأ، لأن التستر على الأخطاء يشجع على تكرارها وقد يساعد على بقائها ونموها[3].
3- لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم خالداً على هذا الخطأ، إذ أنه اجتهد فأخطأ، ولعل هناك مبررات - تستنتج من الظروف والملابسات المحيطة بالحادث - تُلتمس لهذا الاجتهاد الخاطئ:
• أنه قد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، وأن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة وعدم الانقياد للإسلام[4].
• أنه لم يتعمد مخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم فيقاتل ولم يؤمر بقتال، أو يقتل مسلمين، لكنه أخطأ كما أخطأ أسامة بن زيد رضي الله عنه، حين قتل رجلا بعد اعتصامه بكلمة التوحيد[5].
• أن خالد ليس كغيره من الصحابة الذين امتنعوا عن القتل، والذين سبقوه إلى الإسلام، مثل عبدالرحمن بن عوف وابن عمر وغيرهم، فهؤلاء أقدم إسلاما منه، ففهموا أن القوم أرادوا الإسلام، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا به[6].
• أن في قبول كبار الصحابة أخذ القوم أسرى وجه وجيه في العذر لخالد رضي الله عنه، فمن البعيد أن يكونوا جازمين بإسلام القوم، ثم يقبلونهم أسرى في أيديهم[7].
• أن ظهورهم مدججين بالسلاح أمام المسلمين، كأنهم مستعدون للقتال - كما في بعض روايات السير - يثير شبهة عدم إسلامهم، خاصة وهم قريبون من مكة، وتصلهم أخبار فتح المسلمين لها[8].
4- أن هذا الخطأ لم يحل بين خالد وبين الجهاد في سبيل الله، ولم يُحرم المسلمون من خبرته كقائد عسكري محنك، فاسم خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يشتهر كمحدث أو فقيه، في كتب التفسير أو الحديث أو الفقه، وإنما اشتهر كقائد عسكري فذ، وقد حملت كتب السير والمغازي والفتوح بين طياتها الكثير من أخبار شجاعته وبسالته، وخبراته العسكرية اشتهرت بين أعدائه ودوختهم[9].
وقد عذره النبي في اجتهاده الخاطئ، وأعلن تبرؤه من تأوله، ومع هذا ولاه إمرة بعض السرايا والبعوث كالسرية التي اتجهت إلى أُكَيدِر دُومة[10]، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قبل حجة الوداع[11]، ثم بعثه في السنة العاشرة إلى بني الحرث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل القتال فأسلموا ولم يقاتلوا، وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك[12]، ولم يزل رضي الله عنه مجاهدا في سبيل الله حتى فتح الله على يديه فتوحات عظيمة في بلاد فارس والروم.
هذه مدرسة النبوة أخرجت للأمة الإسلامية الدعاة الأفذاذ الصادقين، الذين مست العقيدة شغاف قلوبهم فأوقدت وهجا منيرا في عقولهم وبصيرة عميقة في نفوسهم[13]، ودفعتهم إلى الرغبة في جزاء الآخرة والتطلع إلى ما عند الله تعالى.
والدعوة الإسلامية اليوم تتطلع إلى مثل هذه النماذج، وتحتاج إلى الطاقة البشرية المتميزة، الطاقة العاملة المتخصصة في البناء والتكوين، وفي التربية والتوجيه، الدعاة المتابعون الدراسة والبحث، والمؤمنون بالجهد والعمل، المهتمين بالمراقبة والتوجيه، والقادرين على وضع الخطط لكل المراحل، الدعاة المتمتعون بالقابلية للتطور والتجدد مع تطور البيئات وتجدد الأحوال[14]، لكنهم يصدرون من منبع صاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الطاقة البشرية الدعوية، لابد أن تتصف بصفات خاصة، وتتحلى بسمات فريدة لتنجح في تحقيق الأهداف التي وضعتها، ولتبلغ الغاية التي تتمناها
ثم لمَّا رجعوا إلى المدينة، رفعوا الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت معالجته الحكيمة لهذا الخطأ كالتالي:
1- لم يوافق صلى الله عليه وسلم خالداً فيما فعله من القتل والأسر، بل أنكر عليه العجلة وعدم التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا[2].
2- أعلن تبرؤه من هذه الفعلة أمام الناس، كي يستوعب الجميع الخطأ، ولم تمنعه مكانة خالد من ذلك، بل جاهر بكشف الخطأ، لأن التستر على الأخطاء يشجع على تكرارها وقد يساعد على بقائها ونموها[3].
3- لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم خالداً على هذا الخطأ، إذ أنه اجتهد فأخطأ، ولعل هناك مبررات - تستنتج من الظروف والملابسات المحيطة بالحادث - تُلتمس لهذا الاجتهاد الخاطئ:
• أنه قد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، وأن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة وعدم الانقياد للإسلام[4].
• أنه لم يتعمد مخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم فيقاتل ولم يؤمر بقتال، أو يقتل مسلمين، لكنه أخطأ كما أخطأ أسامة بن زيد رضي الله عنه، حين قتل رجلا بعد اعتصامه بكلمة التوحيد[5].
• أن خالد ليس كغيره من الصحابة الذين امتنعوا عن القتل، والذين سبقوه إلى الإسلام، مثل عبدالرحمن بن عوف وابن عمر وغيرهم، فهؤلاء أقدم إسلاما منه، ففهموا أن القوم أرادوا الإسلام، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا به[6].
• أن في قبول كبار الصحابة أخذ القوم أسرى وجه وجيه في العذر لخالد رضي الله عنه، فمن البعيد أن يكونوا جازمين بإسلام القوم، ثم يقبلونهم أسرى في أيديهم[7].
• أن ظهورهم مدججين بالسلاح أمام المسلمين، كأنهم مستعدون للقتال - كما في بعض روايات السير - يثير شبهة عدم إسلامهم، خاصة وهم قريبون من مكة، وتصلهم أخبار فتح المسلمين لها[8].
4- أن هذا الخطأ لم يحل بين خالد وبين الجهاد في سبيل الله، ولم يُحرم المسلمون من خبرته كقائد عسكري محنك، فاسم خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يشتهر كمحدث أو فقيه، في كتب التفسير أو الحديث أو الفقه، وإنما اشتهر كقائد عسكري فذ، وقد حملت كتب السير والمغازي والفتوح بين طياتها الكثير من أخبار شجاعته وبسالته، وخبراته العسكرية اشتهرت بين أعدائه ودوختهم[9].
وقد عذره النبي في اجتهاده الخاطئ، وأعلن تبرؤه من تأوله، ومع هذا ولاه إمرة بعض السرايا والبعوث كالسرية التي اتجهت إلى أُكَيدِر دُومة[10]، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قبل حجة الوداع[11]، ثم بعثه في السنة العاشرة إلى بني الحرث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل القتال فأسلموا ولم يقاتلوا، وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك[12]، ولم يزل رضي الله عنه مجاهدا في سبيل الله حتى فتح الله على يديه فتوحات عظيمة في بلاد فارس والروم.
هذه مدرسة النبوة أخرجت للأمة الإسلامية الدعاة الأفذاذ الصادقين، الذين مست العقيدة شغاف قلوبهم فأوقدت وهجا منيرا في عقولهم وبصيرة عميقة في نفوسهم[13]، ودفعتهم إلى الرغبة في جزاء الآخرة والتطلع إلى ما عند الله تعالى.
والدعوة الإسلامية اليوم تتطلع إلى مثل هذه النماذج، وتحتاج إلى الطاقة البشرية المتميزة، الطاقة العاملة المتخصصة في البناء والتكوين، وفي التربية والتوجيه، الدعاة المتابعون الدراسة والبحث، والمؤمنون بالجهد والعمل، المهتمين بالمراقبة والتوجيه، والقادرين على وضع الخطط لكل المراحل، الدعاة المتمتعون بالقابلية للتطور والتجدد مع تطور البيئات وتجدد الأحوال[14]، لكنهم يصدرون من منبع صاف هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الطاقة البشرية الدعوية، لابد أن تتصف بصفات خاصة، وتتحلى بسمات فريدة لتنجح في تحقيق الأهداف التي وضعتها، ولتبلغ الغاية التي تتمناها