حكاية ناي ♔
01-18-2024, 11:48 AM
إن هذا يبين نهاية الظالمين المعتدين، النهاية المؤلمة التي ينتهي إليها كل معتد ظالم على طول التاريخ الإسلامي كله. وأبو جهل عمرو بن هشام ما هو إلا حلقة من حلقات الظلم والطغيان ضد الحق، فمثله كثير.
إن فرعون موسى انتهى بالغرق، وقوم هود، وقوم لوط هلكوا، وكل ظالم متكبر، لا بد أن ينتهي تلك النهاية المؤلمة.
قال تعالى: ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
وانتهى أبو جهل، ورمي بالقليب بعد تلك الكبرياء التي أرادها للباطل على الحق، ولكن التاريخ البشري يشهد أن الحق هو الذي يبقى، وقديماً قيل: "دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة"[1].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضْلَعَ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟" قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟" قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح[2].
وروى البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "من ينظر ما صنع أبو جهل" فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء[3] حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ قال: فأخذ بلحيته، قال: وهل فوق رجل قتلتموه، أو رجل قتل قومه[4].
قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني[5]، وفي رواية أخرى للبخاري: وهل أعمد[6] من رجل قتلتموه[7].
وقال أيضا لابن مسعود: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم، وسأل قائلاً: لمن الدائرة اليوم؟ قال ابن مسعود: لله ولرسوله[8].
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، فقلت: قتلت أبا جهل؟ قال: "آلله الذي لا إله إلا هو؟" قال: قلت: آلله الذي لا إله إلا هو، فرددها ثلاثاً، قال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه" فانطلقنا فإذا به، فقال: "هذا فرعون هذه الأمة"[9].
وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين[10].
وروى ابن أبي الدنيا بسنده إلى الشعبي أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني مررت ببدر، فرأيت رجلاً يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مراراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك أبو جهل بن هشام، يعذب إلى يوم القيامة"[11].
والذي يبرز لأول وهلة عند المقارنة بين فرعون مصر، وفرعون هذه الأمة أبي جهل، أن فرعون مصر أشد كفراً وعتواً من فرعون هذه الأمة أبي جهل، فقد قال فرعون: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ولم يقلها أبو جهل، وقال فرعون: ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً ﴾ [غافر: 36-37]. ولم يقلها أبو جهل.
والأغرب في فرعون الأمة إيمانه بالله كما يدعي، فها هو يستفتح يوم بدر: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة، وهو الذي قال لإيماء بن رحضة الغفاري بعد أن أهداه بعض جزائر الإبل، وعرض عليه أن يمده بالسلاح والرجال، فقال له أبو جهل: "أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة"[12].
فأبو جهل فرعون هذه الأمة ليس جاحداً بالله، وليس ملحداً، وليس مدعياً الألوهية، بل هو يستغيث بالله رب السماوات والأرض له، حين يطلب العون، وهو يعرف بأن الله تعالى رب السماوات والأرض له من القدرة ما لا طاقة للبشر بحربه، ومع ذلك كله لم يجعله هذا الأمر يقرب خطوة واحدة من الإيمان، أو يحسب في عداد المؤمنين، كما يريد اليوم المائعون أن يفعلوا في معسكر الإيمان ضد معسكر الإلحاد، ويستحيون من ذكر الإسلام حتى لا يتهموا بالتعصب، ويضعون تحت لواء الإيمان كل كفرة الأرض، من أهل الكتاب والمجوس والبوذيين، ضد الإلحاد التي تقوده الشيوعية، وبهذا المقياس، وتحت هذا اللواء، يدخل أبو جهل على رأس المؤمنين بالله، وهو بالمفهوم الإسلامي فرعون هذه الأمة، ورأس أئمة الكفر.
ولعل هذه السمة هي سمة طواغيت هذه الأمة وفراعينها، فهم لا يجاهرون بالإلحاد، ولا يجاهرون بالجحود والكفر، لكنهم يصلون المؤمنين والمجاهدين نار العذاب والإيذاء والاستئصال، ويحاولون دفن الوجود الإسلامي في الأرض، ويحاربون تحكيم شريعة الله في الوجود، لكنهم يطلقون معسول الكلام عن الإسلام ومثاليته، وعن إيمانهم به، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به.
إنما يبدو عناد فرعون هذه الأمة إذا قورن بفرعون موسى من خلال المصير النهائي لكليهما، فعندما رأى فرعون موسى أنه لا مفر من الغرق، وفي اللحظة الأخيرة من حياته تراجع عن جحوده وإلحاده، وقال: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]. بينما رأينا أبا جهل وهو في الرمق الأخير يصر على كفره وعناده، ويقول: أأعمد من رجل قتلتموه؟ لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم. وتقع الأقدار العجيبة مع فرعون هذه الأمة أن يكون من الذين أسهموا بقتله غلامان من الأنصار في مقتبل الشباب حديثة أسنانهما، وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - الذي كان يسميه رويعي الغنم، ولم يقتله صناديد المسلمين، حمزة أو علي، أو أبطال الأنصار سعد بن معاذ أو أبو دجانة أو سعد بن عبادة، إنما كتب الله تعالى أجله على يد الغلامين من الأنصار، وعلى يد رويعي الغنم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، الذي كان قصير القامة، نحيل البدن".
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5-6].
﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137] [13].
إن فرعون موسى انتهى بالغرق، وقوم هود، وقوم لوط هلكوا، وكل ظالم متكبر، لا بد أن ينتهي تلك النهاية المؤلمة.
قال تعالى: ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].
وانتهى أبو جهل، ورمي بالقليب بعد تلك الكبرياء التي أرادها للباطل على الحق، ولكن التاريخ البشري يشهد أن الحق هو الذي يبقى، وقديماً قيل: "دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة"[1].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضْلَعَ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟" قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟" قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" وكانا معاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح[2].
وروى البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "من ينظر ما صنع أبو جهل" فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء[3] حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ قال: فأخذ بلحيته، قال: وهل فوق رجل قتلتموه، أو رجل قتل قومه[4].
قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني[5]، وفي رواية أخرى للبخاري: وهل أعمد[6] من رجل قتلتموه[7].
وقال أيضا لابن مسعود: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم، وسأل قائلاً: لمن الدائرة اليوم؟ قال ابن مسعود: لله ولرسوله[8].
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، فقلت: قتلت أبا جهل؟ قال: "آلله الذي لا إله إلا هو؟" قال: قلت: آلله الذي لا إله إلا هو، فرددها ثلاثاً، قال: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرنيه" فانطلقنا فإذا به، فقال: "هذا فرعون هذه الأمة"[9].
وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم بشر برأس أبي جهل ركعتين[10].
وروى ابن أبي الدنيا بسنده إلى الشعبي أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني مررت ببدر، فرأيت رجلاً يخرج من الأرض، فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الأرض، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مراراً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك أبو جهل بن هشام، يعذب إلى يوم القيامة"[11].
والذي يبرز لأول وهلة عند المقارنة بين فرعون مصر، وفرعون هذه الأمة أبي جهل، أن فرعون مصر أشد كفراً وعتواً من فرعون هذه الأمة أبي جهل، فقد قال فرعون: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ولم يقلها أبو جهل، وقال فرعون: ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً ﴾ [غافر: 36-37]. ولم يقلها أبو جهل.
والأغرب في فرعون الأمة إيمانه بالله كما يدعي، فها هو يستفتح يوم بدر: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف، فأحنه الغداة، وهو الذي قال لإيماء بن رحضة الغفاري بعد أن أهداه بعض جزائر الإبل، وعرض عليه أن يمده بالسلاح والرجال، فقال له أبو جهل: "أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لأحد بالله من طاقة"[12].
فأبو جهل فرعون هذه الأمة ليس جاحداً بالله، وليس ملحداً، وليس مدعياً الألوهية، بل هو يستغيث بالله رب السماوات والأرض له، حين يطلب العون، وهو يعرف بأن الله تعالى رب السماوات والأرض له من القدرة ما لا طاقة للبشر بحربه، ومع ذلك كله لم يجعله هذا الأمر يقرب خطوة واحدة من الإيمان، أو يحسب في عداد المؤمنين، كما يريد اليوم المائعون أن يفعلوا في معسكر الإيمان ضد معسكر الإلحاد، ويستحيون من ذكر الإسلام حتى لا يتهموا بالتعصب، ويضعون تحت لواء الإيمان كل كفرة الأرض، من أهل الكتاب والمجوس والبوذيين، ضد الإلحاد التي تقوده الشيوعية، وبهذا المقياس، وتحت هذا اللواء، يدخل أبو جهل على رأس المؤمنين بالله، وهو بالمفهوم الإسلامي فرعون هذه الأمة، ورأس أئمة الكفر.
ولعل هذه السمة هي سمة طواغيت هذه الأمة وفراعينها، فهم لا يجاهرون بالإلحاد، ولا يجاهرون بالجحود والكفر، لكنهم يصلون المؤمنين والمجاهدين نار العذاب والإيذاء والاستئصال، ويحاولون دفن الوجود الإسلامي في الأرض، ويحاربون تحكيم شريعة الله في الوجود، لكنهم يطلقون معسول الكلام عن الإسلام ومثاليته، وعن إيمانهم به، وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به.
إنما يبدو عناد فرعون هذه الأمة إذا قورن بفرعون موسى من خلال المصير النهائي لكليهما، فعندما رأى فرعون موسى أنه لا مفر من الغرق، وفي اللحظة الأخيرة من حياته تراجع عن جحوده وإلحاده، وقال: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]. بينما رأينا أبا جهل وهو في الرمق الأخير يصر على كفره وعناده، ويقول: أأعمد من رجل قتلتموه؟ لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم. وتقع الأقدار العجيبة مع فرعون هذه الأمة أن يكون من الذين أسهموا بقتله غلامان من الأنصار في مقتبل الشباب حديثة أسنانهما، وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - الذي كان يسميه رويعي الغنم، ولم يقتله صناديد المسلمين، حمزة أو علي، أو أبطال الأنصار سعد بن معاذ أو أبو دجانة أو سعد بن عبادة، إنما كتب الله تعالى أجله على يد الغلامين من الأنصار، وعلى يد رويعي الغنم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، الذي كان قصير القامة، نحيل البدن".
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5-6].
﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137] [13].