مشاهدة النسخة كاملة : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى


حكاية ناي ♔
01-18-2024, 12:00 PM
قال تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17].

يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين به وبرسوله، ممن شهد بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين أيها المؤمنون أنتم، ولكن الله قتلهم، وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به، الذين قاتلوا المشركين، إذ كان جل ثناؤه هو مسبب قتلهم، وعن أمره كان قتال المؤمنين إياهم، وكذلك قوله لنبيه - عليه السلام -: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾.

فأضاف الرمي إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرمي به إلى الذين رُموا به من المشركين، والسبب الرمية لرسوله[1].

روى الطبراني من حديث حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ كفاً من الحصباء، فاستقبلنا به، فرمانا بها، وقال: "شاهت الوجوه"، فانهزمنا، فأنزل الله – عز وجل -: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾[2].

روى ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس، والأموي عن عبد الله ابن ثعلبة بن صعير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً"، فقال له جبريل: خذ قبضة من تراب، فارم بها في وجوههم، فما بقي من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "احملوا"، فلم تكن إلا الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر، وأنزل الله – عز وجل -: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17].

قال ابن عقبة وابن عائذ: فكانت تلك الحصباء عظيم شأنها، لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه، وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، وبادر كل رجل منهم منكباً على وجهه، لا يدري أين يتوجه، يعالج التراب، ينزعه من عينيه[3].

وجاء في رواية أن الرمي كان بثلاثة أحجار فقط.

وروى الطبري في تفسيره من حديث قتادة في قوله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾، الآية. ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار، رمى بها وجوه الكفار، فهزموا عند الحجر الثالث[4].

روى الطبري من حديث حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء، كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية، فانهزمنا[5].

قال ابن كثير - رحمه الله - - وهو يرد على من حمل الآية على غير بدر -: "وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم"[6].

وقال في موضع آخر بعدما نقل عن جمع من أهل العلم: إن هذه الآية نزلت في بدر، وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة حنين، كما سيأتي في موضعه[7].اهـ

وقد رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعض المشركين بالتراب، فقتلوا كفاراً ببدر.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمداً لقد قمنا إليه قيام رجل واحد حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي، حتى دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك. فقال: "يا بنية، أدنيني وضوءاً"، فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا. وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا[8] في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه منهم رجل، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال: "شاهت الوجوه"، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافراً[9].

قال ابن كثير: وقد قاتل بنفسه الكريمة عليه الصلاة والسلام قتالاً شديداً ببدنه، وكذلك أبو بكر الصديق، كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا، فحرضا، وحثا على القتال، وقاتلا بالأبدان جمعاً بين المقامين الشريفين.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً[10].

عاشق السهر
01-18-2024, 12:01 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته