حكاية ناي ♔
12-19-2022, 11:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
وأُصيب النبي صلى الله عليه وسلم باليتم من أبويه كليهما، فقد توفي أبوه وهو حمل في بطن أمه، بينما توفيت أمه آمنة بنت وهب وعمره 6 سنوات عليه الصلاة والسلام، وذلك كان في الأبواء بين مكة والمدينة، فذهبت أمه آمنة إلى أخواله بني عبد النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة إلى مكة، وعلى أي شيء مات أبوه وأمه عليه الصلاة والسلام، لقد مات على غير الإسلام، وبعد ذلك كفله جده عبد المطلب وكان جده يقرِّبه ويدنيه ويخاف عليه، ونقل ابن سعد رحمه الله أنه بلغ حب عبد المطلب لمحمد أنه كان يقربه ويدنيه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام وكان يجلسه على فراشه، وكان يبعثه في بعض حاجاته ولم يبعثه بحاجة إلا نجح فيها، وقد تأخر عليه الصلاة والسلام مرة، فحزن عليه حزنًا شديدًا، وقال خوفًا عليه لا أبعثك في حاجة أبدًا، وكان عبد المطلب يؤثره على أبنائه؛ أي أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الجد مهيبًا لا يجلس أحد على فراشه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس، فيحاولون إبعاده فينهاهم الجد ويقف بجانبه، ويقول: إن هذا الابن سيكون له شأن عظيم، وتوفِّي الجد وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين؛ أي كفله جده سنتين وأوصى بعد موته في كفالته لعمه أبي طالب، فكفله عمه أبو طالب ولم يكن لأبي طالب يومئذ ولد وكان فردًا وحيدًا مع امرأته فاطمة بنت أسد بنت عمه، وكانت ممنوعة من الولد، فكفله أبو طالب وأحسن كفالته، وكان أبو طالب محترمًا معظمًا عند قومه، فشغف برسول الله صلى الله عليه وسلم شغفًا شديدًا، وولهت أيضًا بحبه زوجته فاطمة بنت أسد حبًّا شديدًا، وقالت: لأنزلن محمدًا من قلبي منزلة صميم الأحشاء، وكانت تشتغل به في غسله وتنظيفه وتلبيسه وتعطيره، وقد سخر الله تعالى عمه أبا طالب لكفالته قبل النبوة وبعد النبوة.
• أعماله عليه الصلاة والسلام قبل البعثة: لم يكن عليه الصلاة والسلام منعزلًا عن الحياة ولم يكن أيضا عاطلًا، بل شارك المجتمع بأعمال شريفة وعين الله عز وجل ترعاه وتحرسه فمن أعماله التي عملها عليه الصلاة والسلام ما يلي:
• رعى الغنم فحينما قدر الله تعالى اليتم للنبي صلى الله عليه وسلم، جعل له مصدر رزق يستغني به عن الناس، فكان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، فعندما سألوه عن ذلك قال نعم وهل من نبي إلا رعاها، قال العلماء إن الحكمة من ذلك أن يحصل لهم التمرن برعايتها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، وأيضًا لما في مخالطتها من الحلم وتحمل المشقة، وأيضًا يصبرون على جمعها ودفع عدوها عنها، فإن هذا لا شك أنه يعطيهم صبرًا على الأمة بجمعها وعدم تفرقها، ومن مصالح الرعي للغنم ما يلي:
الصبر، والتواضع، والشجاعة، والرحمة، والعطف، والكسب من عرق الجبين، وهذه الصفات وما يماثلها هي في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن أعماله عليه الصلاة والسلام عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الثانية عشرة من عمره خرج مع عمه أبي طالب في أشياخ من قريش إلى الشام، ولعلها أول رحلة للنبي صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة وفي هذه الرحلة وقعت قصة بحيرى الراهب؛ حيث كان أبو طالب ومن معه يسيرون، فأشرفوا وهم في مسيرهم على مكان قريب من الراهب بحيرى، فهبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وجعل يمشي بينهم حتى أمسك بيد محمد عليه الصلاة والسلام وهو غلام، فقال هذا سيد العالمين ورسول رب العالمين، فقال له الأشياخ وما علمك بذلك؟ قال كنتم عندما أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجدًا ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة عند غضروف كتفه إلى آخر قصة الراهب، وقد أشار الراهب على عمه أبي طالب أن يرده ولا يذهب به إلى الشام، حتى لا يقتله اليهود، فرده عمه خوفًا عليه، وهذه القصة قد صححها جملة من أهل العلم.
الأمر الثالث من أعماله عليه الصلاة والسلام: شارك النبي صلى الله عليه وسلم في بنيان الكعبة مع قريش وكان إلى جانب عمه العباس ينقلان الحجارة في بناء الكعبة، والأمر الرابع من أعماله أيضًا عليه الصلاة والسلام: مشاركته في حلف الفضول وكان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار الذي كان بين قريش وهوازن، وسببها أن عروة الرحال بن عتبة بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر، واللطيمة هي مجموعة من الجمال تحمل الطيب والتجارة، فقال البراص بن قيس أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم وعلي الخلق كلهم، فخرج بها عروة وخرج البراص يطلب غفلته حتى قتله إلى آخر ما حصل بينهم من المقاتلة، فعندما رجعت قريش من حرب الفجار، كان بعدها مباشرة حلف الفضول، وسببه أن رجلًا يقال له زبيدي قدم مكة ببضاعة، فاشتراها من العاص بن وائل ومنعه العاص حقه، فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص بن وائل، فاستغاث الزبيدي بعدد من القبائل، فقام الزبير بن المطلب بن عبد المطلب، فقال: ما لهذا مارك فاجتمعت بنو هاشم وبنو زهرة وبعض قبائل العرب في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعامًا وتحالفوا في شهر حرام وهو ذو القعدة، فتحالفوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم، حتى يؤخذ حقه من الظالم ثم مشوا إلى العاص، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه، وفي هذا الحلف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب لي به حمر النعم ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.
وهذا الحلف يعتبر من مفاخر العرب وعرفانهم لحقوق الإنسان.
الدروس المستفادة مما سبق:
الدرس الأول: لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أبوين كافرين، فأبوه في النار وحيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال أين أبي؟ قال: أبي وأبوك في النار، وأما أمه آمنة فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يستغفر لها، فلم يأذن له، وهذا دليل على أنها غير مؤمنة، فالله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فانظر إلى تلك الحال، وتأمل حكمة الله تبارك وتعالى البالغة فيها، واسأل الله تعالى الثبات، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئًا قدره، فقال له كن، فيكون فخرج رسول رب العالمين من أبوين كافرين.
الدرس الثاني: قد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يأذن له في زيارة قبر أمه والاستغفار لها، فأذن له ربه بالزيارة ولم يأذن له في الاستغفار، فكيف بمن عاش أبواه على الإسلام وهو مع ذلك لا يأبه في قضية زيارتهما أو الاستغفار لهما، أو الدعاء لهما، وهذا مأخذ كبير؛ حيث إن البعض هداهم الله سواء كبارًا أو صغارًا، وهو في الصغار أكثر نسيان الدعاء والاستغفار للوالدين، وإن دعوا فمقلون أيضًا، ألم يعلموا أن الأبوين على أشد لهفة في انتظار ما يرد عليهم من أولادهم من دعاء أو استغفار أو صدقة، أو نحو ذلك، وقد ذكر أهل العلم أن الأجور المهداة للأموات تصل من الصدقة والدعاء، وأيضًا منه الاستغفار، وأيضًا الحج والعمرة وقضاء الديون، ونحو ذلك بأنها تصل إلى الأموات، فينتفعون بها، لكن علينا جميعًا أن نكون أوفياء لوالدينا في حياتهم وبعد مماتهم في تقديم ما ينفعهم؛ لأنهم هم الأصل في وجودنا بعد الله تبارك وتعالى.
الدرس الثالث: تأمل كيف يتولى الله تبارك وتعالى أولياءه، فقد كان عبد المطلب وأبو طالب على الكفر، وقد شغف بالنبي صلى الله عليه وسلم حبًّا وحفظًا له من الأعادي، ودفاعًا عنه أيضًا، وهذا كله برعاية الله عز وجل، فلو كان المدافع هو مسلم لما كان عجيبًا، لكن أن يكون المدافع كافرًا يدافع عن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، فهذا يعطيك درسًا عظيمًا أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأنه إذا أراد الله عز وجل شيئًا هيَّأ أسبابه، فلا تجزع ولا تيأس في أحوالك ما دمت متعلقًا بالله الكريم القادر.
الدرس الرابع: من قصة الراهب بحيرى نعلم أن بعض أهل الكتاب يعلمون صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا يؤمنون به، أما الراهب بحيرى فقد عرف صدقه وعلامته، وهذا دليل على أنهم يعرفون، لكن بعضهم يقوم مقام الإنكار؛ لأن ثبوت المعجزات حصل قبل النبوة؛ حيث قال لهم بحيرى بسجود الشجر والحجر عندما أقبلوا عليهم ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمره أربعة عشر عامًا، وقال: بحيرى بأنه لا تسجد إلا لنبي.
الدرس الخامس: إن حلف الفضول الذي وجد في دار عبد الله ابن جدعان هو مبدأ عظيم في نبي الظلم، وإحلال العدل، وهذا مسلك إسلامي كبير، وإن كانت مكة آنذاك معروفة بالشرك والظلم والسرقة وغيرها، إلا أنها فيها بقايا من الصفات الطيبة، فجعلوا حلف الفضول لرفع الظلم عن المظلوم، وهذا مبدأ كبير لك أخي المستمع الكريم، فإذا جلست في مجلس فتحدث أحدهم بفلان، فدافع عنه أو مظلمة على فلان، فحاول ردها إليه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)، فإذا دافعت عن عرض إخوانك سلمت من جهة، وكتب الله أجرك من جهة ثانية، ويسَّر الله تعالى من يدافع عنك من جهة ثالثة، فالجزاء من جنس العمل، أما السكوت فهو لا شك أنه داء عضال.
الدرس السادس: تأمل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث نشأ يتيمًا فقيرًا حصل له من المآسي ما الله به عليم، ومع ذلك بلغت دعوته ما بلغ الليل والنهار، فالمقياس ليس بشريًّا حتى تنطلق المقاييس وتتسابق في هذا المضمار، وإنما هي ليست مقاييس بشرية وإنما هي توفيق من الله تبارك وتعالى لعباده، فاحرص على أن يكون في جميع دعوتك إلى الله تبارك وتعالى أمران مهمان الأمر الأول هو الإخلاص لله تبارك وتعالى، والأمر الثاني هو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وجد هذان الشرطان وهما الإخلاص والمتابعة، فأبشر بنجاح عملك سواء على كان على مستوى الفرد، أو كان على مستوى الجماعة، وأبشر بالفلاح في الدنيا والآخرة.
الدرس السابع: تأمل كيف جعل الله تعالى الأنبياء جميعًا قاموا بمهمة رعي الغنم، وفي ذلك درس عظيم في أن المسلم إذا أراد شيئًا دعويًّا أو تربويًّا أو اجتماعيًّا، أو غير ذلك أن يحاول مزاولة ما يكون تمهيدًا لما يريد تحقيقه من هذه الأمور المستقبلية، فينظر ما الذي يناسب عمله هذا من أعمال الحياة ويزاوله مطبقًا فيه بعض مؤشرات العمل الأصلي المستقبلي، فإن هذا أقرب للنجاح في الأعمال، فرعي الغنم للأنبياء فيه الصبر والشجاعة والتواضع والرحمة واللين والكسب من عرق الجبين، وهذا لا شك أنه كله وأمثاله يحتاجه من يدعو الناس إلى الخير.
الدرس الثامن: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة منعزلًا عن الناس، بل كان اجتماعيًّا يعمل مع أهله وذويه، ويشارك في بناء الكعبة، وكان ينظر في أعمال الناس فما استحسنه منها أخذه عليه الصلاة والسلام، وهكذا الأشخاص الذين يهدفون إلى تحقيق أهداف سامية في الحياة عليهم ألا يعتزلوا، وعليهم أن يحسروا أيضًا عن ساعد الجد، وأن يعملوا ما يكونوا تهيئة لإنجاح أهدافهم، سواء كانت تجارية أو دعوية أو تعليمية أو تربوية، أو غير ذلك، فالعمل يتبع بعضه بعضًا ويكون سببًا في نجاح العامل.
الدرس التاسع: التكافل والتربية مطلبان مهمان في المجتمع حتى يكونا ناجحًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت أمه وتوفي أبوه قبل ذلك، قام جده ثم عمه بكفالته وتربيته، وفي هذا يجب أن يكون لدينا التسابق على فعل الخير كالكفالة لمن يحتاجونها وتربية من يوصف باليتم أو شبه اليتم أن نتولى تربيته وتعليمه، وهذا ما يوجد لدينا بحمد الله في الجمعيات لكفالة اليتيم ففيها من الخير والمغنم في الدنيا والآخرة الشيء الكثير.
الدرس العاشر: علينا بتربية أبنائنا على بناء مستقبلهم البناء الإيجابي إن ذلك يغرس في نفوسهم حب الإيجابية والتخطيط الإيجابي للمستقبل وبناء الخطوات لتحقيق أهدافهم النبيلة، وذلك بخلاف من يريد شيئًا إيجابيًّا لمستقبله، لكنه لم يعمل على تمهيده، فإن هذا في الغالب قد لا ينجح، ويعجبني أحدهم وقد تعامل مع ابنه في المرحلة المتوسطة تعاملًا جيدًا وظريفًا وإجراء لطيفًا، وهو أنه تحدث معه كثيرًا عن تخصُّصه ومستقبله، فلما اتَّفقا على نتيجة ذلك النقاش، وضع ذلك الأب بطاقة فيها بيانات ذلك الابن ومستقبله الوظيفي، فسلمه له على محفل أسرى صغير، فكان لهذا الإجراء اللطيف الأثر على ذلك الطالب.
اللهم إنا نسألك النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، واسلك بنا يا ربنا سبيل الراسخين الناجحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وأُصيب النبي صلى الله عليه وسلم باليتم من أبويه كليهما، فقد توفي أبوه وهو حمل في بطن أمه، بينما توفيت أمه آمنة بنت وهب وعمره 6 سنوات عليه الصلاة والسلام، وذلك كان في الأبواء بين مكة والمدينة، فذهبت أمه آمنة إلى أخواله بني عبد النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة إلى مكة، وعلى أي شيء مات أبوه وأمه عليه الصلاة والسلام، لقد مات على غير الإسلام، وبعد ذلك كفله جده عبد المطلب وكان جده يقرِّبه ويدنيه ويخاف عليه، ونقل ابن سعد رحمه الله أنه بلغ حب عبد المطلب لمحمد أنه كان يقربه ويدنيه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام وكان يجلسه على فراشه، وكان يبعثه في بعض حاجاته ولم يبعثه بحاجة إلا نجح فيها، وقد تأخر عليه الصلاة والسلام مرة، فحزن عليه حزنًا شديدًا، وقال خوفًا عليه لا أبعثك في حاجة أبدًا، وكان عبد المطلب يؤثره على أبنائه؛ أي أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الجد مهيبًا لا يجلس أحد على فراشه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس، فيحاولون إبعاده فينهاهم الجد ويقف بجانبه، ويقول: إن هذا الابن سيكون له شأن عظيم، وتوفِّي الجد وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين؛ أي كفله جده سنتين وأوصى بعد موته في كفالته لعمه أبي طالب، فكفله عمه أبو طالب ولم يكن لأبي طالب يومئذ ولد وكان فردًا وحيدًا مع امرأته فاطمة بنت أسد بنت عمه، وكانت ممنوعة من الولد، فكفله أبو طالب وأحسن كفالته، وكان أبو طالب محترمًا معظمًا عند قومه، فشغف برسول الله صلى الله عليه وسلم شغفًا شديدًا، وولهت أيضًا بحبه زوجته فاطمة بنت أسد حبًّا شديدًا، وقالت: لأنزلن محمدًا من قلبي منزلة صميم الأحشاء، وكانت تشتغل به في غسله وتنظيفه وتلبيسه وتعطيره، وقد سخر الله تعالى عمه أبا طالب لكفالته قبل النبوة وبعد النبوة.
• أعماله عليه الصلاة والسلام قبل البعثة: لم يكن عليه الصلاة والسلام منعزلًا عن الحياة ولم يكن أيضا عاطلًا، بل شارك المجتمع بأعمال شريفة وعين الله عز وجل ترعاه وتحرسه فمن أعماله التي عملها عليه الصلاة والسلام ما يلي:
• رعى الغنم فحينما قدر الله تعالى اليتم للنبي صلى الله عليه وسلم، جعل له مصدر رزق يستغني به عن الناس، فكان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، فعندما سألوه عن ذلك قال نعم وهل من نبي إلا رعاها، قال العلماء إن الحكمة من ذلك أن يحصل لهم التمرن برعايتها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، وأيضًا لما في مخالطتها من الحلم وتحمل المشقة، وأيضًا يصبرون على جمعها ودفع عدوها عنها، فإن هذا لا شك أنه يعطيهم صبرًا على الأمة بجمعها وعدم تفرقها، ومن مصالح الرعي للغنم ما يلي:
الصبر، والتواضع، والشجاعة، والرحمة، والعطف، والكسب من عرق الجبين، وهذه الصفات وما يماثلها هي في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن أعماله عليه الصلاة والسلام عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الثانية عشرة من عمره خرج مع عمه أبي طالب في أشياخ من قريش إلى الشام، ولعلها أول رحلة للنبي صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة وفي هذه الرحلة وقعت قصة بحيرى الراهب؛ حيث كان أبو طالب ومن معه يسيرون، فأشرفوا وهم في مسيرهم على مكان قريب من الراهب بحيرى، فهبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وجعل يمشي بينهم حتى أمسك بيد محمد عليه الصلاة والسلام وهو غلام، فقال هذا سيد العالمين ورسول رب العالمين، فقال له الأشياخ وما علمك بذلك؟ قال كنتم عندما أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجدًا ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة عند غضروف كتفه إلى آخر قصة الراهب، وقد أشار الراهب على عمه أبي طالب أن يرده ولا يذهب به إلى الشام، حتى لا يقتله اليهود، فرده عمه خوفًا عليه، وهذه القصة قد صححها جملة من أهل العلم.
الأمر الثالث من أعماله عليه الصلاة والسلام: شارك النبي صلى الله عليه وسلم في بنيان الكعبة مع قريش وكان إلى جانب عمه العباس ينقلان الحجارة في بناء الكعبة، والأمر الرابع من أعماله أيضًا عليه الصلاة والسلام: مشاركته في حلف الفضول وكان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار الذي كان بين قريش وهوازن، وسببها أن عروة الرحال بن عتبة بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر، واللطيمة هي مجموعة من الجمال تحمل الطيب والتجارة، فقال البراص بن قيس أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم وعلي الخلق كلهم، فخرج بها عروة وخرج البراص يطلب غفلته حتى قتله إلى آخر ما حصل بينهم من المقاتلة، فعندما رجعت قريش من حرب الفجار، كان بعدها مباشرة حلف الفضول، وسببه أن رجلًا يقال له زبيدي قدم مكة ببضاعة، فاشتراها من العاص بن وائل ومنعه العاص حقه، فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص بن وائل، فاستغاث الزبيدي بعدد من القبائل، فقام الزبير بن المطلب بن عبد المطلب، فقال: ما لهذا مارك فاجتمعت بنو هاشم وبنو زهرة وبعض قبائل العرب في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعامًا وتحالفوا في شهر حرام وهو ذو القعدة، فتحالفوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم، حتى يؤخذ حقه من الظالم ثم مشوا إلى العاص، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه، وفي هذا الحلف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب لي به حمر النعم ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.
وهذا الحلف يعتبر من مفاخر العرب وعرفانهم لحقوق الإنسان.
الدروس المستفادة مما سبق:
الدرس الأول: لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أبوين كافرين، فأبوه في النار وحيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال أين أبي؟ قال: أبي وأبوك في النار، وأما أمه آمنة فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يستغفر لها، فلم يأذن له، وهذا دليل على أنها غير مؤمنة، فالله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، فانظر إلى تلك الحال، وتأمل حكمة الله تبارك وتعالى البالغة فيها، واسأل الله تعالى الثبات، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئًا قدره، فقال له كن، فيكون فخرج رسول رب العالمين من أبوين كافرين.
الدرس الثاني: قد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من ربه أن يأذن له في زيارة قبر أمه والاستغفار لها، فأذن له ربه بالزيارة ولم يأذن له في الاستغفار، فكيف بمن عاش أبواه على الإسلام وهو مع ذلك لا يأبه في قضية زيارتهما أو الاستغفار لهما، أو الدعاء لهما، وهذا مأخذ كبير؛ حيث إن البعض هداهم الله سواء كبارًا أو صغارًا، وهو في الصغار أكثر نسيان الدعاء والاستغفار للوالدين، وإن دعوا فمقلون أيضًا، ألم يعلموا أن الأبوين على أشد لهفة في انتظار ما يرد عليهم من أولادهم من دعاء أو استغفار أو صدقة، أو نحو ذلك، وقد ذكر أهل العلم أن الأجور المهداة للأموات تصل من الصدقة والدعاء، وأيضًا منه الاستغفار، وأيضًا الحج والعمرة وقضاء الديون، ونحو ذلك بأنها تصل إلى الأموات، فينتفعون بها، لكن علينا جميعًا أن نكون أوفياء لوالدينا في حياتهم وبعد مماتهم في تقديم ما ينفعهم؛ لأنهم هم الأصل في وجودنا بعد الله تبارك وتعالى.
الدرس الثالث: تأمل كيف يتولى الله تبارك وتعالى أولياءه، فقد كان عبد المطلب وأبو طالب على الكفر، وقد شغف بالنبي صلى الله عليه وسلم حبًّا وحفظًا له من الأعادي، ودفاعًا عنه أيضًا، وهذا كله برعاية الله عز وجل، فلو كان المدافع هو مسلم لما كان عجيبًا، لكن أن يكون المدافع كافرًا يدافع عن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، فهذا يعطيك درسًا عظيمًا أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأنه إذا أراد الله عز وجل شيئًا هيَّأ أسبابه، فلا تجزع ولا تيأس في أحوالك ما دمت متعلقًا بالله الكريم القادر.
الدرس الرابع: من قصة الراهب بحيرى نعلم أن بعض أهل الكتاب يعلمون صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا يؤمنون به، أما الراهب بحيرى فقد عرف صدقه وعلامته، وهذا دليل على أنهم يعرفون، لكن بعضهم يقوم مقام الإنكار؛ لأن ثبوت المعجزات حصل قبل النبوة؛ حيث قال لهم بحيرى بسجود الشجر والحجر عندما أقبلوا عليهم ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمره أربعة عشر عامًا، وقال: بحيرى بأنه لا تسجد إلا لنبي.
الدرس الخامس: إن حلف الفضول الذي وجد في دار عبد الله ابن جدعان هو مبدأ عظيم في نبي الظلم، وإحلال العدل، وهذا مسلك إسلامي كبير، وإن كانت مكة آنذاك معروفة بالشرك والظلم والسرقة وغيرها، إلا أنها فيها بقايا من الصفات الطيبة، فجعلوا حلف الفضول لرفع الظلم عن المظلوم، وهذا مبدأ كبير لك أخي المستمع الكريم، فإذا جلست في مجلس فتحدث أحدهم بفلان، فدافع عنه أو مظلمة على فلان، فحاول ردها إليه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)، فإذا دافعت عن عرض إخوانك سلمت من جهة، وكتب الله أجرك من جهة ثانية، ويسَّر الله تعالى من يدافع عنك من جهة ثالثة، فالجزاء من جنس العمل، أما السكوت فهو لا شك أنه داء عضال.
الدرس السادس: تأمل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث نشأ يتيمًا فقيرًا حصل له من المآسي ما الله به عليم، ومع ذلك بلغت دعوته ما بلغ الليل والنهار، فالمقياس ليس بشريًّا حتى تنطلق المقاييس وتتسابق في هذا المضمار، وإنما هي ليست مقاييس بشرية وإنما هي توفيق من الله تبارك وتعالى لعباده، فاحرص على أن يكون في جميع دعوتك إلى الله تبارك وتعالى أمران مهمان الأمر الأول هو الإخلاص لله تبارك وتعالى، والأمر الثاني هو المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وجد هذان الشرطان وهما الإخلاص والمتابعة، فأبشر بنجاح عملك سواء على كان على مستوى الفرد، أو كان على مستوى الجماعة، وأبشر بالفلاح في الدنيا والآخرة.
الدرس السابع: تأمل كيف جعل الله تعالى الأنبياء جميعًا قاموا بمهمة رعي الغنم، وفي ذلك درس عظيم في أن المسلم إذا أراد شيئًا دعويًّا أو تربويًّا أو اجتماعيًّا، أو غير ذلك أن يحاول مزاولة ما يكون تمهيدًا لما يريد تحقيقه من هذه الأمور المستقبلية، فينظر ما الذي يناسب عمله هذا من أعمال الحياة ويزاوله مطبقًا فيه بعض مؤشرات العمل الأصلي المستقبلي، فإن هذا أقرب للنجاح في الأعمال، فرعي الغنم للأنبياء فيه الصبر والشجاعة والتواضع والرحمة واللين والكسب من عرق الجبين، وهذا لا شك أنه كله وأمثاله يحتاجه من يدعو الناس إلى الخير.
الدرس الثامن: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة منعزلًا عن الناس، بل كان اجتماعيًّا يعمل مع أهله وذويه، ويشارك في بناء الكعبة، وكان ينظر في أعمال الناس فما استحسنه منها أخذه عليه الصلاة والسلام، وهكذا الأشخاص الذين يهدفون إلى تحقيق أهداف سامية في الحياة عليهم ألا يعتزلوا، وعليهم أن يحسروا أيضًا عن ساعد الجد، وأن يعملوا ما يكونوا تهيئة لإنجاح أهدافهم، سواء كانت تجارية أو دعوية أو تعليمية أو تربوية، أو غير ذلك، فالعمل يتبع بعضه بعضًا ويكون سببًا في نجاح العامل.
الدرس التاسع: التكافل والتربية مطلبان مهمان في المجتمع حتى يكونا ناجحًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت أمه وتوفي أبوه قبل ذلك، قام جده ثم عمه بكفالته وتربيته، وفي هذا يجب أن يكون لدينا التسابق على فعل الخير كالكفالة لمن يحتاجونها وتربية من يوصف باليتم أو شبه اليتم أن نتولى تربيته وتعليمه، وهذا ما يوجد لدينا بحمد الله في الجمعيات لكفالة اليتيم ففيها من الخير والمغنم في الدنيا والآخرة الشيء الكثير.
الدرس العاشر: علينا بتربية أبنائنا على بناء مستقبلهم البناء الإيجابي إن ذلك يغرس في نفوسهم حب الإيجابية والتخطيط الإيجابي للمستقبل وبناء الخطوات لتحقيق أهدافهم النبيلة، وذلك بخلاف من يريد شيئًا إيجابيًّا لمستقبله، لكنه لم يعمل على تمهيده، فإن هذا في الغالب قد لا ينجح، ويعجبني أحدهم وقد تعامل مع ابنه في المرحلة المتوسطة تعاملًا جيدًا وظريفًا وإجراء لطيفًا، وهو أنه تحدث معه كثيرًا عن تخصُّصه ومستقبله، فلما اتَّفقا على نتيجة ذلك النقاش، وضع ذلك الأب بطاقة فيها بيانات ذلك الابن ومستقبله الوظيفي، فسلمه له على محفل أسرى صغير، فكان لهذا الإجراء اللطيف الأثر على ذلك الطالب.
اللهم إنا نسألك النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، واسلك بنا يا ربنا سبيل الراسخين الناجحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.