مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (3)


حكاية ناي ♔
12-19-2022, 11:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خير البرية أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
وكان من أعماله عليه الصلاة والسلام التي شارك فيها المجتمع أنه تاجَرَ بمال خديجة رضي الله عنها، وكانت خديجة رضي الله عنها أرملة وذات شرف ومال كثير، فلما بلغها صدق محمد عليه الصلاة والسلام وأمانته عرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرًا به، فرضي بذلك وخرج معه غلامها ميسرة، فقدم الشام فباع النبي صلى الله عليه وسلم واشترى بهذا المال حتى كثر وتبارك، فلما رجع إلى مكة تضاعف مال خديجة وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى من محمد عليه الصلاة والسلام من أخلاق عجيبة في الصدق والتعامل والأمانة وغيرها، ورأت خديجة بركة لم تجدها من قبل، فحدثت صديقتها نفيسة بنت منبه أن تحدِّث محمدًا عليه الصلاة والسلام عن زواجه بها، فعرض ذلك عليه الصلاة والسلام على أعمامه، فوافقوا فخطبوها له، فأصدقها 20 بَكْرةً، وكان عمره آنذاك 25 سنة، وكان عمرها 40 سنة، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها. قال ابن إسحاق: وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل ولده إلا إبراهيم، فقد ولدت له القاسم وعبد الله وهو الطيب الطاهر، وأيضًا ولدت زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكانت خديجة نعم الزوج للنبي عليه الصلاة والسلام؛ واسَتْهُ بنفسها، وثبتت معه في الشدائد، وأعطته من مالها، ثم مضت السنين، وبعد ذلك حصل إرهاصات للبعثة ومقدمات للنبوة، وكان من هذه المقدمات ما يلي:
1- دعوات الأنبياء كدعاء إبراهيم حيث يقول الله تبارك وتعالى عن ذلك: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾ [البقرة: 129] الآية، وأيضًا في بشارة عيسى يقول الله تعالى عن ذلك: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6] ونحو ذلك مما قاله الأنبياء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو دعوة أبيه إبراهيم، وبُشْرى أخيه عيسى عليهم الصلاة والسلام.

2- وأيضًا من المقدمات للنبوة إخبار أهل الكتاب وعلماؤهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة: 146] ومن إخبار اليهود ببعثته عليه الصلاة والسلام ما رواه أحمد وابن إسحاق وصححه ابن حجر وغيرهم أن يهوديًّا من بني عبد الأشهل خرج عليهم قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام بيسير فذكر البعث والقيامة والحساب والجنة والنار، فاستغرب ذلك أهل المدينة وهم يهود وأهل شرك حينها، فسألوه: وما علامة صحة ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار إلى مكة، قالوا: ومتى تراه؟ قال سلمة فنظر إليَّ وأنا أحدثهم سنًّا، فقال: إن استنفد هذا الغلام عمره يدركهُ، قال سلمة:فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بُعِثَ محمد صلى الله عليه وسلم واليهودي حيٌّ بين أظهرنا، فآمنا به وكفر هو به بغيًا وحسدًا، فهذا من المقدمات من أخبار اليهود عن مبعثه عليه الصلاة والسلام.

3- تسليم الشجر والحجر على النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن))؛ رواه مسلم، وزاد ابن إسحاق: فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال ذلك الشجر والحجر: السلام عليك يا رسول الله، فيلتفت النبي صلى الله عليه وسلم حوله يمينًا وشمالًا وخلفه، فلا يرى إلا الشجرة والحجر، فمكث كذلك ما شاء الله حتى جاءه جبريل بالوحي.

4- من المقدمات للنبوة الرؤيا الصادقة، فقد ثبت في البخاري ومسلم أنه أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

5- من مقدمات النبوة العزلة والتحنُّث والعبادة: فأجواء مكة قبل البعثة كانت أجواء شرك وجاهلية؛ ولكن الله عصم نبيَّه صلى الله عليه وسلم من أوضار الجاهلية، فحبَّبَ إليه الخلوة للتعبد، فخلا بغار حراء الليالي ذوات العدد، فقيل: كانت المدة شهرًا كما في مسلم، وقيل: إن هذا الشهر هو شهر رمضان، وكان يرجع إلى خديجة فيتزوَّد ثم يرجع، فإذا رجع إلى بيته بدأ بالطواف ثم ذهب إلى بيته ليتزود، وكان أكثر تعبده عليه الصلاة والسلام هو التفكُّر في خلق الله، واختلف العلماء: هل تعبُّده هذا كان على شريعة نبي أم لا؟ هو موضع خلاف بينهم؛ فقال بعضهم: على شريعة إبراهيم، وقال آخرون: على شريعة عيسى، وهو موضع خلاف بين أهل العلم.

6- من المقدمات للنبوة حادثة شق الصدر، فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن صدره فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى حليمة بأن محمدًا قد قُتِل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، ثم بعد ذلك اطمأنت حليمة إلى أن هذا هو أمر الله عز وجل، ثم بعد تلك الإرهاصات والمقدمات جاءت النبوة ونزل الوحي، فالنبوة تكريم واختيار واصطفاء، يقول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، فاصطفى الله عز وجل ذلك القلب الطاهر لمحمد عليه الصلاة والسلام ليتحمَّل الرسالة والنبوة رحمة للعالمين، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يتطلع إليها؛ بل هو النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأربعين، وكان يتعبَّد في الغار، ففي يوم الاثنين من شهر رمضان جاءه جبريل بغتة في الغار أول مرة وهو يتعبَّد في ذلك الغار، فقال: ((اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني- أي: تركني- قال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني- أي: تركني- فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾)) [العلق: 1] الآيات الخمس من سورة العلق، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة فقال: ((زملوني زملوني)) حتى ذهب عنه الروع، فذكر ذلك لخديجة، فقال: ((لقد خشيت على نفسي)) فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل- أي تنفق على الضعفاء- وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها وكان قد تنصر في الجاهلية، وهو رجل كبير كفيف، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس- يعني به جبريل الذي نزل على موسى- يا ليتني كنت فيها جذعًا وحيًّا إذ يخرجك قومك، قال: ((أومخرجي هم؟))، قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا؛ لكن ورقة توفي قبل ذلك.

ومن حكمة تلك الشدة في الوحي لكي يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب بقوة ولا يتهاون فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ورقة: ((لا تسبوا ورقة؛ فإني رأيت له جنة أو جنتين))؛ رواه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.

وقال بعضهم: إنه مات على النصرانية، ولا منافاة بينهما، فالدين المأمور به زمن حياته هو النصرانية، وقد فتر الوحي بعد ذلك مدة يقدرها بعضهم بـ 40 يومًا، وقالوا: إن حكمة ذلك ليزول عنه عليه الصلاة والسلام ما يجد من الروع والجهد والتعب، ثم بعد تلك الفترة نزلت صدر المدثر ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1] الآيات، وقال ابن تيمية رحمه الله: أول ما نزل اقرأ وصار بها نبيًّا، ثم صدر المدثر فصار بها رسولًا منذرًا، وقد جاءت أنواع الوحي على ستة أنواع كما ذكرها ابن القيم رحمه الله:
النوع الأول: الرؤيا الصالحة وكانت في مبدأ وحيه.

النوع الثاني: الإلهام، وهو أن ينفث الملك في روعه- أي: في قلبه- من غير أن يراه، كما ورد قوله: ((إن روح القدس نفث في روعي))؛ أي: جبريل نفخ في قلبي، وقال: ((لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)).

النوع الثالث من الوحي: أنه يأتيه مثل صلصلة الجرس، وهو يكون صوت شديد وهو أشده عليه، عليه الصلاة والسلام.

النوع الرابع: ما يوحيه الله تعالى له بلا واسطة، كما ثبت في حديث الإسراء.

النوع الخامس: أن يرى الملك على صورته التي خلقه الله عليها.

النوع السادس من الوحي: أن يأتيه الملك على صورة رجل، وقد يراه الصحابة كما في حديث جبريل المشهور.

الدروس المستفادة مما سبق:
الدرس الأول: أهمية العمل، وأنه مصدر من مصادر الرزق، وأيضًا نبذ الخمول والكسل؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر وعمل بمال خديجة، وهذا العمل حثَّ عليه الإسلامُ حتى ولو كان قليلًا، فإنه سيتكاثر ويتبارك، فعلى شبابنا التوجُّه لذلك، ونبذ الخمول والكسل فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، والمجالات متاحة، والأبواب مفتوحة، فعلى الشاب بذل السبب.

الدرس الثاني: إذا رأيت رجلًا أمينًا صادقًا ذا خلق حسن، فحاول المشاركة معه، في أعماله، واطرح عليه ذلك، فأخلاقه من مفاتيح الإيجابية؛ حيث طرحت خديجة رضي الله عنها تجارتها على النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها؛ لما رأت من أخلاقه وصدقه وأمانته عليه الصلاة والسلام.

الدرس الثالث: مشروعية التوافق بين الناس على المتاجرة بالمال على جزء منه، كما حصل أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم بمال خديجة على جزء منه، فعلى شبابنا أن يبحث عن التجار ويذهب إليهم ويعرض عليهم قدراتهم وسيرهم الذاتية، والله يقضي ما يشاء، وهذا من بذل السبب المشروع.
الدرس الرابع: الآباء والأولياء إذا رأوا رجلًا ذا خلق وأمانة ودين وعقل أن يتقدموا إليه بصورة أو بأخرى عن طريق الآخرين ليزوِّجوه مولياتهم وبناتهم، وهذا ما حصل مع خديجة؛ حيث أرسلت إلى من يهمه الأمر في ذلك، وخطبت الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتزوَّجها، وفي الوقت نفسه استشار النبي صلى الله عليه وسلم أعمامَه في ذلك، فوافقوه، وهذا كله من أسباب التوفيق، وذلك بخلاف من يجعل من بناته ومولياته حبيسة البيت حتى يأتي من يريد الزواج، فالمبادرات الإيجابية مطلبٌ كبيرٌ، وقد حصل هذا لكثير من الأولياء
فوفقهم الله في زواجاتهم.

الدرس الخامس: إن الصدق والأمانة في الأعمال التجارية سببٌ كبيرٌ في نجاح تلك التجارة ووجود البركة والنمو فيها، وذلك مأخوذ من صدقه وأمانته عليه الصلاة والسلام عندما اشتغل بمال خديجة بصدق وأمانة أيضًا عندما نقل ذلك ميسرة خادم خديجة نقل تلك الأخلاق لخديجة، فأعجبت خديجة رضي الله عنها به عليه الصلاة والسلام، ونما مالها، وذلك بخلاف الغش والخداع والظلم في التجارة، فإنه محق لها وزوال البركة فيها، وإن كان المال في الظاهر يزداد فهو مجرد سراب.

الدرس السادس: أهمية الاستشارة في الزواج ومداولة الرأي في هذا قبل الإقدام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضت عليه خديجة وهي من هي رضي الله عنها استشار أعمامَه وداول معهم الرأي حتى أشاروا عليه بذلك.

الدرس السابع: من المفترض أن تكون الزوجة عونًا لزوجها، وكذلك الزوج لزوجته، فكل منهما مكمل للآخر في ماله وقدراته وخدماته حتى في أجوائه الاجتماعية والشرعية ونحو ذلك، وهذا ما حصل تمامًا بين خديجة رضي الله عنها والنبي عليه الصلاة والسلام، فقد واسَتْهُ بمالها ووقفت معه وقت الشدائد، وحاولت أن تزيل ما يجد من الكرب حال الدعوة ونحو ذلك، أما إذا اتصف أحد الزوجين بالجمود تجاه الآخر سواء في المحسوسات أو في المشاعر، فهذا سلبي يفترض أن يسارع الزوجان إلى حل لتلك المشكلة ولو بالتدريج فإنه نافع ومفيد.

الدرس الثامن: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وهو عز وجل بيده الهداية والإضلال؛ حيث قال الله تعالى: ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7]، فاليهودي الذي أخبر بأنه سيخرج من مكة نبيٌّ صادق أمين، ثم ذكر ذلك اليهودي القيامة والبعث والحساب، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بسنين، فآمن الناس، فقال بعض من آمن: بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم واليهودي الذي أخبرنا به بين أظهرنا فآمنا وكفر هو بغيًا وحسدًا، فاللهم يا مقلب القلوب، ثبِّتْ قلوبنا على دينك، واهدنا ولا تضلنا وذرياتنا والمسلمين.

الدرس التاسع: إن مما يقوِّي الإيمان عند المسلم حصول المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام قبل وبعد البعثة، وذلك ظاهر جدًّا من ظهور المعجزة قبل البعثة؛ كتسليم الحجر والشجر، ومع ذلك يسلمان على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر خارق للعادة، فهو معجزة وإرهاص لبعثته عليه الصلاة والسلام، وأن المسلم عندما يتأمل ذلك فإنه يقوى إيمانه وعقيدته وثباته على الحق ولا يحمل شيئًا من الشكوك أو الظنون السلبية التي قد يوردها الشيطان، فإن تلك المعجزات دليل كبير.

الدرس العاشر: إن الخلوة بالله عز وجل تعبدًا قوليًّا أو فعليًّا أو فكريًّا هي من أقوى السبل والأسباب للثبات على دين الله تبارك وتعالى؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة حُبِّب إليه الخلوة في الغار، وقد خلا به قرابة الشهر، وكان شهر رمضان، وكان يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فيتزود، فيرجع إلى الغار فيخلو بربه عز وجل تعبدًا لله تعالى، وهذا كله يجري بقدر الله عز وجل وحكمته، فإن تلك الخلوة لها مذاقها الخاص وطعمها اللذيذ، ولها في النفس طمأنينة وسكينة وهدوء، كيف لا وهي خلوة برب العالمين! وبقدر حضور القلب في تلك الخلوات تنتفع الروح بذلك الغذاء لها.

أخي الكريم عندما تمشي وحدك راجلًا أو في سيارتك، فأنت في خلوة، فاذكر الله تعالى، وعندما تغلق عليك باب غرفتك فأنت في خلوة، فاعبد الله عز وجل، وعندما ينام الناس ويرقدون بعد هزيع من الليل فقم بين يدي الله عز وجل، فأنت في خلوة، وهكذا تتعدد الخلوات الطيبة المباركة في حياة المسلم، وهذه هي الخلوات الطيبة الدوائية لكثير من العلل الروحية وغيرها، وذلك بخلاف الخلوات السلبية التي يخلو أصحابها فيها مع معصية الله عز وجل والله عز وجل يراهم ويسمعهم، وبيده أمرهم ورزقهم، فاللهم اهدهم ودلهم على صراطك المستقيم، وأصلح أحوال الجميع.

الدرس الحادي عشر: إن المجالات الدعوية والعمل فيها يحتاج إلى جهد وصبر ونحو ذلك، فعلى الداعية أن يتأقلم مع ذلك، ويعلم بأنه بقدر ذلك الجهد والصبر يأتيه الأجر، وهذا أمر طبعي في الدعوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل أول مرة أخذه فغطه- أي شد عليه ثم تركه- فقال: اقرأ، فقال: ((ما أنا بقارئ)) وفعل ذلك ثلاثًا، وربما كل واحدة أشد من الأخرى، قال أهل العلم بأن هذا دليل على أن من عمل في حقل الدعوة بأنه قد يلاقي من الجهد والتعب والنصب ربما الشيء الكثير، فليُوطِّن نفسه على ذلك، وليصبر وليعلم بأنه مأجور، وأن هذا التعب كما يحصل للداعية فهو أيضًا كذلك يحصل لغيره في أعمالهم الدنيوية؛ كالتجارة ونحوها، ولكن ذلك الداعية له نصيبه الأكبر من الأجر؛ لأنه يدعو إلى دين الله عز وجل، فما تصرفه أخي الداعية من المال أو الجهد أو الوقت، وما تضحي به من رغباتك في سبيل دعوتك؛ فاعلم أن هذا مرصود لك، فقط أحسِن النية لله عز وجل، واجعل عملك ذلك موافقًا لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبْشِر بعد ذلك بالخير والبركة والخلف.

الدرس الثاني عشر: على المرأة أن تكون بلسمًا شافيًا لزوجها إذا رأته مهمومًا أو متشتت الشأن، فتلاحظه في تلك الحالة الراهنة، فملاحظتها له مطلب كبير، حتى تدوم العشرة ويزول الهم والتشتت عن ذلك الزوج، وتكون تلك الزوجة في مكان عالٍ في قلب ذلك الزوج، وهذا يؤخذ من حال خديجة رضي الله عنها؛ حيث جاء إليها النبي صلى الله عليه وسلم مهمومًا مما رأى من الوحي أول مرة، فكان موقف خديجة رضي الله عنها مشرفًا؛ حيث قالت: أبْشِر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، أنك لتصل الرحم، وتصدق في الحديث، وتحمل الكل... إلى آخر كلامها رضي الله عنها، فعلى المرأة أن تذكر لزوجها في مثل تلك الأحوال الإيجابيات التي فيه، وتفتح له مجالًا لارتياحه مما هو فيه، وأيضًا تذكر له بعض الحلول لهذه المشكلة، وذلك بخلاف المرأة السلبية التي لا تراعي أحوال زوجها في تقديم طلباتها، فيتصادم الرأيان، ويحصل بعد ذلك ما لا تحمد عقباه.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من الموفقين المسددين، وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا والشياطين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعي

سيف
12-19-2022, 12:09 PM
جزاك الله خيرا
وجعلة فى ميزان حسناتك

حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:11 AM
اسعدني حضوركم