مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (9)


حكاية ناي ♔
12-19-2022, 12:01 PM
بيعة العقبة الثانية


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

سبَق لنا في الحديث في الحلقة الماضية عن حادثة الإسراء والمعراج وأسرارها، وما فيها من الآيات والتشريعات، مع عرضٍ مختصر لبيعة العقبة الأولى، مستخرجين من ذلك الدروس والعبر المستفادة من هذا كله.

وحديثنا في هذه الحلقة عن بيعة العقبة الثانية، وهي تختلف عن الأولى في عددها وهيئتها وسببها، أما عن عددها، فكانوا سبعين رجلًا، وقيل: ثلاثة وسبعون رجلًا، خرج هؤلاء السبعون من المدينة إلى الحج، مع قومهم الذين يبلغ عددهم خمسمائة وهم أخلاط من المسلمين والمشركين، فهؤلاء السبعون هم من المسلمين، فقد قالوا وهم في المدينة: إلى متى نترك رسول الله صلى عليه وسلم يلاحَق ويؤذَى بين كفار قومه، فعزموا على المسير إلى الحج مع قومهم، ومبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدفاع عنه وحمايته، وطاعته في المنشط والمكره، وكان ذلك في السنة الثالثة عشرة من البعثة قبيل الهجرة إلى المدينة، فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم محادثات محاطة بالسرية، فتم الاتفاق بينهم وبينه على أن يلتقوا في الشِّعب المجاور لجمرة العقبة في وسط أيام التشريق، وكان ذلك ليلًا؛ حتى لا يكشف كفار قريش ذلك الاتفاق، ويقول كعب بن مالك: دخلنا مكة فسألنا: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرِفه، فلقينا رجلًا من أهل مكة، فسألناه، فقال: ها هو جالس هو والعباس في المسجد، وكنا نعرف العباس؛ لأنه من التجار الذين يتاجرون نحو المدينة، فدخلنا المسجد فوجدناه والعباس جالسين، فأتيناهما وفرح بنا فرحًا شديدًا، فوعدناه في الشِّعب عند العقبة في وسط أيام التشريق ليلًا، فاجتمعنا في الشِّعب وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه العباس، وكان العباس حينها على دين قومه، وقيل: إنه مسلم يخفي إسلامه، ولكنه أحب أن يحضُر بيعة العقبة لابن أخيه، فتكلم العباس مبينًا أهمية تلك البيعة والوفاء بها في حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحثهم على الوفاء بها، فأجابوا لذلك جميعًا، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليهم من القرآن، ودعاهم ورغَّبهم في الإسلام، وكانت البيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأيضًا على الدعوة إلى الإسلام وعلى النصرة والحماية، وأخبرهم بأن لهم على ذلك الجنة، فقالوا ابسط يدك نبايعك، فأمَرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منهم اثني عشر رجلًا يكونوا رؤساءَ عليهم، فانتخبوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس من كل قبيلة نقيبًا، فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصافحة بأيديهم تأكيدًا للبيعة، وكان مع هذا العدد امرأتان وهما نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عَمرو رضي الله عنهما، فبايعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المبايعين، غير أنه لم يصافحهما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يصافح النساء، وإنما يبايعهنَّ بالكلام، وقال أحد المبايعين وهو العباس بن عبادة: إن شئتَ يا رسول الله لنميل على المشركين اليوم بأسيافنا، فقال عليه الصلاة والسلام: لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم.

وبعد تمام تلك البيعة الثانية انكشف سرُّها لأهل مكة، وذلك بمناداة الشيطان لأهل مكة؛ يقول كعب: فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قائلًا: يا أهل الجباجب يعني المنازل، هل لكم في مذمم يعني محمد صلى الله عليه وسلم والصُّباة يعني المسلمين المبايعين، فقد اجتمعوا على حربكم، فلما علمت قريش بذلك اتجهوا إلى منازل المشركين من الأوس والخزرج الذين قدموا للحج، فسألوهم عن الخبر، فقالوا: لا نعلم شيئًا من ذلك، فلما مضت أيام التشريق اتَّضح بجلاء وقوع البيعة من هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت قريش تبحث عنهم لم يُدركوهم، فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة رضي الله عنه، فقد جاؤوا به إلى مكة وعذَّبوه، ولم يستخرجه منهم إلا جبير بن المطعم بن عدي؛ حيث إنه أجاره سعد في تجارة له في المدينة، وهكذا يحفظ الله تعالى أولياءه من كيد الكائدين، وهذه البيعة الثانية لها فضلها العظيم، ولها أثرها على فُشوِّ الإسلام وانتشاره، وقُرنت تلك البيعة بغزوة بدر على فضلها؛ حيث ورد في بدر افعلوا ما شئتم، فقد غفرت لكم؛ حيث يقول كعب بن مالك وهو أحد المبايعين: لقد شهدت بيعة العقبة حيث توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بي بها مشهدَ بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها؛ متفق عليه.

يقول ابن حجر في الفتح وإن كانت بدر أول غزوة نصر فيها الإسلام، إلا أن بيعة العقبة كانت سببًا في فشو الإسلام، ومنها نشأت غزوة بدر، ولما رجع الأنصار بعد تلك البيعة الثانية إلى المدينة، أظهروا الإسلام ودعوا إليه، وكان في قومهم بقايا على الشرك، وكان من هؤلاء بقايا عمرو بن الجموح من سادات بني سلمة، وكان ابنه معاذ شهد تلك البيعة، وكان عمرو قد اتخذ صنمًا في بيته وأسماه مناة، فلما أسلم بعض الفتيان من بني سلمة بدؤوا يدخلون ليلًا على صنم عمرو، فيحملونه ويطرحونه في بعض الحفر المتسقة والقذرة، فإذا أصبح عمرو فلم يجد صنمه ذهب يبحث عنه، فيجده في ذلك المكان المتسخ، فيأخذه ويغسله، ويقول: أما والله لو أعلم من فعل ذلك فيك لأُخزينه ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ، فيفعلون ذلك مرارًا، وهو إذا أصبح من كل مرة فعل مثلما فعل في الأولى ينظِّفه ويغسله، فلما أكثروا عليه من ذلك جعل عمرو السيف على الصنم، وقال له: إن كان فيك خير فامتنع، فلما نام عمرو عَدَوْا هؤلاء الفتية على الصنم كما كانوا يفعلون، فلما أصبح عمرو وجده في ذلك المكان السابق مع القاذورات والأوساخ، فحينها علم أنها أصنام لا تنفع ولا تضر، فأسلم وحسُن إسلامه رضي الله عنه، فهؤلاء المبايعون ومن أسلم معهم، أطلق عليهم القرآن الأنصار؛ حيث إنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك الذين قبلهم هم المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضل الله ورضوانه، وقد ذكر الله تعالى في سورة الحشر ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المهاجرون، فقال تعالى فيهم: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الحشر: 8].

والفئة الثانية: الأنصار، فقد قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

والفئة الثالثة: من جاء بعدهم من الصالحين والمؤمنين إلى يوم القيامة، فقال الله تعالى فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ﴾ [الحشر: 10].

وهذه البيعة الثانية هي بيعة العقبة الكبرى وهي حلقة من حلقات النصر والتمكين من الله تعالى لنبيه وللمؤمنين، وإن الله عز وجل لما شرع هذا الدين تكفَّل بحفظه ونُصرة أهله، ولكن الله عز وجل يبتلي عباده وخلقه، فيدال للحق على الباطل أحيانًا، ويدال للباطل على الحق أحيانًا أخرى، وذلك قدر من الله تعالى تنطوي تحته حِكَمٌ عديدة، ليتضح المخلص من المرائي والمنافق من المؤمن، وقوي الإيمان من ضعيفة والآمر والناهي من غيره، ولتقوم الحُجة على الخلق وقوام ذلك كله، هو قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]، فأمر الله تعالى في تلك الآية بأمرين مهمين، وهما: الأول: الاتباع للشرع، والثاني: الصبر عليه، ففيهما ينجو المسلم ويفلح في الدنيا والآخرة.

وبعد تلك الجولة في بيعة العقبة الثانية نستخلص دروسًا عظيمة التي من أهمها ما يلي:
الدرس الأول: إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عملٌ صالح جليل، بل هو من أوجب الواجبات، وهذه المحبة ليست دعوى فقط، وإنما لها علامة تصدقها أو تكذبها وتقوِّيها، أو تضعفها، وهذه العلامة هي اتباعه صلى الله عليه وسلم والمدافعة عن دينه والدعوة إليه، وهذا الأثر هو سلوك المسلم مع نفسه وإخوانه، ومأخذ ذلك من السيرة أن الأوس والخزرج عندما أسلم بعضهم أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة، فاتبعوه ودعوا إلى دينه ونصروه ودافعوا عنه، وأيضًا دافعوا عن سنته وعن اتباعه، فلنكن كذلك لتَقْوى محبتنا لنبينا عليه الصلاة والسلام، ولنكسب الأجور العظيمة من خلال ذلك.


الدرس الثاني: إن الله عز وجل يحفظ أولياءَه من كيد أعدائهم، ومأخذ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ ما أمره الله به ودعا إلى دين الله، فحفظه الله تعالى وحفِظ مَن آمن به من كيد كفار قريش، وأما ما يصيب الدعاة من أذى، فهو تمحيص لهم وتكفيرٌ، ورِفعة في الدرجات وابتلاءٌ لهم أيضًا في دعوتهم، فليصبروا وليتأملوا أن العاقبة للمتقين وأن الخسارة على الكافرين.


الدرس الثالث: عندما نتفيأ ظلال السيرة، ونتمعن في أسرارها، نرى الصحابة رضي الله عنهم عندما يبلغهم الأمر عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، يسارعون في الاستجابة لله ورسوله من غير مجادلة أو مناقشة، ما دام أن الأمر أو النهي من الله أو رسوله عليه الصلاة والسلام، سواء في الدخول في الإسلام، أو فعل الأوامر وترك النواهي حال إسلامهم، وهذا هو شأن المسلم الحق، وهو التسليم والانقياد لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام، فلا يعارض أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام برأيه وعقله، ولهذا لما قالوا لأبي بكر رضي الله عنه في حادثة الإسراء والمعراج أنها حصلت في ليلة واحدة، قال رضي الله عنه قولته المشهورة: إن كان قاله فقد صدق، فعلى المسلم أن يتأمل أقواله وأفعاله وتصرفاته، هل هي متوافقة مع أمر الله ورسوله أم مخالفة، فحسن الاستجابة هو الإسلام والإيمان الحق، وينقص الإيمان بقدر نقص تلك الاستجابة في الأوامر والنواهي، فاحرِص أخي الكريم على ذلك فهو خير كله.


الدرس الرابع: النبي صلى الله عليه وسلم بايع الصحابة رضي الله عنهم في بيعة العقبة، وصافَحهم، وكان معهم امرأتان أسلمتا وبايعتا النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بايعهما بالكلام وليس بالمصافحة، ونستلهم من ذلك درسًا عظيمًا، وهو عدم جواز مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء، وقالت عائشة رضي الله عنها: ما مسَّت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له، ما كان يبايعهنَّ إلا بالكلام، وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز مصافحة المرأة الأجنبية ولو من وراء ساتر على يدها? فأجابت بما يلي: لا يجوز للمرأة أن تصافح الرجال الأجانب ولو من وراء ساتر، وجريان العادة بذلك عند بعض المجتمعات لا يبيح ما حرمه الشرع عليها؛ انتهى. فعلينا جميعًا حسن الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو الأسلم والأحكم والأتقى.


الدرس الخامس: عِظم الفضيلة التي حباها الله عز وجل للمبايعين في تلك البيعة الثانية، فقد كانت نصرًا عظيمًا للإسلام، وفتحًا مبينًا؛ حيث انتشر الإسلام بعدها وأسلم الكثير من أهل المدينة، وهذا توفيق يسوقه الله عز وجل لمن يشاء من عباده، فعلى المسلم أن يتعرض لتوفيق الله تعالى ونفحاته بفعل الأسباب التي توصله إلى ذلك، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أراد الله تعالى بهم خيرًا، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن بعضهم كان لا يعرفه، فأسلموا وحسُن إسلامهم، ومن جانب آخر تأمَّل حال أبي طالب، فقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم سنين، وأيضًا يدافع عنه، ولكنه لم يرد الله تعالى له الهداية إلى الإسلام، فسبحان من فتح على قلوب هؤلاء وهو أحكم الحاكمين، ونسأله الثبات على الحق في الدارين.


الدرس السادس: إن الوفاء بالعهد والوعد خصلة كريمة وصفة جليلة رائعة، يتصف بها أولو الألباب والعقول الزاكية؛ حيث إن نكث العهد والوعد صفة ذميمة وخصلة مشينة، ومأخذ هذا من السيرة ما فعله أصحابه بيعة العقبة، عندما عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وبايعوه، فقد أوفوا بعهدهم وبيعتهم، وناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوا إلى دينه، وهكذا شأن المسلم إذا وعد واحدًا أو عاهده، وفَّى بذلك، وإذا كان ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مع الله تعالى أوثق وأقوى، وقد أخذ الله عز وجل الميثاق على بني آدم وأشهدهم أنه ربُّهم وخالقهم ومعبودهم، فليوفوا بذلك على مراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكل معصية هي تمثل نسبة من النقص في هذا الميثاق، فعلى المسلم إذا فعل تلك المعصية أن يستغفر وينيب، فهو أقوى للميثاق، وكلما فعل معصية فليعلم أنه مَن مسَّ ذلك الميثاق بشيء من النقص، فليتداركه بالحسنة تمحو تلك المعصية.


الدرس السابع: إن عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان معجبًا بصنمه قبل إسلامه، ويعتقد أنه ينفع ويضر، وهذا كله عندما استقل بعقله واقتدى بجهلة قومه، ولكنه لما تأمل الشرع الحكيم وعظمة الشارع، قاده ذلك بإذن الله تعالى إلى الدخول في الإسلام، إن تدبرنا لمقاصد نصوص الوحيين للكتاب والسنة، سيقودنا ذلك إلى مزيد من العلم والثبات وقوة الإيمان، فكن متدبرًا ولو في بعض قراءاتك لتلك النصوص.


الدرس الثامن: الجزاء من جنس العمل، فإن كان صالحًا كان جزاؤه الثواب، وإن كان سيئًا كان جزاؤه العقاب، فلا تظلم نفس شيئًا، ويقول الله تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

إن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لَما بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهم: إن وفَّيتم فلكم الجنة، فكان جزاؤهم موافقًا لعملهم، فقد قاموا بالوفاء أحسن قيام رضي الله عنهم وأرضاهم، فكن أخي الكريم مستلهمًا تلك القاعدة في أقوالك وأفعالك، وهي أن الجزاء من جنس العمل، فمن اغتاب الناس أو ظلمهم ونحو ذلك، فهم سيأخذون حقوقهم منه يوم القيامة مثلًا بمثل وآكل الربا، فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المس، والمتكبرون يحشرون يوم القيامة كالذر مثلًا بمثل، وهكذا في الأعمال الصالحة والسيئة جزاؤها يماثلها.


الدرس التاسع: قال أحد المبايعين للنبي صلى الله عليه وسلم وهو العباس بن عباده رضي الله عنه: إن شئت لنميل عليهم بأسيافنا غدًا، فجاء التوجيه النبوي الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام: (لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم)، وفي هذا درسٌ عظيم في كبح جماح العواطف، وعدم الاستعجال، وتحقيق الأناة في تحصيل الأمور الشرعية، فالعواطف ليست مقياسًا لتحصيل المصالح، وهذا نحتاجه كثيرًا وكثيرًا مع أهلنا وزملائنا وجيراننا وغيرهم، فلا نتصرف تحت توجيه العاطفة، وإنما عليك بالشرع وتوجيهه، فهو خير كله، وهو أسلم وأحكم، فعليك بالتعرف على المواقف وعلاجها من جهة شرعية لتسلم وترتاح.


الدرس العاشر: عندما ذكر الله عز وجل الناس في سورة الحشر ثلاث فئات، وهم الأولى: المهاجرون، والثانية: الأنصار، والثالثة: كل من جاؤوا بعدهم، فهذه الفئة الثالثة في حقها هذا الدعاء العظيم، وهو قولهم: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

إن هذا الدعاء بقلب حاضر هو دعاء عظيم ينشرح به صدرُك، ويسلم به قلبك، وتسعد به في الدنيا والآخرة.

أخي الكريم إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي منهج يسير عليه المسلم؛ تزكيةً لنفسه وسلامة لقلبه، وشرحًا لصدره، وتصحيحًا لمفاهيمه، ماذا أخي الكريم لو قرأت في كل يوم ولو عشر دقائق من الوقت أو صفحة أو صفحتين من كتاب، فستدرك بذلك شيئًا كثيرًا وجليلًا وجميلًا ورائعًا من السيرة النبوية في وقت يسير، فابدأ واستمر، فأنت تقرأ سيرة أعظم رجل في التاريخ وهو محمد عليه الصلاة والسلام، وما تقرأه أيضًا اذكره في مجالسك لتستفيد ويستفيد غيرُك أيضًا، هذه جولة مختصرة مع بيعة العقبة الثانية، وشيء من دروسها المستفادة، وكونوا على الموعد إن شاء الله تعالى، مع عرضٍ لأول أحداث الهجرة إلى المدينة.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، واجعلنا يا ربنا ممن يؤتى الحكمة، واغفِر لنا ووالدينا والمسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

صمتي شموخي
12-19-2022, 12:09 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته

حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:12 AM
اسعدني حضوركم