مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (12)


حكاية ناي ♔
12-19-2022, 12:04 PM
بداية غزوة بدر


الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلِّم على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصَحْبه والتابعين.

ذكَرْنا - إخواني الأكارم - في الحلقة الماضية شيئًا من البعوث والسرايا التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم لمجاهدة الكفار، وذكرنا شيئًا من التشريعات والأحكام التي شرعت في السنة الثانية من الهجرة؛ وذلك كتحويل القبلة، وفرض الصيام والزكاة، وأيضًا ذكرنا الدروس المستفادة من ذلك، والآن في حلقتنا هذه نزدلف إلى الحديث عن غزوة بدر الكبرى، فقد حدثَتْ تلك الغزوة التاريخية العظيمة في نهار يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في صحيح مسلم، قال ابن عبدالبر رحمه الله: كانت أشرف غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وأعظمها حرمة عند الله تعالى، وهذا اليوم الذي وقعت فيه الغزوة يُسمَّى يوم الفرقان؛ حيث أعزَّ الله عز وجل الإسلام وأهله، وأذلَّ الشرك وأهله مع قلة المسلمين وكثرة المشركين، ومن خصائص هذه الغزوة ما يلي:
أولًا: أن مَن شهِدها فإنه ينسب إليها، فيُقال: فلان البَدْريُّ، ولا يُقال ذلك في غيرها.

ثانيًا: من خصائص غزوة بدر أن مَن شهِدها من المسلمين له فضله الكبير؛ حيث ورد عند البخاري عن رفاعة بن رافع وكان بَدْريًّا قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما تَعُدُّون أهلَ بَدْر فيكم، قال: من أفضل المسلمين، قال: وكذلك مَنْ شَهِدَ بَدْرًا من الملائكةِ))؛ رواه البخاري.

ثالثًا: من خصائص تلك الغزوة أن من شهِدَها كُتبت له المغفرة إلى يوم القيامة، فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حاطب بن أبي بلتعة في قصة إخباره لأهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم قال فيه: ((أليس من أهل بدر؟ لعَلَّ اللهَ اطَّلَع على أهل بَدْر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجَبَتْ لكُم الجنة أو فقد غَفَرْتُ لكم))؛ رواه البخاري ومسلم.

رابعًا: من خصائصها أن الملائكة قاتلت فيها مع المسلمين إلى غير ذلك من الخصائص.

وكان سبب هذه الغزوة أن عِيرًا لقريش عظيمة قادمة من الشام تريد مكة، فيها أموال قريش، فكان فيها ألف بعير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: ((هذه عِير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعَلَّ اللهَ أن يَنْفُلكمُوها)) ذكر ذلك ابن إسحاق رحمه الله، فخرجوا لتلك العير وفيها ثلاثون أو أربعون رجلًا من قريش، وعندما علم أبو سفيان قائد العير بذلك الخروج للمسلمين أرسل ضمضمة بن عمرو إلى مكة ليستنفر قريشًا، ويخبرهم بأن محمدًا عليه الصلاة والسلام وأصحابه اعترضوها، وقد استطاع أبو سفيان أن ينجو بالعير؛ ولكنه حصل القتال بين المسلمين والكفار حتى أثبت الله الحق وأزهق الباطل، فعندما علِمَ النبي صلى الله عليه وسلم بمسير قريش إلى بَدْر استشار الصحابة، فتحدَّث أبو بكر رضي الله عنه وأحسن، وتحدَّث عمر وأحسن، وقام المقداد بن عمرو، وقال: امْضِ يا رسول الله ونحن معك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أشيرُوا عليَّ أيُّها الناسُ))، وكان يقصد الأنصار، فقام سعد بن معاذ فقال: والله، لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: ((أجَل)) فقال سعد رضي الله عنه: آمنا بك وصدَّقْناك، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامْضِ يا رسول الله لما أردْتَ، فنحن معك؛ فسُرَّ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((سِيرُوا وأبْشِرُوا، فإنَّ اللهَ وعَدَني إحدى الطائفتين، واللهِ لكأنِّي أنظُر مصارعَ القوم))؛ رواه مسلم.

وإن كان هذا هو اتفاق المسلمين على الخروج والقتال، فقد افترق كُفَّار قريش، فبعضُهم يرى الرجوع دون القتال، وكان أبو جهل وهو قائدهم مُصِرًّا على القتال، وممن يرى عدم القتال بنو زهرة وبنو عدي، فقد رجعوا؛ بل إنَّ أبا سفيان قائد العِير يرى الرجوع من دون قتالٍ، وذلك لما ضرب في قلوبهم من الخوف والوجل، وفي تلك الغزوة التقى الجَمْعانِ، وهي معركة قاتل فيها خيارُ أهل الأرض وهم الصحابة رضي الله عنهم، وخيارُ أهل السماء وهم الملائكة عليهم السلام، وشاء الله تعالى ألا يتكافأ العدد، فعدد المسلمين فيها ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، بينما كان عدد المشركين ألفًا وثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، ومع ذلك وقع النصر للمسلمين وهُزِم المشركون وقُتِل صناديدُهم، وميزان النصر ليس بالعدد والعتاد، وما النصر إلَّا من عند الله عز وجل، ولك أن تتخيل أخي الكريم كيف كانت قوة الاستجابة والصمود واليقين، حيث إنه في الشهر نفسه شهر رمضان وهو أول شهر يصومونه؛ حيث إنه فرض في تلك السنة، ثم جاءتْ فيه تلك الغزوة العظيمة، ومع ذلك صمدوا واستجابوا لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وذلك بتثبيت الله تعالى لهم وتوفيقه إياهم، وقد تخلف عن هذه الغزوة عددٌ من الصحابة رضي الله عنهم، ولهم أعذارهم، فمنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث كانت امرأتُه مريضةً فقام عليها، وقد ماتت في مرضها هذا، وهي رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وتخلَّف أيضًا طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد؛ حيث بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم قبل القِتال ليأتيا بخبر العير عند انطلاقها من الشام، فلما قدم المدينة بالخبر وجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه الخبر عنها، فلحقاه حتى لقياه منصرفًا من بَدْر، وتخلَّف أيضًا أبو لبابة رضي الله عنه؛ حيث استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وتخلَّف أبو أمامة ابن ثعلبة؛ حيث كانت أُمُّه مريضةً، فقال له خاله: أقِمْ عند أمِّكَ يا بن أختي، فقال: بل أنت أقم عند أختك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أبا أمامة أن يقيم عند أُمِّه، وتخلَّف عاصم بن عدي؛ حيث استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على قُباء، وتخلَّف أيضًا الحارث بن الصمة؛ حيث انكسرت ساقه في الطريق، فردَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وغير هؤلاء تخلَّفوا بأعذارهم الشرعية رضي الله عنهم أجمعين.

وكان الصحابة في مسيرهم إلى الغزوة كل ثلاثة يتعاقبون بعيرًا في ركوبه، وكان علي ومرثد بن أبي مرثد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون بعيرًا، فلما جاء دور النبي صلى الله عليه وسلم في المشي قالا له: اركب يا رسول الله ونحن نمشي عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنتما أقوى مني، ولا أنا بأغْنَى عن الأجْرِ مِنْكُما)).

ومكث النبي صلى الله عليه وسلم يستعرض أصحابه في مشاركتهم للقتال، فرَدَّ مَن استصغره منهم، وكان ممن ردَّه أسامة بن زيد، وابن عمر، والبراء بن عازب، ورافع بن خديج، وأسيد بن الحضير، رضي الله عنهم أجمعين؛ حيث كانوا صغارًا، ويقول سعد بن أبي وقاص: عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعرضنا رأيت أخي عميرًا يتوارى ويختفي، فقلت: ما لك تختفي؟ فقال: أخشى أن يرُدَّني النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه النبي عليه الصلاة والسلام فاستصغره فرَدَّه، فبكى عمير، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن ست عشرة سنة.

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بإعداد القيادات وتوزيعها، وأعطى اللواء - وهو الراية التي يجتمع حولها الجيش - مصعبَ بن عمير، وقسَّم جيشه إلى كتيبتين؛ الأولى: كتيبة المهاجرين، وأخذ لواءها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والثانية: كتيبة الأنصار، وأخذ لواءها سعد بن معاذ رضي الله عنه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على الميمنة، والمقداد بن عمرو على الميسرة، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، والقيادة العامة كانت في يد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقر المسلمين وحاجتهم دعا فقال: ((اللهُمَّ إنهم حُفاةٌ فاحملهم، اللهمَّ إنهم عُراةٌ فاكْسُهم، اللهمَّ إنهم جِياعٌ فأشْبِعْهم))، فاستجاب الله تعالى لنبيِّه عليه الصلاة والسلام فأغناهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بالفطر؛ حيث إن تلك الغزوة في شهر رمضان، فمن وجد قوةً صام، ومن وجد ضعفًا أفطر، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: ((قُومُوا إلى جنَّةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ)) فقال عمير بن الحمام: بَخٍ بَخٍ، فأخرج تمرات من جَعْبته، فجعل يأكل منهنَّ ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكلَ تمرات هذه، إنها لحياةٌ طويلةٌ، فترك ما كان معه من التمر ثم قاتلهم رضي الله عنه حتى قُتِل؛ رواه مسلم.

واقترح سعد بن معاذ في ذلك اليوم أن يُبنى للنبي صلى الله عليه وسلم عريش؛ حفاظًا عليه، فبُني له ذلك العريش، وبات النبي صلى الله عليه وسلم ليلته تلك يدعو ربَّه قائلًا: ((اللهُمَّ إنك إن تُهلِك هذه الفئةَ لا تُعبَد))، وفي البخاري ومسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إني أنشدك عهدَكَ ووعدَكَ))، فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول الله- أي: كافيك - لأنه أشفق عليه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 45] وحيث تجهز المسلمون ورتَّبوا أنفسهم، فقد تجهزت قريش أيضًا في ترتيب جيشها، فنفروا، فلم يتخلف من كِبارهم أحد إلا أبو لهب، ومَن كرِه الخروج أخرجوه، فخرجوا عن بكرة أبيهم، وتجهَّزوا مسرعين، وكان عددهم ألفًا وثلاثمائة وتسعة عشر مقاتلًا، وكان معهم مئة فرس وستمائة من الدروع، وجِمال كثيرة، وكانوا بقيادة أبي جهل - لعنه الله - بينما المسلمون ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فهي معركة غير متكافئة في العدد والعتاد؛ ولكن الله تعالى نصر نبيَّه وأولياءه على أعدائه، وأظهر الحق وأزهق الباطل، ولله الحمد والفضل والمنة، وهو القوي العزيز.

ولعلنا نذكر شيئًا من الدروس والعبر فيما سبق، ونستكمل بإذن الله تعالى تلك الغزوة العظيمة في الحلقة القادمة، فمن الدروس في ذلك ما يلي:
الدرس الأول: في غزوة بدر ظهر فضل هؤلاء الصحابة المشاركين في الغزوة، ويطلق عليهم البَدْريُّون، حيث وجبت لهم الجنة أو المغفرة كما في الحديث الصحيح، وهذا من فضل الله تعالى عليهم؛ حيث طلبوه فأعطاهم عز وجل، فَلْنَلْتَمِس نحن فضل الله تعالى وعطاءه في كل ما يُقرِّبنا من الله عز وجل من صلاة وصيام وصدقة وبِرٍّ وذِكْرٍ وغيرها، فإن الأعمال الصالحة لا تُحصَى كثرةً، فيا أخي الكريم، اجعل لك مع كل طاعة منهجًا ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، لعَلَّ اللهَ أن يفتح لك من فضله، وإذا فتح لك ذلك الباب من الخير، فاستثمره واشكُر الله تعالى وادْعُ إليه الآخرين، واستفتح أبوابًا أخرى فإن الرب شكور، فإن فعلتَ ذلك فقد سَلَكْتَ طُرُقًا إلى الجنة كما سَلَكَها هؤلاء الصَّحْبُ الكِرامُ، وغُفِرَت ذنوبُك؛ لأن الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات، وكُنْ جازمًا وعازمًا، فرياض الجنة بين يديك، فاملأ وقتك بما فتحه الله عليك من الطاعات لتملأ ميزانك من الحسنات فتَقَرَّ عينُك يوم القيامة.

الدرس الثاني:إن قتال الملائكة مع المؤمنين في بدر شاهد كبير وظاهر على معية الله تعالى لعباده المؤمنين، ينصرهم ويسددهم ويعينهم، وإن كان ذلك في القتال فإن معية الله تعالى لعباده بالنصر والتسديد والإعانة تكون بأعمال أخرى يسيرة، ومن أهمها ذكر الله تعالى؛ حيث ورد في الحديث القدسي: ((وأنا معه إذا ذكرني))، فعليك أخي الكريم بكثرة ذكر الله تعالى حتى وأنت تقضي حاجاتك خارج بيتك من شراء وبيع ومعاملات ومراجعات وغيرها، فإن الله تعالى يكون معك فيأتيك العون والتسديد من حيث لا تشعر، فما بال أحدنا إذا خرج من بيته لحاجته أو مراجعة دائرة من الدوائر أو في أي شأن من شؤونه تجده ساكتًا صامتًا إلا من رحم الله.

إن هذا الذكر هو سبب لمعية الله، فاحرص عليه وأكثر منه، وهذا زيادة على الأجر الذي تحصل عليه، فما أسعدك حينما تدخل وتخرج وأنت ذاكر لله تعالى وهو يسمعك ويراك ويعلم حاجتك! فأبشر بالتيسير.

الدرس الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد الخروج استشار الصحابة رضي الله عنهم مع أنه رسول رب العالمين والمؤيد بالوحي، وهذا يعطينا أهمية الاستشارة، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، فالاستشارة في فعل الشيء تجمع لك مع عقلك عقول الآخرين، ولا شك أن جمع آراء العقول أكثر سدادًا في الرأي، وربما أشاروا عليك بشيء لم يكن في خَلَدك، فلا تدع الاستشارة في جميع أمورك، وأيضًا كذلك استخر الله عز وجل، فمن استشار واستخار لم يندم، في حين أن بعض الناس يعمل أعمالًا كثيرة ولا تخطر في باله الاستشارة، ثم يجد بعد ذلك مَن يوبِّخه أو يشير عليه بغير فعله، وعلى المستشار أن ينصح له في رأيه، وذلك قبل الفعل، أما إن استشارك بعد الفعل فبارك له عمله، وادْعُ له، وإن كنت ملحًّا في إبداء رأيك المخالف لفعله فليكن برفْقٍ وأحسن عبارة وألطف إشارة، ولا تُكرِّر عليه الرأي، فإن رأيت منه ندمًا فبارك له رأيه، وافتح له إيجابيات في رأيه، وأظهر له ما استحسنته فيه ليفرح به.

الدرس الرابع: إن استجابة الصحابة رضي الله عنهم لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم للخروج للعير كانت سريعةً وبقوةٍ، وهكذا المؤمن يستجيب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ونحن قد نادانا اللهُ تعالى كثيرًا بقوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 278] وغيرها من نداءات المؤمنين في القرآن؛ كترك الربا والتزام الصدق، وكثرة الذكر والتثبُّت من الأخبار والقول السديد وغيرها كثير، فلتكن استجابتنا قويةً وسريعةً ما دمنا في زمن الإمكان ليزداد إيماننا، ويحسن سلوكُنا، وتسلم قلوبُنا، ونرضي ربَّنا، ونقتدي بنبيِّنا عليه الصلاة والسلام، أما إن تأخَّرْنا عن الاستجابة فسنكون مصيدةً للشيطان، نعوذ بالله منه، فتأمَّل نفسَك وواقعك، وصحِّح مسارك قبل ألا يكون لديك فرصة لتصحيح المسار.

الدرس الخامس: حيث إن غزوة بدر في رمضان، فكان الصحابة رضي الله عنهم خرجوا صائمين، فبعضُهم أفطر، وبعضُهم بقي على صيامه، فخروجُهم وصيامُهم يُعطينا درسًا عظيمًا في الصبر، واعلم أخي الكريم، أنك لن تنال مُناك إلا بالصبر سواء في دينك أو دنياك، فإذا أردت فعل شيء وثقل عليك فلا يكن الحل هو تركه؛ وإنما الحل هو الصبر عليه؛ لأن عاقبة الصبر أحلى من العسل، وبعد العمل المصاحب للصبر سيجد ذلك العامل نشوةً عاليةَ ولذةً جميلةً ومخرجات طيبة، وهذا يشهد له واقع الصابرين سواءً كان الصبر على طاعة الله أو عن معصية الله أو على أقدار الله تعالى أو على أمور الدنيا ومشاغلها أو على تربية الأولاد والنفس، فالصبر كُلُّه ممدوح، ومخرجاته كلُّها دروس لهذا الصابر، فلنكن كذلك بوركتم ووفقتم.

الدرس السادس: حرص الصحابة رضي الله عنهم على مرضاة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فقد تقدَّموا للقتال وهم صغار، يرجون ما عند الله تعالى، وبعضهم يبكي عندما ردَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا نُسارع - إخواني الكرام - إلى مرضاة الله تعالى في صلواتنا، وقيامنا، وصيام النفل، وصدقات التطوُّع، وفعل المعروف وغير ذلك؛ ليكون أولادنا كذلك، فما أجمل الحرص مع المسارعة إلى الطاعة عند الصغير والكبير!

الدرس السابع: في قصة عمير بن الحمام عندما ترك تلك التمرات التي بيده واستطول الحياة إن هو جلس يأكلها فيها درس لقصر الأمل، فالحياة كُلُّها قصيرة، فاستثمرها بالطاعة؛ ولهذا يقول ابن السماك: الدنيا قليل، ولم يبق منها إلا القليل، وليس لك مما بقي إلا القليل، ولم يبق أيضًا من قليلك إلا القليل.

فاستثمر وقتك بإصلاح نفسك والزُّلفى إلى ربِّك لعلَّكَ تحظى برحمة الله تعالى، ثم بدخول الفردوس الأعلى بفضل الله عز وجل.

الدرس الثامن:في أول معركة بَدْر وبعد الإعداد والتأهُّب بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربَّه، ويلتجئ إليه، وفي هذا درس عظيم في أن ندعو الله عز وجل في جميع شؤوننا صغيرها وكبيرها، فكل شيء تريد فعله فادْعُ اللهَ عز وجل تيسيره، فلو لم يُيسِّره الله عز وجل لم يتيسر، وإذا تيسَّر أيضًا، فاحمد الله عز وجل على ذلك التيسير، فستجد نفسَك تدعو وتحمد خلال حياتك بملايين المرات، وهذا فضل عظيم وأجر جسيم وكبير تجده في موازينك يوم القيامة فادْعُ الله في جميع أحوالك في حين أن البعض من الناس - هداهم الله - مُقللون جدًّا في هذا الجانب، ويشكون النقص، فيقال لهم: اتجهوا إلى مولاكم، فقد ناداكم لتدعوه فيجيبكم فضلًا منه وكرمًا، وأنت إذا دعوت الله عز وجل، فلن تخيب من تلك الدعوات، فلك بدعواتك إحدى ثلاث؛ الأولى: إما أن تُعطى ما سألت، الثانية: أن يُدفَع عنك من السوء مثلها، الثالثة: أن تُدَّخَر لك تلك الدعوات حسنات في ميزانك، فأنت رابح في جميع أحوالك، ونعتب كثيرًا على بعض إخواننا وأخواتنا في قلة دعائهم عندما لا يحصل لهم ما سألوا أن يتركوا الدعاء بحجة أنه لا يستجاب لهم، وهذا من قلة الفقه والعلم، ووالله ثم والله، لو علم هؤلاء ما دفع الله عنهم من البلاء وما ادَّخَره لهم من الأجور لضاعفوا جهودهم في الدعاء، ولأكثروا من دعاء ربهم عز وجل في جميع أحوالهم، فلنُكثر أيها الأخوة والأخوات من دعاء الله عز وجل، فهو من أفضل العبادات وأجلِّها، وابدأوا دعاءكم بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتوسُّل بالاسم الأعظم الحي القيوم أو يا الله، وأبشروا بعد ذلك بالخير العظيم من الله عز وجل اللطيف الحنَّان المنَّان.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبَّل مِنَّا أعمالنا، وأن يصلح قلوبنا ونيَّاتنا وذرياتنا والمسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيف
12-19-2022, 12:09 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته

حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:12 AM
اسعدني حضوركم