مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (16)


حكاية ناي ♔
12-19-2022, 12:06 PM
شيء من تفاصيل غزوة بدر


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على مَن بعثه الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
ذكرنا في الحلقة الماضية الكلام عن غزوة بدر وخصائصها وتاريخها وأسبابها، وأيضًا ذكرنا عددَ كلٍّ من المسلمين والمشركين، وأيضًا كيف سارع الصحابة الكِرام رضي الله عنهم لهذه الغزوة، وكيف كان ترتيب جيش المسلمين، وما شعارهم، إلى آخر ما تم ذكره، والآن في حلقتنا هذه نزدلف في تلك الغزوة العظيمة إلى بعض تفاصيلها؛ فقد خرج المسلمون إلى ملاقاة عير أبي سفيان، فلم يستعدوا للقتال، ولا ظنوا أنهم سيلقون قتالًا؛ ولكن بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشًا خرجت من مكة بلفِّها ولفيفها لملاقاة المسلمين، ومنعهم من العير، فعند ذلك استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، فكره بعضهم القتال؛ لأنهم لم يستعدوا له، فما خرجوا إلا لفئة قليلة وهم حُرَّاس العير، فلما علموا بخروج قريش كرهوا ذلك؛ لعدم المكافأة، وأيضًا للضعف في الاستعداد، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 5]، وقد أشار الكثيرون من الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم بأننا معك مقاتلون ومدافعون، ولو خضت بنا هذا الوادي لخضناه معك مع أن المكافأة بين الجيشين غير متساوية؛ فعدد الكفار يزيد على ألف رجل، أما عدد المسلمين فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، فلا مكافأة بينهم في العدد، وكذلك لا مكافأة بينهم في العتاد، فالكفار معهم مئة فرس وستمائة درع وجِمال كثيرة، وأما المسلمون فمعهم فرسٌ واحدٌ مع المقداد بن عمرو رضي الله عنه، وشيءٌ يسير من الجِمال، ومع عدم المكافأة في العدد والعتاد، فقد أراد الله تعالى نصر هذه الفئة المؤمنة؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]؛ بل في صحيح مسلم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُرينا مصارع القوم قبل المعركة بيوم، فيقول: ((هذا مَصْرعُ فلان، وهذا مصرعُ فلانٍ))، فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا الحدود التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

وارتحل جيش المسلمين حتى نزلوا بالعدوة الدنيا في بدر، والمشركون بالعدوة القصوى، والعدوة الدنيا هي القريبة من المدينة، وأما القصوى فهي القريبة من مكة، وحيث أصاب المسلمين عطش وضعف، فأنزل الله تعالى المطر في تلك الليلة على المسلمين، فشربوا وارتووا وتلبَّدت أرضهم وقويت؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾ [الأنفال: 11] الآية، فشربوا وارتووا وقويت نفوسهم وتلبَّدت الأرض فزال غبارها، وتحرك المسلمون قليلًا حتى استولوا على بئر بدر، وبعد أن نزل المسلمون عند ماء بدر واستقر أمرهم أشار سعد بن معاذ رضي الله عنه ببناء العريش للرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليكون ذلك العريش مقرًّا للقيادة، وبُني العريش من الجريد، وكان على مرفع من الأرض يطل على المعركة، فدخله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وجلس حول ذلك العريش سعد بن معاذ ونفر من الأنصار ومعهم سيوفهم يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجهز الجيش في تلك الليلة وهي ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان وصبيحتها المعركة بين المسلمين والكفار، وفي تلك الليلة نزل النعاس على المسلمين فناموا جميعًا، وكانت ليلة آمِنة، فاخذوا قسطهم من الراحة والنوم، قال الله تعالى: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما فينا فارس يوم بدر إلا المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم- يعني في تلك الليلة- وهذا من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين؛ ليرتاحوا قبل غزوتهم، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد بات تلك الليلة يصلي تحت شجرة، يتضرع إلى الله تعالى ويُكثر من قوله: ((يا حي يا قيوم)) يكرر ذلك حتى أصبح، فلما أصبحوا في يوم الجمعة يوم الغزوة، يوم الفرقان، يوم القتال، وهو اليوم الذي التقى فيه الجَمْعان، وكل جيش قد تأهَّب لقتال الجيش الآخر، نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: ((الصلاةَ عبادَ اللهِ))، فجاءوا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد الصلاة حرَّضَهم على القتال وحثهم عليه، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصفون جنودهم؛ لملاقاة عدوِّهم، وأمر أصحابه ألا يبدأوا القتال حتى يأمُرَهم، وفي صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: ((إذا أكسبوكم- أي: دنوا منكم- فارْمُوهم واستبقوا نَبْلكم))، وفي صبيحة هذا اليوم جاءت قريش إلى وادي بدر استعدادًا للقتال والمواجهة، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهُمَّ هذه قريشٌ قد أقبلَتْ بخُيلائها وفَخْرها تُحادُّكَ وتُكذِّبُ رسولَك، اللهم فنصرَك الذي وعَدْتَني، اللهم أحِنْهُم الغَداةَ)) فلما وصل جيش قريش إلى ميدان المعركة بعثوا عمير بن وهب يستطلع من بعيد على جيش المسلمين، وعن عددهم وعتادهم، فتجوَّل عمير حول العسكر، فرجع إلى قومه، فقال: القوم ثلاثمائة، يزيدون قليلًا أو ينقصون قليلًا، وقال لهم: يا معشر قريش، رأيت البلايا تحمل المنايا، نواضح المسلمين تحمل لكم السم الناقع، فأروا رأيكم، فلما سمع حكيم بن حزام ذلك أشار على عتبة- وكان من كبار قريش- أن يرجع بالناس ولا يُقاتل المسلمين، فقال عتبة: اذهب إلى أبي جهل فإنه لا يصرف الناس غيره، ثم قام عتبة خطيبًا فيهم فقال: أيها الناس، إني أرى قومًا مستميتين، لا تصلون إليهم وفيكم قوة، فلما سمع أبو جهل كلام عتبة قال له: أنت تقول هذا يا عتبة؟! وهل امتلأ جوفك رعبًا وخوفًا؟! فلا نرجع حتى نقاتلهم وقد جبنت يا عتبة، فقال عتبة لأبي جهل: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ؟! ستعلم أينا الجبان، ومعنى مُصفِّر استه؛ أي: كلمة تقال للمترف المتنعم الذي لم يجرب الشدائد.

فأفسد أبو جهل رأي عتبة، فتغلب الطيش على الحكمة، وأول قتيل في هذه المعركة هو الأسود بن عبد الأسد من المشركين، وكان رجلًا شرسًا سيِّئ الخُلُق، فقال: أعاهد الله، لأشربن من حوض المسلمين أو لأهدمنه حتى يظمئوا أو أقتل دونه، فلما خرج إلى الحوض لهدمه خرج إليه حمزة رضي الله عنه، فضرب حمزة قدم الأسود حتى قطع رجله، ثم حبا عتبة إلى الحوض ليبر بيمينه، ثم قتله حمزة رضي الله عنه داخل الحوض، فكان هذا أول قتيل في معركة بدر، ثم بعد ذلك بدأت المبارزة، فخرج ثلاثة من خيرة فرسان قريش وهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد بن عتبة، وخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار وهم: عوف ومعاذ ابنا الحارث، وعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم، فكأنهم استصغروهم، فقالوا: يا محمد، أخرج لنا أكفاءنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي، فبارز عبيدة عتبة، وبارز علي الوليد بن عتبة، وبارز حمزة شيبة، فأما حمزة وعلي رضي الله عنهما فقد قتلا صاحبيهما مباشرةً، وأما عبيدة مع صاحبه فاختلفا ضربتين فجرح كل منهما صاحبه، ثم كرَّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه، وفي هؤلاء الستة نزل قول الله تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19] الآيات؛ رواه البخاري ومسلم.

وهكذا فقد المشركون ثلاثة من أكبر فرسانهم في أول القتال دفعة واحدة، فاستشاطت قريش غضبًا، وتزاحف الجيشان والتقى الصفَّان، ودنا بعضهم من بعض، ولما اشتدَّ القتال استفتح أبو جهل فقال: اللهم أقطعنا للرحم فأَحِنْه الغداةَ، فنزل قول الله تعالى: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾ [الأنفال: 19] الآية، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام، فما زال يناشد ربَّه قائلًا: ((اللهم أنجِز لي ما وعدْتَني، اللهم إني أَنْشُدُكَ عهدَك ووعدَك))، واجتهد في الدعاء حتى سقط رداؤه عليه الصلاة والسلام، فقال له أبو بكر وقد أشفق عليه: حسبك يا رسول الله؛ فإن الله عز وجل سينجز لك ما وعدك، وفي تلك الأثناء نزل خيار السماء من الملائكة، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد دعائه هذا أغفى إغفاءة يسيرة، ثم انتبه، فقال: ((أبْشِر يا أبا بكرٍ، أتاكَ نصرُ الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثَنياه النَّقْع))؛ أي: الغبار؛ أخرجه البخاري، هكذا بدأ الهجوم الكاسح من المسلمين على المشركين، والرسول عليه الصلاة والسلام يُبشِّر أصحابه بقوله: ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر: 45]، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب، ثم رماها في وجوه القوم، فما من أحد إلا وأصابت عينيه، فقال: ((شاهت الوجوه))؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17]، وقتل من صناديد قريش سبعون، وأُسِر منهم أيضًا سبعون أسيرًا، وأما المسلمون فقد استشهد منهم أربعةَ عشرَ رجلًا، وكان أيضًا من نتائج بدر أن الأعداء صاروا يخافون من المسلمين وفي أثنائها أيضًا وبعدها أسلم الكثيرون، ولما انتهت المعركة دَفَن النبي صلى الله عليه وسلم أربعةَ عشرَ رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في بئر خبيثة في بدر؛ كما رواه البخاري.

وبعد ثلاثة أيام من بدر رجع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة رضي الله عنهم إلى المدينة وهم يصطحبون الأسرى من بدر، ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم أبناء العم والعشيرة، فأرى أن تأخذ منهم الفدية وتُطْلِقهم، ولعل الله أن يهديهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ترى يابن الخطاب؟)) فقال عمر رضي الله عنه: أرى أن تمكننا منهم فنضرب أعناقهم حتى يعلم الله أننا ليس في قلوبنا هوادة للمشركين؛ ولهذا جاء القرآن موافقًا لرأي عمر رضي الله عنه، إخواني الكرام وفي نهاية هذا العرض السريع لتلك الغزوة لعلنا نستخرج الدروس والعبر مما سبق.

الدرس الأول: إن انتصار الحق على الباطل ليس بالعدد والعتاد؛ وإنما هو تأييد من عند الله تبارك وتعالى للحق وأهله ومكر بالباطل وأهله، وهذه هي الفطرة الإلهية أن الله تعالى ينصر دينه وأولياءه، وهذا يظهر جليًّا من خلال تلك الغزوة العظيمة حيث لم يتكافأ عدد المسلمين مع المشركين؛ بل إن المشركين أضعاف المسلمين في عددهم وعتادهم؛ ولكن الله تعالى بالمرصاد لمن خالف أمره، فهنيئًا لأهل الحق بانتصارهم وإن حصل ضد ذلك فهو ابتلاء لأهل الحق وإملاء واستدراج لأهل الباطل، أما الفطرة الثابتة فهي أن الله تعالى ينصر دينه وأولياءه على الباطل وأهله، والمحصلة النهائية على كلا الحالين من النصر والهزيمة أن أهل الحق هم الناجون وإن هزموا، وأن أهل الباطل هم الهالكون وإن انتصروا.

الدرس الثاني: يظهر من خلال تلك الغزوة العظيمة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي أنه أراهم مصارع القوم قبل المعركة والقتال، فيقول الصحابة رضي الله عنهم: والله ما تأخر هؤلاء القوم عن مكانهم الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزة عظيمة لهذا النبي الكريم، ولنعلم أخواني وأخواتي الكرام أن القراءة في المعجزات النبوية تعطي دروسًا عظيمة وقوة الإيمان بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فما أجمل أن يكون لنا قراءة وتدبر في تلك المعجزات النبوية، فهي من دلائل النبوة الكبرى، يستنير بها المسلم، وتكون سببًا لثباته وتعظيمه لله عز وجل.

الدرس الثالث: الله تعالى لطيف بعباده المؤمنين فينصرهم وييسر أمورهم ويشرح صدورهم، وهذا من مظاهر الرحمة الإلهية واللطف الرباني، وهذا يظهر من خلال ما حصل في تلك الغزوة من إنزال المطر ليعزز الأرض ويقويها، ويزيل عنها غبارها؛ حيث كانت أرضهم رملية مغبرة، وكذلك ألقى عليهم النعاس أمنة منه لهم؛ ليرتاحوا ويأخذوا قسطًا من النوم أيضًا؛ ليلقوا عدوَّهم بنشاط وقوة وبسالة، وكذلك من لطف الله تعالى عليهم ما حصل لهم من الثبات حال اللقاء فهو عامل مهم في النصر بعد توفيق الله تعالى، وأيضًا من لطفه بهم أن الله تعالى قلل الكفار في نظر المسلمين وأيضًا كثر المسلمين في نظر الكفار؛ وذلك لتقوى عزيمة المسلمين، وهذا أمر خارق، إن هذه العوامل كلها وأمثالها هي من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين، فالله تعالى شكور، فلما استجابوا لأمره لم يتركهم؛ وإنما جازاهم على صنيعهم بحيث كان معهم، ومن كان الله معه، فلن يغلبه أحد، ومَن عصاه فهو المخذول المذموم.

الدرس الرابع: إن الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى من أعظم الأسباب في كشف الكربات ونزول الخيرات، وهذا يظهر جليًّا من كثرة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حال القتال وسؤاله لينصر الله تعالى عباده، فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا يدعو ويتوسل بالحي القيوم، ثم ذهبتُ إلى ميدان القتال ورجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، فإذا هو ساجد يدعو، ثم ذهبتُ إلى ميدان القتال ورجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثالثة، فإذا هو ساجد يدعو، فالالتجاءُ إلى الله تعالى في جميع الأحوال في السلم والحرب، والخوف والأمْن، والصحة والمرض، وغيرها، مطلبٌ كبيرٌ لكل مسلم.

فيا إخواني الكرام، لا غنى لنا جميعًا عن ربنا ولا طرفة عين، فلنكن في جميع حاجاتنا وأحوالنا ندعو الله تعالى بتيسيرها، ولا نتوقف على الأسباب الظاهرة المبذولة، فقد تفشل الأسباب وينجح الدعاء، فوصيتي لك أخي الكريم أنك إذا أردتَ عملًا معينًا من شراء أو علاج أو استشارة أو سفر أو غير ذلك من شؤونك، فادْعُ الله تعالى بتيسيره، فلو لم يُيسِّره الله لم يتيسر، والبعض منا قد تمر به أحلك الظروف وأشدها فينسى الدعاء، ويبحث عن الأسباب المحسوسة، فالدعاء هو ارتباط بالله تعالى وثيق، وكذلك هو العمل الذي تربح فيه في غالب أحوالك، فلك بدعائك أن تُعطى ما سألت، أو يدفع عنك سوء أو يُدَّخر لك حسنات، فأنت رابح وبكثرة، وإنني أرغب في تصحيح مفهوم خاطئ عند البعض؛ حيث إذا لم يجد حقيقة ما سأل ترك الدعاء وقال: إنه لا يُستجاب لي، وهذا لا شك أنه جهل عظيم، فكم دفع الله عنك من البلاء، فلربما أن ذلك بسبب الدعاء، وأيضًا وما يدريك أن الله تعالى ادَّخَر لك حسنات تجدها أحوج ما تكون إليها، فالدعاء عبادة عظيمة لا نغفل عنه أيها المباركون، ولنُرَبِّ أولادنا عليه، واستفتح دعاءك بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضًا بالتوسل بالحي القيوم، ثم اسأل الله تعالى تجد الإجابة قريبةً جدًّا بإذن الله عز وجل.

الدرس الخامس: في غزوة بدر حصل للكفار خلل في اتفاقهم، وافترقوا أيضًا في آرائهم، وذلك في مبدأ الغزوة وفي نهايتها، وهذا يعطينا درسًا عظيمًا؛ أن الباطل مهما انتفش فهو غير متفق، والسبب الكبير في ذلك أنه مخالف للفطرة، ويظهر خلله في نتائج أعماله وإن كان متفقًا في الظاهر إلا أنه متخلخل في الباطن، فالكفار في تلك الغزوة حصل لهم من الخلاف ما جعل بعضهم يُعيِّر بعضًا بالجبن والخوف كما حصل ذلك بين عتبة وأبي جهل، ولكل منهما أعوان وأنصار، فالباطل دائمًا يختلف ولا يتفق؛ لأن الاتفاق نعمة، والاختلاف نقمة، وكلاهما بيد الله تعالى، فمن أطاعه أعطاه النعمة، ومن خالفه جازاه بالنقمة، فيا ليتنا ندرك هذا تمامًا؛ لكي تكون نعم الله تعالى علينا متتابعة، وأيضًا متتالية، فاحرص أخي الكريم أن تكون مُتبعًا للحق في جميع أحوالك، وفي حال اختلاف الناس فعليك برأي العلماء الراسخين في العلم فاتبعهم فإنهم يسيرون مع الدليل من الكتاب والسنة، ولا تغترَّ بكثرة الباطل، فعدد المشركين في غزوة بدر أضعاف المسلمين ومع ذلك هزموا، فانجُ بنفسك من مواطن الفتنة والرَّدَى.

إخواني الكرام، تلكم لفتات يسيرة عن غزوة بدر الكبرى التي كان لمن شارك فيها شرفٌ كبيرٌ في مغفرة ذنوبهم ودخولهم جنات النعيم برحمة الله تعالى، فلنقرأ عنها وعن غيرها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليتصحح عندنا أفعال وأقوال وأحكام كانت خاطئةً من ذي قبل، فنعبد الله تعالى على بصيرة، فعندما تجتمع الأسرة ولو مرة في الأسبوع، ثم يتداولون بينهم شيئًا من هذا، فهم على خير عظيم وثواب جزيل وهو مجلس تحفُّه الملائكة وتغشاه السكينة وتنزل عليه الرحمة، ويذكر الله تعالى أصحابه فيمن عنده، وماذا نريد بعد ذلك؟! وإن التجربة برهانٌ كبيرٌ، فلعلك أخي المبارك تعقد ذلك المجلس مع أولادك، وستجد من الأرباح ما لم يكن في الحسبان، إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي منهجٌ يسير عليه المسلم تزكيةً لنفسه وسلامةً لقلبه وشرحًا لصدره وتصحيحًا لمفاهيمه، وما تقرؤه من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام اذكره في مجالسك لتفيد وتستفيد، وهذا لا شك أنه من طلب العلم ونشره.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المفلحين، وأن يوصلنا دار السلام بسلام، كما أسأله تبارك وتعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يجعلنا من عباده الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، وأن يغفر لنا ووالدينا والمسلمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صمتى لغتى
12-19-2022, 12:09 PM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن

حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:13 AM
اسعدني حضوركم