حكاية ناي ♔
01-22-2024, 03:49 PM
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: من الأهمية بمكانٍ أنْ يتفَقَّه المُسْلِمُ في دِينه، وهناك آدابٌ ينبغي للمسلم أنْ يتأدَّب بها عندما يضطر إلى الحَلِفِ بالله تعالى في أَمْرٍ من الأمور، سواءٌ طُلِبَ منه القَسَم، أو أَقْسَمَ هو من تلقاء نفسِه، والحَلِفُ بِاللَّهِ عز وجل، له آدابٌ وأحكامٌ، ومنها:
1- أَنْ يُحْلَفَ بِاللَّهِ تعالى دُونَ سِواه: فلا يجوز الحلف بغير الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» صحيح – رواه أحمد؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» صحيح – رواه أبو داود؛ وقال أيضًا: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا؛ فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ» رواه البخاري. وعِلَّةُ النَّهي: أنَّ الحَلِفَ تعظيمٌ للمحلوفِ به، وهذا التعظيم لا ينبغي أن يكون إلاَّ لله تعالى. فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله؛ لأنه مخلوق، وأما الخالِقُ جل وعلا فإنه يَقْسِمُ بما شاء من مخلوقاته.
2- تَرْكُ اللَّجَاجِ فِي اليَمِينِ: واللَّجَاجُ: هو أنْ يُرَدِّدَ اليَمِينَ ويُكْثِرَ منها، حتى لو تبيَّن له خطؤه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَلَجَّ أَحَدُكُمْ فِي الْيَمِينِ؛ فَإِنَّهُ آثَمُ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا» صحيح – رواه ابن ماجه. قال ابن حجر رحمه الله: (مِنَ اللَّجَاجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَمَادَى فِي الْأَمْرِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ، وَأَصْلُ اللَّجَاجِ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا).
3- مَنْ حَلَفَ بِغَيرِ اللهِ نَاسِيًا؛ فَلْيَقُلْ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ": قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ - فِي حَلِفِهِ: "بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى"؛ فَلْيَقُلْ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ"» رواه البخاري. وكثيرٌ من الناس يقع في ذلك ناسيًا؛ فعليه أنْ يُجَدِّدَ توحيدَه بهذه الكفَّارَةِ؛ فيقول بعد ذلك: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ".
4- أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي يَمِينِه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احْلِفُوا بِاللَّهِ، وَبَرُّوا، وَاصْدُقُوا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ» صحيح – رواه أبو نعيم في "الحلية". ومن أكبر الكبائر: الحَلِفُ بِاللَّهِ كاذبًا، وهي اليمينُ الغَمُوسُ؛ لأنها تغمس صاحِبَها في الإثم، وفي النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» صحيح – رواه أبو داود. واليمينُ المَصْبُورَةُ: هي المُلازِمَةُ لِصَاحِبِها. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].
5- أَنْ يُصَدِّقَ "الحَالِفَ"، ويَرْضَى بِالْحَلِفِ بِاللَّه: تعظيمًا لله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ» صحيح – رواه ابن ماجه. ولذا كان الأنبياءُ والصَّالحون يُعَظِّمون الحَلِفَ بالله أشَدَّ التعظيم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: "أَسَرَقْتَ؟" قَالَ: "كَلاَّ! وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ". فَقَالَ عِيسَى: "آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي"» رواه البخاري.
6- إِبْرَارُ الْقَسَمِ: بمعنى أن يَبَرَّ بِقَسَمِه؛ فيأتي الحالِفُ بما أَقْسَمَ عليه، فإذا حَلَفَ أَنْ يفعلَ شيئًا فليفعله، وإذا حَلَفَ ألاَّ يفعلَ شيئًا فلا يفعله، ما لم يكن إثمًا.
7- تَرْكُ الحَلِفِ عَلَى شَيْءٍ مُحَرَّمٍ: فلا يجوزُ الحَلِفُ على فِعْلِ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ فِيمَا لاَ يَصْلُحُ؛ فَبِرُّهُ أَنْ لاَ يَتِمَّ عَلَى ذَلِكَ» صحيح – رواه ابن ماجه.
8- الاسْتِثْنَاءُ فِي الحَلِفِ: وذلك بقول: "إنْ شَاءَ اللهُ". وفائدته: ألاَّ يكونَ حَانِثًا إذا لم يستطع الوفاءَ باليمين، وليس المقصود بهذا الاستثناء أنْ يُضْمِرَ في نفسِه عَدَمَ البِرِّ باليمين؛ فإنَّ هذا من علامات النِّفاقِ – والعياذُ بالله، وإنما المقصودُ الاحتياط حتى لا يقع الحالِفُ في الحِنْثِ بِاليَمِين، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى؛ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ» صحيح – رواه أبو داود.
9- الْحَلِفُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ: فلا يُشرع أَنْ يُقْسِمَ على أَمْرٍ، وفي نِيَّتِه شيءٌ آخر؛ كأنْ يَحْلِفَ بخصوصِ شيءٍ مُعَيَّنٍ؛ وفي نِيَّتِه أنه لم يفعلْه اليوم، وقد فَعَلَه بالأمس! بل الحَلِفُ يكون عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ؛ لقوله النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ» رواه مسلم. وقولِه صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رواه مسلم. أي: يَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، فلا يجوز التَّعْرِيضُ والتَّوْرِيَةُ في اليَمِينِ، ومن المفاسد المترتبة عليه أنه يذهب بثقة الناسِ في حَلِفِهم، فلا يكاد يُصَدِّقُهم أحد.
الخطبة الثانية
الحمد لله... أيها المسلمون.. ومِنْ أهَمِّ آدابِ الحَلِفِ وأحْكَامِهِ:
10- إِبْرَارُ الْمُقْسِمِ: عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ» وذَكَرَ منها: «إِبْرَارَ الْمُقْسِمِ» رواه البخاري. فَمِنْ حَقِّ المسلم على أخيه المسلم، أنْ يَبَرَّ قسَمَه، ويُجِيبَه إلى ما حَلَفَ عليه فيه، فلا يجعله يحنث في يمينه. ما لم يكن قسَمُه في غيرِ طاعةِ الله، فلا يجوزُ إبرارُه.
11- التَّكْفِيرُ عَنِ اليَمِينِ، والرُّجوعُ إلى مَا هُوَ خَيْرٌ: فمَنْ حَلَفَ على أَمْرٍ، ثم رأى الخَيْرَ والصَّوابَ في الرُّجوع عن اليمين؛ فإنه يفعلُ ما هو خيرٌ، ويُكفِّرُ عن يمينِه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ! إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رواه البخاري ومسلم. فمَنْ حَلَفَ على شيءٍ يُخالِفُ الشَّرْعَ؛ فعليه أنْ يُكَفِّرَ عن يمينِه، وأنْ يأتِيَ بما هو خيرٌ، ويترُكَ الإِثْمَ.
12- كَفَّارَةُ اليَمِينِ: قال الله تعالى: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [المائدة: 89]. أي: كَفَّارَةُ اليمينِ الذي عقدتموها بقصدكم: إمَّا بإطعامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَمن عامَّةِ طَعامِ الأهل، أو كسوتِهم، أو تحريرِ رقبةٍ، أو صِيامِ ثلاثةِ أيامٍ لغيرِ القادِرِ، ولا يَصُومُ إلاَّ عند عدمِ القُدرَةِ على ما قَبْلَه.
13- حِفْظُ الأَيْمَانِ؛ بِعَدَمِ الحَلِفِ فِي كُلِّ الأُمُورِ: لا ينبغي للمسلم أنْ يَعْتَادَ لسانُه على الحَلِفِ بالله فيما دقَّ وجَلَّ، وصَغُرَ وكَبُرَ؛ فإنَّ هذا استهانةٌ باسْمِ اللهِ تعالى، وكثيرٌ من الناس لا يَكَادُ يَنْطِقُ بكلمةٍ دون حَلِفٍ، وهذا لا يَلِيقُ، فالأصْلُ ألاَّ يَحْلِفَ المرءُ إلاَّ فيما يَسْتحقُّ الحَلِفُ من الأمور؛ قال تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ أي: عَنِ الحَلِفِ باللهِ كاذبًا، وعن كَثْرَة الأَيْمانِ، واحْفَظُوها - إذا حَلَفْتُمْ - عن الحِنْثِ فيها، إلاَّ إذا كان الحِنْثُ خيرًا، فتمامُ الحِفْظِ أَنْ يَفْعَلَ الخَيرَ.
14- عَدَمُ اتِّخَاذِ الحَلِفِ وَسِيلَةً؛ لِتَرْوِيجِ السِّلَعِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَومَ الْقِيامةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ، وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَتَهُ لاَ يَشْتَرِي إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَلَا يَبِيعُ إِلَّا بِيَمِينِهِ» صحيح – رواه البيهقي. فهذا وعيدٌ شديدٌ لِمَنْ يُسَوِّقُ بِضاعَتَه بِالحَلِفِ الكاذِبِ؛ فإنَّ أكْثَرَ الباعَةِ – إلاَّ مَنْ رَحِمَ ربُّك - لا يكادون يكفُّون عن الحَلِفِ بالله، فيقول أحدُهم: "واللهِ قِيمتُه بكذا"، "واللهِ اشتريتُه بكذا"، أو "واللهِ عُرِضَ عليَّ فيه كذا"، وهو كاذِبٌ في يمينه، جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَتَهُ!
1- أَنْ يُحْلَفَ بِاللَّهِ تعالى دُونَ سِواه: فلا يجوز الحلف بغير الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» صحيح – رواه أحمد؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» صحيح – رواه أبو داود؛ وقال أيضًا: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا؛ فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ» رواه البخاري. وعِلَّةُ النَّهي: أنَّ الحَلِفَ تعظيمٌ للمحلوفِ به، وهذا التعظيم لا ينبغي أن يكون إلاَّ لله تعالى. فلا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله؛ لأنه مخلوق، وأما الخالِقُ جل وعلا فإنه يَقْسِمُ بما شاء من مخلوقاته.
2- تَرْكُ اللَّجَاجِ فِي اليَمِينِ: واللَّجَاجُ: هو أنْ يُرَدِّدَ اليَمِينَ ويُكْثِرَ منها، حتى لو تبيَّن له خطؤه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَلَجَّ أَحَدُكُمْ فِي الْيَمِينِ؛ فَإِنَّهُ آثَمُ، لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا» صحيح – رواه ابن ماجه. قال ابن حجر رحمه الله: (مِنَ اللَّجَاجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَمَادَى فِي الْأَمْرِ وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ، وَأَصْلُ اللَّجَاجِ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا).
3- مَنْ حَلَفَ بِغَيرِ اللهِ نَاسِيًا؛ فَلْيَقُلْ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ": قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ - فِي حَلِفِهِ: "بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى"؛ فَلْيَقُلْ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ"» رواه البخاري. وكثيرٌ من الناس يقع في ذلك ناسيًا؛ فعليه أنْ يُجَدِّدَ توحيدَه بهذه الكفَّارَةِ؛ فيقول بعد ذلك: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ".
4- أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي يَمِينِه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احْلِفُوا بِاللَّهِ، وَبَرُّوا، وَاصْدُقُوا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ» صحيح – رواه أبو نعيم في "الحلية". ومن أكبر الكبائر: الحَلِفُ بِاللَّهِ كاذبًا، وهي اليمينُ الغَمُوسُ؛ لأنها تغمس صاحِبَها في الإثم، وفي النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» صحيح – رواه أبو داود. واليمينُ المَصْبُورَةُ: هي المُلازِمَةُ لِصَاحِبِها. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].
5- أَنْ يُصَدِّقَ "الحَالِفَ"، ويَرْضَى بِالْحَلِفِ بِاللَّه: تعظيمًا لله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ» صحيح – رواه ابن ماجه. ولذا كان الأنبياءُ والصَّالحون يُعَظِّمون الحَلِفَ بالله أشَدَّ التعظيم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: "أَسَرَقْتَ؟" قَالَ: "كَلاَّ! وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ". فَقَالَ عِيسَى: "آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي"» رواه البخاري.
6- إِبْرَارُ الْقَسَمِ: بمعنى أن يَبَرَّ بِقَسَمِه؛ فيأتي الحالِفُ بما أَقْسَمَ عليه، فإذا حَلَفَ أَنْ يفعلَ شيئًا فليفعله، وإذا حَلَفَ ألاَّ يفعلَ شيئًا فلا يفعله، ما لم يكن إثمًا.
7- تَرْكُ الحَلِفِ عَلَى شَيْءٍ مُحَرَّمٍ: فلا يجوزُ الحَلِفُ على فِعْلِ شَيْءٍ مُحَرَّمٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ فِيمَا لاَ يَصْلُحُ؛ فَبِرُّهُ أَنْ لاَ يَتِمَّ عَلَى ذَلِكَ» صحيح – رواه ابن ماجه.
8- الاسْتِثْنَاءُ فِي الحَلِفِ: وذلك بقول: "إنْ شَاءَ اللهُ". وفائدته: ألاَّ يكونَ حَانِثًا إذا لم يستطع الوفاءَ باليمين، وليس المقصود بهذا الاستثناء أنْ يُضْمِرَ في نفسِه عَدَمَ البِرِّ باليمين؛ فإنَّ هذا من علامات النِّفاقِ – والعياذُ بالله، وإنما المقصودُ الاحتياط حتى لا يقع الحالِفُ في الحِنْثِ بِاليَمِين، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى؛ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ» صحيح – رواه أبو داود.
9- الْحَلِفُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ: فلا يُشرع أَنْ يُقْسِمَ على أَمْرٍ، وفي نِيَّتِه شيءٌ آخر؛ كأنْ يَحْلِفَ بخصوصِ شيءٍ مُعَيَّنٍ؛ وفي نِيَّتِه أنه لم يفعلْه اليوم، وقد فَعَلَه بالأمس! بل الحَلِفُ يكون عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ؛ لقوله النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ» رواه مسلم. وقولِه صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رواه مسلم. أي: يَمِينُ الْحَالِفِ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ، فلا يجوز التَّعْرِيضُ والتَّوْرِيَةُ في اليَمِينِ، ومن المفاسد المترتبة عليه أنه يذهب بثقة الناسِ في حَلِفِهم، فلا يكاد يُصَدِّقُهم أحد.
الخطبة الثانية
الحمد لله... أيها المسلمون.. ومِنْ أهَمِّ آدابِ الحَلِفِ وأحْكَامِهِ:
10- إِبْرَارُ الْمُقْسِمِ: عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ» وذَكَرَ منها: «إِبْرَارَ الْمُقْسِمِ» رواه البخاري. فَمِنْ حَقِّ المسلم على أخيه المسلم، أنْ يَبَرَّ قسَمَه، ويُجِيبَه إلى ما حَلَفَ عليه فيه، فلا يجعله يحنث في يمينه. ما لم يكن قسَمُه في غيرِ طاعةِ الله، فلا يجوزُ إبرارُه.
11- التَّكْفِيرُ عَنِ اليَمِينِ، والرُّجوعُ إلى مَا هُوَ خَيْرٌ: فمَنْ حَلَفَ على أَمْرٍ، ثم رأى الخَيْرَ والصَّوابَ في الرُّجوع عن اليمين؛ فإنه يفعلُ ما هو خيرٌ، ويُكفِّرُ عن يمينِه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ! إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رواه البخاري ومسلم. فمَنْ حَلَفَ على شيءٍ يُخالِفُ الشَّرْعَ؛ فعليه أنْ يُكَفِّرَ عن يمينِه، وأنْ يأتِيَ بما هو خيرٌ، ويترُكَ الإِثْمَ.
12- كَفَّارَةُ اليَمِينِ: قال الله تعالى: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [المائدة: 89]. أي: كَفَّارَةُ اليمينِ الذي عقدتموها بقصدكم: إمَّا بإطعامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَمن عامَّةِ طَعامِ الأهل، أو كسوتِهم، أو تحريرِ رقبةٍ، أو صِيامِ ثلاثةِ أيامٍ لغيرِ القادِرِ، ولا يَصُومُ إلاَّ عند عدمِ القُدرَةِ على ما قَبْلَه.
13- حِفْظُ الأَيْمَانِ؛ بِعَدَمِ الحَلِفِ فِي كُلِّ الأُمُورِ: لا ينبغي للمسلم أنْ يَعْتَادَ لسانُه على الحَلِفِ بالله فيما دقَّ وجَلَّ، وصَغُرَ وكَبُرَ؛ فإنَّ هذا استهانةٌ باسْمِ اللهِ تعالى، وكثيرٌ من الناس لا يَكَادُ يَنْطِقُ بكلمةٍ دون حَلِفٍ، وهذا لا يَلِيقُ، فالأصْلُ ألاَّ يَحْلِفَ المرءُ إلاَّ فيما يَسْتحقُّ الحَلِفُ من الأمور؛ قال تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ أي: عَنِ الحَلِفِ باللهِ كاذبًا، وعن كَثْرَة الأَيْمانِ، واحْفَظُوها - إذا حَلَفْتُمْ - عن الحِنْثِ فيها، إلاَّ إذا كان الحِنْثُ خيرًا، فتمامُ الحِفْظِ أَنْ يَفْعَلَ الخَيرَ.
14- عَدَمُ اتِّخَاذِ الحَلِفِ وَسِيلَةً؛ لِتَرْوِيجِ السِّلَعِ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَومَ الْقِيامةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ، وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَتَهُ لاَ يَشْتَرِي إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَلَا يَبِيعُ إِلَّا بِيَمِينِهِ» صحيح – رواه البيهقي. فهذا وعيدٌ شديدٌ لِمَنْ يُسَوِّقُ بِضاعَتَه بِالحَلِفِ الكاذِبِ؛ فإنَّ أكْثَرَ الباعَةِ – إلاَّ مَنْ رَحِمَ ربُّك - لا يكادون يكفُّون عن الحَلِفِ بالله، فيقول أحدُهم: "واللهِ قِيمتُه بكذا"، "واللهِ اشتريتُه بكذا"، أو "واللهِ عُرِضَ عليَّ فيه كذا"، وهو كاذِبٌ في يمينه، جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَتَهُ!