حكاية ناي ♔
01-26-2024, 08:37 AM
مُحَمَّد زينُ العابدين بنُ الشَّيْخ مُحَمَّد عَطاء الله بنُ الشَّيْخ إبراهيم بنُ الشَّيْخ أحْمَد بن الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ مُحَمَّد صالِح بن الشَّيْخ مُحَمَّد
الملقب بالْجَذْبَة هو عالم إسلامي من مواليد 1910، وتوفي 2005م.
ولادته ونشأته
وُلِدَ بحلبَ الشَّهباء سَنَةِ (1328هـ-1910م) بحَيِّ البيّاضَة ونَشَأَ فيه من أُسرةٍ عُرفَتْ بالعِلْمِ والْمَعْرفة، وعُهِدَ في بَيْتِها التَّدريسُ والْفَتْوى والْخَطابَةُ بالْجامعِ الأمويّ الكبير. تَنْحَدِرُ من سُلالةِ الْحُسَيْن بن علي.
كان والدُهُ خَطيباً مُفَوَّهاً في الْجامِع الأمويّ الكبير بحلب، ومُدَرِّساً بالْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة. فاعتَنى به حتى حَفِظَ القرآنَ وهو ابنُ عشر سنين، ثمَّ ألْحَقَهُ بالْمَدْرَسَة العربيَّة الإسلاميَّة الْخاصة. لكنَّه فُجِعَ بِوفاةِ والدِهِ وكانَ عُمُرُهُ ثلاثَ عشرةَ سَنَةً فأتمَّ تَحصيلَ الْمرحَلةِ الابتدائيةِ بمَدْرَسَةٍ عَامةٍ هي «مَدْرَسةُ النَّجاة».
تُوفِّيَ والدُه وتَرَكَ له أَخوينِ أَصْغرَ منه مع أمٍّ فاضلة حنَتْ عليهم وأحْسَنَتْ إليهم وكانتْ له حافِزاً بالانتسابِ إلى الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة الَّتي كانَتْ أزْهرَ البِلاد السُّوريَّة ليَسْلُكَ سَبيلَ والدِهِ وعائلتِهِ.
دراسته وشيوخه
انتَظَمَ في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة سَنَة 1344هـ/1925 م وأَكَبَّ على العِلْم مُثابِراً على تَحصيلِهِ غير مُسْتوطِِئ الْعَجْزَ والْخَوَرَ، مُستفيداً من العُلماءِ الأجلاّءِ الَّذين يُتَوَسَّمُ في أساريرِهم نورُ الرِّسالة، ويُتَنَسَّمُ من أعطافِهم أرَجُ النبوَّة، كانوا زُهورَ الشَّهباءِ أَدَباً وخُلُقاً، وكَواكبَ سَمائِها عِلْماً وفَضْلاً.
قَرأ الفِقْهَ الْحَنفيّ على الشَّيْخ أحْمَد مُحَمَّد الزَّرقا، وقرأَ أصولَ الفِقهِ الْحَنَفِيّ على الشَّيْخ أحْمَد الْكردي، وقَرأَ الْحَديثَ من الأربعين النَّوويَّة، ومُخْتَصَر ابن أبي جمرة للبُخاريّ، والشَّمائل المُحَمَديّة للإمام التِّرمذيّ على الشَّيْخ مُحَمَّد راغب الطَّباخ، كما قَرأَ عليه مِنْ عِلْمِ المُصْطَلَح مُقَدِّمَة ابن الصّلاح، والسِّيرة النَّبويَّة وسيرة الْخلفاء، وقَرأَ عِلْمَ المَنْطِق والتَّوحيد والْعَقيدة الإسلاميَّة على الشَّيْخ فيضُ اللهِ الأيوبي، كما قَرأَ عِلْمَ التَّفسير على الشَّيْخ أحْمَد الشَّمَّاع، وقرأَ عِلْمَ النَّحو والصَّرف والبَلاغة والأدب العربيّ على الشَّيْخ كامل الغَزي والشَّيْخ إبراهيم السَّلقيني والشَّيْخ مُحَمَّد النَّاشد، والشَّيْخ عُمَر أَسد، كما قَرأَ عِلْمَ الفرائض على الشَّيْخ مُحَمَّد عبد المُعطي وقرأَ كتابَ الشَّمائل المُحَمَّدية على الشَّيْخ عيسى البيانُوني، وقرأ عِلْم القراآتِ والتَّجويد على الشَّيْخ أحْمَد بن حامد التِّيجي الْمَدَني الْمَصري، كما دَرَسَ العُلوم الكونيَّة كالرِّياضيات، والْجغرافية.
تخرجه في الخسروية وملازمته دار الحديث بدمشق:
· تَخرَّج في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة سَنَة 1350هـ/ 1931 م، ثم لازمَ دارَ الْحديثِ بدِمشقَ يومَ كانَ شَيْخها مُحدِّثُ بلاد الشّام الشَّيْخ مُحَمَّد بدر الدّين الْحَسَنِي خلالَ الأعوامِ (1931-1934) م. والذي كانَ يُجِلُّهُ ويُعْظِمُ فَيْضَ عِلْمِهِ، ورِفعَة قَدْرِه، وعُلُوّ سَنَدِه. وكانَ يَذْكُرُ الرَّعايةَ الَّتي كان يَجِدُها مِنْه، والْمَحبَّة التي كان يُكنُّها له ولآبائِه.
وظائفه
الخَطابة
في سنة 1354ه/1934 م أُسْنِدَت إليه خَطابةُ الْجامع الأمويّ الكبير بتوجيهٍ من السَّيد الشَّيْخ تاج الدِّين الْحَسَني واستمرَّ به خطيباً لغاية سَنَة 1403هـ/ 1983م، حيثُ طَلَبَ نَقْلَهٌ من مديريةِ أوقافِ حلبَ إلى جامعِ التِّرمذي ليكونَ خَطيباً به، ثم تَرَكَ الخَطابَةَ سنة 1410ه/ 1990 م.
الوظيفة الإدارية
·في نيسان من سَنَة 1354هـ/ 1935م أُسنِدَتْ له أوقاف قَضاءِ الْمَعَرَّة، ثمَّ تمَّ نقلِهِ إلى مُديريةِ أوقافِ حلبَ سَنَة 1357هـ/ 1938م وباشرَ عمَلَهُ مُحاسباً لمُتَوَلِّي الأوقاف الإسلاميَّة بحلب، كما كانَ مُقَرِّراً في مَجلِسِ الأوقاف بحلب. في سَنَة 1382هـ/ 1963م تَرَكَ مديريةَ أوقاف حلب بناءً على طلَبِه لينتقلَ إلى مَلاكِ دائرةِ الإفتاء والتَّدريس الدِّيني ويَكون مُدَرِّساً عاماً لحَلبَ، واستَمرَّ بالتَّدريس لاينقطعُ عنه بِجِدٍ ونَشاطٍ ومُثابرةٍ عليه حتى قَبْلَ وفاتِه بقليلٍ من الأشْهر.
التَّدريس
· الْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة
ابتدأَ التَّدريس فيها سَنَة 1357هـ/ 1938م، وعُهِدَ إليه تَدريسَ عِلم الْمَنْطق والتَّوحيد للبقيَّةِ البَاقيَةِ من مُجَاوريها إلى أنْ أَغلِقَتْ أبوابُها سَنَة 1368هـ/ 1949م وانتهتْ أعمالها.
· الْمَدْرَسَة الكواكبيَّة
بعد أنْ عُطِّل العَمَلُ بالْمَدْرَسَة الْكَواكبيَّة الكائنة في حيّ الجلوم، آل التَّدريس منها إلى الْجامِعِ الْمجاورِ لها «جامِع أبي يَحيى الكَواكِبي» فعُهِد إليه التَّدريس به سَنَة 1364هـ/ 1945م واستَمَرَّ مُدَرِّساً فيه لغايةِ سَنَة 1413هـ/1992م.
· الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة
أُسْنِدَ إليه التَّدريس في هذه الْمَدْرَسَة المُباركةِ سَنَة 1368هـ/ 1949م، لطَيْفٍ كبيرٍ من الْمَواد الشَّرعيَّة، بعد أن ثابَ إلى المدْرسةِ عزُّها، وعادَتْ كما كانتْ مُشَيَّدَة الأركان، قويَّةَ البُنْيان، حاملةً اسم «مَعْهَدِ العُلوم الشَّرعيَّة»،
وفي سَنَةِ 1381هـ/ 1962م آل أمرُ إدارةِ الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة إلى جَمْعيَّةٍ خَيْريَّةٍ مُباركةٍ، كانَ أعضاؤها خَيْرَ خَلَفٍ فالِحٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ صَالِحٍ، فجَدُّوا في الأمر وصَرَفُوا فيه عنايَتَهُم، ووَضَعوا للحَقِّ أعلاماً، وبَنوا للعِلْم مَناراً، وأحدَثُوا «مَدْرَسَةَ التَّعليم الشَّرعيّ»، بعدما وَصَلُوا قَديمَها بحديثها، وباديَها بعَوائِدِها.
ثمَّ تَمَّ إحداثُ الصَّفِ الْخاصِ الْجامعيّ بذاك المكان المُبارك، وتمَّ رَبْطه مع الأزهر الشَّريف، فأُسْنِدَ له التَّدريس فيه أيضاً لمَجمُوعةٍ من المواد الشَّرعيَّة.
كان الشيخ لايألو جَهْداًَ في خِدْمةِ الميراث المُحَمَّدي وتوريثه طلابَ العلم. منذ أنْ بدءَ التَّدريس في تلك الْمَدرسة المُباركة ولغاية سَنَة 1422هـ/ 2002م.
· الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة
أُسْنِدَ إليه التَّدريسُ في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة «الثَّانويَّة الشَّرعيَّة» سنة 1384هـ/1964 م لطَيْفٍ كبيرٍ من الموادِ الشَّرعيَّة كالتَّوحيد، والْحديثِ الشَّريف، والتَّفسير، واستَمَرَّ مُدرِّساً في الثَّانوية الشَّرعيَّة لغاية سَنَةِ 1408هـ/ 1988م.
لقد قَرأَ عليه جُلّ علماءِ هذا البَلد منذ أنْ بَدأ التَّدريس بالْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة ثم بالْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة والثَّانوية الشَّرعيَّة، بزمنٍ قَدْره أربع وستون سَنَة، فقرأ عليه الْجدُّ والابنُ والْحفيدُ.
لقد أَحبَّ طلابَهُ وأَحَبوه، وكانوا يَرَوْن في مُدَرِّسِهم العَالِمَ الزَّاهدَ التَّقيَ الَّذي لايَقولُ إلاَّ ما يَفعل، كانوا يَرَوْنَ حالَهُ قبلَ أنْ يسْمعوا مَقَالَه، فلايأمُرُهُم بخُلُقٍ إلاَّ طَبَّقهُ على نفْسِه أوَّلاً وعلى مَنْ يعولُ ثانياً.
إجازاته
أُجيزَ بالْحديثِ الشَّـريف من المُؤرخِ الْمُحَدِّث الشَّيْخ مُحَمَّد راغب الطَّباخ بحلبَ الشَّهباء سَنَةِ 1351هـ/ 1932م، كما أُجيزَ من الشَّيْخ مُحَمَّد بن الهاشمي التَّلْمساني الحَسَنِيّ بدمشق الشَّام سَنة 1379 هـ/ 1959م، وأُجيزَ من المُحدِّث الشَّيْخ مُحَمَّد بن الْعَربي التُبَّاني المَغْربي الْمَكّي بمكَّة المكرَّمة سَنَة 1382هـ/ 1963م، وأُجيز من علاّمةَ تُركيا الشَّيْخ محمود سامي رمضان أوغلو، كما أجازَ الشيخ عدداً من مُريديه وطلابِه بما رواه عن شيوخه بالمَعقول والمَنقول.
مؤلفاته
كان رَحِمَهُ اللهُ تعالى بحَّاثَةً في مُطالعاتِه، فإذا أرادَ الشُّروع بتَحضيرِ مُقَرَّرِ التدريس، كان يَسْبِرُ أغوارَ كُتُبِهِ الَّتي مُلِئَتْ أطرافُها بالْحواشي الَّتي كانَ يَرْتَأي إضافَتَها مُتوخياًَ أنْ يأخذَ الْبَحثُ حقَّهُ من كافَّة جوانِبِهِ العلميَّة واللُّغوية مُصَنِّفاً ومُدَوِّناً الْبحثَ بدقَّةٍ فائقةٍ وبقلمٍ لُغويٍ رفيع الدَّرجة. فالشَّريعةُ الإسلاميَّةُ واللّغةُ العربيَّةُ- عنده- مُتلازمتان تَلازم الْمَعْنى واللَّفظ، والفِكْر والأداء فلا يَتَسنَّى لرَجلِ الْهِدايةِ والإصلاح أنْ يُبَلِّغ دَعْوةَ نبيِّه ‘ إذا لمْ يتمكَّنْ منهُما تَمَكُّنَ الدّارعِ البَطلِ من السَّيف الصَّقيل.
لقد تركَ رحمهُ اللهُ تعالى عديداً من الْمُصنفاتِ المَخطوطةِ التي تَضَوَّعتْ أَرَجاً بعلومِ التَّوحيد والعقيدةِ الإسلاميَّة، وتَضَمَّخَتْ
طِيباً بعُلُوم الْحديثِ الشَّريف وعُلوم التَّفسير، إضافةً إلى خُطَبِ يوم الْجُمعة والذي سُمِّيَ سفره «لوامعُ الخُطَب في أمويِّ حَلَب» والذي هو رهن الطباعة.
صِفاتُه ومَنْهَج حياتِه
عاشَ خمساً وتسعين سَنَةً، كانَت حياته يُنبوعاً في العلم والدَّقة واستقامةِ الذاكرة الَّتي لمْ تُلْوِها الأيام، وتَوقّد ذهن لم تُطْفِئْهُ السّنون. كانَ يقولُ: «هذه جوارحٌ حفظناها عن الْمعاصي في الصِّغر فحفظَها اللهُ علينا في الكِبَر».
فمُنْذُ أنْ وَعَى الحياةَ وهو في شَرْخِ شَبابِه كان يُحِبُّ مُجالَسَةَ العُلماء والصَّالحين، وذَوِي الفِكْرِ والفَضل ممن سَبَرَهم الدَّهرُ وعَجَمَتْ أعوادَهم الأيامُ.
كان رَحمَهُ اللهُ تعالى مُنَوَّر الشَّيْبَة، وَقوراً في مِشْيَتِهِ ومَجْلِسهِ وحَديثِه، يتَحلَّى بإباءٍ وشَمَم ورُجولةٍ كاملةٍ وحَصافَةِ عقلٍ وافرةٍ، يَصْدَعُ بكَلِمَةِ الْحَقِّ في تَلَطُفٍ وحِكْمةٍ، ثم في صَراحَةٍ ووضوح.
كانَ حَاضرَ البَديهة، صَادقَ الْفِراسَة، مُتَحَرّجاً عن الفُتْيا، عَاليَ الجنابِ، زاهداً بما في أيدي النّاس، مُعْتمداً على اللهِ في المَنْشَط والْمَكْرَه، مُستعيناً به في تصرُّفه ومُستقرِّه، سائلهُ أنْ يدخلَهُ مِضمار السَّابقين، وينزلهُ لسانَ صِدقٍ في الآخرين.
كان عظيمَ التَّواضِع بدون ضَعَةٍ
، له مِن اسمه «زين العابدين» النَّصيب الأوفى بالتَّعبد والرّجوع إليه. لايُحبُ أن يُثقِلَ ظِلّه على أحدٍ، حتى على وَلدِه، كان عَفَّ اللِّسان يُحبُ
ّ الْخيرَ وأهلَهُ، ويَقْتفي آثارَ أُولِي الفَضْلِ من العُلماءِ العَاملين والأتقياء الصّالحين الَّذين تَخَلَّف عن قافلتهم ليَحْذُوَ حَذْوَهُم ويسيرَ على قَدَمِهم. وكم كانتْ السَّعادةُ تَغْمرُ قلبَه والْفَرحةُ تَملأُ جوانِحَهُ بسَيْرِ طَيْفِهم وذِكر حَديثِهم.
وصَفَهُ فَضيلةُ الشَّيْخِ أحْمَد سَرْدار رحمَهُ اللهُ تعالى في كِتابِه
وهو يتَحَدَّثُ عنه بقولِهِ:
«حَضَرْتُ دُرُوسَهُ، وجالَستُه في بعضِ الْبيوت بِحلب، وتَقرَّبْتُ منه أكثر فأكثر أثناء دراستي في مَعهد العُلوم الشَّرْعِيَّة، وقَرأتُ عليه الشَّمائل المُحَمَّديِّة للإمام التِّرمذي مع شرح الْحديث وتَراجم الصَّحابة الذين وَرَدَتْ أسماؤهم أثناء الحديث والشَّرح، وقرأتُ عليه من علم التَّوحيد؛ الْجَوْهرة مع شَرْحِها، وله مُطالعاتٌ كثيرةٌ، وتقييداتٌ وتقريراتٌ أكثر وأشهر، وطلابه وتلامذته يعرفونه تمام المَعرفة، فهو المِثال في العِلْمِ وتَعليمه بحيث يُشعِرُ تلميذه بين يديه أنَّه ولدٌ من أولادِه، فكانَ هؤلاء ولا يزالون على تمام محبتهم له، لمَا فيه من الصِّفات التي تميَّز بها، فهو سَخيّ النَّفس كريم اليد، مِضْياف في منزله، ويُشعر ضيفه أنّه صاحب المنزل، يستقبِل بالتِّرحاب والتَّكريم ويُودّع بالمثل، ومَدارِكُهُ بعيدة المدى، شجاعٌ كبيرٌ قَرَنَ شَجاعتَهُ بالأدب والعقل، وهذه هي الشَّجاعة، فإن خرجَتْ عن حدِّ العقل كانتْ تَهوُّراً، وهيئته هيئةُ المُحدَِّثين، ولا غَرْوَ في ذلك فهو ممن ورثهم وأخذ عنهم، فهو مُتَواضعٌ، حَسَنُ المعاشرة، وحَسَنُ المحاضرة، أخلاقُهُ عالية وتربيتُه سامِية، مَهيب الطَّلعة وقور، صحِبْتُهُ أثناء الدِّراسةِ وبعدها، فكان نِعْمَ الأستاذ ونِعْمَ المُحَدِّث والمُرْشِد ، ينظُرُ إلى تلامذتِهِ بعد التَّخرجِ كما ينظُرُ الأخُ إلى أخيه، لا يتعالى على أحد منهم، وينظرُ إليهم أيضاً كقرناء له، وكيف يقارنُ البحرُ بالسَّاقية، ولكنَّه الخُلُقُ الرَّفيع ، وكنتُ ولا أزالُ أنظرُ إليه كما ينظرُ الولدُ إلى أبيه البار به المحترم عنده وعند سائر النّاس، يُكْثرُ من الصَّلوات والتَّسليمات على سيّدنا رسول الله‘ وله أورادٌ وأذكارٌ وأدعية، وقدمٌ كبيرٌ في التَّصوف الصَّافي، صَحِبَ الشَّيْخ أبا النصر مُحَمَّد بن سليم خلف الْحُمْصي، والشَّيْخ رجب الطَّائي الْحلبي، والشَّيْخ مُحَمَّد الْهاشمي الدِّمشقي، وبالْجُملةِ فهو مُدَرسٌ مُقرِّرٌ فاضلٌ، وخطيبٌ مُحاضر كاملٌ، له تأثيرٌ في القلوب حال وعظه وإرشاده العام كأنَّه الْحَسَنُ البصريّ أبو سعيد، وفي حال خوفه وخشوعه فكأنَّه مُحَمَّد بن سيرين، صاحب تقوى وورع وعبادة لله تعالى والتزام بالشَّرع الشَّريف، وتمسُّك بالسُّنَّة الْمُطَهَّرة، مُحبّ لله ولرسولهِ ولمن والاهما».
وفاته
في مساء يومِ السَّبت الَّذي صادفَ ليلة الْقدر من عام 1426هـ، والموافق التَّاسع والعشرون من شهر تشرين الأول من سَنَة 2005 للميلاد. اختارَ له اللهُ ما اختارَ لأصفيائِه وأوليائِه من جوارِهِ فأفضى إلى ربِّه وانتقلَ إلى رحمتِه.
شُيِّعَ جثمانُهُ ظُهْرَ يوم الأحد 30/تشرين الأول/ 2005 م من مَنْزله الكائن في زقاق الْجذبة بمحلَّة البيَّاضة إلى الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة. حيث صُلِّيَ عليه ثم دُفِنَ بتُربة كَرَزْ داده.
الملقب بالْجَذْبَة هو عالم إسلامي من مواليد 1910، وتوفي 2005م.
ولادته ونشأته
وُلِدَ بحلبَ الشَّهباء سَنَةِ (1328هـ-1910م) بحَيِّ البيّاضَة ونَشَأَ فيه من أُسرةٍ عُرفَتْ بالعِلْمِ والْمَعْرفة، وعُهِدَ في بَيْتِها التَّدريسُ والْفَتْوى والْخَطابَةُ بالْجامعِ الأمويّ الكبير. تَنْحَدِرُ من سُلالةِ الْحُسَيْن بن علي.
كان والدُهُ خَطيباً مُفَوَّهاً في الْجامِع الأمويّ الكبير بحلب، ومُدَرِّساً بالْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة. فاعتَنى به حتى حَفِظَ القرآنَ وهو ابنُ عشر سنين، ثمَّ ألْحَقَهُ بالْمَدْرَسَة العربيَّة الإسلاميَّة الْخاصة. لكنَّه فُجِعَ بِوفاةِ والدِهِ وكانَ عُمُرُهُ ثلاثَ عشرةَ سَنَةً فأتمَّ تَحصيلَ الْمرحَلةِ الابتدائيةِ بمَدْرَسَةٍ عَامةٍ هي «مَدْرَسةُ النَّجاة».
تُوفِّيَ والدُه وتَرَكَ له أَخوينِ أَصْغرَ منه مع أمٍّ فاضلة حنَتْ عليهم وأحْسَنَتْ إليهم وكانتْ له حافِزاً بالانتسابِ إلى الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة الَّتي كانَتْ أزْهرَ البِلاد السُّوريَّة ليَسْلُكَ سَبيلَ والدِهِ وعائلتِهِ.
دراسته وشيوخه
انتَظَمَ في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة سَنَة 1344هـ/1925 م وأَكَبَّ على العِلْم مُثابِراً على تَحصيلِهِ غير مُسْتوطِِئ الْعَجْزَ والْخَوَرَ، مُستفيداً من العُلماءِ الأجلاّءِ الَّذين يُتَوَسَّمُ في أساريرِهم نورُ الرِّسالة، ويُتَنَسَّمُ من أعطافِهم أرَجُ النبوَّة، كانوا زُهورَ الشَّهباءِ أَدَباً وخُلُقاً، وكَواكبَ سَمائِها عِلْماً وفَضْلاً.
قَرأ الفِقْهَ الْحَنفيّ على الشَّيْخ أحْمَد مُحَمَّد الزَّرقا، وقرأَ أصولَ الفِقهِ الْحَنَفِيّ على الشَّيْخ أحْمَد الْكردي، وقَرأَ الْحَديثَ من الأربعين النَّوويَّة، ومُخْتَصَر ابن أبي جمرة للبُخاريّ، والشَّمائل المُحَمَديّة للإمام التِّرمذيّ على الشَّيْخ مُحَمَّد راغب الطَّباخ، كما قَرأَ عليه مِنْ عِلْمِ المُصْطَلَح مُقَدِّمَة ابن الصّلاح، والسِّيرة النَّبويَّة وسيرة الْخلفاء، وقَرأَ عِلْمَ المَنْطِق والتَّوحيد والْعَقيدة الإسلاميَّة على الشَّيْخ فيضُ اللهِ الأيوبي، كما قَرأَ عِلْمَ التَّفسير على الشَّيْخ أحْمَد الشَّمَّاع، وقرأَ عِلْمَ النَّحو والصَّرف والبَلاغة والأدب العربيّ على الشَّيْخ كامل الغَزي والشَّيْخ إبراهيم السَّلقيني والشَّيْخ مُحَمَّد النَّاشد، والشَّيْخ عُمَر أَسد، كما قَرأَ عِلْمَ الفرائض على الشَّيْخ مُحَمَّد عبد المُعطي وقرأَ كتابَ الشَّمائل المُحَمَّدية على الشَّيْخ عيسى البيانُوني، وقرأ عِلْم القراآتِ والتَّجويد على الشَّيْخ أحْمَد بن حامد التِّيجي الْمَدَني الْمَصري، كما دَرَسَ العُلوم الكونيَّة كالرِّياضيات، والْجغرافية.
تخرجه في الخسروية وملازمته دار الحديث بدمشق:
· تَخرَّج في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة سَنَة 1350هـ/ 1931 م، ثم لازمَ دارَ الْحديثِ بدِمشقَ يومَ كانَ شَيْخها مُحدِّثُ بلاد الشّام الشَّيْخ مُحَمَّد بدر الدّين الْحَسَنِي خلالَ الأعوامِ (1931-1934) م. والذي كانَ يُجِلُّهُ ويُعْظِمُ فَيْضَ عِلْمِهِ، ورِفعَة قَدْرِه، وعُلُوّ سَنَدِه. وكانَ يَذْكُرُ الرَّعايةَ الَّتي كان يَجِدُها مِنْه، والْمَحبَّة التي كان يُكنُّها له ولآبائِه.
وظائفه
الخَطابة
في سنة 1354ه/1934 م أُسْنِدَت إليه خَطابةُ الْجامع الأمويّ الكبير بتوجيهٍ من السَّيد الشَّيْخ تاج الدِّين الْحَسَني واستمرَّ به خطيباً لغاية سَنَة 1403هـ/ 1983م، حيثُ طَلَبَ نَقْلَهٌ من مديريةِ أوقافِ حلبَ إلى جامعِ التِّرمذي ليكونَ خَطيباً به، ثم تَرَكَ الخَطابَةَ سنة 1410ه/ 1990 م.
الوظيفة الإدارية
·في نيسان من سَنَة 1354هـ/ 1935م أُسنِدَتْ له أوقاف قَضاءِ الْمَعَرَّة، ثمَّ تمَّ نقلِهِ إلى مُديريةِ أوقافِ حلبَ سَنَة 1357هـ/ 1938م وباشرَ عمَلَهُ مُحاسباً لمُتَوَلِّي الأوقاف الإسلاميَّة بحلب، كما كانَ مُقَرِّراً في مَجلِسِ الأوقاف بحلب. في سَنَة 1382هـ/ 1963م تَرَكَ مديريةَ أوقاف حلب بناءً على طلَبِه لينتقلَ إلى مَلاكِ دائرةِ الإفتاء والتَّدريس الدِّيني ويَكون مُدَرِّساً عاماً لحَلبَ، واستَمرَّ بالتَّدريس لاينقطعُ عنه بِجِدٍ ونَشاطٍ ومُثابرةٍ عليه حتى قَبْلَ وفاتِه بقليلٍ من الأشْهر.
التَّدريس
· الْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة
ابتدأَ التَّدريس فيها سَنَة 1357هـ/ 1938م، وعُهِدَ إليه تَدريسَ عِلم الْمَنْطق والتَّوحيد للبقيَّةِ البَاقيَةِ من مُجَاوريها إلى أنْ أَغلِقَتْ أبوابُها سَنَة 1368هـ/ 1949م وانتهتْ أعمالها.
· الْمَدْرَسَة الكواكبيَّة
بعد أنْ عُطِّل العَمَلُ بالْمَدْرَسَة الْكَواكبيَّة الكائنة في حيّ الجلوم، آل التَّدريس منها إلى الْجامِعِ الْمجاورِ لها «جامِع أبي يَحيى الكَواكِبي» فعُهِد إليه التَّدريس به سَنَة 1364هـ/ 1945م واستَمَرَّ مُدَرِّساً فيه لغايةِ سَنَة 1413هـ/1992م.
· الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة
أُسْنِدَ إليه التَّدريس في هذه الْمَدْرَسَة المُباركةِ سَنَة 1368هـ/ 1949م، لطَيْفٍ كبيرٍ من الْمَواد الشَّرعيَّة، بعد أن ثابَ إلى المدْرسةِ عزُّها، وعادَتْ كما كانتْ مُشَيَّدَة الأركان، قويَّةَ البُنْيان، حاملةً اسم «مَعْهَدِ العُلوم الشَّرعيَّة»،
وفي سَنَةِ 1381هـ/ 1962م آل أمرُ إدارةِ الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة إلى جَمْعيَّةٍ خَيْريَّةٍ مُباركةٍ، كانَ أعضاؤها خَيْرَ خَلَفٍ فالِحٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ صَالِحٍ، فجَدُّوا في الأمر وصَرَفُوا فيه عنايَتَهُم، ووَضَعوا للحَقِّ أعلاماً، وبَنوا للعِلْم مَناراً، وأحدَثُوا «مَدْرَسَةَ التَّعليم الشَّرعيّ»، بعدما وَصَلُوا قَديمَها بحديثها، وباديَها بعَوائِدِها.
ثمَّ تَمَّ إحداثُ الصَّفِ الْخاصِ الْجامعيّ بذاك المكان المُبارك، وتمَّ رَبْطه مع الأزهر الشَّريف، فأُسْنِدَ له التَّدريس فيه أيضاً لمَجمُوعةٍ من المواد الشَّرعيَّة.
كان الشيخ لايألو جَهْداًَ في خِدْمةِ الميراث المُحَمَّدي وتوريثه طلابَ العلم. منذ أنْ بدءَ التَّدريس في تلك الْمَدرسة المُباركة ولغاية سَنَة 1422هـ/ 2002م.
· الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة
أُسْنِدَ إليه التَّدريسُ في الْمَدْرَسَة الْخُسْرَوِيَّة «الثَّانويَّة الشَّرعيَّة» سنة 1384هـ/1964 م لطَيْفٍ كبيرٍ من الموادِ الشَّرعيَّة كالتَّوحيد، والْحديثِ الشَّريف، والتَّفسير، واستَمَرَّ مُدرِّساً في الثَّانوية الشَّرعيَّة لغاية سَنَةِ 1408هـ/ 1988م.
لقد قَرأَ عليه جُلّ علماءِ هذا البَلد منذ أنْ بَدأ التَّدريس بالْمَدْرَسَة الأحْمَديَّة ثم بالْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة والثَّانوية الشَّرعيَّة، بزمنٍ قَدْره أربع وستون سَنَة، فقرأ عليه الْجدُّ والابنُ والْحفيدُ.
لقد أَحبَّ طلابَهُ وأَحَبوه، وكانوا يَرَوْن في مُدَرِّسِهم العَالِمَ الزَّاهدَ التَّقيَ الَّذي لايَقولُ إلاَّ ما يَفعل، كانوا يَرَوْنَ حالَهُ قبلَ أنْ يسْمعوا مَقَالَه، فلايأمُرُهُم بخُلُقٍ إلاَّ طَبَّقهُ على نفْسِه أوَّلاً وعلى مَنْ يعولُ ثانياً.
إجازاته
أُجيزَ بالْحديثِ الشَّـريف من المُؤرخِ الْمُحَدِّث الشَّيْخ مُحَمَّد راغب الطَّباخ بحلبَ الشَّهباء سَنَةِ 1351هـ/ 1932م، كما أُجيزَ من الشَّيْخ مُحَمَّد بن الهاشمي التَّلْمساني الحَسَنِيّ بدمشق الشَّام سَنة 1379 هـ/ 1959م، وأُجيزَ من المُحدِّث الشَّيْخ مُحَمَّد بن الْعَربي التُبَّاني المَغْربي الْمَكّي بمكَّة المكرَّمة سَنَة 1382هـ/ 1963م، وأُجيز من علاّمةَ تُركيا الشَّيْخ محمود سامي رمضان أوغلو، كما أجازَ الشيخ عدداً من مُريديه وطلابِه بما رواه عن شيوخه بالمَعقول والمَنقول.
مؤلفاته
كان رَحِمَهُ اللهُ تعالى بحَّاثَةً في مُطالعاتِه، فإذا أرادَ الشُّروع بتَحضيرِ مُقَرَّرِ التدريس، كان يَسْبِرُ أغوارَ كُتُبِهِ الَّتي مُلِئَتْ أطرافُها بالْحواشي الَّتي كانَ يَرْتَأي إضافَتَها مُتوخياًَ أنْ يأخذَ الْبَحثُ حقَّهُ من كافَّة جوانِبِهِ العلميَّة واللُّغوية مُصَنِّفاً ومُدَوِّناً الْبحثَ بدقَّةٍ فائقةٍ وبقلمٍ لُغويٍ رفيع الدَّرجة. فالشَّريعةُ الإسلاميَّةُ واللّغةُ العربيَّةُ- عنده- مُتلازمتان تَلازم الْمَعْنى واللَّفظ، والفِكْر والأداء فلا يَتَسنَّى لرَجلِ الْهِدايةِ والإصلاح أنْ يُبَلِّغ دَعْوةَ نبيِّه ‘ إذا لمْ يتمكَّنْ منهُما تَمَكُّنَ الدّارعِ البَطلِ من السَّيف الصَّقيل.
لقد تركَ رحمهُ اللهُ تعالى عديداً من الْمُصنفاتِ المَخطوطةِ التي تَضَوَّعتْ أَرَجاً بعلومِ التَّوحيد والعقيدةِ الإسلاميَّة، وتَضَمَّخَتْ
طِيباً بعُلُوم الْحديثِ الشَّريف وعُلوم التَّفسير، إضافةً إلى خُطَبِ يوم الْجُمعة والذي سُمِّيَ سفره «لوامعُ الخُطَب في أمويِّ حَلَب» والذي هو رهن الطباعة.
صِفاتُه ومَنْهَج حياتِه
عاشَ خمساً وتسعين سَنَةً، كانَت حياته يُنبوعاً في العلم والدَّقة واستقامةِ الذاكرة الَّتي لمْ تُلْوِها الأيام، وتَوقّد ذهن لم تُطْفِئْهُ السّنون. كانَ يقولُ: «هذه جوارحٌ حفظناها عن الْمعاصي في الصِّغر فحفظَها اللهُ علينا في الكِبَر».
فمُنْذُ أنْ وَعَى الحياةَ وهو في شَرْخِ شَبابِه كان يُحِبُّ مُجالَسَةَ العُلماء والصَّالحين، وذَوِي الفِكْرِ والفَضل ممن سَبَرَهم الدَّهرُ وعَجَمَتْ أعوادَهم الأيامُ.
كان رَحمَهُ اللهُ تعالى مُنَوَّر الشَّيْبَة، وَقوراً في مِشْيَتِهِ ومَجْلِسهِ وحَديثِه، يتَحلَّى بإباءٍ وشَمَم ورُجولةٍ كاملةٍ وحَصافَةِ عقلٍ وافرةٍ، يَصْدَعُ بكَلِمَةِ الْحَقِّ في تَلَطُفٍ وحِكْمةٍ، ثم في صَراحَةٍ ووضوح.
كانَ حَاضرَ البَديهة، صَادقَ الْفِراسَة، مُتَحَرّجاً عن الفُتْيا، عَاليَ الجنابِ، زاهداً بما في أيدي النّاس، مُعْتمداً على اللهِ في المَنْشَط والْمَكْرَه، مُستعيناً به في تصرُّفه ومُستقرِّه، سائلهُ أنْ يدخلَهُ مِضمار السَّابقين، وينزلهُ لسانَ صِدقٍ في الآخرين.
كان عظيمَ التَّواضِع بدون ضَعَةٍ
، له مِن اسمه «زين العابدين» النَّصيب الأوفى بالتَّعبد والرّجوع إليه. لايُحبُ أن يُثقِلَ ظِلّه على أحدٍ، حتى على وَلدِه، كان عَفَّ اللِّسان يُحبُ
ّ الْخيرَ وأهلَهُ، ويَقْتفي آثارَ أُولِي الفَضْلِ من العُلماءِ العَاملين والأتقياء الصّالحين الَّذين تَخَلَّف عن قافلتهم ليَحْذُوَ حَذْوَهُم ويسيرَ على قَدَمِهم. وكم كانتْ السَّعادةُ تَغْمرُ قلبَه والْفَرحةُ تَملأُ جوانِحَهُ بسَيْرِ طَيْفِهم وذِكر حَديثِهم.
وصَفَهُ فَضيلةُ الشَّيْخِ أحْمَد سَرْدار رحمَهُ اللهُ تعالى في كِتابِه
وهو يتَحَدَّثُ عنه بقولِهِ:
«حَضَرْتُ دُرُوسَهُ، وجالَستُه في بعضِ الْبيوت بِحلب، وتَقرَّبْتُ منه أكثر فأكثر أثناء دراستي في مَعهد العُلوم الشَّرْعِيَّة، وقَرأتُ عليه الشَّمائل المُحَمَّديِّة للإمام التِّرمذي مع شرح الْحديث وتَراجم الصَّحابة الذين وَرَدَتْ أسماؤهم أثناء الحديث والشَّرح، وقرأتُ عليه من علم التَّوحيد؛ الْجَوْهرة مع شَرْحِها، وله مُطالعاتٌ كثيرةٌ، وتقييداتٌ وتقريراتٌ أكثر وأشهر، وطلابه وتلامذته يعرفونه تمام المَعرفة، فهو المِثال في العِلْمِ وتَعليمه بحيث يُشعِرُ تلميذه بين يديه أنَّه ولدٌ من أولادِه، فكانَ هؤلاء ولا يزالون على تمام محبتهم له، لمَا فيه من الصِّفات التي تميَّز بها، فهو سَخيّ النَّفس كريم اليد، مِضْياف في منزله، ويُشعر ضيفه أنّه صاحب المنزل، يستقبِل بالتِّرحاب والتَّكريم ويُودّع بالمثل، ومَدارِكُهُ بعيدة المدى، شجاعٌ كبيرٌ قَرَنَ شَجاعتَهُ بالأدب والعقل، وهذه هي الشَّجاعة، فإن خرجَتْ عن حدِّ العقل كانتْ تَهوُّراً، وهيئته هيئةُ المُحدَِّثين، ولا غَرْوَ في ذلك فهو ممن ورثهم وأخذ عنهم، فهو مُتَواضعٌ، حَسَنُ المعاشرة، وحَسَنُ المحاضرة، أخلاقُهُ عالية وتربيتُه سامِية، مَهيب الطَّلعة وقور، صحِبْتُهُ أثناء الدِّراسةِ وبعدها، فكان نِعْمَ الأستاذ ونِعْمَ المُحَدِّث والمُرْشِد ، ينظُرُ إلى تلامذتِهِ بعد التَّخرجِ كما ينظُرُ الأخُ إلى أخيه، لا يتعالى على أحد منهم، وينظرُ إليهم أيضاً كقرناء له، وكيف يقارنُ البحرُ بالسَّاقية، ولكنَّه الخُلُقُ الرَّفيع ، وكنتُ ولا أزالُ أنظرُ إليه كما ينظرُ الولدُ إلى أبيه البار به المحترم عنده وعند سائر النّاس، يُكْثرُ من الصَّلوات والتَّسليمات على سيّدنا رسول الله‘ وله أورادٌ وأذكارٌ وأدعية، وقدمٌ كبيرٌ في التَّصوف الصَّافي، صَحِبَ الشَّيْخ أبا النصر مُحَمَّد بن سليم خلف الْحُمْصي، والشَّيْخ رجب الطَّائي الْحلبي، والشَّيْخ مُحَمَّد الْهاشمي الدِّمشقي، وبالْجُملةِ فهو مُدَرسٌ مُقرِّرٌ فاضلٌ، وخطيبٌ مُحاضر كاملٌ، له تأثيرٌ في القلوب حال وعظه وإرشاده العام كأنَّه الْحَسَنُ البصريّ أبو سعيد، وفي حال خوفه وخشوعه فكأنَّه مُحَمَّد بن سيرين، صاحب تقوى وورع وعبادة لله تعالى والتزام بالشَّرع الشَّريف، وتمسُّك بالسُّنَّة الْمُطَهَّرة، مُحبّ لله ولرسولهِ ولمن والاهما».
وفاته
في مساء يومِ السَّبت الَّذي صادفَ ليلة الْقدر من عام 1426هـ، والموافق التَّاسع والعشرون من شهر تشرين الأول من سَنَة 2005 للميلاد. اختارَ له اللهُ ما اختارَ لأصفيائِه وأوليائِه من جوارِهِ فأفضى إلى ربِّه وانتقلَ إلى رحمتِه.
شُيِّعَ جثمانُهُ ظُهْرَ يوم الأحد 30/تشرين الأول/ 2005 م من مَنْزله الكائن في زقاق الْجذبة بمحلَّة البيَّاضة إلى الْمَدْرَسَة الشَّعبانيَّة. حيث صُلِّيَ عليه ثم دُفِنَ بتُربة كَرَزْ داده.