مشاهدة النسخة كاملة : كيف نصلح بيوتنا (1)


حكاية ناي ♔
01-30-2024, 03:20 PM
الحمد لله مُجيبِ الدَّعوات، مُجزل العطايا والهِبات، يجيبُ دعوةَ المضطرين، ويكشِف السوء وينزل الرَّحمات، أحمده تعالى وأشكُره، وأثني عليه وأستغفِره، له الخلق والأمر، وبيده تدبير الأرض والسمَاوات، سبحانك ربَّنا ما أعظمك، سبحانك ربَّنا ما أحلمك، تُطاع فتَشكُر، وتُعصَى فتغفِر، سترتَ عيوبنا، فاغفِر ذنوبنا، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة.


وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى:28].


فيا عجبًا كيف يُعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكةٍ
وفي كل تسكينةٍ شاهد
وفي كل شيءٍ له آية
تدل على أنه الواحد

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علَّق بربه رجاهُ وجنانَه، فأُجيب قبل أن يبرحَ مكانَه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فعباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نقدِّم لأنفسنا أعمالًا صالحه مباركه تبيضُّ وجوهنا يوم نلقاه عز وجل: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106].


﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]، ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9].


نسأل الله عز وجل بمنِّه وكرمه أن يُحبب إلينا الإيمان ويُزينه في قلوبنا، وأن يُكِرِّه إلينا الكفر الفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين.


عباد الله، ماذا يمثل البيت لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونومه وراحته؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده؟

أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟! قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].


البيت نعمةٌ لا يعرف قيمتَه وفضله إلا مَن فقَده، فعاش في ملجأ مُوحش، أو ظلماتِ سجنٍ؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل:80].


ولَمَّا انتقم الله من يهود بني النضير، سلَبهم هذه النعمة، وشرَّدهم من ديارهم، فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ [الحشر: 2].


ثم قال: ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].


من هنا فالمسلم مطالبٌ بإصلاح بيته وأهله، ولماذا وجب على المسلم ذلك؛ لخمسة أمور:

أولًا: ليقي نفسه وأهله نار جهنم، ولينجوَ وإياهم من عذاب الحريق، فلا يكفي صلاح الإنسان وحده فقط: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].


ثانيًا: لعِظَم المسؤولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب:

قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه: أحفِظ ذلك أم ضيَّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»؛[رواه ابن حبان وإسناده حسن].


ثالثًا: لأن البيت هو مكان حفظ النفس، والسلامة من الشرور، وكفِّها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة: قال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسِعه بيتُه، وبكى على خطيئته»؛[رواه الطبراني في الأوسط عن ثوبان، وهو في صحيح الجامع].


رابعًا: لأن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصًا في الحر الشديد والبرد الشديد، والأمطار وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات.


خامسًا: وهو أهمها، نصلح بيوتنا؛ لأن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعًا قويًّا بأحكام الله، صامدًا في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه شرٌّ.


عباد الله، كيف نُصلح بيوتنا؟

كيف نبني بيوتنا البناء السليم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 109]، نبنيها بالوسائل التالية:

أولًا: حُسن اختيار الزوجة الصالحة:

قال تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور:32].


فالمرأة كما قال صلى الله عليه وسلم: «تُنكح لأربع: لمالها وعسى مالها أن يُطغيها، ولحسبها وعسى حسبها أن يُشقيها، ولجمالها وعسى جمالها أن يَفتنها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبت يداك»؛ [متفق عليه].


وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»؛ [رواه مسلم].


وقال صلى الله عليه وسلم: «ليتَّخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً مؤمنة تُعينه على أمر الآخرة»؛ [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ثوبان، وهو في صحيح الجامع].


وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة، فالمرأة السَّوء واحدة من أربع من الشقاء؛ كما جاء في الحديث الصحيح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «من السعادة: المرأة الصالحة تراها فتُعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، ومن الشقاء: المرأة التي تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك».


وفي المقابل لا بد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة، والموافقة عليه حسب الشروط التي حدَّدها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»؛[أخرجه الترمذي وابن ماجه، وحسَّنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة «1022»].


سأل الحسنَ البصري رحمه الله رجلٌ، فقال: يا إمام، لمن أزوِّج ابنتي قد كثُر خُطَّابها؟ فقال:« زوِّجها التقي الذي إذا أحبَّها أكرمها، وإذا كَرِهَها لم يُهنها».


والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتًا صالحًا؛ لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرُج إلا نكدًا.


عباد الله، إن الواجب على الأب الصالح أن يجتهد كلَّ الاجتهاد في البحث والسؤال والتحرِّي بكل وسيلة ممكنة، يسأل هذا، ويسأل ذاك، يسأل عن صلاحه وصلاته وأخلاقه.


أيها الأب الحبيب، حذارِ أن تضيِّع ما استرعاك الله من رعية، وأن تخون ما ائتمنك الله عليه من أمانة، حذارِ أن يقال لك يوم القيامة: تأخَّر، ويقال لابنتك: تقدَّمي واقتصِّي.


أيها الإخوة الكرام، نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ على بناتنا بالصالحين الطاهرين الذين يقدِّرون سعادة بناتنا ويكرمونهنَّ، وأن يرزق أبناءنا الصالحات العفيفات الذين يحفظونهم في الغيب والشهادة.


الوسيلة الثانية لإصلاح بيوتنا السعي في إصلاح الزوجة:

إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت، وهذا من فضل الله، وإن لم تكن صالحة، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها، فقد يتزوَّج المرء امرأة غير صالحة، فعليه أن يعلم أولًا أن الهداية من الله، والله هو الذي يُصلح، فقد منَّ على عبده زكريا بصلاح زوجه، فقال تعالى: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾[الأنبياء: 90]، وقال عطاء رحمه الله: «كان في لسانها طول، فأصلحها الله».


اللهم أصلح بيوتنا وأصلح نساءنا وذرياتنا يا رب العالمين.


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه، أما بعد، فعباد الله، كيف نُصلح نساءنا؟

أولًا: تصحيح عبادتها كالصلاة والصيام والطهارة، وتعليمها أمورَ دينها.

كم رأينا من آباء حريصين على إطعام وكسوة نسائهم وبناتهم، لكن ليس في قاموسهم الدين وتعليمه لهنَّ.


ثانيًا: حثها على الطاعات، ومن ذلك حثها على الصلاة، فالزوج الصالح دائمًا يسأل زوجته هل صليتِ صلاة الفجر؟ هل صليتِ صلاة العصر؟ وهكذا.


وحثها على تلاوة القران وتعلُّمه، وإدخالها مدارسَ تحفيظ القرآن الكريم، وله في كل ذلك أجر، فالدال على الخير كفاعله.


حثها وتعليمها الأذكارَ النبوية، ومنها أذكار الصباح والمساء التي هي حصن وحماية ووقاية من شر شياطين الإنس والجن.


اللهم أصلح نساءنا وربِّ لنا أولادنا يا رب العالمين.


ثالثًا: أبعدها عن قنوات السوء والرذيلة، فلو علَّمتها ما علمت، ستأتي قنوات الرذيلة تهدم ما بنيتَ في سنين في ساعات.


رابعًا: اختيار صاحبات لها من أهل الدين والصلاح، تعقد معهنَّ أواصر الأخوة، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة، وإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء، فقد تجدها أحيانًا تتغير وتتبدَّل وتتحول، فتستغرب ما غيَّرها ما حوَّلها ما بدَّلها؟ إنهن قرينات السوء وصاحبات الهوى.


الوسيلة الثالثة لإصلاح بيوتنا: جعل البيت مكانًا لذكر الله تعالى:

حياة البيت المسلم عباد الله وسعادته، وأُنسه ولذتُه - في ذكر الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مثل البيت الذي يُذكَر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت»؛ [رواه مسلم].


فلنجعل بيوتنا مكانًا للذكر بأنواعه، سواء ذكر القلب، وذكر اللسان، أو الصلوات وقراءة القرآن، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة.


أيها المسلمون، لا تجعلوا بيوتكم ميتةً بعدم ذكر الله فيها، اصرفوا عن بيوتكم ألحان الشيطان من المزامير والغناء، والغيبة والبهتان والنميمة.


كيف تدخل الملائكة بيتًا هذا حاله؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر.


هذا وصلُّوا وسلِّموا على عبد الله ورسوله، فقد أمركم الله بذلك، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56].


اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين.

احساس
01-30-2024, 04:41 PM
جزاك الله خير
وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله