عازف الناي
07-24-2022, 03:52 AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
عبادة عظيمة من عبادات القلوب، ومنزلة من أعظم منازل الدين، التي قد ضعفت في الأمة اليوم بسبب
الماديات والانغماس المفرط في أمور الدنيا.
إنها عبادة التوكل على الله تعالى، والتوكل على الله هو: صدق اعتماد القلب على الله عز وجل واستجلاب المصالح
ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكِلَةُ الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر
ولا ينفع سواه.1
وقال الجرجاني: التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس.2
ومن أسماء الله عز وجل: الوكيل وهو كما قال ابن الأثير: هو القيِّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقل
بأمر الموكول إليه.3 وقد ورد لفظ الوكيل في القرآن الكريم مرات عديدة وذكر فيه المفسرون أقوالاً..
قال الشنقيطي رحمه الله: المعاني كلها متقاربة ومرجعها إلى شيء واحد هو أن الوكيل من يُتوكل عليه، فتفوض
الأمور إليه؛ ليأتي بالخير ويدفع الشر. وهذا لا يصح إلا لله وحده جل وعلا. ولهذا حذَّر من اتخاذ وكيل دونه؛
لأنه لا نافع ولا ضار ولا كافي إلا هو وحده جل وعلا، عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.4
أيها الأحبة: أخطأ كثير من الناس في فهم حقيقة التوكل، وخلطوا بين مفهوم التوكل والتواكل، فظنوا أن التوكل
ينافي الأخذ بالسبب، فتركوا الأخذ بالأسباب، وانعزلوا في صوامع، يريدون أن تمطر السماء عليهم ذهباً وفضةً،
ويظنون أنهم متوكلون على الله تعالى. وفي الحقيقة هم كسالى متواكلون لا متوكلون.
فالتوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب، قال ابن القيم رحمه الله:
التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل.
ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال
بدنه قيامه بها.
فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا
على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية.5
أخي الكريم: إن الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النجاح لله عز وجل، والثقة بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً،
هو من التوكل المأمور به، أما القعود عن الأسباب وعدم السعي فليس من التوكل في شيء، وإنما هو إشكال
أو تواكل حذرنا منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، ونهى عن الأسباب المؤدية إليه، مصداق ذلك ما جاء
في حديث معاذ – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:
(يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ )
قال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً،
وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذَّب من لا يشرك به شيئاً).
قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشروهم فيتكلوا).6
وهنا يضع الرسول – صلى الله عليه وسلم- قاعدة جليلة هي: أن كل ما يؤدي إلى ترك العمل أو ما يكون
مظنة للاتكال أو التواكل ليس من التوكَّل في شيء، وقد جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- ما يؤكد
هذه الحقيقة ففي الحوار الذي رواه أبو هريرة عن المصطفى – صلى الله عليه وسلم- وعمر بن الخطاب –
رضي الله عنه- هذا الحوار كما جاء في رواية مسلم، قال عمر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا
هريرة بنعليك، "من لقي يشهد ألا إله إلا مستيقناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: (نعم). قال عمر: فلا تفعل،
فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلِّهم يعملون. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (فخلِّهم)7.
ويفهم من هذا الحديث والذي قبله أن الاتكال يعني ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب، وأن ذلك ليس من التوكل
في شيء.8
إخواني:
إن التوكل على الله عز وجل مطلوب في كل شؤون الحياة، بيد أن هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحض على
التوكل والأمر به للمصطفى – صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، فمن ذلك:-
1.عند طلب النصر ومقاومة العدو: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم
مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران.
2.عند العزة بالدين والإعراض عن المشركين:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}
(81) سورة النساء.
3.إذا أردت الرزق مع بذل السبب قال – صلى الله عليه وسلم-: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً).9
4.إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على الله {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129) سورة التوبة.
5.إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتوكل {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (51) سورة التوبة.
6.إذا خشيت بأس أعداء الله والشيطان الغدار، فلا تلتجئ إلا إلى باب الله :{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (99) سورة النحل.
7.إن شئت أن تنال محبة الله فأنزل أولاً في مقام التوكل :{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(159) سورة آل عمران.
اللهم اجعلنا من عبادك المتوكلين عليك حق التوكل يا رب العالمين، والحمد لله رب العالمين.
عبادة عظيمة من عبادات القلوب، ومنزلة من أعظم منازل الدين، التي قد ضعفت في الأمة اليوم بسبب
الماديات والانغماس المفرط في أمور الدنيا.
إنها عبادة التوكل على الله تعالى، والتوكل على الله هو: صدق اعتماد القلب على الله عز وجل واستجلاب المصالح
ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، وكِلَةُ الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر
ولا ينفع سواه.1
وقال الجرجاني: التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس.2
ومن أسماء الله عز وجل: الوكيل وهو كما قال ابن الأثير: هو القيِّم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقل
بأمر الموكول إليه.3 وقد ورد لفظ الوكيل في القرآن الكريم مرات عديدة وذكر فيه المفسرون أقوالاً..
قال الشنقيطي رحمه الله: المعاني كلها متقاربة ومرجعها إلى شيء واحد هو أن الوكيل من يُتوكل عليه، فتفوض
الأمور إليه؛ ليأتي بالخير ويدفع الشر. وهذا لا يصح إلا لله وحده جل وعلا. ولهذا حذَّر من اتخاذ وكيل دونه؛
لأنه لا نافع ولا ضار ولا كافي إلا هو وحده جل وعلا، عليه توكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.4
أيها الأحبة: أخطأ كثير من الناس في فهم حقيقة التوكل، وخلطوا بين مفهوم التوكل والتواكل، فظنوا أن التوكل
ينافي الأخذ بالسبب، فتركوا الأخذ بالأسباب، وانعزلوا في صوامع، يريدون أن تمطر السماء عليهم ذهباً وفضةً،
ويظنون أنهم متوكلون على الله تعالى. وفي الحقيقة هم كسالى متواكلون لا متوكلون.
فالتوكل لا ينافي الأخذ بالأسباب، قال ابن القيم رحمه الله:
التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل.
ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال
بدنه قيامه بها.
فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا
على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية.5
أخي الكريم: إن الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النجاح لله عز وجل، والثقة بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً،
هو من التوكل المأمور به، أما القعود عن الأسباب وعدم السعي فليس من التوكل في شيء، وإنما هو إشكال
أو تواكل حذرنا منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، ونهى عن الأسباب المؤدية إليه، مصداق ذلك ما جاء
في حديث معاذ – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:
(يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ )
قال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً،
وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذَّب من لا يشرك به شيئاً).
قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشروهم فيتكلوا).6
وهنا يضع الرسول – صلى الله عليه وسلم- قاعدة جليلة هي: أن كل ما يؤدي إلى ترك العمل أو ما يكون
مظنة للاتكال أو التواكل ليس من التوكَّل في شيء، وقد جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- ما يؤكد
هذه الحقيقة ففي الحوار الذي رواه أبو هريرة عن المصطفى – صلى الله عليه وسلم- وعمر بن الخطاب –
رضي الله عنه- هذا الحوار كما جاء في رواية مسلم، قال عمر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا
هريرة بنعليك، "من لقي يشهد ألا إله إلا مستيقناً بها قلبه، بشَّره بالجنة؟ قال: (نعم). قال عمر: فلا تفعل،
فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلِّهم يعملون. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (فخلِّهم)7.
ويفهم من هذا الحديث والذي قبله أن الاتكال يعني ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب، وأن ذلك ليس من التوكل
في شيء.8
إخواني:
إن التوكل على الله عز وجل مطلوب في كل شؤون الحياة، بيد أن هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحض على
التوكل والأمر به للمصطفى – صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، فمن ذلك:-
1.عند طلب النصر ومقاومة العدو: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم
مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران.
2.عند العزة بالدين والإعراض عن المشركين:{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}
(81) سورة النساء.
3.إذا أردت الرزق مع بذل السبب قال – صلى الله عليه وسلم-: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً).9
4.إذا أعرض عنك الخلق فاعتمد على الله {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129) سورة التوبة.
5.إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتوكل {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (51) سورة التوبة.
6.إذا خشيت بأس أعداء الله والشيطان الغدار، فلا تلتجئ إلا إلى باب الله :{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ
عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (99) سورة النحل.
7.إن شئت أن تنال محبة الله فأنزل أولاً في مقام التوكل :{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
(159) سورة آل عمران.
اللهم اجعلنا من عبادك المتوكلين عليك حق التوكل يا رب العالمين، والحمد لله رب العالمين.