مشاهدة النسخة كاملة : مفاتيح الرزق (4)


حكاية ناي ♔
02-01-2024, 04:31 PM
الحمد لله ذي النعم الكثيرة والآلاء، الغني الكريم الواسع العطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام النجباء، وعلى أتباعهم في هديهم القويم إلى يوم الميعاد والمأوى، وسلم تسليمًا، أما بعد:

فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله تعالى حق التقوى وراقبوه في السر والعلن.


الحديث يتواصل معكم مع أسباب الرزق ومفاتيحه؛ يقول تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].


سبحان الله، خلق الخلق فأحصاهم عددًا وقسَّم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رُفعت كف طعام إلى فمك وفيك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السماوات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم بها فلم يعقب حكمه، ولم يُردُّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال، مصرف الشؤون والأحوال، وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه الحلال، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم.


عباد الله، البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال، الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه؛ قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ومَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سورة فاطر: 2].


يقول ابن القيم رحمه الله: «فرِّغ خاطرك لله بما أُمرت به، ولا تشغله بما ضمن لك، فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان، فما دام الأجل باقيًا كان الرزق آتيًا، وإذا سدَّ عليك بحكمته طريقًا من طرقه، فتح لك برحمته طريقًا أنفع لك منه، فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة، فلما خرج من بطن الأم وانقطع ذلك الحبل السُّري، فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقًا أطيب وألذ من الأول لبنًا خالصًا سائغًا، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام، فتح طرقًا أربعة أكمل منها، طعامان وشرابان، فالطعامان من الحيوان والنبات، والشرابان من المياه والألبان، وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة، لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيدًا مؤمنًا طُرقًا ثمانية وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئًا من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له، وليس ذلك لغير المؤمن، فإنه يمنعه الحظ الأدنى الخسيس ولا يرضى له به؛ ليعطيه الحظ الأعلى النفيس»؛ انتهى كلامه رحمه الله.


عباد الله، إن الرزق يُجري للعبد، ليستعين به على طاعة ربه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: رحمه الله: «إنما خلق الله الخلق، ليعبدوه، وإنما خلق الزرق لهم، ليستعينوا به على عبادته».


إذًا يعطيك الله سبحانه ما أعطاك لتلهوَ وتلعب به، وتنسى الدار الآخرة التي من أجلها خُلقت ولأجلها أُعطيت، لا يا عبد الله، إن الله أعطاك ما أعطاك، لتستعين به على عبادته، لا لتستخدمه في محرَّماته.


إن أولئك الذين يستخدمون مال الله فيما حرَّم الله، وينهكون الصحة والبدن والعافية التي هي من أَجَلِّ زرق الله، ينهكونه ويسخرونه في شهوات حرَّمها الله عليهم، هؤلاء بماذا وكيف يجيبون إذا سُئلوا يوم القيامة؟ بماذا يجيب من يستخدم رزق الله في محاربة أولياء الله؟


المفتاح الحادي عشر من مفاتيح الرزق والبركة إقامة شرع الله تعالى:

كيف لا والله تعالى يقول: ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة المائدة: 66]، ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ قال ابن عباس وغيره: هو القرآن، وقوله تعالى: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني لأرسل السماء عليهم مدرارًا، ﴿ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني يخرج من الأرض بركاتها؛ كما قال تعالى: ﴿ ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ﴾ [سورة الأعراف: 96].


ومن أين يأتي القحط والضر والفساد والبلاء إلا من المعاصي والإعراض عن شرع الله؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة الروم: 41].


ويقول: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه»؛ [رواه الإمام أحمد وابن ماجه في سننه، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب «1473، 1478»].


ومتى عاش المسلمون بهذا الدين يُحكمون شرع الله ويتحاكمون إليه، ويقيمون حدوده وينفذون أحكامه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أعزهم الله ورفعهم وبارك في أرزاقهم، كيف نُريد أن يبارك الله في أرزاقنا ويرفع عنا الضُّر والبلاء والغلاء، ونحن نحارب الله بالربا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]، وقال صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكلُّه الرجلُ وهو يعلم أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية»؛ [رواه الإمام أحمد عن عبدالله بن حنظلة، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب]، وقال عليه الصلاة والسلام: «الربا ثلاثٌ وسبعون بابًا، أيسرُها مثلُ أن ينكحَ الرجلُ أمه»؛ [صححه الألباني أيضًا في صحيح الترغيب]، فاتَّقِ الله في نفسك يا عبد الله، ولا تُعرِّضْ نفسَك وأهلكَ لأكلِ الحرام، يقولُ النبي: «لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ ولا دمٌ نبتَ من سُحتٍ، النارُ أَولى به»؛ [رواه الطبراني].


الربا عباد الله محقٌ للبركة وضياع للأموال؛ قال تعالى: ﴿ مْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].


كيف نُريد أن يبارك الله في اقتصادنا وحدود الله لا تُقام وفيها الحياة للأمة؛ قال تعالى: ﴿ ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [سورة البقرة: 179].


الرشوة انتشرت انتشار النار في الهشيم فلا تتم لك معاملة، ولا توقع لك ورقة، ولا ترتفع لك قضية إلا برشوة، إلا من رحم الله ولعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما.


بل إن من أسباب انهيار الأمم وضياعها وفقرها ودمارها الإعراض عن شرع الله والظلم للعباد؛ قال تعالى: ﴿ وتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ﴾ [سورة الكهف: 59].


ظلموا بنشر المنكرات، ظلموا بنشر الزنا والخمور؛ قال تعالى: ﴿ وإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [سورة الإسراء: 16].


لأن أكابر المجرمين الذين يُفسدون في الأرض ولا يصلحون إذا تأمروا، وإذا تُرِك لهم الحبل على الغارب وأُطلق لهم العنان، ولم يضرب على أيديهم، فهذا من أعظم أسباب دمار الأمم والشعوب؛ قال تعالى: ﴿ وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ورُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وبَالَ أَمْرِهَا وكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾ [الطلاق: 9].


والمفتاح الثاني عشر من مفاتيح الرزق والبركة: الصلاة والذكر، فأما الصلاة من حافظ عليها كانت له نورًا ونجاةً وبركة وسعادة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة طه: 132].


يعني إذا أقمت الصلاة يأتيك رزقك من حيث لا تحتسب.


عباد الله، بيتٌ فيه قاطع للصلاة بيت تقل فيه البركة، فالناس في مساجدهم والله في قضاء حوائجهم، ولذلك عندما تدخل المسجد يا عبد الله تحمد الله وتصلي على النبي، وتقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج كذلك وتقول: الله اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانتَشِرُواْ في الأَرْضِ وابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [سورة الجمعة: 10].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.


المفتاح الثالث عشر للبركة والرزق والتيسير: التبكير في طلب الرزق فعن صخر الغامدي رحمه الله، قال: قال رسول الله: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ [رواه أحمد وقال الشيخ الألباني: «صحيح»؛ انظر حديث رقم: 1300 في صحيح الجامع].


وروي عن فاطمة رضي الله عنها قالت: مر بي رسول وأنا مضطجعة، فحركني برجله، ثم قال: يا بنية، قومي اشهدي رزق الله ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»؛ [فيض القدير شرح الجامع الصغير 1457].


المفتاح الرابع عشر والأخير: الزواج لمن يريد العفاف، الزواج الذي يحرص الزوجان فيه على طاعة الله تعالى؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف»؛ [حديث حسن كما في صحيح ابن ماجه للألباني «2041»].


وقال تعالى: ﴿ وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة النور: 32]، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي قال: «أربعٌ من أُعطيهن أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونًا في نفسها ولا ماله»؛ [رواه البيهقي في شعب الإيمان].


وأخيرًا عباد الله، إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه؛ قال تعالى: ﴿ ومَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ ﴾ [سورة البقرة: 126]، فلو وسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يُعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين.


أخي الحبيب، اسمع لحديث عقبة بن عامر في المسند، وهو حديث صحيح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يُعطي العبد من الدنيا، وهو قائم على معاصيه فليحذرْ فإنما هو استدراج»، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شيء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ ﴾ [سورة الأنعام: 44].


قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15، 16].


هذه أيها الإخوة هي الأسباب الحقيقية لاستجلاب رحمة الله ورزقه وفضله.


أما الأشياء المادية، فإنما هي أسباب رتَّب الله عليها الوقوع، والله تعالى إذا قدَّر الرزق هيَّأ له السبب المادي سواء رضيت أم لم ترضَ، وسواء سعيت أم لم تسعَ، فدورُك أيها المسلم ليس في السعي الحثيث في أمور مادية، لكن دورك الحقيقي هو في السعي لإرضاء الخالق الذي بيده الرزق وبيده العطاء والمنع؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة آل عمران: 26]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ويَقْدِرُ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [سورة سبأ: 36].


والأدهى من ذلك لماذا نطلب المال من الحرام؟ وبعض الناس همه جمع المال ولا يبالي أخذ الريال من حلال أم من حرام.

لماذا نسرق ونختلس ونغش ونكذب؟ لماذا نتعامل بالربا والبيوع المحرمة؟

لماذا الحسد؟ لماذا النجش؟ لماذا الظلم؟ لماذا البغي؟ لماذا الخداع؟


أفلا نعلم أن الله هو الرزاق، فنطلب الرزق من عنده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ واعْبُدُوهُ واشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة العنكبوت: 17].


هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

سيف
02-01-2024, 04:36 PM
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته