حكاية ناي ♔
02-01-2024, 04:33 PM
الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
إلهي إني دعوتك والهموم
جيوشها نحوي تطارد
فأفرج بحولك كُربتي
يا من له حُسن العوائد
فخفي لطفك يُستعان
به على الزمن المعاند
أنت الميسر والمسبِّب
والمسهّل والمساعد
يسر لنا فرجًا قريبًا
يا إلهي لا تباعد
ثم الصلاة على النبي
وآله الغر الأماجد
وعلى الصحابة كلهم
ما خرَّ للرحمن ساجد
أما بعد:
فعباد الله، أوصيكم ونفسي أولًا بتقوى الله ومراقبته بالليل والنهار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاء واتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء: 1].
ما زال الكلام جاريًا والحديث متدفقًا عن النور وأهل النور ومنابع النور، وقفنا مع مصادر النور وآيات النور، واليوم سنعيش وإياكم مع الأعمال المباركة التي لها نور.
ما الأعمال التي لها نور؟ ثمانية أعمال أولها:
قول كلمة لا إله إلا الله:
سأل أبو هريرة رضي الله عته: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة يا رسول اللـه؟ فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا اللـه خالصًا مخلصًا من قلبه»؛ [رواه البخاري «99» في العلم].
وفي رواية ابن حبان: «أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا اللـه خالصًا من قلبه يصدق قلبه لسانه، ويصدق لسانه قلبه».
قال ابن القيم رحمه الله: «اعلم أن أشعة لا إله إلا الله» تبدِّد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الإشعاع وضَعفه، فلها نور، ويتفاوت الناس في ذلك النور قوة وضعفًا».
فمن الناس مَن نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف.
ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم، وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما قلوبهم من نور هذه الكلمة؟ علمًا وعملًا ومعرفة وحالًا.
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي، قال: «إن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».
وجاء في المسند عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي أنَّ نوحًا عليه السلام قال لابنه عند موته: «آمرك بلا إله إلا الله، فان السماوات السبع والأرضين السبع، لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كِفة، رجَحت بهم لا إله إلا الله».
ومن فضائل لا اله إلا الله أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر؛ كما في المسند وغيره عن النبي قال: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن».
وكلمة التوحيد ليست مجرد كلمة يرددها الإنسان بلسانه فقط، بل إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.
فقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو يأكل الحرام.
وقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو عاق لوالديه.
وقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو قاطع للصلاة، وقد يقولها وهو ظالم للعباد.
محتضران في غرفة الإنعاش حاول الطبيب تذكيرهما بكلمة التوحيد، فقال للأول: لا إله إلا الله عسى أن يسمعها، عسى أن يقولها فيُختم له بها، فإذا بالمحتضر يقول: انا أعلم ما تريد يا دكتور، ولكنها على لساني مثل الجبل لا أستطيع قولها؛ لأنه ما عاش عليها، وما عمل بها.
وقال الطبيب للثاني: لا إله إلا الله عسى أن يسمعها، عسى أن يقولها فيُختم له بها، فإذا بالمحتضر الثاني يقول: يا دكتور، مُدَّها، قل: لا إله إلا الله، فقالها ومات رحمه الله تعالى.
ثانيًا: من الأعمال التي لها نور الصلاة:
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأنها «نور» فقال صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور .... »؛ [رواه مسلم].
الصلاة نور، ولذلك علَّمنا النبي أن يقول أحدنا إذا ذهب إلى المسجد للصلاة: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا».
وروى عن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: «الصلاة نور المؤمن»؛ [رواه أبو يعلى 3655، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة «176»].
فالصلاة نور في الدنيا:
فهي للمؤمنين في الدنيا نور في قلوبهم وبصائرهم، تشرق بها قلوبهم، وتستنير بصائرهم، ولهذا كانت قرة عين المتقين؛ كما كان النبي يقول: «جُعلت قرة عيني في الصلاة»؛ [رواه أحمد من حديث أنس، «3-196»، 285 والنسائي، «7-6261»].
وخرَّج الهيثمي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا حافظ العبد على صلاته، فأقام وضوءها، وركوعها، وسجودها، والقراءة فيها، قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصُعد بها إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى الله تعالى، فتشفع لصاحبها»؛ [أورده الهيثمي في المجمع «2 /122»، ورواه الطبراني في الكبير والبزار «350»].
والصلاة نور للمؤمنين في قبورهم، ولا سيما صلاة الليل كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «صلوا ركعتين في ظُلَم الليل لظلمة القبور».
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي أنه ذكر الصلاة، فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان»؛ [رواه أحمد، «2-169»، وصححه ابن حبان «1467»].
ذكر أحد المشايخ أنه زار قريةً من القرى، فقال دخلنا تلك القرية، إنه لا يوجد بها أي معلم من معالم الحضارة، قرية وهجرة بسيطة في بنائها وشكلها وهيئتها، قصدنا مسجد القرية، ذهبنا عنده، وصلنا إلى ذلكم المكان، وإلى ذلكم المسجد، عندما وصلنا إلى المسجد وجدنا عند بابه حجرًا كبيرًا ومربوط به حبل، لا إله إلا الله، ما قصة هذا الحبل؟! بدأنا نسير مع هذا الحبل يرتفع بنا حيث ترتفع الأرض، إنَّ هذا الحبل بدأ يأخذنا بين أشجار، سرنا تقريبًا ما يزيد على نحو ست دقائق، سبحان الله، بدأنا نصل إلى نهاية الحبل، نعم، لقد بدأنا نصل إلى الطرف الآخر، ما سرُّ النهاية؟ إلى ماذا يحملنا هذا الحبل؟ وإلى مَن سوف يوصلنا هذا الحبل؟ وما الخبر وراء هذا الحبل؟ إنه حبل ممدود على الأرض، حبل ممدود على الأرض، عندما وصلنا إلى نهاية الحبل، وجدنا بيتًا مكونًا من غرفة ودورة مياه، وإذا بالبيت نجد رجلًا كبيرًا في السن كفيف البصر بلغ من العمر ما يزيد على 85 عامًا، إنه يا ترى مَن، إنه العم عابد، سألناه: قلت له: يا عم عابد، يا عم عابد، أخبرنا ما سر هذا الحبل؟! ما سرُّ هذا الحبل؟! اسمعوا الجواب، اسمعوا الجواب، فإنه والله لنداء أُخرجه لأصحاب الأربعين، والخمسين، والستين، والثمانين، نداء أخرجه للأصحاء للمبصرين لمن أنعم الله عليهم بالخيرات، والفضائل، والكرامات.
إنه نداء لقد قال العم عابد كلمة تؤثر في كل قلبٍ مؤمن، قال: يا ولدي، يا ولدي، هذا الحبل من أجل الصلوات الخمس في المسجد، هذا الحبل من أجل الصلوات الخمس في المسجد،
إنني أمسك به، أخرج من بيتي قبل الأذان، ثم أمسك بهذا الحبل حتى أصل إلى المسجد، ثم بعد الصلاة وخروج الناس أخرج آخر رجل من المسجد، ثم أمسك بالحبل مرة أخرى حتى أعود إلى بيتي ليس لي قائد يقودني.
يده لقد أصبحت بجميع الصفات التي نحكم عليها من جراء أثر الحبل عليها، إنه رجل نوَّر الله قلبه بالإيمان، قصد طاعة الله، أراد الصلاة، أراد الصلاة، قصدها، فصدق الله فيه: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [سورة النور: 35].
فأين الذين حرموا أنفسهم من المساجد؟ أين أولئك الكسالى؟
ثالثًا: من الإعمال التي لها نور القرآن:
جاء في الأثر: إن بيوتات المؤمنين لمصابيح إلى العرش يعرفها مقربو السماوات السبع، يقولون: هذا النور من بيوتات المؤمنين التي يتلى فيها القرآن».
ومن القرآن سورة البقرة وآل عمران:
فعن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: « اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما»؛ [رواه مسلم].
ومن معاني الزهراوان: أنهما النيرتان، فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما؛ أي من معانيهما، وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما جبريل جالس عند النبي؛ إذ سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه وقال: (لقد فتح باب من السماء ما فتح قط، فأتاه ملك فقال له: أبشر بسورتين أوتيتهما لم يعطهما نبي كان قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ منها حرفًا إلا أُعطيته)؛ [صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (806)].
ومن القرآن سورة الكهف التي حثنا النبي على قراءتها يوم الجمعة، فقد قال: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين»؛ [أخرجه الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد، وصححه الألباني كما في الإرواء رقم «626»].
ويُستحب أن يقرأها أيضًا ليلة الجمعة ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدرامي بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق».
رابعًا: من الأعمال الصالحة التي لها نور: الشيبة في سبيل الله؛ عن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «أيما رجل شاب شيبة في سبيل الله، فهي له نور»؛ [مسند أحمد، «18622»].
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «نهى رسول الله عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن»؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني].
العمل الخامس من الأعمال الصالحة التي لها نور: المشيء في الظلم إلى المساجد:
عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ [ابن ماجه: 870 بسند حسن، وابن خزيمة، الترغيب والترهيب: 603].
نعم بشِّر المشائين وهم جمع المشَّاء وهم كثيرو المشي، المساجد راحتهم أُنسهم سعادتهم، راحت بالهم الصلاة، كيف لا وقدوتهم كان إذا حزبه أمر قال: «أرحنا بالصلاة يا بلال»، بالنور التام الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم؛ أي: على الصراط لَمَّا عانوا مشقة المشي في ظُلمة الليل، جُوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه حقًّا، وتوبوا إليه صدقًا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فعباد الله، من الأعمال التي لها نور:
سادسًا: الحب في الله، لا لمصلحة، ولا لدنيا بل لله وحده، فالمتحابون في الله على منابر من نور؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي: «إن من عباد الله لأُناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبرنا مَن هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس»؛ [سنن أبي داود، «3060»].
اللهم اجعلنا إخوةً فيك متحابين يا رب العالمين.
سابعًا: العدل، فالذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وُلُّوا على منابر من نور:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن تعالى وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُّوا»؛ [صحيح مسلم، «ج 3-1458»].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].
قال الإمام ابن كثير: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط؛ أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
ثامنًا: من الأعمال الصالحة التي لها نور البكاء من خشية الله:
قال أحد السلف: «بلغني أن العبد إذا بكى من خشية الله، مُلئت جوارحه نورًا، واستبشرت ببكائه، وتداعت بعضها بعضًا: ما هذا النور؟ فيقال لها: هذا غشيكم من نور البكاء».
وقال أبو ذر رضي الله عنه: «بلغني أن البكاء من خشيته يُبدِّل الله مكان كل قطرة أو دمعة تخرج من عينيه أمثال الجبال من النور في قلبه، ويزاد من قوته للعمل، ويطفأ بتلك المدامع بحور من نار».
عباد الله، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تصير في وجوههم الجداول، فتنفد الدموع، فتقرح العيون حتى لو أن السفن أرخيت فيها لجرت.
عبد الله، لتبكي ذكِّر نفسك بذنوبك وخطاياك ومعاصيك، فإن أجابت على ذلك القلوب، وإلا نقلتها إلى تلك الشدائد والأهوال يوم القيامة، فإن أجابت على ذلك وإلا فاعرض عليها التقلب بين أطباق النيران.
اللهم نوِّر قلوبنا ونوِّر دروبنا، ونور حياتنا، ونور قبورنا، ونوِّر عقولنا برحمتك يا رب العالمين.
هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.
إلهي إني دعوتك والهموم
جيوشها نحوي تطارد
فأفرج بحولك كُربتي
يا من له حُسن العوائد
فخفي لطفك يُستعان
به على الزمن المعاند
أنت الميسر والمسبِّب
والمسهّل والمساعد
يسر لنا فرجًا قريبًا
يا إلهي لا تباعد
ثم الصلاة على النبي
وآله الغر الأماجد
وعلى الصحابة كلهم
ما خرَّ للرحمن ساجد
أما بعد:
فعباد الله، أوصيكم ونفسي أولًا بتقوى الله ومراقبته بالليل والنهار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاء واتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء: 1].
ما زال الكلام جاريًا والحديث متدفقًا عن النور وأهل النور ومنابع النور، وقفنا مع مصادر النور وآيات النور، واليوم سنعيش وإياكم مع الأعمال المباركة التي لها نور.
ما الأعمال التي لها نور؟ ثمانية أعمال أولها:
قول كلمة لا إله إلا الله:
سأل أبو هريرة رضي الله عته: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة يا رسول اللـه؟ فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا اللـه خالصًا مخلصًا من قلبه»؛ [رواه البخاري «99» في العلم].
وفي رواية ابن حبان: «أسعد الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا اللـه خالصًا من قلبه يصدق قلبه لسانه، ويصدق لسانه قلبه».
قال ابن القيم رحمه الله: «اعلم أن أشعة لا إله إلا الله» تبدِّد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الإشعاع وضَعفه، فلها نور، ويتفاوت الناس في ذلك النور قوة وضعفًا».
فمن الناس مَن نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف.
ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم، وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما قلوبهم من نور هذه الكلمة؟ علمًا وعملًا ومعرفة وحالًا.
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي، قال: «إن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».
وجاء في المسند عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي أنَّ نوحًا عليه السلام قال لابنه عند موته: «آمرك بلا إله إلا الله، فان السماوات السبع والأرضين السبع، لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كِفة، رجَحت بهم لا إله إلا الله».
ومن فضائل لا اله إلا الله أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر؛ كما في المسند وغيره عن النبي قال: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن».
وكلمة التوحيد ليست مجرد كلمة يرددها الإنسان بلسانه فقط، بل إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.
فقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو يأكل الحرام.
وقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو عاق لوالديه.
وقد يقول: لا إله إلا اللـه وهو قاطع للصلاة، وقد يقولها وهو ظالم للعباد.
محتضران في غرفة الإنعاش حاول الطبيب تذكيرهما بكلمة التوحيد، فقال للأول: لا إله إلا الله عسى أن يسمعها، عسى أن يقولها فيُختم له بها، فإذا بالمحتضر يقول: انا أعلم ما تريد يا دكتور، ولكنها على لساني مثل الجبل لا أستطيع قولها؛ لأنه ما عاش عليها، وما عمل بها.
وقال الطبيب للثاني: لا إله إلا الله عسى أن يسمعها، عسى أن يقولها فيُختم له بها، فإذا بالمحتضر الثاني يقول: يا دكتور، مُدَّها، قل: لا إله إلا الله، فقالها ومات رحمه الله تعالى.
ثانيًا: من الأعمال التي لها نور الصلاة:
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأنها «نور» فقال صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور .... »؛ [رواه مسلم].
الصلاة نور، ولذلك علَّمنا النبي أن يقول أحدنا إذا ذهب إلى المسجد للصلاة: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم أعطني نورًا».
وروى عن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: «الصلاة نور المؤمن»؛ [رواه أبو يعلى 3655، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة «176»].
فالصلاة نور في الدنيا:
فهي للمؤمنين في الدنيا نور في قلوبهم وبصائرهم، تشرق بها قلوبهم، وتستنير بصائرهم، ولهذا كانت قرة عين المتقين؛ كما كان النبي يقول: «جُعلت قرة عيني في الصلاة»؛ [رواه أحمد من حديث أنس، «3-196»، 285 والنسائي، «7-6261»].
وخرَّج الهيثمي من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا حافظ العبد على صلاته، فأقام وضوءها، وركوعها، وسجودها، والقراءة فيها، قالت له: حفظك الله كما حفظتني، وصُعد بها إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى الله تعالى، فتشفع لصاحبها»؛ [أورده الهيثمي في المجمع «2 /122»، ورواه الطبراني في الكبير والبزار «350»].
والصلاة نور للمؤمنين في قبورهم، ولا سيما صلاة الليل كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «صلوا ركعتين في ظُلَم الليل لظلمة القبور».
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي أنه ذكر الصلاة، فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة ولا برهان»؛ [رواه أحمد، «2-169»، وصححه ابن حبان «1467»].
ذكر أحد المشايخ أنه زار قريةً من القرى، فقال دخلنا تلك القرية، إنه لا يوجد بها أي معلم من معالم الحضارة، قرية وهجرة بسيطة في بنائها وشكلها وهيئتها، قصدنا مسجد القرية، ذهبنا عنده، وصلنا إلى ذلكم المكان، وإلى ذلكم المسجد، عندما وصلنا إلى المسجد وجدنا عند بابه حجرًا كبيرًا ومربوط به حبل، لا إله إلا الله، ما قصة هذا الحبل؟! بدأنا نسير مع هذا الحبل يرتفع بنا حيث ترتفع الأرض، إنَّ هذا الحبل بدأ يأخذنا بين أشجار، سرنا تقريبًا ما يزيد على نحو ست دقائق، سبحان الله، بدأنا نصل إلى نهاية الحبل، نعم، لقد بدأنا نصل إلى الطرف الآخر، ما سرُّ النهاية؟ إلى ماذا يحملنا هذا الحبل؟ وإلى مَن سوف يوصلنا هذا الحبل؟ وما الخبر وراء هذا الحبل؟ إنه حبل ممدود على الأرض، حبل ممدود على الأرض، عندما وصلنا إلى نهاية الحبل، وجدنا بيتًا مكونًا من غرفة ودورة مياه، وإذا بالبيت نجد رجلًا كبيرًا في السن كفيف البصر بلغ من العمر ما يزيد على 85 عامًا، إنه يا ترى مَن، إنه العم عابد، سألناه: قلت له: يا عم عابد، يا عم عابد، أخبرنا ما سر هذا الحبل؟! ما سرُّ هذا الحبل؟! اسمعوا الجواب، اسمعوا الجواب، فإنه والله لنداء أُخرجه لأصحاب الأربعين، والخمسين، والستين، والثمانين، نداء أخرجه للأصحاء للمبصرين لمن أنعم الله عليهم بالخيرات، والفضائل، والكرامات.
إنه نداء لقد قال العم عابد كلمة تؤثر في كل قلبٍ مؤمن، قال: يا ولدي، يا ولدي، هذا الحبل من أجل الصلوات الخمس في المسجد، هذا الحبل من أجل الصلوات الخمس في المسجد،
إنني أمسك به، أخرج من بيتي قبل الأذان، ثم أمسك بهذا الحبل حتى أصل إلى المسجد، ثم بعد الصلاة وخروج الناس أخرج آخر رجل من المسجد، ثم أمسك بالحبل مرة أخرى حتى أعود إلى بيتي ليس لي قائد يقودني.
يده لقد أصبحت بجميع الصفات التي نحكم عليها من جراء أثر الحبل عليها، إنه رجل نوَّر الله قلبه بالإيمان، قصد طاعة الله، أراد الصلاة، أراد الصلاة، قصدها، فصدق الله فيه: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [سورة النور: 35].
فأين الذين حرموا أنفسهم من المساجد؟ أين أولئك الكسالى؟
ثالثًا: من الإعمال التي لها نور القرآن:
جاء في الأثر: إن بيوتات المؤمنين لمصابيح إلى العرش يعرفها مقربو السماوات السبع، يقولون: هذا النور من بيوتات المؤمنين التي يتلى فيها القرآن».
ومن القرآن سورة البقرة وآل عمران:
فعن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: « اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما»؛ [رواه مسلم].
ومن معاني الزهراوان: أنهما النيرتان، فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما؛ أي من معانيهما، وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما جبريل جالس عند النبي؛ إذ سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه وقال: (لقد فتح باب من السماء ما فتح قط، فأتاه ملك فقال له: أبشر بسورتين أوتيتهما لم يعطهما نبي كان قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ منها حرفًا إلا أُعطيته)؛ [صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (806)].
ومن القرآن سورة الكهف التي حثنا النبي على قراءتها يوم الجمعة، فقد قال: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين»؛ [أخرجه الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد، وصححه الألباني كما في الإرواء رقم «626»].
ويُستحب أن يقرأها أيضًا ليلة الجمعة ودليل هذا ما رواه أبو محمد الدرامي بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أضاء له النور فيما بينه وبين البيت العتيق».
رابعًا: من الأعمال الصالحة التي لها نور: الشيبة في سبيل الله؛ عن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «أيما رجل شاب شيبة في سبيل الله، فهي له نور»؛ [مسند أحمد، «18622»].
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «نهى رسول الله عن نتف الشيب وقال هو نور المؤمن»؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني].
العمل الخامس من الأعمال الصالحة التي لها نور: المشيء في الظلم إلى المساجد:
عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ [ابن ماجه: 870 بسند حسن، وابن خزيمة، الترغيب والترهيب: 603].
نعم بشِّر المشائين وهم جمع المشَّاء وهم كثيرو المشي، المساجد راحتهم أُنسهم سعادتهم، راحت بالهم الصلاة، كيف لا وقدوتهم كان إذا حزبه أمر قال: «أرحنا بالصلاة يا بلال»، بالنور التام الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم؛ أي: على الصراط لَمَّا عانوا مشقة المشي في ظُلمة الليل، جُوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه حقًّا، وتوبوا إليه صدقًا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فعباد الله، من الأعمال التي لها نور:
سادسًا: الحب في الله، لا لمصلحة، ولا لدنيا بل لله وحده، فالمتحابون في الله على منابر من نور؛ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي: «إن من عباد الله لأُناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبرنا مَن هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس»؛ [سنن أبي داود، «3060»].
اللهم اجعلنا إخوةً فيك متحابين يا رب العالمين.
سابعًا: العدل، فالذين يعدلون في حكمهم وأهليهم، وما وُلُّوا على منابر من نور:
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن تعالى وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُّوا»؛ [صحيح مسلم، «ج 3-1458»].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].
قال الإمام ابن كثير: يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط؛ أي بالعدل، فلا يعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه.
ثامنًا: من الأعمال الصالحة التي لها نور البكاء من خشية الله:
قال أحد السلف: «بلغني أن العبد إذا بكى من خشية الله، مُلئت جوارحه نورًا، واستبشرت ببكائه، وتداعت بعضها بعضًا: ما هذا النور؟ فيقال لها: هذا غشيكم من نور البكاء».
وقال أبو ذر رضي الله عنه: «بلغني أن البكاء من خشيته يُبدِّل الله مكان كل قطرة أو دمعة تخرج من عينيه أمثال الجبال من النور في قلبه، ويزاد من قوته للعمل، ويطفأ بتلك المدامع بحور من نار».
عباد الله، ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون حتى تصير في وجوههم الجداول، فتنفد الدموع، فتقرح العيون حتى لو أن السفن أرخيت فيها لجرت.
عبد الله، لتبكي ذكِّر نفسك بذنوبك وخطاياك ومعاصيك، فإن أجابت على ذلك القلوب، وإلا نقلتها إلى تلك الشدائد والأهوال يوم القيامة، فإن أجابت على ذلك وإلا فاعرض عليها التقلب بين أطباق النيران.
اللهم نوِّر قلوبنا ونوِّر دروبنا، ونور حياتنا، ونور قبورنا، ونوِّر عقولنا برحمتك يا رب العالمين.
هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.