مشاهدة النسخة كاملة : من أسس العقيدة الإسلامية موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين


حكاية ناي ♔
02-03-2024, 12:46 PM
يعتبر هذا من أهم الدروس العقدية المستنبطة من أحداث فتح مكة العظيم[1]‎‎، فتولي الله ورسوله والمؤمنين، والتبرؤ من الكفر والكافرين، هما الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لعقيدة الإسلام، ذلك أن كلمة التوحيد لن تتحقق إلا بموالاة من يستحق الموالاة، والتبرؤ ممن يستحق البراء[2].

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، خير من طبق هذه العقيدة والتزمها، لا سيما والآيات تنزل عليهم، تنهاهم عن اتخاذ الكفار أعوانا وأنصارا وظهورا، يوالونهم على دينهم، ويظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتبين لهم أن من فعل ذلك، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه[3]، كما في قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾[4].

فالقرآن (لما نهى عن موالاة الكفار وبين أن من تولاهم من المخاطبين فإنه منهم، بين أن من تولاهم وارتد عن دين الإسلام، لا يضر الإسلام شيئا، بل سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، فيتولون المؤمنين دون الكفار ويجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم)[5]. فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [6].

فموالاة المؤمنين: تتضمن حبهم لما هم عليه من الحق والهدى، والبراء من أعداء الله: يستلزم بغضهم وبغض ما هم فيه من الكفر، فالحب والبغض هما ترجمة الولاء والبراء في الواقع، وهما أقوى وأوثق روابط الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: (( أوثق عرى الإيمان: الموالاة والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله))[7].

إن العقيدة التي غرسها الإسلام في نفوس أصحابه جعلتهم يخاصمون في الحق أقرب الناس إليهم، ويوادون في الحق أبعد الخلق عنهم، فلا تساهل مع قريب أو حبيب ما دام محادا لله ومخالفا لشرعه[8].

وقد حقق الصحابة ولاءهم للمؤمنين، وتبرؤهم من المشركين في العديد من المواقف، منها حين قطعوا علائق التناصر الجاهلي والولاء الجاهلي، وأحلوا محله الولاء الإسلامي، والوقوف في صفه، بإعلانهم في بيعة العقبة الكبرى (بيعة الحرب)، مفاصلتهم الكفر وأهله، ونصرتهم الله ورسوله والمؤمنين[9].

وهي التي دفعتهم إلى مفارقة أهليهم وأوطانهم، والهجرة إلى دار الإسلام، ليكون إيذانا بعهد جديد، ونشوء رابطة جديدة تحت مظلة الأخوة الإسلامية، بين المهاجرين والأنصار، والتقاء قلوبهم على محبة الله ورسوله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [10].

وإعلان المفاصلة الكاملة بين حزب الله وحزب الشيطان، والانحياز النهائي للمؤمنين، والتجرد من كل عائق وكل جاذب لأعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كان عندما شرع الجهاد، فقاتل المسلمون أقرباءهم وعشيرتهم[11]، فروابط الدم تنقطع عند حد الإيمان[12]، كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾[13].

وقد تجلت مظاهر الولاء والبراء في هذه الغزوة في عدة مواطن:
أ- حين بعثت قريش أبا سفيان - وذلك قبل إسلامه - إلى المدينة،لتجديد العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، وهو يظن أنها قد تكون شفيعا له عند زوجها صلى الله عليه وسلم، لكنها بادرته بما ألقى في نفسه اليأس، وقابلته بجفوة لم يحسب لها حسابا، ولم تدر في خلده[14]، حين منعته ابتداءً من الجلوس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم وطوته عنه، وأجابت عما فعلت بقولها: (هو من أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس عليه)[15]. فضربت رضي الله عنها بذلك نموذجا صادقا في الحب في الله والبغض فيه، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه[16].

بل أنها تغتنم الفرصة - وقد علمت رجحان عقل أبيه - لتعرض عليه الإسلام، وتظهر أسفها أن يفوته هذا الخير والهدى، وهو رئيس قومه، فتقول:( وأنت يا أبت، سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر، فقال: يا عجباه، وهذا منك أيضا؟ أأترك ما كان يعبد آبائي واتبع دين محمد؟)[17].

وكذلك ضرب الصحابة أروع الأمثال في ولائهم للإسلام، وتبرئهم من الكفر، في اجتماع كلمتهم، على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم التقدم عليه، وذلك برفضهم إعطاء الجوار والأمن لقريش من عند أنفسهم، بل كانت مقولتهم: بل جوارنا في جوار رسول الله، مثار عجب واندهاش عند أبي سفيان، حين رأى هذا التلاحم والاتفاق من الجميع على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال لقومه - وقد يئس من أخذ الأمان -: (جئتكم من عند قوم قلوبهم على قلب واحد، والله ما تركت منهم صغيرا ولا كبيرا ولا أنثى ولا ذكر إلا كلمته، فلم أنجح منهم شيئا)[18].

ب-كانت هفوة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه -لما حاول تسريب الخبر لقريش - درسا بليغا للمسلمين في المدينة، وتوضيحا وترسيخا لقاعدة الولاء والبراء، فنزلت الآيات تنهى عن اتخاذ الكفار والمشركين، الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين - أولياء وأخلاء وأصدقاء، فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾[19].

في الآية الكريمة يهيج الله تعالى على عداوتهم، وعدم توليهم، لأنهم أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بين أظهرهم، كراهية لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبودية لله وحده، ولم يكن لهم عندهم ذنب إلا إيمانهم بالله رب العالمين[20].

كما يبين تعالى ما احتوت عليه قلوبهم من الحقد والعداوة للمسلمين بقوله: ﴿ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [21]، فهم إن يظفروا بالمسلمين، ويتمكنوا منهم، يكونوا لهم غاية في العداوة، ويبسطوا أيديهم إليهم بالقتال، وألسنتهم بالشتم، بل ويتمنون أن يرتدوا عن دينهم، فيلحق بهم مضار الدين والدنيا معا، فموادة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم ومغالطة من المسلمين لأنفسهم، كما وصفه الله تعالى بقوله: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [22].

كما يقرر تعالى أن الأقارب والأولاد الذين يوالون الكفار من أجلهم، ويتقربون إليهم خوفا عليهم، لن ينفعوهم يوم القيامة، بل يفصل الله بينهم، فيدخل أهل الإيمان الجنة، ويدخل أهل الكفر النار[23].

فالمشركون لا يذكرون في عداوتهم للإسلام رحما ولا أهلا، ولا ينبغي - ولو دارت على المسلمين الدوائر - أن يبقوا لهم ودا وقد خاصموهم في ذات الله، وأخذ عليهم العهد أن يبذلوا في حربهم أنفسهم وأموالهم[24].

فكان في صدور هذا الخطأ من الصحابي الجليل، ونزول هذه الآيات، تعميق لهذه العقيدة في قلوب المسلمين، في الوقت الذي هم أشد ما يحتاجون فيه إلى لمسات قوية، تثير في قلوبهم مشاعر الموالاة للمؤمنين والبغض للكافرين، وتنقيها من أي شائبة تردد في قتال الكفار، أو الرضوخ أمام المصالح الشخصية، أو المؤثرات العاطفية.

وقد كان في هذه الغزوة امتحان صعب تعرض له المسلمون، أقسى من مواجهتهم عشيرتهم في ساحة القتال - كما حدث في الغزوات السابقة - فمما يميز فتح مكة، أنها المرة الأولى التي يبادر فيها المسلمون بغزو مكة والهجوم عليها، ومن الطبيعي أنه من الصعب على الإنسان أن يسير لغزو أهله وقبيلته، في الدار التي خلفهم فيها وهاجر منها، وكان إلى قريب يراوده أمل عظيم أن تنضم هذه العشيرة إلى صفوف المسلمين، فتزول بذلك المقاطعة والخصومة، وتتصل الأواصر التي قطعت من جديد، وذلك تصديقا لقوله تعالى: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [25].

لكنها عقيدة الإسلام التي طهرت قلوبهم وجعلتها خالصة لله عابدة له وحده تعالى.

ج- من المواقف التي تجلى فيها الولاء،ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقديم ما يحبه ويرضاه على محبوبات النفس، ما صرح به عمر رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه، حين أكثر من الكلام في شأن أبي سفيان-قبل إسلامه- وأراد ضرب عنقه، فقال العباس: مهلا يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا.

فانبرى عمر رضي الله عنه يدفع عن نفسه وصمة العصبية القبلية، أو أن يكون ولاؤه لغير المؤمنين، فأجاب وقد تخلص قلبه من شوائب الجاهلية والتعلق بأواصر الدم، إلا آصرة أخوة الإسلام: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت، كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وذلك لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم[26].

فبلغ رضي الله عنه بذلك مرتبة عالية من التجرد من حظوظ نفسه، وغاياته الشخصية، بتقديم ما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهواه، على ما يحبه هو ويرضاه[27].

د- وهذا النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل، والمثل الأعلى للمسلمين في هذا الجانب- الولاء والبراء-، في تعامله مع رؤساء قريش ورجالاتها، يعلن البراءة والحرب على أعداء الله، حتى لو كان أقرب قريب، فإذا أسلم واتبع دين الحق، انقلب هذا العدو حميما، وتحولت البغضاء إلى محبة وسلام، ومن ذلك:
1- موقفه صلى الله عليه وسلم من ابن عمه أبي سفيان بن الحارث، ومن صهره عبد الله بن أمية بن المغيرة - رضي الله عنهما وذلك قبل إسلامهما - وإعراضه عنهما بعد اشتداد أذاهما عليه وعلى المسلمين، فلما تبين له صدق توبتهما ولجوءهما للإسلام راغبين رق لهما وعفا عنهما، فانضما إلى حزب أولياء الله، وقد روي:( أن أبا سفيان بن الحارث كان أحب قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديدا عليه، فلما أسلم كان أحب الناس إليه)، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أبا سفيان ويشهد له بالجنة، ويقول:((أبو سفيان بن الحارث خير أهل بيتي ))[28].

2- إن بعض المشركين الذين كانوا حربا على الإسلام وأهله، وامتدت عداوتهم في غالب فترة النبوة، وكانت امتدادا لعداوة آبائهم، كعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، قد أسلموا، فلم يؤاخذهم صلى الله عليه وسلم بجريرة الجاهلية وأهلها، ولم يعيرهما بما مضى من حربهما للإسلام، بل بذل لهما الولاء والمحبة والود، وغض الطرف عما سلف منهما، كما فعل مع عكرمة رضي الله عنه، حين نهى المسلمين عن تعييره بماضيه، فقال:(( يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت))، فلما بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثب له رسول الله قائما على رجليه فرحا بقدومه)[29]، وقال له: ((مرحبا بالراكب المهاجر- ثلاثا)) فتأثر عكرمة رضي الله عنه لهذا الاستقبال ولهذه البشاشة، وأراد أن يثبت ولاءه للإسلام، وعد نصرته له تكفيرا عن عداوته السابق، فقال: والله يا رسول الله، لا أدع نفقة أنفقتها إلا أنفقت مثلها في سبيل الله[30].

هـ-يظهر حرص الإسلام على غرس هذه العقيدة، وذلك بتمييز المسلمين عن الكافرين، وإزالة الدوافع المادية والمصالح الدنيوية، التي تكون مشتركة بين الطرفين، فلا يبقي على العلائق التي قد تضطر المسلم أن يوالي الكافر، ويكتم الحق محافظة عليها، وخوفا من زوالها، فشرع قطع التوارث بين المسلم والكافر، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه (أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله، أين ننزل غدا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( وهل ترك لنا عقيل من منزل، ثم قال: لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن))[31]، قاطعا بذلك مطامع النفس التي قد تطرأ على المسلم، فيوالي ويناصر الكفار من أهله، ولا يعلن براءته منهم، حرصا على ما قد يرثه منهم[32]، فجاء الإسلام بقطع هذه العلائق، لأن (التوارث يتعلق بالولاية، ولا ولاية بين المسلم والكافر، لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [33])[34]، وما دام أن التناصر والولاء الإيماني قد انقطع بين المسلم والكافر، فلأن ينقطع التوارث من باب أولى، لتخلص نفسه لله رب العالمين، وتصبح حياته قائمة على منهج الله القويم، كما أن في ذلك صونا للمسلم من المال الحرام، لأن صاحبه الكافر رضي بالحرام، وترك شريعة الله والحلال[35].

وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته لما فتح مكة، الأساس الذي يوالى عليه، وتكون النصرة والحمية عروته التي يرتبط بها، في قوله:(( والمسلمون يد على من سواهم))، (أي أنهم مجتمعون يدا واحدة على غيرهم من أرباب الملل والأديان، فلا يسع أحدا منهم أن يتقاعد عن نصرة أخيه المسلم)[36].

فالأساس هو: عقيدة الإسلام، والمسلمون (مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا)[37].

وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في تآزرهم بالبناء الواحد يقوي بعضه أركان بعض فقال:(( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا))[38].

كما شبههم بالجسد الواحد الذي يتشارك جميع أعضائه في الإحساس بالألم والمعاناة إذا مرض أو اشتكى أحد أعضائه، فقال:(( المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وان اشتكى رأسه اشتكى كله))[39].

و- لترسيخ عقيدة الولاء والبراء، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إحداث الأحلاف، فالإسلام يقتضي نصرة المسلمين -كل المسلمين- وموالاتهم، ومعاداة الكافرين - كل الكافرين - والتبرؤ منهم.

فأما ما كان من أحلاف الجاهلية موافقا لمراد الإسلام؛ من تعاون بين المسلمين، ونصرة للمظلوم، وصلة للأرحام، فلا يزيده الإسلام إلا شدة،وما كان بخلاف ذلك من نصرة للظلم والعدوان والتعاون على ذلك، ومخالفة حكم الإسلام، فهذا الحلف لا اعتبار له في الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة))[40].

فلا ولاء في الإسلام إلا على أساسه النظري والعملي، وكل آصرة أخرى يعطي الناس ولاءهم على أساسها، آصرة باطلة، فالأواصر القائمة على المذاهب الأرضية بأنواعها، كالشيوعية والقومية والوطنية وغيرها، غير معتبرة شرعا وباطلة، فالمسلم لا يعطي ولاءه للشيوعيين - رغم اندحارهم -، بجامع العقيدة الشيوعية والعمل المشترك، ولا للقوميين بجامع المصلحة القومية المتوهمة، ولا للوطنيين - مع عدم اعتصامهم بحبل الإسلام - بجامع مصلحة الوطن، بل إن الله يأبى على المسلمين، أن يعطوا ولاءهم إلا بجامع الإيمان والإسلام [41].

وقد بين تعالى الجهات التي يجب أن يبذل لها المؤمن ولاءه، فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾[42]، وبين عاقبة من يفعل ذلك في قوله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾[43].

عاشق السهر
02-03-2024, 12:59 PM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن