مشاهدة النسخة كاملة : حدث في السنة الثامنة من الهجرة (7)


حكاية ناي ♔
02-03-2024, 12:54 PM
20- وفي رمضان من هذه السنة: بعد العصر، لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُراعَ الغميم، أفطر على راحلته ليراه الناس.


الشرح:

عَنْ جَابِرِ بن عبدالله - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".



وفي رواية: أنه قِيلَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ[1].



ولَمْ يَزَلْ النبي - صلى الله عليه وسلم - مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ[2].



وعن أنس: لَمَّا اسْتَوَى النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا[3].



21- وفي رمضان من هذه السنة: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحًا منصورًا مؤيدًا.


الشرح:

ثم جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشه استعدادًا لدخول مكة، فقسم الجيش وجعل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - على المَجنِّبة اليمنى، والزبير بن العوام - رضي الله عنه - على المَجنِّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - على الرجالة الذين هم في آخر الجيش[4].



ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أَبَا هُرَيْرَةَ أن يجمع له الْأَنْصَارَ، فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ[5]؟"، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا"، ثم قال بيده -أي: أشار- وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ[6].



ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يأخذ بطن الوادي أسفل مكة[7]، وقام بتوزيع الزبير بن العوام وأبا عبيدة - رضي الله عنهما -[8].



وسار النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ناحية كَدَاءٍ[9] الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ[10]، وواعدهم أن يوافوه عند جبل الصفا، وَقَالَ: "مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا".



يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا[11].



ويُذكر أنَّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعوا ناسًا بمكان يقال له: الخندمة؛ ليقاتلوا، وكان رجل اسمه حِماس بن قيس بن خالد يُعدُّ سلاحًا قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلح منهم، فقالت له: امرأته: لماذا تُعدُّ ما أرى؟ قال لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: والله إني لأرجوا أنْ أُخْدمَكِ بعضهم([12])، ثم أنشد يقول:
إنْ يُقبِلوا اليوم فما لي عِلَّهْ
هذا سلاحٌ كاملٌ وأَلَّهْ[13]
وذو غِرارين سريع السَّلَّهْ[14]



ثم شهد حِماس هذا الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل ومن معهم، فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم[15]، وفرَّ حماس هذا حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقي عليَّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنكِ لو شهدتِ يومَ الخندمهْ
إذ فرَّ صفوانُ وفرَّ عِكرمهْ
وأبو يزيد قائمٌ كالمؤتمهْ[16]
واستقبلتهم بالسيوف المسلمهْ
يَقْطَعْنَ كلَّ ساعدٍ وَجُمْجُمهْ
ضربًا فلا يُسْمعُ إلا غَمْغَمهْ[17]
لهم نَهيتٌ خَلْفَنا وهَمْهَمَهْ
لم تَنطقي في اللَّوم أدنى كلمهْ[18]



وقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ، هما: حُبَيْشُ بن الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بن جابِرٍ الْفِهْرِيُّ[19].



ودَخَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فاتحًا منتصرًا دون أدنى مقاومة تُذكر، وَكان على رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ[20]، وكانت رَايَةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخوله سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ[21]، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ[22].



وكان مُرْدِفًا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بن طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ[23]، حَتَّى أَنَاخَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ عثمان بن طلحة أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بن طلحة، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عبدالله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى[24].



وعن عمر - رضي الله عنه - أنه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ[25].



وقام النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالدَعَاء فِي نَوَاحِيهِا كُلِّهَا[26].



ولم يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت، ولم يُصل فيه إلا بعد أن طهره من كل مظاهر الشرك، من أوثان وصور وغير ذلك.



فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحطيم الأصنام، وتطهير البيت الحرام منها، وشارك هو بنفسه في ذلك.



وَكان حَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ صنم، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ"[27].



وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَفِي يَدِه قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ[28]، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ فِي عَيْنِهِ، وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ"[29].



وفي رواية: عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يطعنها وهو يقول: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 49][30].


وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: دخلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا تُعبد من دون الله، قال: فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكُبَّت كلها لوجوهها، ثم قال: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فصلى ركعتين، فرأى فيه تمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها[31]، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام" ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزعفران فلطخه بتلك التماثيل[32].



عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دخل مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْأَزْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُمْ الله لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ"[33].



وعن صفية بنت شيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته، يستلم الركن بمِحْجَن[34] في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففُتحت له، فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفَّ[35] له الناس في المسجد[36].



وعن جَابِر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - زَمَنَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا، فلَمْ يَدْخُلْها النبي - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهِا.



وفي رواية: فَبَلَّ عُمَرُ ثَوْبًا وَمَحَاهَا بِهِ[37].



وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَصُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ: "أَمَا لَهُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ"[38].



وهكذا تم تطهير البيت العتيق من مظاهر الوثنية وأوضار الجاهلية، ليعود كما أراد له الله تعالى وكما قصد ببنائه إبراهيم وإسماعيل، مكانًا لعبادة الله وتوحيده، ولا شك أن تطهير البيت من الأصنام كان أكبر ضربة للوثنية في أرجاء الجزيرة العربية حيث كانت الكعبة أعظم مراكزها[39].



النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بعد الفتح:

عن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قد أرخى طرفيها بين كتفيه[40].



وعَنْ عبدالله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى دَرَجِ الْكَعْبَةِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تذكر وتدعى من دَمٍ أو مال تَحْتَ قَدَمَيَّ، إِلَّا مَا كَانَ وسِدَانَةِ الْبَيْتِ، ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها"[41].



وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بني لَيْثٍ، عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: "إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَه وَالْمُؤْمِنِون، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْبط[42] شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا[43]، وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا مُنْشِدٍ، ومَنْ قُتِلَ له قتيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ[44]"، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يقال له: أبو شاة، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "اكْتُبُوا لِأبي شاة"[45].



وعَنْ أبي شُرَيْحٍ العدوي أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خطب يَوْمَ الغد من فَتْحِ مكة، فحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا: فَقُولُوا له: إِنَّ الله قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ"[46].



وقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[47].



وعن عبدالله بن مُطِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[48].



وعَنْ عبدالله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى الله، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى الله، وَالنَّاسُ بنو آدَمَ، وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13][49].



وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ: "لَا هِجْرَةَ بعد الفتح، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا"، ثم ساق ابن عباس خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث أبي هريرة في تحريم مكة وشجرها ونباتها، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ[50]، وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الْإِذْخِرَ"[51].



وعَنْ جَابِرِ بن عبدالله - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ الله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ[52]، فَقَالَ: "لَا هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ، إِنَّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ[53]، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ"[54].



وبعد ذلك مضى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الصفا حيث واعد قوَّاد جيشه هناك، فلما أتى الصفا علا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله، ويدعو بما شاء أن يدعوا، وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أبو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ[55]، فقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أبي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ"[56].



فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وجاء الْوَحْيُ، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرْفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك يا رسول الله، قَالَ: "قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فأدركته رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ"، قالوا: قد كان ذلك، قال: "كلا إني عبدالله وَرَسُولِهِ، هَاجَرْتُ إِلَى الله وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ[57]، قَالَ: "إِنَّ الله وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ، وَيَعْذِرَانِكُمْ"، فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس أبوابهم[58].



ورغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّن أهل مكة جميعهم إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - استثنى ستة نفر، أهدر دماءهم.



عَنْ سَعْدِ بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خَطَل، ومِقَيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فأما عبدالله بن خَطَل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حُريث، وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارًا - وكان أشبَّ الرجلين- فقتله، وأما مقيس بن صبابة، فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصفة، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئًا هاهنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص، لا ينجني في البَرِّ غيره، اللهم إن لك عليَّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوًا كريمًا، فجاء فأسلم، وأما عبدالله بن أبي سَرْحٍ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رسول الله بَايِعْ عبدالله، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا – كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى- فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ، يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟!"، فَقَالُوا: ومَا يدْرِينا يَا رَسُولَ الله مَا فِي نَفْسِكَ؟ هلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ"[59].



النبي - صلى الله عليه وسلم - يُبايع أهل مكة:

عن الْأَسْوَدِ بن خلف - رضي الله عنه - أنه رأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ، قَالَ: جَلَسَ عِنْدَ قَرْنِ مَصْقَلَةَ[60]، فَبَايَعَ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّهَادَةِ[61].



وعن مُجَاشِعِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، قَالَ: "ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا"، فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: "أُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ"[62].



حدث في فتح مكة:

عن أُمِّ هَانِئٍ بنتِ أبي طَالِبٍ - رضي الله عنها - قالت: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟"، قُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بنتُ أبي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ"، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[63].



وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ -المخزومية- الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بن زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بن زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟"، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ الله، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - [64].



وعَنْ عَمْرِو بن سَلَمَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بنا الرُّكْبَانُ، فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ الله أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَوْحَى الله بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ، وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ؛ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي[65] قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا، فَقَالَ: صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنْ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَزَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ[66].



وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بن أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ، أَخَذَ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَقْبَلَ مَعَهُ عبدبن زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُ بن أبي وَقَّاصٍ: هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، قَالَ عبدبن زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ الله هَذَا أَخِي، هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عبدبن زَمْعَةَ" -مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ- وَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ"، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ، قَالَ رَسُولُ الله: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"[67].



وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذي طوى قال أبو قحافة لأبنة له من أصغر ولده: أي بنيَّة اظهري بي على أبي قُبيس[68]، قالت: وقد كُفَّ بصره، قالت: فأشرفت به عليه، فقال: أيْ بنيَّة، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادًا مجتمعًا، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبرًا، قال: أيْ بنيَّة ذلك الوازع - يعني: الذي يأمر الخيل ويتقدَّم إليها- ثم قالت: قد والله انتشر السواد، قالت: فقال: قد والله إذن دُفِعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فانحطت به، وتلقاه الخيلُ قبل أن يصل إلى بيته، قالت: وفي عُنُق الجارية طوق من ورِق[69]، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها، قالت: فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟" قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم - بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم، قالت: فدخل به أبو بكر، وكأن رأسه ثغامة[70]، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غيِّروا هذا من شعره" ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختي، فلم يجبه أحد، فقال: أيْ أُخيَّه احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل[71].



(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)

بلسم الروح
02-03-2024, 12:59 PM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن