مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (23)


حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:21 AM
حادثة الإفك


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأُصلِّي وأسلِّم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فمرحبًا بكم أيها المستمعون والمستمعات الكرام في برنامجكم خاتم النبيين، فقد تعرضنا مستمعي الأكارم في الحلقة الماضية إلى غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، وذكرنا وفودَ وفدٍ من مُزينة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا شيئًا من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وكذلك ذكرنا الخير العظيم الذي كان في تلك الغزوة، وأيضًا ذكرنا فضائل جويرية رضي الله عنها على قومها، بل على الأمة جمعاء!

وذكرنا شيئًا من أحداث المنافقين في تلك الغزوة، ويتواصل الحديث في تلك الحلقة عن حدث في آخر غزوة المريسيع، وهو حادثة الإفك التاريخية التي كانت أعظم فتنة حاكها المنافقون، وقد استباح عبدالله بن أبي ابن سلول لنفسه أن يرمي الطاهرة المطهرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالفحشاء، وهذه الحادثة أخرجها البخاري في صحيحه؛ حيث ترويها عائشة رضي الله عنها، فتقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخروج أقرع بين نسائه؛ أي جعل بينهن قرعة، فمن خرج سهمها خرجت معه، فلما كان غزوة بني المصطلق، فعل كما كان يفعل، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل وجوب الحجاب، فكنت أُحمل في الهودج وانزل فيه، حتى إذا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من غزوته، رجعنا إلى المدينة فنزلنا وبتنا بعض الليل قرب المدينة، فلما أذنوا بالرحيل، ذهبت لقضاء حاجتي، فلما قضيت حاجتي ورجعت، فلمست صدري فلم أجد عقدي، فرجعت أطلبه وألتمسه، فلما رجعت فإذا الجيش قد حملوا هودجي، وظنوا أني فيه، فحملوه على بعيري، وكنت خفيفة اللحم إذ ذاك، فبعثوا الجمل وسار الجيش، ووجدت عقدي بعد مسيرهم، فجئت إلى مكانهم فلم أجدهم، فمكثت في مكاني لأجل أنهم إذا فقدوني رجعوا إليه، فبينما أنا جالسة ومتحجبة بجلبابي، فنمت وكان صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنه من وراء الجيش، فرأى سواد إنسان، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل وجوب الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي، فوالله ما سمعت منه كلمة غير الاسترجاع، فأناخ راحلته فركبتها، فسار حتى أتينا الجيش وهم نازلون في طريقهم، فلما رأى الناس ذلك قالوا ما قالوا من السوء، وهلك من هلك، وقد تولى الإفك عبدالله بن أبي ابن سلول، ثم قدمنا المدينة والناس يتحدثون بالإفك ولم أشعر به، وكنت مشتكية من المرض بعد قدوم إلى المدينة، فلما زال عني بعض مرضي خرجت أنا وأم مسطح لبعض الحاجة، فلما رجعنا إلى بيتي، قالت أم مسطح: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلًا شهد بدرًا? فقالت: أو لم تسمعي ما قال، قلت: وما قال? فأخبرتني بقول أهل الإفك، فرجع إليَّ مرضي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسأل عن الحال، فقال: كيف تيكم? فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي، فأذن لي وأنا أريد أن استوثق الخبر منهما، فقالت عائشة رضي الله عنها لأمها: بماذا يتحدث الناس? فأخبرتها، قالت أمها: ويا بنية هوِّني عليك من الأمر، فقلت: وهل علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي? قالت نعم، فبكيت حتى سمعني أبي، فقال: ما شأنها? فذكرت له حادثة الإفك، فقال أقسمت عليك يا بنية أن ترجعي إلى بيتك فرجعت؛ رواه البخاري.

وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة فبرَّؤوها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: يا معشر المسلمين، مَن يعذِرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه وكان سعد سيد الأوس، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا ذلك، قالت عائشة: فمكثت أبكي يومًا وليلتين ولا أكتحل بنوم، مما أصابني من الهم والغم وكان عندي أبواي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه شيء في شأني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرِّئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله، تاب الله عليه، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندي ما أجيب به رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أدري ما أقول لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فقلت: والله لقد علمت ما سمعت، واني والله إن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة، فإنكم لا تصدقوني، وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة، فإنكم مصدقي، ولكن لا أقول إلا كما قال يعقوب: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، ثم تحولت واضطجعت على فراشي، وكنت أرجو أن يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في هذا، فوالله ما خرج أحد من البيت حتى بدأ الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفناه. فإنه ليتحدَّر منه العرق ونحن في يوم شاتي، وذلك من ثقل القول عليه، فأما أنا فعلمت أنها براءتي.

وأما أبواي فأخذهما الغم والهم خشيةَ أن يكون صدق الناس فيما قالوا، فلما سُري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يضحك ويقول: يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برأك، فحمدت الله عز وجل، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 11 - 20]، فلما نزلت البراءة خرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس في المسجد، ثم تلا تلك الآيات، ثم أمر برجلين وامرأة - وهما مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش - فضُربوا ثمانين حدَّ القذف.

ثم اعتذر حسان من عائشة رضي الله عنها ومدحها بأبيات من الشعر في طهارتها وعفافها، وفي أثناء الإفك سأل النبي صلى الله عليه وسلم زوجته زينب بنت جحش عما سمعت أو رأت من الحال، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عنها إلا خيرًا، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح بن أثاثة؛ حيث كان ابن خالته، فلما نزلت براءة عائشة، أمسك أبو بكر تلك النفقة ردةَ فعل لما اتَّهم عائشة، فأنزل الله تعالى قوله ) ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، فأرجع على مسطح النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، وقد قيل: إن آية التيمم نزلت في تلك الغزوة، وقال آخرون: إنها في موقف آخر، ولعله هو الراجح كما ذكره ابن القيم وغيره، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله فوائد عظيمة مما اشتملت عليه حادثة الإفك، فقد ذكر سبعين فائدة، وأذكر منها في هذا المقام عشرًا وهي كما يلي:
أولًا: مشروعية القرعة حين الاختلاف، فقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم القرعة بين نسائه حينما أراد أن يخرج بإحداهن.

ثانيًا: وجوب تغطية المرأة وجهها عن الرجال الذين ليسوا من محارمها، فقد احتجبت عائشة رضي الله عن صفوان رضي الله عنه.

ثالثًا: مشروعية رد عرض المسلم كما ذكرت زينب وأبو أيوب وغيرهما؛ حيث قالوا لا نعلم إلا خيرًا.

رابعًا: مشروعية التسبيح عندما يسمع المسلم شيئًا كذبًا، فيقول: سبحان الله.

خامسًا عدم خروج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها.

سادسًا: فيه تثبت أبي بكر في الموقف، فلم يلفظ بكلمة واحدة حميَّة، فهو ينتظر الحقيقة من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو بكر: ما قيل عنا هذا في الجاهلية، فكيف يقال عنا بعد أن أعزنا الله بالإسلام؟

سابعًا: فيه الحث على البشارة لمن تجدَّدت له نعمة أو اندفعت عنه نقمة، والمسارعة بها؛ لأنها سرور على مسلم، وهو عمل صالح.

ثامنًا: فيه أن الشدة كلما زادت فإن الفرج قريب.

تاسعًا: فيه الحث على العفو والصفح كما حصل من أبي بكر لمسطح.

عاشرًا: فيه مساعدة من حصل له بلية أن يشاركه شعوره مع محاولة تأنيسه والتوسعة عليه، وقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى تلك الفوائد السبعين كلها في كتابه فتح الباري في الجزء التاسع منه، وهكذا وبعد شهر من حصول هذه التهمة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تقشعت سُحب الشك والارتياب والاضطراب، وافتُضح رأس المنافقين ومن شاكلهم بنزول تلك الآيات العظيمة التي تتلى إلى يوم القيامة.

أيها المستمعون الكرام، نختم حلقتنا تلك ببعض الدروس والعبر من تلك الحادثة، على أننا سنكمل بإذن الله عز وجل الكلام عن السيرة في الحلقة القادمة بذكر غزوة الخندق بإذن الله تبارك وتعالى، فمن دروس حادثة الإفك ما يلي:
الأول: بيان الحكمة الإلهية العظيمة في حصول تلك الأحداث ولو كانت سيئة على أصحابها؛ ليحصل من خلالها حكمٌ عظيمة يطول ذكرها، لكن منها التشريعات الفقهية المستفادة مما يحصل، بحيث يكون تشريعًا للعباد، وتكون تلك الأحداث أيضًا بيانًا للمخلص من غيره، وتكون تكفيرًا لمن قدرت عليه تلك الأحداث، ويرتفع بها أقوام، وينخفض بها آخرون حسب الواقع الذي يعيشونه، وهذه الأحداث بأفراحها وأتراحها، فإن للمؤمن منها موقفًا شرعيًّا يجب عليه التمسك به، وهو الصبر عند الأتراح مع الحمد والتسليم، وكذلك الشكر عند الأفراح مع الثناء على الله عز وجل، وإمساك اللسان عن حوادث الفتن، ولا يقول ما لا يعلم، وليستحضر أنه مسؤول عن كل كلمة أو فعل يصدُر منه، فهو مسؤول عنه في الدنيا والآخرة، وليتأمل ماذا يترتب على ذلك، وليكن بعيدَ النظر، والسلامة لا يعدلها شيء؛ فاجعل موقفك إيجابيًّا في أفراحك وأتراحك، فالشكر والحمد والثناء والامتثال عند حصول أفراحك، وكذلك استرجاعك وحمدك وصبرك وتسليمك الأمر لله عند حصول أتراحك، وبهذا تكون صابرًا شاكرًا، وحينها ينطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن).

فاستحضِر هذا جيدًا عند حصول ذلك، وأتْبِع العلم بالعمل.

الدرس الثاني: في ذهاب عائشة رضي الله عنها لالتماس عقدها لم يعلموا عنها، ولذلك حملوا الهودج ظنًّا منهم أنها فيه، فهي لم تخبرهم، وهذا يعطينا أدبا من الآداب في الرحلات والسفريات ونحوهما، أنه إذا أراد أحدنا أمرًا من الأمور كقضاء حاجة أو شراء شيء ما، أو نحو ذلك - أن يخبر رُفقته عن ذلك، خصوصًا إذا كان قرب الرحيل من المكان؛ حتى لا يحصل ما لا تُحمد عقباه، فعائشة رضي الله عنها لم تخبرهم ولو أخبرتهم لانتظروها، ولكن لَما لم يعلموا ساروا على أنها معهم، فلنعلِّم صغارنا وأولادنا ذلك الأدب حتى لا يحصل ما لا يُحمد.

الدرس الثالث: في قول عائشة رضي الله عنها عن صفوان رضي الله عنه وقد رآني قبل نزول الحجاب، فيه دلالة صريحة صحيحة على وجوب الحجاب للمرأة بأن تغطي وجهها وسائر بدنها عن غير محارمها، أما المحارم فيكشف لهم الوجه والقدمان والرأس ونحو ذلك، والله عز وجل يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، ويقول الله تبارك: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، فالخمار على الرأس ويضرب على الجيب، فيغطي الوجه، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53]، وتقول عائشة رضي الله عنها حين الإحرام إذا حاذانا الرجال أسدلت إحدانا جلبابها، وإذا جاوزونا كشفناه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، كل هذه الأدلة وما في معناها تدل على وجوب حجاب المرأة عن الرجال غير المحارم، وهو أكثر صيانة لها، وأيضًا هو عبادة تتعبد بها وتؤجر عليها، وهو أبعد عن الفتنة وأقرب إلى الطهر والتزكية، فصفوان رضي الله عنه قد رأى عائشة قبل نزول آيات الحجاب، وفي آيات الحجاب جاء القرآن موافقًا لرأي عمر رضي الله عنه؛ حيث قال عمر للنبي عليه الصلاة والسلام: لو احتجبت نساؤك يا رسول الله، فنزل القرآن موافقًا لرأي عمر، فعلينا تربية بناتنا على ذلك، فهو أكثر مروءة وطهرًا وعفافًا وتزكية للنفس، وبُعدًا عن مواطن الفتنة.

الدرس الرابع: في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها عندما سألها عن الحقيقة في تلك الحادثة قال: إن كنت ألممتِ بذنبٍ، فاستغفري الله وتوبي إليه، يستفاد من ذلك أن العبد المسلم إذا فعل ذنبًا أو قصر في عبادة، فعليه بالاستغفار، وهذا الاستغفار هو نعمة من الله تبارك وتعالى على عباده؛ حيث يغفر ذنوبهم باستغفارهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار في يومه وليلته، وربما استغفر سبعين مرة في المجلس الواحد، فهو الأسوة والقدوة لنا جميعًا، فما منهجيتنا مع الاستغفار? لعلك أخي المستمع الكريم تضع لك منهجية في الاستغفار فتربطه بأوقات الصلاة، أو بساعات اليوم، أو في أوقات فراغك وذَهابك وإيابك، أو كما تراه مناسبًا، فكن مكثرًا من الاستغفار في يومك وليلتك، لتحصل لك طوبى، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن وجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا، والاستغفار علاج لكثير من المشاكل المعنوية والحسية، وسبب لحصول كثير من البركات العامة والخاصة.

الدرس الخامس: في حادثة الإفك درس عظيم في التثبت في مجريات الأخبار، وعدم الشهادة بشيء لم يتضح، فالأعراض مصونة والأنفس محترمة، والألسن محاسبة عما تقول، ولا تقل شيئًا لا تعلمه؛ لأن فلانًا قال به، فعليه حسابه وعليك حسابك، فالخصوم ستجتمع عند الله تبارك وتعالى يحكم بينهم، فالإشاعات يجب ألا تنطلي على العاقل الحصيف، فإنه يصطحب الأصل حتى يحصل خلافه، فإن كان أحدٌ ألَمَّ بشيء من ذلك على أحد، فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات، ومن أهم الأشياء ما يعرف بالشهادة من دون علم، كشهادة الزور ونحوها، وذلك مقابل مال حقير سيذهب ويتركه لغيره، وليستحضر المتحدث والمتصرف بهذه الأشياء أهوال يوم القيامة والحساب وما فيه، فإن ذلك حاجز له عن السوء بالآخرين، ومبرئٌ لذمته بإذن الله عز وجل بأن يكون صادقًا أمينًا في قوله وفعله.

الدرس السادس: قاعدة عظيمة في تربية اللسان على الخير وتحصينه عن الشر، وهي تتمثل في قول زينب بنت جحش رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما سألها عن الإفك، قالت رضي الله عنها: أحمي سمعي وبصري، ما علمت عنها إلا خيرًا، فعلى المسلم أن يحفظ جوارحه عن التُّهَم بالآخرين، فهو أذكى له وأطهر، ولا يقول: سمعت ورأيت إلا إذا كان سمع ورأى حقائقَ، أما سماع الإشاعة والظنون ورؤيتها، فهذا يترفع عنه العاقل الحصيف في مقام الشهادة والحكم، ومجالس الناس؛ لأنه قد يُبنى عليها أحكام وظنون وزيادات كلها ملفقة على مسلم هو منها براء، فلينتبه لهذا.

الدرس السابع: في موقف أبي بكر في إرجاع النفقة لمسطح؛ حيث إن مسطحًا كان من المتهمين لعائشة، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه، ثم منع النفقة فلما سمع قول الله تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [النور: 22]، عفا عنه وصفح، وأرجع النفقة إليه، وهكذا النفوس الزكية الطاهرة تتطلع لواسع فضل الله تعالى ومغفرته، مع أن أبا بكر رضي الله عنه تجرع مرارة الإفك، ولكن أمر الله تعالى ومغفرته أعظم، بل قال: لا أنزعها عنه أبدًا، فلنكن كذلك إذا أخطأ علينا أحد وجاء يطلب العفو، فلنعلم أن الجزاء من جنس العمل، فعفو الله عز وجل أعظم وأجل، ولنا بالصحب الكرام أسوة وقدوة، ولا نكن حريصين على أخذ حقوقنا من حسنات الآخرين يوم القيامة، بل إذا عفونا فإنما يأتينا من فضل الله تعالى ما هو أعظم من ذلك، حيث يقول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، والله عز وجل يعطي بغير حساب اللهم ارزقنا قلوبًا سليمة والسنة صادقة، وبارك لنا في أعمارنا وأعمالنا، وأصلح لنا نياتنا وذرياتنا، ووفِّقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صمتى لغتى
12-21-2022, 09:24 AM
جزاك الله خير
وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله

أمير المحبه
12-21-2022, 08:30 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

حكاية ناي ♔
12-23-2022, 09:14 AM
اسعدني حضوركم