مشاهدة النسخة كاملة : خاتم النبيين (30)


حكاية ناي ♔
12-21-2022, 09:30 AM
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على مَن أُرْسِل رحمةً للعالمين، وعلى آلِهِ وصَحْبه والتابعين، وبعد:
فمرحبًا بكم أيها الكرام في برنامجكم خاتم النبيِّين، أيها الأكارم سبق معنا في الحلقة الماضية الحديث عن صلح الحديبية، وكيف خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه يريدون العُمْرة لا غيرها؟ وكيف وقفت لهم قريش صادَّةً لهم عن البيت؟ وذكرنا أيضًا المراسلة بين قريش والنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن قريشًا ردَّت النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول إلى مكة، فجاءت الرسل للمفاهمة حيال هذا الرد، وذكرنا أيضًا نزول آية الخوف وشيئًا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وفي حلقتنا لهذا الأسبوع نذكر إكمالًا لهذا الصُّلْح في الحديبية؛ فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية إلى قريش ليخبرهم بأنه قد جاء زائرًا إلى البيت وليس للقتال، فذهب خراش إلى مكة ووصل إليهم فأساءوا إليه وأرادوا قتله، فمنعهم الأحابيش من ذلك فخلَّوا سبيله، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما لقي، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عثمان بن عفان إلى قريش، فلما دخل مكة لقِيَه أَبَانُ بن سعيد وقد أسلم أَبَانُ بعد الحديبية، فحمله على دابَّتِه وأجاره حتى يُبلِّغ ما كلَّفَه به النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وكِبار قريش، فبلَّغَهم رسالةَ النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فرغ عثمان من كلامه، قالوا له: إنْ شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال عثمان رضي الله عنه: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واحتبست قريش عثمان عندهم ليتشاوروا في ردِّهم على النبي صلى الله عليه وسلم، فطال هذا الاحتباس شيئًا من الوقت فشاعَ بين المسلمين أن عثمان قد قُتِل، فلما بلغت تلك الإشاعة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نبرح حتى نُناجِز القوم))، ثم دعاهم إلى البيعة فبايعوه رضي الله عنهم، ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده اليُمْنى وقال: ((هذه يدُ عثمان))، فضرب بها على يده اليُسْرى، وقال: ((هذه لعثمان))، وكانت تلك البيعة على ألَّا يفرُّوا إذا حصل قتال مع قريش، وقد بايع الجميع النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا رجلٌ واحدٌ وهو الجَدُّ بن قيس، وقد اختبأ خلف جَمَلِه الأحمر، وقد روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكم مغفورٌ له إلَّا صاحِبُ الجَمَل الأحْمَر))، فأتيناه فقلنا: تعالى يستغفر لك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله، لأنْ أجِدَ ضالَّتي أحبُّ إليَّ مِن أنْ يستغفِرَ لي صاحِبُكم، وكان ينشد ضالَّةً له.

وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وقد قال الله تعالى فيها: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخُل النارَ أحَدٌ بايَعَ تحتَ الشجرةِ))؛ رواه أحمد، ولم يُعرَف موضع الشجرة بعد ذلك، فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رجعنا من العام المُقْبِل فلم نعرف موضِعَ الشجرة التي حصلت عندها البيعة، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده؛ حتى لا يُفتتن بها.

ثم بعد أن تمت البيعة رجع عثمان رضي الله عنه إلى المسلمين، ولمَّا علمت قريش بالبيعة خافَ بعضُهم ورغبوا بالصلح، في حين رأى البعض الآخر اللجوء إلى الحرب، فقرَّرُوا التسلُّل إلى معسكر المسلمين ليشعلوا الحرب، فتسلَّل منهم ثمانون رجلًا على معسكر المسلمين، فتم أسْرُهم جميعًا، وأُحضِرُوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعد حديثه صلى الله عليه وسلم معهم عفا عنهم وأطلقهم؛ وذلك رغبة منه في الصلح، وأنه لم يأتِ للحرب، وفي ذلك نزل قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ [الفتح: 24]، ولما رأت قريش ذلك أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو ومَن معه، وقالوا له: ايتِ محمدًا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع هذا العام ويعتمر من العام القادم، فلما أتاه سهيل ورآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((قد سهل الله لكم أمركم))، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما تحدَّث سهيل مع النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((تخلوا بيننا وبين البيت نطوف به))، فقال سهيل: والله لا تتحدَّث العرب إنكم دخلتم عَنوة- أي: قهرًا- ولكن لتطوفوا من العام القابل، ثم اتفقوا على شروط الصلح، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب الكِتاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكتب بسم الله الرحمن الرحيم))، فقال سهيل: أمَّا الرحمن فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب "باسمك اللهم"، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكتب باسمك اللهم))، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: ((هذا ما قاضى عليه محمدٌ رسولُ اللهِ سهيلَ بن عمرو))، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صدَدْناك عن البيت ولا قاتلناك؛ ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((واللهِ إني لرسول الله وإنْ كذبتموني))، ثم قال لعلي رضي الله عنه: ((امْحُها))، فقال عليٌّ: والله لا أمحوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرني مكانها)) فمحاها بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم.

ولما كتب الصلح أشهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عددًا من الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان، وشهد عليه من المشركين من كان مع سهيل في الصلح، ونسخت هذه الشروط لهذا الصلح، فكانت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومثلها مع قريش، وكانت بنود الصلح كما يلي:
أولًا: يرجع محمد عامَه هذا فلا يدخل مكة، وإذا كان العام القابل أتَوا إلى مكة ليعتمروا.

ثانيًا: وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين.

ثالثًا: من أحب أن يدخل مع محمد دخل فيه، ومن أحَبَّ أن يدخل مع قريش دخل معهم.

رابعًا: مَنْ أتى من قريش إلى المسلمين فيردُّونه إلى قريش، ومَن أتى من المسلمين إلى قريش فلا يردُّونه إلى المسلمين، وكان هذا أشدَّ الشروط على المسلمين.

فكانت تلك هي شروط صلح الحديبية بين قريش والمسلمين، فتعاقدوا عليها، وفي هذه الأثناء جاء أبو جندل- وهو ابن سهيل بن عمرو كاتب الصلح- إلى المسلمين مسلمًا، فقال أبوه سهيل: أول ما أقاضيك به يا محمد ابني أبو جندل، فطلب النبي صلى الله عليه وسلم إجازته أن يذهب إلى المسلمين فلم يُجِزْه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينها لأبي جندل: ((يا أبا جندل، اصبر واحتسب؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدًا، وإنا لن نغدر بهم))، وقد حزن المسلمون على تلك الشروط وهم قد عزموا على أداء العمرة، وإنهم على الحق، وكان من أشدِّهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فذهب عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ألست نبيَّ اللهِ حقًّا? قال: ((بلى))، قال عمر: ألسنا على الحق وهم على الباطل? فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بلى))، فقال عمر: فلمَ نعطي الدنيَّة في ديننا? فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني رسول الله، ولستُ أعصيه وهو ناصري))، وقال عمر مثل ذلك لأبي بكر، فرَدَّ عليه أبو بكر بقوله: إنه لرَسُول الله وليس يعصي ربَّه وهو ناصِرُه، فاستمسِكْ بغرزه، فوالله إنه على الحق؛ أخرجه البخاري، فلمَّا نزلت سورة الفتح بعد ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عُمَر فقرأها عليه، فطابت نفسُ عمر، فكان عمر يقول: ما زلتُ أتصدَّق وأصلِّي وأعتق مما صنعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخافة من عقوبة كلامي معه.

معاشر الأفاضل الكرام، لعلنا نختم حلقتنا هذه ببعض الدروس والعِبَر المستفادة على أمل بإذن الله تعالى أننا سنُكمِل في الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل ما تبقَّى من أحداث صلح الحديبية، فمن الدروس ما يلي:
الدرس الأول: أن التفاهم بين كل طرفين هو من أهم الأخلاق والآداب بخلاف العنجهية والإقدام من غير تفكير، فهو له مفاسد عظيمة، فهؤلاء الرسل بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.

كل ذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم لجلب المصلحة ودرء المفسدة، وإن كان ذلك التفاهم في الصلح؛ إلا أنه يمكن اعتباره في جميع شؤون الحياة، خصوصًا في الشؤون الأسرية، فالتفاهم بين الزوجين، وبين الأب وابنه، والقريب وقريبه، والجار وجاره، كل ذلك غاية في الأهمية، أمَّا مَنْ يستعجل في اتخاذ القرار دون تفاهُمٍ أو مناقشة، فإن هذا يحصل عليه من المفاسد الشيء الكثير، كما أنه سيخسر شيئًا من المصالح، وسيشعر بعد ذلك بالندم، فيا معاشر الأزواج والآباء، والأقارب والجيران، لا تستعجلوا في اتخاذ القرار بينكم؛ لأن القرار إذا تمَّ اتخاذه وحصلت عليه المفسدة يصعب إرجاع المياه إلى مجاريها، فتأمَّلوا أحوالكم، وليتحمَّل بعضُكم بعضًا مقابل المصالح المرجوَّة، فلو فكَّر الزوجان قبل الفِراق وتفاهما، ففي الغالب لم يفترقا؛ لأن الأسباب أحيانًا تكون في موازين العقول السليمة أوهنَ من بيت العنكبوت، ومثل ذلك أيضًا الاستعجال بلفظ الكلمات في أوقات الأزمات، فهي تحتاج إلى تأمُّل وتفكير حتى لا يحصل الندم، فهذا الصلح لما كان فيه هذا التفاهُم حصل على إثره خيرٌ كبيرٌ؛ وهو الفتح والاستقرار وغيرهما، والحمد لله.

الدرس الثاني: عندما ذهب عثمان إلى قريش للتفاهُم معهم أُشِيع أنه قُتِل، فالإشاعة لها سلبياتها، وأيضًا على مَنْ سَمِعَها أن يتثبت فيها؛ لأنه يترتب على الإشاعة أحيانًا فهومات سلبية ونظرات سيئة.

ومن المنهج السلبي عند بعض الناس أن يكون هو الأسبق في نشر الخبر بغض النظر عن التثبُّت فيه، وهذا ليس منهجًا سليمًا في استقبال المعلومات؛ بل اجعل الناس لا يعرفون عنك إلَّا الحقيقة، أمَّا ما خرج عن دائرة الحقيقة فلا تتبعه نفسك لا استقبالًا ولا إفادة للغير، والله عز وجل يقول في استقبال الأخبار: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]، فلا تكن درجة من درجات الكذب، ولا مرحلة من مراحل الوهم؛ بل كن مع الحقيقة فقط.

الدرس الثالث: عندما تسلَّل ثمانون رجلًا من قريش وأُسِروا، عفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ذلك العفو هو لإدراك مصلحة كبرى؛ وهي الصلح، فكم هو جميل أن نعفو عمَّن أخطأ علينا لننال المصلحة الأكبر؛ وهي التآخي والتصافي، فالاستمساك بالحال الراهنة من دون نظر للمآلات والعواقب ليس من أخلاق الكبار؛ بل أخلاق الكبار تتجه حيث اتجهت المصالح الكبرى ولو خسروا بعض المصالح الدنيا، فلو كنا في شؤوننا ننظر للمآلات وعواقب الأمور والمصالح الكبرى لكانت حالنا أحسن وبكثير؛ بل لا أبالغ إن قلت: إن القضايا في الجهات الرسمية ستكون أقل عددًا وكمًّا، وسيرتاح الطرفان لو تفاهما ونظرا إلى المآلات والعواقب؛ ولكن كل مشكلة خلفها شيطان يؤزُّ عليها ويُحرِّكها، ويُعْمي عن المصالح المشتركة؛ ولكنها تحتاج إلى تأمُّل يسير.

الدرس الرابع: عندما قدم سهيل بن عمرو للصلح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سهل أمركم)) وهذا جانب كبير من التفاؤل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل، فإن النفس تنشرح وتبتهج إذا عاشت التفاؤل صفة لها وسجية من سجاياها، فلنجعل حياتنا تفاؤلًا بالخير حتى ولو ضاقت نسبيًّا، فلا تُفكِّر في هذا الضيق بقدر ما تفكر بالإيجابية الموجودة فيه ولو كانت يسيرة فانطلق منها، فالمرض مثلًا ضيق، والفقر أيضًا ضيق ونحو ذلك؛ ولكن فيهما زاوية إيجابية؛ وهي تكفير الذنوب في الأمراض، وربما أن الفقر كان حائلًا عن كثير من الشرور ونحو ذلك، فالله عز وجل حكيمٌ عليمٌ.

الدرس الخامس: في بداية الصلح لم ترض قريش أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم"، ولم يرضوا أيضًا أن يكتب "محمد رسول الله"، وفي هذا ظهرت غيرة الصحابة رضي الله عنهم غيرة شديدة، وهكذا المسلم يغار على دينه أن ينتقص منه شيء، فالغيرة على محارم الله هي صفة جليلة للمسلم يزداد بها قُرْبًا من الله عز وجل، وثباتًا على دينه، وبراءةً لذمته، وأمرًا ونهيًا لمن انتقص بفعل أو قول، وأمَّا إذا زالت الغيرة فقد يختم على القلب فلا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا إلَّا ما أُشْرِب مِن هواه، فالغيرة على النفس وعلى المحارم وعلى المسلمين أمرٌ عظيمٌ حثَّ عليه الشرعُ وأمَرَ به.

الدرس السادس: أهمية صفة الوفاء بالعهد والعقد بأمانة وصدق، وذلك مقتبس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جندل عندما ذكر له أن هذا عقد تم مع قريش، وسيجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا، فصفة الأمانة صفة عظيمة يدخل فيها الوفاء بالعهود والعقود والوعود، ويدخل فيها أيضًا الصدق في التعامل؛ سواء كان له أو عليه، وليعلم المُخْلِف للعهد والعقد والناقض لهما، وليعلم أيضًا الخائن للأمانة، وليعلم أيضًا المتعامل بالكذب، ليعلم هؤلاء جميعًا أن من ورائهم يومًا ثقيلًا وهو يوم القيامة، فإن أفلتوا من أيدي البشر بما يسمُّونه ذكاءً وفطنةً، فإن الله تعالى سيسألهم في يوم أحوج ما يكونون فيه إلى الرحمة والمغفرة، فماذا هم قائلون يومئذٍ?! وقد نقضوا العهود والعقود، وتعاملوا بالكذب والغش ونحو ذلك، فليتدارك هؤلاء أمْرَهم، وليشكروا الله عز وجل أن أحياهم إلى أن يتوبوا ولم يأخذهم على غِرَّة من أمرهم، فإن الحياة الدنيا هي يوم أو بعض يوم، وأمَّا الآخرة فهي الحياة الخالدة الباقية.

الدرس السابع: في قول أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، درس عظيم في قوَّة إيمان أبي بكر وثباته وقوَّته وتصديقه، فالاستجابةُ ظاهرةٌ، فقد أزال عن نفسه كل شكٍّ وريب، فلا تزعزعه الرياح، وهذا كقوله رضي الله عنه في قصة الإسراء: "إن كان قاله فقد صدق"- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فما أعظمَه من ثبات! وما أكملَه من إيمان! وما أبيضَه من قلب رضي الله عنه! فلنكن كذلك.

الدرس الثامن: محاورة عمر للرسول صلى الله عليه وسلم حصل بعدها عند عمر إحساس بالخطأ في أنه تجاسَر بالكلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبر ذلك خطأً كبيرًا وهو غيرة منه رضي الله عنه؛ ولكنه مع ذلك قال رضي الله عنه: ما زلت أتصدَّق وأصلِّي وأعتق؛ ليكون كفَّارةً لكلامي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف، فأين مَنْ يفعل المعاصي الظاهرة والباطنة?! وأيضًا ما لهؤلاء العصاة لماذا لا يُقدِمون على كثرة الأعمال الصالحة؛ لتكون كفَّارةً للسيئات ومنهاةً عنها؟! فإن الحسنة إذا زاحمت السيئة أزالتها بإذن الله عز وجل، فالمسلم الحق إذا فعل السيئة حاكت في نفسه أيامًا؛ لأنها مخالفة للخالق المنعم المتفضِّل الذي يقدر كل خير وشر لهذا العاصي، فجديرٌ بفاعل المعصية أن يخاف من شؤمها وأثرها ومن تتابعها، ويتأمَّل مستقبله الأخروي مُكثِرًا من الحسنات الماحية للسيئات، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]، وإذا تاب هذا العاصي من معصيته، فإنه يُبشِّر ببشائر عظيمة، فمن البشائر أن الله عز وجل يقلب سيئاته إلى حسنات، فيوفِّقْه لفعل حسنات يعملها بعد تلك التوبة، وأيضًا كذلك يُبشِّر بفرح الله تبارك وتعالى بتوبته تلك؛ لأنه عندما تاب فإن الله عز وجل يفرح فرحًا شديدًا بتوبة ذلك التائب، وأيضًا ممَّا يُبشِّر به هذا التائب من المعصية أن الملائكة تدعو له؛ بل وتدعو له ولوالديه ولزوجه وذريته؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى على لسان الملائكة: ﴿ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ [غافر:7- 8] إلى آخر الآيات، فهذه بشريات متعددة عظيمة لمن تاب وأناب إلى الله تبارك وتعالى، فأين المسرفون والعاصون عن هذه البشائر؟ لماذا لا يقدمون? ما دام أن الله عز وجل أعطاهم المهلة، وأنه أبقاهم ولم يأخذهم على غِرَّة، فحريٌّ بنا جميعًا أيها الأخوة الكِرام أن نطبق قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، وهكذا السيرة هي كلها دروس وعِبَر وحِكَم وأحكام وشمائل وأخلاق نستفيد منها في حياتنا أخلاقًا وعِلْمًا وعملًا.

أسأل الله تبارك وتعالى للجميع الهُدْى والتُّقَى، والسَّداد والرشاد، والعفو والعافية، والصَّلاح والإصلاح في النية والذرية ولجميع المسلمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مجنون بحبك
12-21-2022, 09:44 AM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته

أمير المحبه
12-21-2022, 08:29 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

حكاية ناي ♔
12-23-2022, 09:15 AM
اسعدني حضوركم