حكاية ناي ♔
02-05-2024, 01:48 PM
7-من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع مسلمة الفتح:
أ- موقف قريش من أذان بلال رضي الله عنه على الكعبة:
حان وقت صلاة الظهر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا رضي الله عنه أن يؤذن بالصلاة، فعلا على ظهر الكعبة فأذَّن عليها، وانسابت كلمات التوحيد خالصة لله، وبعض زعماء قريش جلوس بفناء الكعبة، فغاظهم ارتقاء بلال رضي الله عنه فوق ظهر الكعبة، وانطلاق أذان الإسلام منها، فتكلم بعضهم، فقال عَتَّاب بن أُسَيد[1]: لقد أكرم الله أُسيدا أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث بن هشام[2]: أما والله لو أعلم أنه محقٌ لاتبعته. وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول شيئاً، لو تكلمت لأخبرته هذه الحصاة.
فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد علمت الذي قلتم، ثم ذكره لهم، فقالوا: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك[3].
ب- إسلام فَضَالة بن عمير[4] رضي الله عنه:
وسع حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمته أهل مكة، فهذا فضالة بن عمير -وقد فاض صدره حقدا على النبي صلى الله عليه وسلم - يدبر لقتله وهو يطوف بالبيت، فلما دنا منه قال: ((أفضالة؟)) قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال:((ماذا كنت تحدث به نفسك؟)) قال: لا شيء كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:((استغفر الله)) ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه[5].
ج- حديث أبي سفيان رضي الله عنه نفسه بمعاودة قتال النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن إسلام أبي سفيان يقينًا وخالصًا بعد، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فتح مكة قال في نفسه: لو جمعت لمحمد جمعًا. فإنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال:((إذًا يخزيك الله))، فرفع رأسه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه، فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة. وفي رواية أخرى قال: أتوب إلى الله واستغفر الله مما تفوهت به[6].
د- تأمينه صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية رضي الله عنه:
خرج صفوان بن أمية هاربًا من الرسول صلى الله عليه وسلم يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فأخذ عمير بن وهب رضي الله عنه أمانًا له، وأخذ آية على ذلك عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها مكة، فأدركه وهو يريد أن يركب البحر، فناداه، وأبلغه بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وقال له: أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس، ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك. قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم.
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يجعله بالخيار شهرين ليرى رأيه في الإسلام، فقال:(( أنت بالخيار فيه أربعة أشهر)).ولم يُكرهه على الإسلام ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين وهو على شركه، وهناك أجزل له النبي صلى الله عليه وسلم العطاء من المغانم فأسلم بعدها[7].
هـ- قبوله صلى الله عليه وسلم لجوار أم هانئ[8] رضي الله عنها:
فرَّ بعض المشركين إلى أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، ولحقهم أخوها علي رضي الله عنه ليقتلهم، وسألوها أن تجيرهم ففعلت، وصمم علي رضي الله عنه على قتلهم، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتشكوه، تروي ذلك فتقول:(فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: (( من هذه؟)) فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: ((مرحبا بأم هانئ)). فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))[9].
وفي رواية أخرى أنهما رجلان من أحمائها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((قد أجرنا من أجرت، وأمَّنا من أمَّنت فلا يقتلنَّهما))[10].
و- إسلام أبي قحافة[11]-والد أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما:
كان أبو قحافة على شركه عند ما زحف الجيش الإسلامي على مكة، وكان قد صعد على جبل أبي قبيس[12] ومعه أصغر بناته-وقد كُف بصره- فقال: أي بنية ماذا ترين؟ فأخبرته عن سواد مجتمع، وعن رجل يسعى مقبلًا ومدبرًا بين يدَي ذلك السواد، ثم أعلمته بانتشار ذلك السواد فعلم أن الخيل قد دفعت ودخلت مكة، فأمرها، فأسرعت به إلى البيت، فتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق ابنته طوق من ورِق، فتلقاها رجل فقطعه من عنقها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مع المسلمين، ودخل المسجد، فأتى أبو بكر رضي الله عنه بأبيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال:((هلاَّ تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه))، قال أبو بكر رضي الله عنه: هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت.
ثم أجلسه بين يديه فمسح صدره وقال له:(( أسلم)) فأسلم رضي الله عنه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتغيير شيب رأسه.
ثم أخذ أبو بكر رضي الله عنه بيد أخته وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختي. فلم يجبه أحد، فقال: أي أخية احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل[13].
8- خُطب النبي صلى الله عليه وسلم أثناء إقامته بمكة:
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما بعد الفتح، وورد أنه خطب يوم الفتح، كما جاء أنه خطب الغد من الفتح، وبعضهم يذكر أنه في فتح مكة دون تحديد اليوم[14]، وقد بين صلى الله عليه وسلم في خطبه بعض أحكام الإسلام، وهي كالآتي:
الخطبة الأولى:
وكانت في أول يوم للفتح، عند باب الكعبة، وفيها ألغى النبي صلى الله عليه وسلم مآثر الجاهلية وفخرها وثاراتها، كما بين فيها دية الخطأ شبه العمد، وفيها أعلن العفو عن قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا إله إلا الله وحده نصر عبده وهزم الأحزاب وحده...ألا إن كل مأثرة[15] في الجاهلية تعد وتدعى، وكل دم أو دعوى موضوعة تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج[16]، ألا وإن قتيل خطأ العمد.. بالسوط والعصا والحجر دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها...))[17].
وعند ابن اسحق رحمه الله:(( يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [18]، ثم قال: يا معشر قريش، ما ترَون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا...)[19].
وروى الإمام الترمذي[20] رحمه الله في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: (( يأيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيـَّة[21] الجاهلية وتعاظمها بآبائها، والناس رجلان برٌّ تقيٌّ كريم على الله، وفاجر شقيٌّ هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13])[22].
الخطبة الثانية:
وفيها أعلن النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أحلاف الجاهلية، إلا ما كان على طاعة الله والنصرة في الدين، والتعاون على البر والتقوى، ذلك( أن الإسلام لا يُحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه)[23].
فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس كل حلف[24] في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام[25]، ولا هجرة بعد الفتح، يد المسلمين واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم[26]، ولا يقتل مؤمن بكافر، ودية الكافر كنصف دية المسلم، ألا ولا شغار في الإسلام، ولا جنب ولا جلب[27]، وتؤخذ صدقاتهم في ديارهم، يجير على المسلمين أدناهم[28]، ويرد على المسلمين أقصاهم[29]))[30].
الخطبة الثالثة:
وفيها بين النبي صلى الله عليه وسلم (حكم مكة قبل دخوله إياها، وحكمها وقت دخوله إياها، وحكمها بعد ذلك)[31]، فبين تحريمها، وتحريم صيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، وتحريم القتال فيها[32]، كما بين فيها أن من قتل له قتيل فهو بخيْر النظرين: إما القصاص أو الدية، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:(( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب))[33].
وعند الإمام مسلم رحمه الله: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة))[34].
وفي صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن خُزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فخطب فقال:((إن الله حبس عن مكة القتل-أو الفيل..-وسُلِّط عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ألا وإنها أُحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُختلى شوكها، ولا يعضد شجرها،[35] ولا تُلتقط ساقطتها إلا لمُنشد[36]، فمن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُعقل وإما أن يُقاد أهل القتيل)).
فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: ((اكتبوا لأبي فلان)). فقال رجل من قريش: إلا الأِذخِر[37] يا رسول الله، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( إلا الإِذخِر))[38].
والخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أذن لخزاعة بقتال بني بكر، حتى صلاة العصر، ثم أمرهم أن يكفُّوا، ويرفعوا السيف، فلقي رجل من بني خزاعة رجلًا من بني بكر-كان قد وترهم في الجاهلية، وكانوا يطلبونه- بمزدلفة[39] في اليوم التالي فقتله.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وخطب فقال:((يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر أن يقع، لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه...))[40].
وذلك لأنه كان ممن لحقه الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (( من وضع سلاحه فهو آمن))، وكان قتل قاتله من خزاعة بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم برفع السلاح- بعد أن أذن لهم بوضعه فيهم- فأوجب ديته لأهله[41].
أ- موقف قريش من أذان بلال رضي الله عنه على الكعبة:
حان وقت صلاة الظهر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا رضي الله عنه أن يؤذن بالصلاة، فعلا على ظهر الكعبة فأذَّن عليها، وانسابت كلمات التوحيد خالصة لله، وبعض زعماء قريش جلوس بفناء الكعبة، فغاظهم ارتقاء بلال رضي الله عنه فوق ظهر الكعبة، وانطلاق أذان الإسلام منها، فتكلم بعضهم، فقال عَتَّاب بن أُسَيد[1]: لقد أكرم الله أُسيدا أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث بن هشام[2]: أما والله لو أعلم أنه محقٌ لاتبعته. وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول شيئاً، لو تكلمت لأخبرته هذه الحصاة.
فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد علمت الذي قلتم، ثم ذكره لهم، فقالوا: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك[3].
ب- إسلام فَضَالة بن عمير[4] رضي الله عنه:
وسع حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمته أهل مكة، فهذا فضالة بن عمير -وقد فاض صدره حقدا على النبي صلى الله عليه وسلم - يدبر لقتله وهو يطوف بالبيت، فلما دنا منه قال: ((أفضالة؟)) قال: نعم فضالة يا رسول الله، قال:((ماذا كنت تحدث به نفسك؟)) قال: لا شيء كنت أذكر الله، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:((استغفر الله)) ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه[5].
ج- حديث أبي سفيان رضي الله عنه نفسه بمعاودة قتال النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن إسلام أبي سفيان يقينًا وخالصًا بعد، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد فتح مكة قال في نفسه: لو جمعت لمحمد جمعًا. فإنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه وقال:((إذًا يخزيك الله))، فرفع رأسه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسه، فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة. وفي رواية أخرى قال: أتوب إلى الله واستغفر الله مما تفوهت به[6].
د- تأمينه صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية رضي الله عنه:
خرج صفوان بن أمية هاربًا من الرسول صلى الله عليه وسلم يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فأخذ عمير بن وهب رضي الله عنه أمانًا له، وأخذ آية على ذلك عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها مكة، فأدركه وهو يريد أن يركب البحر، فناداه، وأبلغه بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وقال له: أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس، ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك. قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلم من ذلك وأكرم.
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يجعله بالخيار شهرين ليرى رأيه في الإسلام، فقال:(( أنت بالخيار فيه أربعة أشهر)).ولم يُكرهه على الإسلام ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين وهو على شركه، وهناك أجزل له النبي صلى الله عليه وسلم العطاء من المغانم فأسلم بعدها[7].
هـ- قبوله صلى الله عليه وسلم لجوار أم هانئ[8] رضي الله عنها:
فرَّ بعض المشركين إلى أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، ولحقهم أخوها علي رضي الله عنه ليقتلهم، وسألوها أن تجيرهم ففعلت، وصمم علي رضي الله عنه على قتلهم، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتشكوه، تروي ذلك فتقول:(فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: (( من هذه؟)) فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: ((مرحبا بأم هانئ)). فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))[9].
وفي رواية أخرى أنهما رجلان من أحمائها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((قد أجرنا من أجرت، وأمَّنا من أمَّنت فلا يقتلنَّهما))[10].
و- إسلام أبي قحافة[11]-والد أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما:
كان أبو قحافة على شركه عند ما زحف الجيش الإسلامي على مكة، وكان قد صعد على جبل أبي قبيس[12] ومعه أصغر بناته-وقد كُف بصره- فقال: أي بنية ماذا ترين؟ فأخبرته عن سواد مجتمع، وعن رجل يسعى مقبلًا ومدبرًا بين يدَي ذلك السواد، ثم أعلمته بانتشار ذلك السواد فعلم أن الخيل قد دفعت ودخلت مكة، فأمرها، فأسرعت به إلى البيت، فتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته، وفي عنق ابنته طوق من ورِق، فتلقاها رجل فقطعه من عنقها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة مع المسلمين، ودخل المسجد، فأتى أبو بكر رضي الله عنه بأبيه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال:((هلاَّ تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه))، قال أبو بكر رضي الله عنه: هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت.
ثم أجلسه بين يديه فمسح صدره وقال له:(( أسلم)) فأسلم رضي الله عنه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتغيير شيب رأسه.
ثم أخذ أبو بكر رضي الله عنه بيد أخته وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختي. فلم يجبه أحد، فقال: أي أخية احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل[13].
8- خُطب النبي صلى الله عليه وسلم أثناء إقامته بمكة:
أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما بعد الفتح، وورد أنه خطب يوم الفتح، كما جاء أنه خطب الغد من الفتح، وبعضهم يذكر أنه في فتح مكة دون تحديد اليوم[14]، وقد بين صلى الله عليه وسلم في خطبه بعض أحكام الإسلام، وهي كالآتي:
الخطبة الأولى:
وكانت في أول يوم للفتح، عند باب الكعبة، وفيها ألغى النبي صلى الله عليه وسلم مآثر الجاهلية وفخرها وثاراتها، كما بين فيها دية الخطأ شبه العمد، وفيها أعلن العفو عن قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا إله إلا الله وحده نصر عبده وهزم الأحزاب وحده...ألا إن كل مأثرة[15] في الجاهلية تعد وتدعى، وكل دم أو دعوى موضوعة تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج[16]، ألا وإن قتيل خطأ العمد.. بالسوط والعصا والحجر دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها...))[17].
وعند ابن اسحق رحمه الله:(( يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [18]، ثم قال: يا معشر قريش، ما ترَون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا...)[19].
وروى الإمام الترمذي[20] رحمه الله في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال: (( يأيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيـَّة[21] الجاهلية وتعاظمها بآبائها، والناس رجلان برٌّ تقيٌّ كريم على الله، وفاجر شقيٌّ هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13])[22].
الخطبة الثانية:
وفيها أعلن النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أحلاف الجاهلية، إلا ما كان على طاعة الله والنصرة في الدين، والتعاون على البر والتقوى، ذلك( أن الإسلام لا يُحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه)[23].
فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس كل حلف[24] في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، ولا حلف في الإسلام[25]، ولا هجرة بعد الفتح، يد المسلمين واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم[26]، ولا يقتل مؤمن بكافر، ودية الكافر كنصف دية المسلم، ألا ولا شغار في الإسلام، ولا جنب ولا جلب[27]، وتؤخذ صدقاتهم في ديارهم، يجير على المسلمين أدناهم[28]، ويرد على المسلمين أقصاهم[29]))[30].
الخطبة الثالثة:
وفيها بين النبي صلى الله عليه وسلم (حكم مكة قبل دخوله إياها، وحكمها وقت دخوله إياها، وحكمها بعد ذلك)[31]، فبين تحريمها، وتحريم صيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، وتحريم القتال فيها[32]، كما بين فيها أن من قتل له قتيل فهو بخيْر النظرين: إما القصاص أو الدية، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:(( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب))[33].
وعند الإمام مسلم رحمه الله: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة))[34].
وفي صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن خُزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه، فأُخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فركب راحلته فخطب فقال:((إن الله حبس عن مكة القتل-أو الفيل..-وسُلِّط عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ألا وإنها أُحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام، لا يُختلى شوكها، ولا يعضد شجرها،[35] ولا تُلتقط ساقطتها إلا لمُنشد[36]، فمن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُعقل وإما أن يُقاد أهل القتيل)).
فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: ((اكتبوا لأبي فلان)). فقال رجل من قريش: إلا الأِذخِر[37] يا رسول الله، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( إلا الإِذخِر))[38].
والخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أذن لخزاعة بقتال بني بكر، حتى صلاة العصر، ثم أمرهم أن يكفُّوا، ويرفعوا السيف، فلقي رجل من بني خزاعة رجلًا من بني بكر-كان قد وترهم في الجاهلية، وكانوا يطلبونه- بمزدلفة[39] في اليوم التالي فقتله.
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وخطب فقال:((يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر أن يقع، لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه...))[40].
وذلك لأنه كان ممن لحقه الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (( من وضع سلاحه فهو آمن))، وكان قتل قاتله من خزاعة بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم برفع السلاح- بعد أن أذن لهم بوضعه فيهم- فأوجب ديته لأهله[41].