عازف الناي
07-25-2022, 08:00 PM
خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 30 ذو الحجة 1443هـ – الموافق 29 يوليو 2022م تحت عنوان : الشهود العشرة (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) ( شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق )
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : الشهادة ومعناها
ثانيا : أعظم شهيد على العباد هو الله الملك ثم رسله ثم ملائكته
ثالثا : الشهود العشرة شهادة الأرض يوم القيامة بما عمل على أطهرها وشهادة الجوارح على صاحبها يوم القيامة
الخطبة الأولى
الحمد لله ما غرد بلبل وصدح، وما اهتدى قلب وانشرح ، وما عم فينا سرور وفرح، الحمد لله ما ارتفع نور الحق وظهر، وما تراجع الباطل وتقهقر، وما سال نبع ماء وتفجر ، وما طلع صبح وأسفر
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له خلق ونشر وعلا فقهر، وملك فقدر، وعفا فغفر، وعلم وستر، وهزم ونصر، وبطن فخبر ، وعبد فشكر ، وعصى فغفر وستر ، سبحانه لا تحويه الفكر ، ولا يدركه بصر ، ولا يخفى عليه أثر ، وهو رازق البشر ، ومقدر كل قدر واليه المرجع والمستقر ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (😎 وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) القيامة
واشهد ان سيدنا محمدا رسول الله النبى الاكرم ما اشرقت الشمس وما بزغ القمر صلاة وسلاماَ طيبين مباركين على النبي المطهر صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر ، ما سار سفين للحق وأبحر ، وما على نجم في السماء وأبهر ، وعلى آله وصحبه خير أهل ومعشر، صلاة وسلاماَ إلى يوم البعث و المحشر .
أما بعـــد:
فاذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرج الخلائق من قبورهم ( يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ [القمر:7]. يزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة كالحيران الحائرة ويسميهم الله بالفراش المبثوث ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:4]. أي: في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه، كأنهم فراش مبثوث
ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99] أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوان والطير والوحش والحشرات
اولا : الشهادة ومعناها
الشهادة ـ صفة سمي حاملها بالشاهد ويبالغ بشهيد وللشهادة ثلاثة شروط لا تتم إلا بتمامها وهي: الحضور، والوعي، والأداء، أما الحضور: فهو شهود الشاهد المشهود. والوعي: وعي ما شاهده وعلمه . والأداء: هو الإتيان بالشهادة على وجهها في موضع الحاجة إلى ذلك.
هذا معنى الشهادة والشهادة على الكمال، إنما هي لله سبحانه وتعالى، وأن جميع الشاهدين سواه يؤدون شهادتهم عنده.
قال الله سبحانه وتعالى: { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } والشهداء: هم العدول، وأهل العدالة في الدنيا والآخرة هم القائمون بما أوجب الحق سبحانه عليهم في الدنيا.
عباد الله ـ معيار لتمييز الحق من الباطل، وحاجز يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، قال بعضهم: الشهادة بمنزلة الروح للحقوق، فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة، وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة والشهادة ضرورية لقيام الحياة الاجتماعية، وما يخالطها من أحداث ويصحبها من وقائع مادية وتصرفات إرادية ومعاملات وعلاقات عائلية. قال شريح رحمه الله: "الحكم داءٌ، والشهادة شفاءٌ، فأفرغ الشفاء على الداء"
إخوة الإسلام، توفية الشهادة حقَّها فرض لازم وواجب محتَّم يقول جل وعلا: وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2].
وإقامة الشهادة تشمل تحملها على إنشاء العقود والتصرفات، وأداءها أمام القضاء والقضاة
وكتمان الشهادة ـ عباد الله ـ جرم عظيم وإثم كبير، يقول جل وعلا حكاية عن شهود الوصية ( وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذَاً لَّمِنَ الآثِمِينَ [المائدة:106] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك)
ومن تلك المنطلقات الآنفة، فإن شهادة الإنسان على ما لا يعلمه أو شهادته بخلاف ما يعلمه جريمة عظمى وطامة كبرى. نعم، كيف لا تكون كذلك؟! وهي حقيقة شهادة الزور التي هي عند أهل العلم الشهادة الكاذبة التي ليس لها أساس من الصحة، أياً كانت دوافعها، ومهما كانت تبريراتها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فتختص بها"، وقال بعضهم: "الزور هو الكذب الذي قد سُوّي وحُسِّن في الظاهر ليُحسب أنه صدق"
روى الترمذي وغيره عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]. ورُوي ذلك موقوفاً عن ابن مسعود بإسناد حسن
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ - أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ . صحيح البخارى
ثانيا : أعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الله الملك ثم رسله ثم ملائكته ثم الزمان
إنّ القرآن الكريم يخبر عن وجود شهود ، يشهدون على عمل الإنسان خيره وشرَّه
الله جل جلاله خير الشاهدين
وأعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الملك، الذي يعلم السر وأخفى، وعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، فالله جل وعلا هو أعظم شهيد علينا يوم القيامة اعلموا علم يقين أن الله هو الرقيب، وأنه الحسيب، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه، فهو الشهيد وكفى به شهيداً، ومن حكمته سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامة الحجة حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهود علينا وكفى بالله شهيداً قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء:33].
انّه سبحانه أكبر وأصدق شاهد على عمل الإنسان لإحاطته به منذ نشوئه إلى موته ، يقول سبحانه : ( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ شَهِيدٌ علي مَا تَعْمَلُونَ ) ويقول أيضاً : ( إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) وفي آية اخرى : ( فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّـهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ).
شهادة الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا
يخبرنا ربنا سبحانه في كتابه العزيز انّ لكلّ أُمّة شهيداً وانّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شاهد على الأنبياء الذين هم شهود عل اممهم وشاهد على أُممهم وشاهد علي امته والتي تشهد تبعا له علي جميع الأمم، وتأتي أمة الحبيب فتشهد على جميع الأمم، قال تعالى مخاطباً حبيبه المصطفى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
وفى صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] " وَالوَسَطُ: العَدْلُ
وروي أن عيسى عليه السلام مر بقبر فوكزه برجله وقال: يا صاحب هذا القبر قم بإذن الله فقام إليه رجل، وقال: ياروح الله ما الذي أردت فإني لقائم في الحساب منذ سبعين سنة حتى أتتني الصيحة الساعة أن أجب روح الله، فقال عيسى: يا هذا لقد كنت كثير الذنوب والخطايا ما كان عملك؟ فقال: والله يا روح الله ما كنت إلا حطاباً أحمل الحطب على رأسي آكل حلالاً وأتصدق، فقال عيسى: يا سبحان الله حطاباً يحمل الحطب على رأسه، يأكل حلالاً ويتصدق، وهو قائم في الحساب منذ سبعين سنة، ثم قال له: يا روح الله كان من توبيخ ربي لي أن قال: اكتراك عبدي لتحمل له حزمة، فأخذت منها عوداً فتخللت به وألقيته في غير مكانه امتهاناً منك بي، وأنت تعلم أني أنا الله المطلع عليك وأراك. كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة لشمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)
شهادة الملائكة الكرام
ومن الشهود على العباد يوم المعاد ملائكة الرحمن، الكرام، الكاتبون، الذين يعلمون ما تفعلون، وما هم عنا بغائبين، يروننا من حيث لا نراهم، ويسجلون أعمالنا، أمنة، إنهم يكتبون بكل صدق وأمانة، دون زيادة ولا نقصان، هؤلاء الكتبة وضيفتهم تسجيل أعمال العباد، الصغير والكبير قال الله تعالى: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق 20 :21]. قال ابن كثير رحمه الله في السائق والشهيد: أي ملك يسوقها إلى المحشر، وملك يشهد عليها بأعمالها، فكل واحد منا يوم القيامة سيأتي ومعه ملكان، واحد يسوقه، والثاني يشهد عليه، وتنشر الصحائف التي غفل عنها العباد، ويقول الملك ) هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد ) والملائكة يشهدون، وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا فتشهد الملائكة بعدما شهد النبيون.
قال عزّ من قائل ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] ( وطبيعة الحال تقتضي أن يكون كتّاب الأعمال هم الشهود عنده في المحشر ولعلهم هم الساقة أيضاً إلى النار أو الجنة.
شهادة الزمان
ايها الاخوة ان الزمان شهيد علي اعمالنا في كل ساعة صباح مساء وكلنا يعرف القول المشهور 'الوقت من ذهب'. لا والله الوقت أغلى من الذهب ولا يقدر بثمن.
لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: 'كل يوم تشرق فيه شمس ينادي هذا اليوم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة'. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
ثالثا : الشهود العشرة شهادة الأرض يوم القيامة بما عمل على أطهرها وشهادة الجوارح على صاحبها يوم القيامة
أيها الناس إنكم لم تتركوا سدى وإن اليوم غداً وإنكم واردو هوة فأعدوا لها ما استطعتم من قوة وإن بعد المعاش معاداً فأعدوا لها زادا ألا لا عذر فقد بينت لكم المحجة وأخذت عليكم الحجة من السماء بالخبر. ومن الأرض بالعبر ألا وإن الذي بدأ الخلق عليما يحيي العظام رميما وفي مشهد القيامة العصيب يُطارد الإنسان عشرة شهود فلا ينجوا الا من جاء ربه كريما وكان قلبه سليما
الشاهد الاول: الكتاب الذي كتبه الملكان يقول الله عنه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق:16]. وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت ستقراه وان كنت اميا وان كنت اعمي واصم
قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]. وقال تعالى ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13]. قال الحسن : يقرأ الإنسان كتابه أميا كان أو غير أمي
روي الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] قَالَ: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» قَالَ: «وَيُبَيِّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ» قَالَ: «فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ» قَالَ: " فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهِ قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ. قَالَ: فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» [التعليق - من تلخيص الذهبي] 2955 - على شرط مسلم وقال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن غريب
ويفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب.
الفرحان يقول ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19ـ24].
يفرح ويفتخر بشهادة الله له بالفوز في دار النعيم المقيم والخلود الأبدي، وما قيمة شهادات الدنيا أمام الشهادة الأخروية.
وأما الآخر فلقد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً يصرخ بأعلى صوته ويقول ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة:25-26].
ولله در القائل
مَثِّلْ وقُوفَكَ يومَ العرضِ عُريانَا ... مُستوحشًا قَلِقَ الأحشاءِ حَيْراناَ
النارُ تَلْهَبُ مِن غيظٍ ومِن حَنَقٍ ... على العصاةِ وربُّ العرش غَضبانَا
اقرَأ كتابَك يا عبدُ على مَهَلٍ ... فهل ترى فيه حَرفًا غيْرَ مَا كانَا
فلما قرأتَ ولم تُنكِرْ قراءَتَه ... إقرارَ مَن عَرفَ الأشياءَ عِرفانَا
نادَى الجليلُ خُذوهُ يا ملائكَتَي ... وامْضُوا بعَبدٍ عَصَى ـ للنَّارِ ـ عطشَانَا
المشركونَ غدًا في النار تَلتهبُ ... والمؤمنونَ بدارِ الخلدِ سُكَانَا
قال ابن مسعود- رضي الله عنه- يعرض النّاس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأمّا عرضتان، فجدال ومعاذير، وأمّا العرضة الثّالثة فعند ذلك تطير الصّحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله
ويأتي الشاهد الثاني: الغلول: غلّ من أموال الدولة غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا قال تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا بَعَثَ مُنَادِيًا: «لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ مَخِيطًا فَمَا دُونَهُ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ فَرَسًا فَيَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ظَهْرِهِ لَهُ حَمْحَمَةٌ» مصنف عبدالرازق الصنعاني
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ثم قال: ((انطلق أبا مسعود لا ألفينّك يوم القيامة تجيئ وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذاً لا أكرهك)). أخرجه أبو داود.
وقد ذكر بعض أهل العلم بأن المرء يبعث ويحشر يوم القيامة على ما مات عليه من خير أو شر، فالزامر يأتي يوم القيامة بمزماره، والسكران بقدحه، والمؤذن يؤذن، ونحوذلك.
والشاهد الثالث: الغدر .
اعلموا ان للغادر يوم القيامة أينما يتجه علم شاهد يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلانه بن فلان.
روى البخارى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ "
ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس والمؤسسات والمناقصات والناقلات إلى غيره أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
روي البخارى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ ( ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ )
الشاهد الرابع: الأرض، هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه تشهد الأرض بما عمل على ظهرها من طاعات وسيئات ففي الحديث الذي رواه الترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ»
ولما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد اعلمهم النبي صلي الله عليه وسلم بشهادة الارض لهم في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». رواه مسلم.
وعلى هذه الأرض أشجار وأحجار تشهد كذلك كما روى البخاري رحمه الله عن أبي سعيد، قال لعبد الرحمن بن صعصعة: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت في الصلاة فارفع بالنداء، أي بصوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. وفي رواية: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة.
ان المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه روي الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ، بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29]
وَفِي المُعْجَمِ الكبير للطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعة: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ -سَمِعَ رَبِيعَةَ الجُرَشي-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَحَفَّظُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٌ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا، إِلَّا وَهِيَ مُخبرة" قال الهيثمي في "المجمع" 1/241: وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف
وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة
شهد رب العزة، وشهدت الرسل، وشهدت الملائكة، وشهدت الأرض وما عليها، فمن بقي؟ من بقي يا عباد الله؟ روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ، لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ، وَتَرْبَعُ، فَيَقُولُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم
وفي رواية أيضاً في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاهُنَا تُحْشَرُونَ. هَاهُنَا تُحْشَرُونَ. هَاهُنَا تُحْشَرُونَ.، ثَلَاثًا، رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَعَلَى وُجُوهِكُمْ تُوفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ. أَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ» قال ابن الأثير في النهاية رحمه الله: "الفدام ما يشد على فم الإبريق والكوز من خرقة"، أي: يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام، قال: تأتون يوم القيامة وعلى أفواهكم الفدام، أول ما يعرب عن أحدكم فخذه، أول ما ينطق من الجوارح الفخذ؛ لحكمة يريدها الله، أول ما يعرب عن أحدكم فخذه.
الشاهد الخامس والسادس والسابع : اسمع ماذا يقول الله عنهم: ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24].
ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف.
يجادل العبد اللئيم ربه الكريم ويقول يا رب أنا أرفض هذه الشهادة وأرفض هؤلاء الشهود ولا أقبل شاهداً إلا من نفسي.
كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " رواه مسلم
كنت أدافع عنكن، فإذا أنتن تشهدن علي، فليتأمل العاصي المسكين أن جوارحه التي يعصي الله بها، ويذوق بها، ويطعم بها، ويلمس بها، ويرى بها، ويسمع بها، ويمشي بها، ويبطش بها أنها ستكون الشهود عليه، وضده يوم الدين.
العمر ينقص والذنوب تزيد وتقول عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه ((ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا: أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]
الشهود الثلاثة الأخيرة : قال تعالى ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:24-25].
نعم انه الحق المبين أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].
فيا أيها الأحباب: الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة تيعر سرقها يحملها يوم القيامة له صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.
أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطأ الجم.
أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.
أما نادى بك الموت، أما أسمعك الصوت، أما تخشى من الفوت، فتحتاطَ وتهتم.
فكم تسكرُ في السهو، وتختالُ من الزهو، وتنصبُ إلى اللهو، كأن الموتَ ما عم.
فيا أيها الكرام:
ما دمنا في دار عمل فلنحذر حذراً شديداً هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
فيا من استترت من أعين الخلائق في الدنيا ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الملائكة الكرام الكاتبين يحصون عليك كل صغيرة وكبيرة؟ أين يهرب الواحد منا والأرض شاهدة عليه، والرسل والأنبياء شهود، والأيام والليالي شهود، والملائكة شهود، والجوارح والأعضاء والجلود شهود، وكفى بالله شهيداً.
اللهم اجعلنا نؤمن بكتابك وسنن نبيك ، نسألك المال الحلال، اللهم اجعلنا من أهل الجنان ولا تجعلنا من أهل النيران.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : الشهادة ومعناها
ثانيا : أعظم شهيد على العباد هو الله الملك ثم رسله ثم ملائكته
ثالثا : الشهود العشرة شهادة الأرض يوم القيامة بما عمل على أطهرها وشهادة الجوارح على صاحبها يوم القيامة
الخطبة الأولى
الحمد لله ما غرد بلبل وصدح، وما اهتدى قلب وانشرح ، وما عم فينا سرور وفرح، الحمد لله ما ارتفع نور الحق وظهر، وما تراجع الباطل وتقهقر، وما سال نبع ماء وتفجر ، وما طلع صبح وأسفر
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له خلق ونشر وعلا فقهر، وملك فقدر، وعفا فغفر، وعلم وستر، وهزم ونصر، وبطن فخبر ، وعبد فشكر ، وعصى فغفر وستر ، سبحانه لا تحويه الفكر ، ولا يدركه بصر ، ولا يخفى عليه أثر ، وهو رازق البشر ، ومقدر كل قدر واليه المرجع والمستقر ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (😎 وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) القيامة
واشهد ان سيدنا محمدا رسول الله النبى الاكرم ما اشرقت الشمس وما بزغ القمر صلاة وسلاماَ طيبين مباركين على النبي المطهر صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر ، ما سار سفين للحق وأبحر ، وما على نجم في السماء وأبهر ، وعلى آله وصحبه خير أهل ومعشر، صلاة وسلاماَ إلى يوم البعث و المحشر .
أما بعـــد:
فاذا أذن الله لإسرافيل أن ينفخ نفخة البعث والنشور خرج الخلائق من قبورهم ( يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ [القمر:7]. يزحفون على بطونهم كما يزحف الجراد، ثم يحاولون الوقوف فيكونون كالجمال الصغيرة المولودة كالحيران الحائرة ويسميهم الله بالفراش المبثوث ( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:4]. أي: في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه، كأنهم فراش مبثوث
ثم تشتد أقدامهم فيقفون حفاة عراة غرلاً وتأتي الشمس فوق الرؤوس على قدر ميل ويأخذهم العرق حتى يغرقوا إلا من رحم الله وتزدحم الخلائق ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99] أمواج بشرية لا يعلم عددها إلا الله وأمواج جنيةٌ وشيطانية، وأمواج من الحيوان والطير والوحش والحشرات
اولا : الشهادة ومعناها
الشهادة ـ صفة سمي حاملها بالشاهد ويبالغ بشهيد وللشهادة ثلاثة شروط لا تتم إلا بتمامها وهي: الحضور، والوعي، والأداء، أما الحضور: فهو شهود الشاهد المشهود. والوعي: وعي ما شاهده وعلمه . والأداء: هو الإتيان بالشهادة على وجهها في موضع الحاجة إلى ذلك.
هذا معنى الشهادة والشهادة على الكمال، إنما هي لله سبحانه وتعالى، وأن جميع الشاهدين سواه يؤدون شهادتهم عنده.
قال الله سبحانه وتعالى: { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } والشهداء: هم العدول، وأهل العدالة في الدنيا والآخرة هم القائمون بما أوجب الحق سبحانه عليهم في الدنيا.
عباد الله ـ معيار لتمييز الحق من الباطل، وحاجز يفصل الدعاوى الصادقة من الكاذبة، قال بعضهم: الشهادة بمنزلة الروح للحقوق، فالله أحيا النفوس بالأرواح الطاهرة، وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة والشهادة ضرورية لقيام الحياة الاجتماعية، وما يخالطها من أحداث ويصحبها من وقائع مادية وتصرفات إرادية ومعاملات وعلاقات عائلية. قال شريح رحمه الله: "الحكم داءٌ، والشهادة شفاءٌ، فأفرغ الشفاء على الداء"
إخوة الإسلام، توفية الشهادة حقَّها فرض لازم وواجب محتَّم يقول جل وعلا: وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2].
وإقامة الشهادة تشمل تحملها على إنشاء العقود والتصرفات، وأداءها أمام القضاء والقضاة
وكتمان الشهادة ـ عباد الله ـ جرم عظيم وإثم كبير، يقول جل وعلا حكاية عن شهود الوصية ( وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذَاً لَّمِنَ الآثِمِينَ [المائدة:106] قال ابن عباس رضي الله عنهما: (شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك)
ومن تلك المنطلقات الآنفة، فإن شهادة الإنسان على ما لا يعلمه أو شهادته بخلاف ما يعلمه جريمة عظمى وطامة كبرى. نعم، كيف لا تكون كذلك؟! وهي حقيقة شهادة الزور التي هي عند أهل العلم الشهادة الكاذبة التي ليس لها أساس من الصحة، أياً كانت دوافعها، ومهما كانت تبريراتها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فتختص بها"، وقال بعضهم: "الزور هو الكذب الذي قد سُوّي وحُسِّن في الظاهر ليُحسب أنه صدق"
روى الترمذي وغيره عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]. ورُوي ذلك موقوفاً عن ابن مسعود بإسناد حسن
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ - أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ . صحيح البخارى
ثانيا : أعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الله الملك ثم رسله ثم ملائكته ثم الزمان
إنّ القرآن الكريم يخبر عن وجود شهود ، يشهدون على عمل الإنسان خيره وشرَّه
الله جل جلاله خير الشاهدين
وأعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الملك، الذي يعلم السر وأخفى، وعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، فالله جل وعلا هو أعظم شهيد علينا يوم القيامة اعلموا علم يقين أن الله هو الرقيب، وأنه الحسيب، وأنه لا ملجأ منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه، فهو الشهيد وكفى به شهيداً، ومن حكمته سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامة الحجة حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهود علينا وكفى بالله شهيداً قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء:33].
انّه سبحانه أكبر وأصدق شاهد على عمل الإنسان لإحاطته به منذ نشوئه إلى موته ، يقول سبحانه : ( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ شَهِيدٌ علي مَا تَعْمَلُونَ ) ويقول أيضاً : ( إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) وفي آية اخرى : ( فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّـهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ ).
شهادة الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا
يخبرنا ربنا سبحانه في كتابه العزيز انّ لكلّ أُمّة شهيداً وانّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شاهد على الأنبياء الذين هم شهود عل اممهم وشاهد على أُممهم وشاهد علي امته والتي تشهد تبعا له علي جميع الأمم، وتأتي أمة الحبيب فتشهد على جميع الأمم، قال تعالى مخاطباً حبيبه المصطفى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
وفى صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] " وَالوَسَطُ: العَدْلُ
وروي أن عيسى عليه السلام مر بقبر فوكزه برجله وقال: يا صاحب هذا القبر قم بإذن الله فقام إليه رجل، وقال: ياروح الله ما الذي أردت فإني لقائم في الحساب منذ سبعين سنة حتى أتتني الصيحة الساعة أن أجب روح الله، فقال عيسى: يا هذا لقد كنت كثير الذنوب والخطايا ما كان عملك؟ فقال: والله يا روح الله ما كنت إلا حطاباً أحمل الحطب على رأسي آكل حلالاً وأتصدق، فقال عيسى: يا سبحان الله حطاباً يحمل الحطب على رأسه، يأكل حلالاً ويتصدق، وهو قائم في الحساب منذ سبعين سنة، ثم قال له: يا روح الله كان من توبيخ ربي لي أن قال: اكتراك عبدي لتحمل له حزمة، فأخذت منها عوداً فتخللت به وألقيته في غير مكانه امتهاناً منك بي، وأنت تعلم أني أنا الله المطلع عليك وأراك. كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة لشمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)
شهادة الملائكة الكرام
ومن الشهود على العباد يوم المعاد ملائكة الرحمن، الكرام، الكاتبون، الذين يعلمون ما تفعلون، وما هم عنا بغائبين، يروننا من حيث لا نراهم، ويسجلون أعمالنا، أمنة، إنهم يكتبون بكل صدق وأمانة، دون زيادة ولا نقصان، هؤلاء الكتبة وضيفتهم تسجيل أعمال العباد، الصغير والكبير قال الله تعالى: { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق 20 :21]. قال ابن كثير رحمه الله في السائق والشهيد: أي ملك يسوقها إلى المحشر، وملك يشهد عليها بأعمالها، فكل واحد منا يوم القيامة سيأتي ومعه ملكان، واحد يسوقه، والثاني يشهد عليه، وتنشر الصحائف التي غفل عنها العباد، ويقول الملك ) هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد ) والملائكة يشهدون، وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا فتشهد الملائكة بعدما شهد النبيون.
قال عزّ من قائل ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] ( وطبيعة الحال تقتضي أن يكون كتّاب الأعمال هم الشهود عنده في المحشر ولعلهم هم الساقة أيضاً إلى النار أو الجنة.
شهادة الزمان
ايها الاخوة ان الزمان شهيد علي اعمالنا في كل ساعة صباح مساء وكلنا يعرف القول المشهور 'الوقت من ذهب'. لا والله الوقت أغلى من الذهب ولا يقدر بثمن.
لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: 'كل يوم تشرق فيه شمس ينادي هذا اليوم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة'. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
ثالثا : الشهود العشرة شهادة الأرض يوم القيامة بما عمل على أطهرها وشهادة الجوارح على صاحبها يوم القيامة
أيها الناس إنكم لم تتركوا سدى وإن اليوم غداً وإنكم واردو هوة فأعدوا لها ما استطعتم من قوة وإن بعد المعاش معاداً فأعدوا لها زادا ألا لا عذر فقد بينت لكم المحجة وأخذت عليكم الحجة من السماء بالخبر. ومن الأرض بالعبر ألا وإن الذي بدأ الخلق عليما يحيي العظام رميما وفي مشهد القيامة العصيب يُطارد الإنسان عشرة شهود فلا ينجوا الا من جاء ربه كريما وكان قلبه سليما
الشاهد الاول: الكتاب الذي كتبه الملكان يقول الله عنه: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه [ق:16]. وهذا الكتاب شاهد أول من يقرأه؟ أنت ستقراه وان كنت اميا وان كنت اعمي واصم
قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]. وقال تعالى ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13]. قال الحسن : يقرأ الإنسان كتابه أميا كان أو غير أمي
روي الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] قَالَ: «يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا» قَالَ: «وَيُبَيِّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ» قَالَ: «فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ» قَالَ: " فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا، اللَّهُمَّ لَا تَأْتِنَا بِهِ قَالَ: فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ. قَالَ: فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» [التعليق - من تلخيص الذهبي] 2955 - على شرط مسلم وقال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن غريب
ويفرح صاحب الكتاب ويحزن صاحب الكتاب.
الفرحان يقول ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19ـ24].
يفرح ويفتخر بشهادة الله له بالفوز في دار النعيم المقيم والخلود الأبدي، وما قيمة شهادات الدنيا أمام الشهادة الأخروية.
وأما الآخر فلقد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً يصرخ بأعلى صوته ويقول ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [الحاقة:25-26].
ولله در القائل
مَثِّلْ وقُوفَكَ يومَ العرضِ عُريانَا ... مُستوحشًا قَلِقَ الأحشاءِ حَيْراناَ
النارُ تَلْهَبُ مِن غيظٍ ومِن حَنَقٍ ... على العصاةِ وربُّ العرش غَضبانَا
اقرَأ كتابَك يا عبدُ على مَهَلٍ ... فهل ترى فيه حَرفًا غيْرَ مَا كانَا
فلما قرأتَ ولم تُنكِرْ قراءَتَه ... إقرارَ مَن عَرفَ الأشياءَ عِرفانَا
نادَى الجليلُ خُذوهُ يا ملائكَتَي ... وامْضُوا بعَبدٍ عَصَى ـ للنَّارِ ـ عطشَانَا
المشركونَ غدًا في النار تَلتهبُ ... والمؤمنونَ بدارِ الخلدِ سُكَانَا
قال ابن مسعود- رضي الله عنه- يعرض النّاس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأمّا عرضتان، فجدال ومعاذير، وأمّا العرضة الثّالثة فعند ذلك تطير الصّحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله
ويأتي الشاهد الثاني: الغلول: غلّ من أموال الدولة غل من أموال الأجيال تأتي الأجيال كلهم يحشرهم الله يطالبون بأموالهم ممن سرقها وغلها وتخيل إنسان عارياً يوم القيامة تُحاصره الملايين جيلٌ بعد جيل. أنت الذي غللت أموالنا قال تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:161] وكل غلول من الغنائم وأموال الأمة وفي الجهاد يأتي يوم القيامة شاهد على من غل.
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا بَعَثَ مُنَادِيًا: «لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ مَخِيطًا فَمَا دُونَهُ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُلٌ بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ رُغَاءٌ، أَلَا لَا يَغُلَّنَّ فَرَسًا فَيَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ظَهْرِهِ لَهُ حَمْحَمَةٌ» مصنف عبدالرازق الصنعاني
وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً ثم قال: ((انطلق أبا مسعود لا ألفينّك يوم القيامة تجيئ وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته قال: إذاً لا أنطلق، قال: إذاً لا أكرهك)). أخرجه أبو داود.
وقد ذكر بعض أهل العلم بأن المرء يبعث ويحشر يوم القيامة على ما مات عليه من خير أو شر، فالزامر يأتي يوم القيامة بمزماره، والسكران بقدحه، والمؤذن يؤذن، ونحوذلك.
والشاهد الثالث: الغدر .
اعلموا ان للغادر يوم القيامة أينما يتجه علم شاهد يُرفرف وراءه تاريخ الغدرة ونوعها ولمن حصلت واسم صاحبها ونتائجها وحسابها وعذابها في جهنم أينما يذهب يقرؤها القاصي والداني في عرصات يوم القيامة من قريب ومن بعيد، غدرة فلان بن فلانه بن فلان.
روى البخارى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ "
ولا يظن الغادرون في الأعراض والأموال والأنفس والمؤسسات والمناقصات والناقلات إلى غيره أنهم سيفوتون على الله يوم القيامة بل سينصب له لواء لأنه لما غدّر أخفى غدّرته فيفضحه الله فيعلنها في لواء يُرفرف.
روي البخارى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ ( ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ )
الشاهد الرابع: الأرض، هذا التراب الذي تمشي عليه يتكلم بلسان فصيح يعرفك أكثر مما تعرفه تشهد الأرض بما عمل على ظهرها من طاعات وسيئات ففي الحديث الذي رواه الترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا ": «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ»
ولما أراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد اعلمهم النبي صلي الله عليه وسلم بشهادة الارض لهم في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ»، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ». رواه مسلم.
وعلى هذه الأرض أشجار وأحجار تشهد كذلك كما روى البخاري رحمه الله عن أبي سعيد، قال لعبد الرحمن بن صعصعة: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت في الصلاة فارفع بالنداء، أي بصوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. وفي رواية: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة.
ان المؤمن إذا وافته منيته وانقطعت أعماله حزنت الأرض والسماء لأن أعماله نور في الأرض والسماء.
وأما الكافر فلا تبكيه روي الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ، بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29]
وَفِي المُعْجَمِ الكبير للطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعة: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ -سَمِعَ رَبِيعَةَ الجُرَشي-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَحَفَّظُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٌ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا، إِلَّا وَهِيَ مُخبرة" قال الهيثمي في "المجمع" 1/241: وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف
وأما الشهود الأخرى يأتون ثلاثة ثلاثة بعد هؤلاء الأربعة
شهد رب العزة، وشهدت الرسل، وشهدت الملائكة، وشهدت الأرض وما عليها، فمن بقي؟ من بقي يا عباد الله؟ روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ، لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: " فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ، فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ، وَتَرْبَعُ، فَيَقُولُ: بَلَى، أَيْ رَبِّ فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ، وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَاهُنَا إِذًا، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ " رواه مسلم
وفي رواية أيضاً في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَاهُنَا تُحْشَرُونَ. هَاهُنَا تُحْشَرُونَ. هَاهُنَا تُحْشَرُونَ.، ثَلَاثًا، رُكْبَانًا وَمُشَاةً، وَعَلَى وُجُوهِكُمْ تُوفُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ. أَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ» قال ابن الأثير في النهاية رحمه الله: "الفدام ما يشد على فم الإبريق والكوز من خرقة"، أي: يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام، قال: تأتون يوم القيامة وعلى أفواهكم الفدام، أول ما يعرب عن أحدكم فخذه، أول ما ينطق من الجوارح الفخذ؛ لحكمة يريدها الله، أول ما يعرب عن أحدكم فخذه.
الشاهد الخامس والسادس والسابع : اسمع ماذا يقول الله عنهم: ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24].
ثلاثة مع بعض: سمع، بصر، جلد، هذا الثالوث المخيف.
يجادل العبد اللئيم ربه الكريم ويقول يا رب أنا أرفض هذه الشهادة وأرفض هؤلاء الشهود ولا أقبل شاهداً إلا من نفسي.
كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟» قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ " رواه مسلم
كنت أدافع عنكن، فإذا أنتن تشهدن علي، فليتأمل العاصي المسكين أن جوارحه التي يعصي الله بها، ويذوق بها، ويطعم بها، ويلمس بها، ويرى بها، ويسمع بها، ويمشي بها، ويبطش بها أنها ستكون الشهود عليه، وضده يوم الدين.
العمر ينقص والذنوب تزيد وتقول عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود
يسب نفسه يشتم عينه ويشتم سمعه يشتم جلده... وكأن الجلود تقول له كيف لا نشهد ضدك وأنت الذي حرمتنا من عبادة الله الذي خلقنا على الفطرة، فالسمع كان يريد أن ينصت إلى القرآن فأنصت إلى الأغاني، والعين كانت تريد أن تخشع وتبكي تريد دمعة واحدة في العمر خاشعة لله الذي خلقها حتى يُظل صاحبها تحت ظل عرشه ((ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن عينه تبكي من كل شيء إلا من الخشوع لله رب العالمين، تبكي على الدرهم والمال، تبكي عند الطرب عند الغناء عند الحزن تبكي عند الفرح ولكنها لا تبكي خاشعة لله فتشهد ضده يوم القيامة.
والجبين الذي حُرم من السجود جلد الجبهة الذي لم يسجد لله فُترى فيها سيما المصلين {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] يشهد عليه جلد جبهته يوم القيامة فيقول له سحقاً وبعداً لك، والأيدي والأطراف كُلها تأتي يوم القيامة شهوداً أيضاً، ثالوثٌ خطير يقول الله جل جلاله: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا: أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]
الشهود الثلاثة الأخيرة : قال تعالى ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:24-25].
نعم انه الحق المبين أخفت اليد وأخفت الرجل وأخفى الجلد وأخفى السمع وأخفى البصر من الذي كشف هذه الحقائق إنه الحق المبين.
قال تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].
فيا أيها الأحباب: الرسول ينذر الناس يوم القيامة بأن منهم من يحمل شاة تيعر سرقها يحملها يوم القيامة له صوت تنادي من مكان بعيد، وآخر يحمل جمل له رُغاء يسمعه البعيد والقريب، ومنهم من يأتي يحمل مناقصة تُنقص من حسناته، فالله جل جلاله لا يخفى عليه شيء، شهودٌ أربعة وشهودٌ ثلاثة وشهودٌ عشرة تطارد الإنسان من مكان إلى مكان وما دُمنّا أيها الأحباب في دار عمل فلنتذكر حقيقة هذه الشهود.
أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطأ الجم.
أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.
أما نادى بك الموت، أما أسمعك الصوت، أما تخشى من الفوت، فتحتاطَ وتهتم.
فكم تسكرُ في السهو، وتختالُ من الزهو، وتنصبُ إلى اللهو، كأن الموتَ ما عم.
فيا أيها الكرام:
ما دمنا في دار عمل فلنحذر حذراً شديداً هذه الشهود العشرة، ولنحولها لصالحنا بالأعمال الصالحة، فنسأل الله جل جلاله أن يرزقنا يقظة إيمانية تنجينا من مصارع الغفلات.
فيا من استترت من أعين الخلائق في الدنيا ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الملائكة الكرام الكاتبين يحصون عليك كل صغيرة وكبيرة؟ أين يهرب الواحد منا والأرض شاهدة عليه، والرسل والأنبياء شهود، والأيام والليالي شهود، والملائكة شهود، والجوارح والأعضاء والجلود شهود، وكفى بالله شهيداً.
اللهم اجعلنا نؤمن بكتابك وسنن نبيك ، نسألك المال الحلال، اللهم اجعلنا من أهل الجنان ولا تجعلنا من أهل النيران.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس