مشاهدة النسخة كاملة : أسباب فتح مكة


حكاية ناي ♔
02-08-2024, 07:47 AM
كان من ضمن شروط صلح الحديبية، إعطاء الحرية لمن شاء من قبائل العرب في الانضمام لأحد الفريقين، فتدخل في حلفه وعهده (فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعقده، وتواثبت بنو بكر[1] فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم) [2]، فكان لكل قبيلة ما لحلفائها من الحقوق، وعليها ما عليهم من الواجبات كالنصرة لحلفائها، والالتزام بالعهد وعدم البغي والاعتداء على الأطراف المسالمة لها.



وقد كان بين بني بكر وخزاعة ثأر قديم، يعود إلى ما قبل الإسلام[3]، فلما كانت الهدنة، اغتنم بنو بكر الفرصة وغدروا بخزاعة.



قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وكان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكره محمد بن اسحق...: كان في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد -صلى الله عليه وسلم- وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة وقالوا نحن ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلًا بماء يقال له الوتير[4] وهو قريب من مكة، وقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكُراع[5] والسلاح وقاتلوا معهم للضَّغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم) [6].



وكان قائد بني بكر هو نَوْفل بن معاوية الدَّيْلي[7]، فقاتلوا خزاعة حتى حازوا إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر: يا نَوْفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك. فقال كلمة عظيمة، لا إله له اليوم، يا بني خزاعة، أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه.



ولجأت خزاعة إلى دار بُدَيْل بن وَرْقَاء ودار مولى لهم يقال له رافع[8]. [9].



قدوم وفد خزاعة على النبي -صلى الله عليه وسلم- واستنجادهم به:

عقب حدوث هذا العدوان قدم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن سالم الخزاعي[10] حليف رسول الله ومعه وفد من خزاعة، وبلَّغه ما تعرض له قومه من الغدر والقتل على يد بني بكر وحلفائهم القرشيين، وهم آمنون غافلون وأنشده فقال:
يا ربِّ إنِّي ناشدٌ محمدَا
حِلفَ أبيهِ وأبيناَ الأَتْلدَا[11]
قدْ كنتمُ وُلْدًا وكنا والدًا
ثُمتَ أَسلَمناَ فلمْ ننزِعْ يَدَا
فانصرْ رسول الله نصرًا أبدَا
وادعُ عبادَ اللهِ يأتُوا مددَا[12]
فيهمْ رسولُ الله قدْ تجردَا
إِن سيمَ خسفًا وجْهُهُ تَربَّدَا[13]
في فيْلَقٍ كالبحرِ يجري مُزبِدا
إن قريشًا أخلفُوك الموعِدا
ونقضوا ميثاقَك المؤكَدا
وجعلوا لي في كَداء رَصدا
وزعموا أن لستُ أدعو أحدا
فهم أذلُّ وأقلُّ عددا
هم بيتونا بالوتيرِ هُجَّدا
وقتلونا رُكعا وسُجدا



فلما انتهى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نصرت يا عمرو بن سالم)). فما برح حتى مرت بهم سحابة في السماء فقال: ((إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب)) [14].



ثم قدم وفد آخر بقيادة بديل بن ورقاء-وذلك قبل إسلامه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبروه بعدوان بني بكر وبمظاهرة قريش لهم وانصرفوا راجعين إلى مكة[15].



وكان تواطؤ قريش مع بني بكر نقضا صريحًا لمعاهدة الحديبية، وعدوانا ظاهرًا على حلفاء المسلمين، الذين تلزمهم نصرتهم، فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قريش ليستوثق الخبر ويخيرهم دفع دية قتلى خزاعة، أو البراءة من حلف بني بكر الذين غدروا بخزاعة، أو بقطع الهدنة وإعلان الحرب فاختاروا القتال[16]، وبذلك برئت ذمة المسلمين أقيمت الحجة على قريش[17]، ثم إنهم تراجعوا وندموا لعلمهم بتعاظم قوة المسلمين وازدياد عددهم، فأرسلوا أبا سفيان مبعوثًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليجدد العهد معه وليزيد في المدة.



إرسال قريش أبا سفيان للمدينة:

أدركت قريش خطورة الموقف فبالرغم من أن بعضهم ظاهر بني بكر، إلا أن أكثرهم لم يكن راغبا في نقض الصلح، وإنهاء حالة السلم بينهم وبين المسلمين، أو إشعال فتيل الحرب مرة أخرى معهم، وقد حدس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وأخبر أصحابه بتوقعه إيفاد قريش من يصلح الأمر، فقال: (كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة) [18].



وذلك ما كان بالفعل، فقد أرسلت قريش أبا سفيان لتجديد العهد، فلقي بديلًا وأصحابه في طريق عودتهم، فأخفوا عنه خبر قدومهم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه علم يقيناً من آثار دوابهم أنهم قدموا المدينة ولقوا النبي -صلى الله عليه وسلم-[19].



فمضى حتى وصل المدينة ووقف بين يدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد اشدد العقد وزدنا في المدة. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ولذلك قدمت، هل كان من حدث قبلكم؟)) قال: معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.



وخرج من عنده وهو يعلم أنه لم يحرز شيئًا، فدخل على ابنته أم حبيبة[20] أم المؤمنين رضي الله عنها، وهو يظن أنها قد تكون شفيعا له عند زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكنها بادرته بما ألقى في نفسه اليأس من ذلك[21]، ذلك أنه لما ذهب ليجلس على فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم- طوته، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ فقالت: هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراشه. فقال: يا بنية والله لقد أصابك بعدي شر[22].



ثم ذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه، وسأله أن يكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما أنا بفاعل. ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكلَّمه فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فوالله لو لم أجد إلا الذَر لجاهدتكم به.



ثم دخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنده فاطمة رضي الله عنها[23] وحسن[24] غلام يدب بين يديهما، فكلَّم عليًا فقال له: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة وسألها أن تأمر ابنها فيجير بين الناس، فلم تستجب له، ثم استنصح عليًا فقال له: والله ما أعلم لك شيئًا يغني عنك شيئًا، ولكنك سيد بني كَنانة فقم فأجِر بين الناس ثم الحَق بأرضك. ففعل ذلك وهو يعلم أنه لن يغني عنه شيئًا[25].



ورجع إلى مكة وقد أخفقت مساعيه في الحصول على تجديد العهد من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو على جوار أحد من الصحابة، وأخبر قريشًا بما حدث وهو عجب من طاعة المسلمين لرسولهم وعدم افتياتهم وتقدمهم عليه، فقال وهو يحكي لقريش ما لقي من المسلمين: والله لقد أبَى عليّ، وقد تتبعت أصحابه فما رأيت قومًا لملك عليهم أطوع منهم له[26].



مما سبق تتضح الأسباب التي أدت إلى فتح مكة، فقد نقض بنو بكر (أحلاف قريش) معاهدة الصلح، واعتدوا على خزاعة (أحلاف المسلمين)، (وحكم حلفاء كل فريق، من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن قريش، في الصلح، كحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحكم قريش... فصاروا بذلك حربا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم، ثم أمدت قريش حلفاءها هؤلاء بما قووهم به على قتال خزاعة، حتى قتل منهم من قتل) [27]، وقد أعانهم القرشيون على ذلك بدافع الكره والبغض للرسول -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين، وظنوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لن يعلم بما أقدموا عليه، فكانوا بذلك ناكثين للعهد، وأعطوا الفرصة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لغزوهم متى شاء، لكنه -صلى الله عليه وسلم- لم يبادر إلى ذلك، بل أعذر إليهم وبعث إليهم من يخيرهم بين إمضاء المعاهدة والتكفير عما جنت أيديهم بدفع الدية، أو التبرؤ من حلف بني بكر، أو نبذ معاهدة الصلح والمواجهة مع المسلمين، فاختاروا الأخير ثم ندموا على ذلك وبعثوا قائدهم أبا سفيان لتجديد العهد-أو أنهم بادروا ببعثه قبل أن يبعث لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- -لكنه لم يفز بذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عزم على نصرة خزاعة، والذهاب إلى قريش في عقر دارهم لتصفية الأمور معهم، وعبر عن ذلك بقوله: ((لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي) [28].

عيوني تضمك
02-08-2024, 07:56 AM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن