مشاهدة النسخة كاملة : خطر الإدمان وضرره


حكاية ناي ♔
02-08-2024, 08:13 AM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الْهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.



عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وكرَّمه وشرَّفه وقرَّبه، وأعطاه من النعم العظيمة، وميَّزه بالعقل والفَهم، وجمَّله بهيئة حسنة، وحلَّاه بمنطق ولسان، وكلَّفه بحمل الأمانة، فإذا أدَّاها على وجهها، صار من أولياء الله الصالحين، ومن حزبه المفلحين.



وأعظم نعمة في الإنسان - عباد الله - العقلُ الذي يعقِل به، ويدرك به، ويفهم به، العقل آلة التدبر والتفكير، العقل يقود إلى الشرع الحكيم، ويحمل الإنسان على أن يتحلى بالفضائل، ويتخلى عن الرذائل، ألَا ترى أن الله سبحانه وتعالى عاب على من ألغى وظيفة عقله، ولم يكن منه أدنى تفكير في أمره وحاله؟ ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44].



ومن الشر العظيم والخطر الجسيم وسائلُ الشر التي بها تعطيل العقل أو إضعافه، من الْمُسْكِرات والمخدِّرات والمفترات، وما يكون وسيلة إلى ذلك من التدخين وتوابعه؛ إذ إن إذهاب العقل بالأشربة الْمُسْكرة أو بالمواد المخدرة أو بالأشياء المفترة من الجرائم المنكَرة، التي تُذهِب المال، وتضر بصحة الأبدان، وتُفسِد العقول، وتُخِل بالأديان.



فواجب المسلم - عباد الله - تجاه هذه الأشياء المفسدة أن يحذَرَها، وأن يبتعد عن الأسباب المؤدية إليها، ومن أعظم ذلك رِقة الدين، وضعف الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى، فمن ضعُف إيمانه، ورقَّ دينه، تجاسر على المنكرات التي منها هذه الموبقات، أما من قوِيَ دينه، وعظُم إيمانه، سلَّمه الله عز وجل من آثار هذه الآفات، وحماه الله عز وجل من الآثام المهلكات؛ وفي الحديث عن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...))[1]؛ احفظ حدود الله، واحفظ أوامر الله، واجتنب نواهي الله، يحفظك الله تعالى من شر المهلكات.



ومن الأسباب العظيمة في الوقوع في مثل هذه الأشياء الموبِقة الْمُهْلِكة الجهلُ بالعلم؛ العلم الذي يرفع الإنسان إلى أعلى المراتب؛ فإن الجهل يوقِع الإنسان في الدَّرَكَات المضلة، أما العلم بالله، والعلم بشريعة الله، فإنه يُبدِّد الظلمات، وينير الطريق، فيعلم المرء أضرار المسكرات والمخدرات، وأسبابها وبخطورتها، وبعواقبها السيئة المدمرة.



ومن الأمور التي يجب على ولي الأمر تجاه أبنائه أن يعتنيَ بتربيتهم، وأن يبذل المال والأوقات لهذا الغرض العظيم، والواجب المتحتِّم؛ حتى لا يخرج أحد أبنائه عن حظيرة الدين والإيمان، وعن حظيرة الأخلاق الحسنة والفضائل؛ لأنك مسؤول - أيها الولي - أمام الله عز وجل عن أبنائك ومن تعول؛ عن عبدالله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّعَ من يعول))[2].



عن عبدالله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، قال: وحسبت أن قد قال: والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))[3].



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].



ومن أعظم ما يكون سببًا في وقوع الأبناء الصغار والشباب في مثل هذه المخدرات ونحوها الفراغُ العقيم، الذي يعيشه كثيرٌ من الأبناء، ولا سيما في إجازة الصيف؛ إذ يكثر الشر والسهر، ويكثر تضييع الأوقات بين لهو ولعب ونوم.



فلا بد من الانتباه لهذا الأمر العظيم، لهذا الأمر الخطير، وإشغال الأبناء بما هو مثمر ومفيد؛ من إدخالهم حلقات التحفيظ؛ تحفيظ القرآن، ومتابعتهم، أو إدخالهم الأنشطة المتنوعة التي تعود عليهم بالنفع، أو مصاحبتك لأبنائك إلى المسجد أو إلى السوق، أو إلى صلة الأرحام، أو إلى الزيارات، والانتباه إليهم في البيت، فالمقصود - عباد الله - رعاية الأبناء؛ حتى لا يكونوا ضحايا للضلال والفساد.



ومن الشر العظيم: الصحبة السيئة التي لها أثر سيئ على الأخلاق والْمُثُل، فإنه مَن صاحَبَ الصالحين تأثَّر بهم، وكان في دينه صلاح، وفي أمره وحاله توفيقٌ، أما من عاشَر أصحاب السوء، فإن في صحبتهم الشر العظيم من التأثر بأخلاقهم السيئة، وطِباعهم الفاسدة.



عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))[4].



والحذر الحذر - عباد الله - من محاكاة الضائعين، وتقليد الجاهلين؛ فإن في هذا فسادًا ظاهرًا يُوقِع في الموبقات المهلكات: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].



اللهم لا تجعلنا من الغافلين، اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا.



أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه من كل ذنب، يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد عباد الله:

فإن الوقوع في هذه المخدرات ونحوها يؤدي إلى إدمانها، ومعلوم أن إدمانها يؤدي إلى عواقب خطيرة، وشرور جسيمة، وهي سبب عظيم لخراب الديار والأجيال، وفساد الدين؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30].



ومن عواقب إدمان هذه الموبقات ذَهابُ الحياء، وانطماس الغَيرة، وضعف الإيمان؛ فهي ﴿ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].



عباد الله:

إن من الخير العظيم والواجب المتحتم على من ابتُلِيَ بقريب له أدمن هذه المخدرات، فلْيُسارع في علاجه، وأن يبذل كل ما عنده لاجتثاثه من هذا العفن الذي له آثار سيئة مدمرة، يعتني به في المشفى، يصاحبه في جميع أوقاته، يطرد أصحابه وأقرانه أقرانَ السوء، يدعو له في الأسحار وفي السجود، ورحِم الله عبدًا بادَرَ إلى إصلاح مَن له من ولد أو أخ أو قريب.

بلسم الروح
02-08-2024, 08:20 AM
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته