مشاهدة النسخة كاملة : «الضجيج» يعم مدينة الرحالة والعابرين .. مسار تطور جدة العمراني يعود للظهور على صهوة


حكاية ناي ♔
02-10-2024, 08:34 AM
لا تكاد حركة التطوير والتنمية في "بوابة الحجاز" مدينة جدة تتوقف قليلا من الزمن حتى تعاود الركض دون سقف.. فمنذ إطلاق الحكومة مشروع "إعادة إحياء جدة التاريخية" في سبتمبر 2021، وتدشين مشروع تطوير الواجهة البحرية لجدة التاريخية، والحركة الضخمة لإزالة العشرات من الأحياء العشوائية، ثم أخيرا مشاريع صندوق الاستثمارات والقطاع الخاص لتطوير وسط جدة، والمدينة تعيش حالة "ضجيج محمود" على وقع الآلات والمعدات التي تضرب أطنابها في زوايا عدة من المدينة الواقعة على ساحل البحر الأحمر.

إن مجرد إعادة البحر إلى "ميناء البنط" التاريخي بمعايير عالية ومستدامة، تراعي المتغيرات الثقافية والتراثية والبيئية لمنطقة البلد بغية تحويلها وجهة سياحية بمواصفات راقية تتسق مع أهداف رؤية 2030 لرفع جودة الحياة وجذب السياح، لهو مشروع كاف لتغيير وجه عروس البحر الأحمر لخمسة عقود مقبلة.

جدة مدينة ربط عالمية منذ قديم الزمان ومحطة محورية لركاب البحر، خاصة من قارة آسيا وإفريقيا وأوروبا، وحديثا هي ثاني أكبر المدن السعودية من حيث عدد السكان والمدينة التجارية الأهم في المملكة لعقود طويلة.

يقول الرحالة الفارسي ناصر خسرو -عندما زارها في القرن الخامس الهجري- إنها مدينة جميلة محصورة داخل سورها الحصين، كما لفت الانتباه إلى عدم وجود الأشجار والزرع بها رغم ازدهارها العمراني، وعلل ناصر خسرو ذلك بندرة وجود الماء العذب فيها، وقدر عدد سكان مدينة جدة حينها بـ5000 نسمة، واصفا أسواقها بأنها نظيفة جدا وعامرة ولها بابان باب مما يلي مكة، وباب البحر.

فيما يصف الرحالة الأندلسي الشهير ابن جبير الحالة العمرانية لمدينة جدة -التي زارها في القرن الثاني عشر الميلادي وهو في طريقه لأداء مناسك الحج- "بالقرية" كمصطلح عمراني، رغم أن المصادر التاريخية السابقة لعصره تعدها (مدينة) من حيث تكوينها العمراني، وهذا يدل على أن مدينة جدة شهدت تراجعًا عمرانيًا، وهو ما تنبه إليه ابن جبير، مشيرًا إلى آثار باقية في جدة تدل على كبرها واحتوائها مظاهر عمرانية متنوعة.
وفي ذلك يقول: "... وبهذه القرية آثار قديمة تدل على أنها كانت مدينة قديمة. وأثر سورها المحدّق بها باق إلى اليوم" ولا شك أن هذا التراجع العمراني كان يبرز الأزمة الاقتصادية التي كانت سائدة في جدة ذلك الوقت.

جدة بوابة الحرمين، والميناء الرئيس للمملكة العربية السعودية، هذا الكيان الكبير الذي أسسه ووحّد أرجاءه وأمنّ طرقه جلالة الملك عبدالعزيز، قبل نحو 100 عام وكانت جدة حينها ضمن أولى أهتمامات المؤسس، كيف لا وهي منذ القدم نقطة عبور إلى المدن المختلفة الواقعة على البحر الأحمر، الذي عُرِفَ قديمًا ببحر جدة، ولقد ازدادت أهمية هذا الميناء ذي الموقع الاستراتيجي بعد ظهور الإسلام، خاصة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان عندما أمر أن تعود جدة ميناءً لمكة المكرمة بدلاً من الشعيبة، لتصبح جدة المدخل الرئيس لمكة المكرمة يقصدها معظم من نوى الحج أو العمرة.

اليوم تتسابق الخطى عبر مشاريع مليارية بهدف تحويل جدة إلى أحدث المدن البحرية وأرقاها بعد التخلص من ملوثات الهواء وبعض البقع العشوائية في المدينة، مدينة ذكية ونظيفة وتاريخية في ذات الوقت، ولعل مشروع تطوير جدة التاريخية وتحويل مبانيها الآيلة للسقوط إلى فنادق عالمية لتصبح متحفا مفتوحا، بما تحويه من تراث يحكي تاريخها العريق بصورة حية ضمنت لها الإدراج على قائمة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو.

مساجد ومنازل قديمة وأسواق تاريخية هي مكونات "جدة التاريخية" التي لم ينفك زوار المدينة وأهلها عن زيارتها، حتى وهي بلا برامج تطوير أو خدمات ملائمة، كما أنها اليوم أيضا وفي خضم العمل الجاري بين أروقتها تزدحم بأعداد كبيرة من الزائرين والمصطافين للاستمتاع بأجواء "وسط البلد".

هذا الحراك العمراني من الحكومة قابله ايضا اهتمام كبير من صندوق الاستثمارات العامة -قاطرة النمو في السعودية- اليوم، وشركات القطاع الخاص حيث أطلق الصندوق "شركة تطوير البلد" لتعمل مطورا رئيسا لمنطقة جدة التاريخية ضمن الجهود الحكومية الرامية لتنمية المنطقة وجعلها مركزاً اقتصادياً ووجهة ثقافية وتراثية عالمية، كما تقول الشركة المعنية بالمشروع.
وتأتي أهمية تطوير منطقة البلد لكونها ميناءً رئيساً للتجارة على البحر الأحمر، إضافة إلى تميزها بالطابع العمراني الفريد ومبانيها التي شُكلت من الحجر الجيري المرجاني، حيث تبلغ المساحة الإجمالية للمشروع نحو 2.5 مليون متر مربع، فيما تبلغ مساحة البناء الإجمالية 3.7 مليون متر مربع، وتضم نحو 9300 وحدة سكنية و1800 وحدة فندقية، إضافة إلى نحو 1.3 مليون متر مربع للمساحات التجارية.
وحاليا تعكف شركة تطوير البلد على تحسين البنية التحتية للمنطقة والإشراف على ترميم المباني التاريخية، وتطوير مرافق خدمات ومساحات ترفيهية وسكنية وتجارية وفندقية ومكتبية، بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية جاذبة للزائرين من مختلف أنحاء العالم بما يسهم في التنمية الاقتصادية لجدة التاريخية.

مشاريع بتكلفة 12 مليار ريال في "داون تاون جدة" انطلق العمل فيها قبل عدة أيام، وينتظر أن تكتمل بحلول 2027 فيما تستكمل بقية المشاريع بحلول 2030 وتم توقيع عقودها على أرض المشروع، وهي عقود البنية التحتية للمرحلة الأولى من المشروع، ومشروع دار الأوبرا، ومشروع تنفيذ الأحواض المحيطية، والاستاد الرياضي الذي فاز به تحالف يضم شركة السكك الحديدية الصينية وشركة سما للإنشاءات والمقاولات، وستكون سعته نحو 45 ألف مقعد، ومزود بتكييف مع إمكانية التحكم بالسقف آليًا بحسب الطقس، ومن المتوقع تدشينه في 2026.

هل هذا كل شيء.. لا طبعا فكما يقول أهل جدة لا سقف للعمل ويقول عراب الرؤية: "الطموح يصل عنان السماء"، نعم، فكل تلك المشاريع جاءت بعد أن كانت أعلنت مجموعة "روشن"، المطور العقاري التابع لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، في أغسطس من العام الماضي إطلاق مشروع "مرافي" شمال محافظة جدة، الذي يعد أحد أضخم المشاريع متعددة الاستخدامات ويتسع لأكثر من 130 ألف نسمة، ويشتمل على قناة مائية صناعية تمتد لمسافة 11 كيلومتر، ولن ننسى طبعا مشروع جدة الاقتصادية الذي ينتظر أن يضم أطول برج في العالم، وبعد الانتهاء من مطار جدة الجديد وقطار الحرمين، وايضاً مترو جدة في الطريق.
الخلاصة.. هناك شكل جديد يصنع لجدة اليوم وسنرى ملامحة الفاتنة قريبا.. شكل يعبر عن المستقبل، مستقبل جميل للمدينة جدة والسعودية البلد أيضا.

احساس
02-10-2024, 08:39 AM
عساكـ على القوهـ وفي انتظارجديدك
جنائن الورد لك ولقلمك الرائع
دمت بود