حكاية ناي ♔
02-12-2024, 11:07 AM
1- ارتفاع معنويات المسلمين واستبشارهم بالفتح والنصر:
وذلك حين بشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفتح الذي تم على يد سيف الله خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وحين عاينوا بأنفسهم الجيش الإسلامي يعود سالمًا بعد قتال مرير، مع عدو يفوقه عددا وعدة، ولم يفقد من جنوده إلا اثني عشر شهيدا،[1] ويعود وقد نكل بالروم وأثخن فيهم بالقتل (ولا شك أن استبسال المسلمين في القتال، وشجاعتهم النادرة، وحرصهم على الشهادة، بالإضافة إلى عبقرية خالد -رضي الله عنه- العسكرية)[2]، هو الذي مكنهم من هذا النصر، وقبل ذلك وبعده توفيق الله تعالى لهم، وفضله عليهم ونصره لهم، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [3] .
2- ازدياد الإسلام عزة وقوة ومنعة، واحترام وهيبة القبائل العربية للمسلمين:
فصمود جيش تعداده ثلاثة آلاف مسلم، في وجه جيش تعداده مائتا ألف ومن أعتى الجيوش في ذلك الوقت، ثم خسارته لأعداد قليلة من أفراده، ثم انسحابه بشكل منظم وبأقل عدد من الخسائر، بعد إيقاع نوع من الهزيمة بالأعداء، كل ذلك بلا شك أكسب المسلمين هيبةً وعزًّا، وأذل كبرياء الكفار أمام صمودهم، وأشعرهم بقوة المسلمين، وقد كان هذا اللقاء بينهم توطئة وتمهيدًا لفتح بلاد الروم، ودخولها في حوزة الإسلام.
أما القبائل العربية، فقد كان لهذه المعركة أثر كبير في نفوس أفرادها، الذين كانوا يرون في الروم عدوًّا لا يُقهر، وكانوا يَدينون لهم بالخضوع، وبعد رؤيتهم لجيش المسلمين وهو يجابه جيش الروم، ويفتح الله عليهم، ويبدد أسطورة الجيش الذي لا يقهر، أخذوا ينضمون تحت لواء المسلمين، فنرى الجيش الإسلامي يخرج في شهر رمضان في السنة ذاتها، ويتوجه إلى مكة، بعدد يزيد على العشرة آلاف مسلم، ويضم تحت لوائه العديد من القبائل العربية كمزينة وسليم وغيرها.
3-اكتساب المسلمين خبرات قتالية جديدة:
هذه المعركة هي أول منازلة بين المسلمين والجيش الرومي مع القبائل المتنصرة العربية، وبهذه الأعداد الضخمة، والروم أصحاب خبرة قتالية، وتاريخ طويل في المعارك، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ [4].
ومما لا ريب فيه أن المسلمين أفادوا دروسًا عظيمةً في لقائهم الأول مع الروم في مستقبل حركاتهم الجهادية معهم؛ حيث تعرفوا على قوتهم وعددهم وأساليب قتالهم، وخططهم وطبيعة أرضهم التي يقاتلون عليها[5]، وكان ذلك تدريبًا للمسلمين على حرب الروم، وتعريفًا لهم - أي: المسلمين - بخصائصهم القتالية، وقدراتهم وطاقاتهم، وخصائص أعدائهم كذلك.
وكان في لقاء الجيش المسلم مع الروم دعم قوي له في معاركه معهم في الفتوحات الإسلامية فيما بعد؛ لأنه تجاوز بالمسلمين مرحلة الخوف من العدو القوي المجهول.
4- تفرُّغ المسلمين للقبائل العربية المعادية في جزيرة العرب:
نجح الجيش الإسلامي في إيقاف الروم جزئيًّا عند حدهم بعد المعركة، فأمن المسلمون بذلك الحدود الشمالية، وانصرفوا لتأديب القبائل العربية التي كانت تهيئ نفسها للانقضاض على المدينة في غفلة من المسلمين، فجهز النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة سرايا لذلك؛ منها: سرية عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلى ذات السَّلاسِل[6]، التي أرسلها لما بلغه أن جمعًا من قضاعة تجمعوا يريدون الدُّنوَّ من أطراف المدينة، فحمل عليهم المسلمون، فهربوا في البلاد وتفرقوا[7].
ومنها سرية أبي عبيدة بن الجراح[8] -رضي الله عنه- إلى جهينة وذلك في رجب سنة ثمان[9]، وسرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري[10] -رضي الله عنه- إلى غطفان[11].
وغيرها من السرايا التي أدخلت الهيبة في قلوب من تحدثهم أنفسهم بشن الغارات على المدينة، وكان لذلك أثر عظيم لما أراد الله تعالى فتح مكة شرفها الله؛ إذ كانت قوة المسلمين موفورة، وقد أمنوا من حولهم من القبائل، وتفرغوا لتطهير بيت الله الحرام من الأوثان.
5- إثبات عالمية الرسالة:
فمعركة مؤتة تعتبر إستراتيجية حربية تهدف إلى إحداث نقلة بعيدة في سير الدعوة الإسلامية، وذلك بالخروج بها إلى خارج الجزيرة العربية؛ إيذانًا بعالميتها، وعدم اختصاصها بالعرب، وإلغاءً لفكرة العنصرية من الدين الإسلامي، فرسالة الإسلام عامة للناس جميعهم - عربًا، وعجمًا - وهذا الأثر في أصله هدف من أهداف الدعوة الإسلامية.
6- انتصار العقيدة في نفوس المسلمين، وازدياد الإيمان في قلوبهم:
إن صمود الجيش الإسلامي، واستبسال المسلمين في جهادهم ضد جيش يزيد عليهم أكثر من ستين ضعفًا، ويتفوق عليهم من الناحية العسكرية - ناحية الإعداد والتسليح - يثبت أن قلوب الصحابة حوت عقيدة سليمة قوية، رسخت في نفوسهم، وحرَّكتهم لخوض المعركة ضد الرومان، وقد كانوا يستميتون في القتال دفاعًا عن هذه العقيدة.
وعلى الرغم من أهمية الإعداد المادي - من رجال وخيل وسلاح لخوض المعارك؛ كما حثّ القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [12] - فإنه قد أثبت المسلمون في هذه الغزوة أن القوة المادية ليست هي كل شيء في كسب النصر، أو الحيلولة دون التعرض للهزيمة الساحقة، إنما الشرط الأساسي للثبات والنصر هو توفر العقيدة السليمة الصادقة في قلب المسلم[13]، التي تؤتي ثمارها، فتدفعه لطلب الشهادة في سبيل الله؛ لأنه قد باع رُوحه لله؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [14]، فالمؤمن الحق لا يخشى قوات العدو الضاربة، فما انتصر المسلمون أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم في زمن الخلفاء الراشدين بعُدة أو عدد، بل كان انتصارهم بالإسلام وبعقيدة لا إله إلا الله، محمد رسول الله[15].
7- تفاني المسلمين في نصرة دينهم، وبذلهم أرواحهم رخيصة لإعلاء كلمة الله:
ظهرت البطولات الخارقة من المسلمين في هذه المعركة، وقد وضعوا نُصب أعينهم هدفًا عظيمًا بذلوا فيه مُهَجهم، واسترخصوا له أرواحهم، وهو إعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وسيطر عليهم حب الشهادة والرغبة في الجنة.
وقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في المدينة بمكانة الشهداء في هذه الغزوة وقال: ((ما يسرُّنا أنهم عندنا - أو قال - ما يسرُّهم أنهم عندنا))[16]؛ وذلك لما لهم من الأجر والكرامة عند الله تعالى.
كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة أن الله تعالى أثاب جعفرًا -رضي الله عنه- بقطع يديه في المعركة جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء[17]، (وكان ابن عمر -رضي الله عنه- ما إذا حيَّا ابن جعفر -رضي الله عنه- ما قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين)[18].
وفكرة الشهادة والفوز برضوان الله، من أقوى الدوافع لمواجهة الأعداء والموت في سبيل الله؛ لأن ما عند الله خير وأبقى، وقد بين عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه- ذلك للمسلمين، حين لمس ترددهم في منازلة الأعداء، فقال: (والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون).
وقد وعى الصحابة هذا الأمر، فسطروا لمن بعدهم صحائف من نور تشع بالتضحية والفداء، ووهبوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم للإسلام، وبذلوا الغالي والرخيص في سبيل هذه الدعوة، فضحوا بالنفس، وجادوا بالمال، وأرخصوا الأهل والولد وكل شيء في سبيل هدف واحد وغاية واحدة، هي جعل كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وقد كان لجهادهم وتضحياتهم أكبر الآثار في إنجاح حركة الدعوة الإسلامية، وثباتها وحمايتها، وسرعة انتشارها[19].
هذه بعض الأحداث التي كانت تجري في مكة والمدينة قبل الفتح، والتي كان لها أثر واضح في تهيئة نفوس المسلمين للفتح، وكان تأثيرها يسير في اتجاهين متباينين:
الاتجاه الأول: مع فريق المشركين، قريش ومن شايعها وناصرها ضد المسلمين، فإن موقفهم العدواني من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن المسلمين، وصدهم عن سبيل الله، وملاحقتهم للمسلمين، وإشعال الحرب معهم، كان كفيلاً لأن يعتبرهم المسلمون أعداءً مدى الحياة، أو يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، فلا ولاء ولا محبة مع أعداء الله، وإنما هو التزام صادق بمعاهدة الحديبية، ولا شك أن قريشًا كانت تشعر بأن الخناق حولها يضيق تدريجيًّا، ومع كل انتصار وتقدم يحرزه المسلمون، وقد ضعضعها ذلك، وأرجعها عن موقف القوة، ومن ذلك إسلام يعض كبرائها، وانضمامهم لفريق المسلمين، وخسارتهم لحلفائهم السابقين (اليهود)، وملاحظتها أن قوة المسلمين تزداد وتعظُم.
الاتجاه الثاني: وهو ما يتعلق بالمسلمين، فقد علمت قريش أن قوة المسلمين في تطور وتنامٍ، وأنهم - أي المسلمين- لم يعودوا خَصمًا يستهان به، خاصة بعد تأكيد وتعزيز كِيانهم، باعتراف قريش بهم اعتراف الند للند، وتفرغهم لنشر الدعوة الإسلامية، حتى اخترقت صفوفهم، وبعد القضاء على الغدر اليهودي، وإنهاء وجوده في جزيرة العرب، اتجاههم بالدعوة إلى خارج الجزيرة العربية؛ سواء عن طريق الرسل، أو عن طريق الاحتكاك المباشر مع الروم ونصارى العرب، وإيقافهم عند حدهم.
إن ما سبق الفتح من أحداث، كان له أطيب الأثر في نفوس المؤمنين، فقد أخرج قادة ودعاة مؤهلين لحمل الدعوة ونشرها بين الناس، وبذل النفس والنفيس من أجل ذلك، حتى لو اضطرهم الأمر إلى تجديد الصدام مع قريش ومهاجمتها في عقر دارها، ولكن هناك صلح ومدة معقودة بينهم وبين القوم، وهم ينتظرون ما تؤول إليه الأحداث، وهم على أتم الاستعداد للمسير إلى مكة، لإزالة هذه العقبة الكؤود.
وذلك حين بشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفتح الذي تم على يد سيف الله خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وحين عاينوا بأنفسهم الجيش الإسلامي يعود سالمًا بعد قتال مرير، مع عدو يفوقه عددا وعدة، ولم يفقد من جنوده إلا اثني عشر شهيدا،[1] ويعود وقد نكل بالروم وأثخن فيهم بالقتل (ولا شك أن استبسال المسلمين في القتال، وشجاعتهم النادرة، وحرصهم على الشهادة، بالإضافة إلى عبقرية خالد -رضي الله عنه- العسكرية)[2]، هو الذي مكنهم من هذا النصر، وقبل ذلك وبعده توفيق الله تعالى لهم، وفضله عليهم ونصره لهم، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [3] .
2- ازدياد الإسلام عزة وقوة ومنعة، واحترام وهيبة القبائل العربية للمسلمين:
فصمود جيش تعداده ثلاثة آلاف مسلم، في وجه جيش تعداده مائتا ألف ومن أعتى الجيوش في ذلك الوقت، ثم خسارته لأعداد قليلة من أفراده، ثم انسحابه بشكل منظم وبأقل عدد من الخسائر، بعد إيقاع نوع من الهزيمة بالأعداء، كل ذلك بلا شك أكسب المسلمين هيبةً وعزًّا، وأذل كبرياء الكفار أمام صمودهم، وأشعرهم بقوة المسلمين، وقد كان هذا اللقاء بينهم توطئة وتمهيدًا لفتح بلاد الروم، ودخولها في حوزة الإسلام.
أما القبائل العربية، فقد كان لهذه المعركة أثر كبير في نفوس أفرادها، الذين كانوا يرون في الروم عدوًّا لا يُقهر، وكانوا يَدينون لهم بالخضوع، وبعد رؤيتهم لجيش المسلمين وهو يجابه جيش الروم، ويفتح الله عليهم، ويبدد أسطورة الجيش الذي لا يقهر، أخذوا ينضمون تحت لواء المسلمين، فنرى الجيش الإسلامي يخرج في شهر رمضان في السنة ذاتها، ويتوجه إلى مكة، بعدد يزيد على العشرة آلاف مسلم، ويضم تحت لوائه العديد من القبائل العربية كمزينة وسليم وغيرها.
3-اكتساب المسلمين خبرات قتالية جديدة:
هذه المعركة هي أول منازلة بين المسلمين والجيش الرومي مع القبائل المتنصرة العربية، وبهذه الأعداد الضخمة، والروم أصحاب خبرة قتالية، وتاريخ طويل في المعارك، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾ [4].
ومما لا ريب فيه أن المسلمين أفادوا دروسًا عظيمةً في لقائهم الأول مع الروم في مستقبل حركاتهم الجهادية معهم؛ حيث تعرفوا على قوتهم وعددهم وأساليب قتالهم، وخططهم وطبيعة أرضهم التي يقاتلون عليها[5]، وكان ذلك تدريبًا للمسلمين على حرب الروم، وتعريفًا لهم - أي: المسلمين - بخصائصهم القتالية، وقدراتهم وطاقاتهم، وخصائص أعدائهم كذلك.
وكان في لقاء الجيش المسلم مع الروم دعم قوي له في معاركه معهم في الفتوحات الإسلامية فيما بعد؛ لأنه تجاوز بالمسلمين مرحلة الخوف من العدو القوي المجهول.
4- تفرُّغ المسلمين للقبائل العربية المعادية في جزيرة العرب:
نجح الجيش الإسلامي في إيقاف الروم جزئيًّا عند حدهم بعد المعركة، فأمن المسلمون بذلك الحدود الشمالية، وانصرفوا لتأديب القبائل العربية التي كانت تهيئ نفسها للانقضاض على المدينة في غفلة من المسلمين، فجهز النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة سرايا لذلك؛ منها: سرية عمرو بن العاص -رضي الله عنه- إلى ذات السَّلاسِل[6]، التي أرسلها لما بلغه أن جمعًا من قضاعة تجمعوا يريدون الدُّنوَّ من أطراف المدينة، فحمل عليهم المسلمون، فهربوا في البلاد وتفرقوا[7].
ومنها سرية أبي عبيدة بن الجراح[8] -رضي الله عنه- إلى جهينة وذلك في رجب سنة ثمان[9]، وسرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري[10] -رضي الله عنه- إلى غطفان[11].
وغيرها من السرايا التي أدخلت الهيبة في قلوب من تحدثهم أنفسهم بشن الغارات على المدينة، وكان لذلك أثر عظيم لما أراد الله تعالى فتح مكة شرفها الله؛ إذ كانت قوة المسلمين موفورة، وقد أمنوا من حولهم من القبائل، وتفرغوا لتطهير بيت الله الحرام من الأوثان.
5- إثبات عالمية الرسالة:
فمعركة مؤتة تعتبر إستراتيجية حربية تهدف إلى إحداث نقلة بعيدة في سير الدعوة الإسلامية، وذلك بالخروج بها إلى خارج الجزيرة العربية؛ إيذانًا بعالميتها، وعدم اختصاصها بالعرب، وإلغاءً لفكرة العنصرية من الدين الإسلامي، فرسالة الإسلام عامة للناس جميعهم - عربًا، وعجمًا - وهذا الأثر في أصله هدف من أهداف الدعوة الإسلامية.
6- انتصار العقيدة في نفوس المسلمين، وازدياد الإيمان في قلوبهم:
إن صمود الجيش الإسلامي، واستبسال المسلمين في جهادهم ضد جيش يزيد عليهم أكثر من ستين ضعفًا، ويتفوق عليهم من الناحية العسكرية - ناحية الإعداد والتسليح - يثبت أن قلوب الصحابة حوت عقيدة سليمة قوية، رسخت في نفوسهم، وحرَّكتهم لخوض المعركة ضد الرومان، وقد كانوا يستميتون في القتال دفاعًا عن هذه العقيدة.
وعلى الرغم من أهمية الإعداد المادي - من رجال وخيل وسلاح لخوض المعارك؛ كما حثّ القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [12] - فإنه قد أثبت المسلمون في هذه الغزوة أن القوة المادية ليست هي كل شيء في كسب النصر، أو الحيلولة دون التعرض للهزيمة الساحقة، إنما الشرط الأساسي للثبات والنصر هو توفر العقيدة السليمة الصادقة في قلب المسلم[13]، التي تؤتي ثمارها، فتدفعه لطلب الشهادة في سبيل الله؛ لأنه قد باع رُوحه لله؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ [14]، فالمؤمن الحق لا يخشى قوات العدو الضاربة، فما انتصر المسلمون أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي أيام الفتح الإسلامي العظيم في زمن الخلفاء الراشدين بعُدة أو عدد، بل كان انتصارهم بالإسلام وبعقيدة لا إله إلا الله، محمد رسول الله[15].
7- تفاني المسلمين في نصرة دينهم، وبذلهم أرواحهم رخيصة لإعلاء كلمة الله:
ظهرت البطولات الخارقة من المسلمين في هذه المعركة، وقد وضعوا نُصب أعينهم هدفًا عظيمًا بذلوا فيه مُهَجهم، واسترخصوا له أرواحهم، وهو إعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وسيطر عليهم حب الشهادة والرغبة في الجنة.
وقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين في المدينة بمكانة الشهداء في هذه الغزوة وقال: ((ما يسرُّنا أنهم عندنا - أو قال - ما يسرُّهم أنهم عندنا))[16]؛ وذلك لما لهم من الأجر والكرامة عند الله تعالى.
كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة أن الله تعالى أثاب جعفرًا -رضي الله عنه- بقطع يديه في المعركة جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء[17]، (وكان ابن عمر -رضي الله عنه- ما إذا حيَّا ابن جعفر -رضي الله عنه- ما قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين)[18].
وفكرة الشهادة والفوز برضوان الله، من أقوى الدوافع لمواجهة الأعداء والموت في سبيل الله؛ لأن ما عند الله خير وأبقى، وقد بين عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه- ذلك للمسلمين، حين لمس ترددهم في منازلة الأعداء، فقال: (والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون).
وقد وعى الصحابة هذا الأمر، فسطروا لمن بعدهم صحائف من نور تشع بالتضحية والفداء، ووهبوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم للإسلام، وبذلوا الغالي والرخيص في سبيل هذه الدعوة، فضحوا بالنفس، وجادوا بالمال، وأرخصوا الأهل والولد وكل شيء في سبيل هدف واحد وغاية واحدة، هي جعل كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وقد كان لجهادهم وتضحياتهم أكبر الآثار في إنجاح حركة الدعوة الإسلامية، وثباتها وحمايتها، وسرعة انتشارها[19].
هذه بعض الأحداث التي كانت تجري في مكة والمدينة قبل الفتح، والتي كان لها أثر واضح في تهيئة نفوس المسلمين للفتح، وكان تأثيرها يسير في اتجاهين متباينين:
الاتجاه الأول: مع فريق المشركين، قريش ومن شايعها وناصرها ضد المسلمين، فإن موقفهم العدواني من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن المسلمين، وصدهم عن سبيل الله، وملاحقتهم للمسلمين، وإشعال الحرب معهم، كان كفيلاً لأن يعتبرهم المسلمون أعداءً مدى الحياة، أو يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، فلا ولاء ولا محبة مع أعداء الله، وإنما هو التزام صادق بمعاهدة الحديبية، ولا شك أن قريشًا كانت تشعر بأن الخناق حولها يضيق تدريجيًّا، ومع كل انتصار وتقدم يحرزه المسلمون، وقد ضعضعها ذلك، وأرجعها عن موقف القوة، ومن ذلك إسلام يعض كبرائها، وانضمامهم لفريق المسلمين، وخسارتهم لحلفائهم السابقين (اليهود)، وملاحظتها أن قوة المسلمين تزداد وتعظُم.
الاتجاه الثاني: وهو ما يتعلق بالمسلمين، فقد علمت قريش أن قوة المسلمين في تطور وتنامٍ، وأنهم - أي المسلمين- لم يعودوا خَصمًا يستهان به، خاصة بعد تأكيد وتعزيز كِيانهم، باعتراف قريش بهم اعتراف الند للند، وتفرغهم لنشر الدعوة الإسلامية، حتى اخترقت صفوفهم، وبعد القضاء على الغدر اليهودي، وإنهاء وجوده في جزيرة العرب، اتجاههم بالدعوة إلى خارج الجزيرة العربية؛ سواء عن طريق الرسل، أو عن طريق الاحتكاك المباشر مع الروم ونصارى العرب، وإيقافهم عند حدهم.
إن ما سبق الفتح من أحداث، كان له أطيب الأثر في نفوس المؤمنين، فقد أخرج قادة ودعاة مؤهلين لحمل الدعوة ونشرها بين الناس، وبذل النفس والنفيس من أجل ذلك، حتى لو اضطرهم الأمر إلى تجديد الصدام مع قريش ومهاجمتها في عقر دارها، ولكن هناك صلح ومدة معقودة بينهم وبين القوم، وهم ينتظرون ما تؤول إليه الأحداث، وهم على أتم الاستعداد للمسير إلى مكة، لإزالة هذه العقبة الكؤود.