حكاية ناي ♔
02-12-2024, 12:09 PM
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يَهْدِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، الحمد لله الذي وصَّانا بطاعته وتقواه؛ فقال في كتابه الكريم ودستوره الحكيم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، هو العليم الخبير، السميع البصير، يعلم السر وأخفى، عالم بما كان، وما سيكون، وما هو كائن، السر عنده علانية، فلا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ القائل جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خَلْقِه وخليله، البشير النذير، السراج المنير، الداعي إلى الصراط المستقيم، تَرَكَنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ القائل صلى الله عليه وسلم: اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السيئة الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن))؛ [رواه الترمذي وقال: حديث حسن]؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فنقف معكم خلال هذه الجمعة حول موضوع التقوى، وما أدراك ما التقوى؟ التقوى كما يُعرِّفها الإمام عليٌّ رضي الله عنه: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
وكما يقول بعض العلماء: "هي أن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك"، روى البخاري عن مرة عن عبدالله في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حقُّ تُقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر)).
التقوى أن تحفظ الله في كل أقوالك، وأفعالك، وحركاتك، وسكناتك، وحدَك أو بين الناس، رآك الناس أم لم يَرَوك، عرَفوك أم لم يعرفوك؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتْبِعِ السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناس بخلق حسن)).
وكل هذه التعريفات تدل على أن التقوى تعني أن يكون المسلم مؤمنًا بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قائمًا بأمر الله، مجتنبًا نواهيه، حافظًا لحدوده، ملتزمًا بشرعه، محافظًا على صلاته، مؤدِّيًا زكاته، صابرًا محتسبًا، مجاهدًا مرابطًا، ذاكرًا لله، منيبًا إليه، متوكلًا عليه، محتكمًا إليه، خائفًا من عقابه، راجيًا رحمته وثوابه، بارًّا بوالديه، محسنًا لله بتوحيده وحسن عبادته، محسنًا إلى خلقه، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر؛ مستذكرًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى فرض فرائضَ فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياءَ رحمةً لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها))؛ [حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره].
التقوى أن يمتلئ قلب المؤمن وَرَعًا وخشية لله، وبهذا تكون التقوى كلمة جامعة لكل معاني الخير، والبر؛ كما أكَّد ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، فالإيمان والتقوى إذًا ليس توجُّهًا إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب فقط، ولكنها إيمان بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين، وإحسان إلى خلق الله من ذوي القربى واليتامى، والمساكين وابن السبيل، والسائلين وفي الرقاب، وهي كذلك صلاة وزكاة ووفاء بالعهود والعقود، وهي صبر في البأساء والضراء وحين البأس، حين تتطاير الرؤوس، وتتمزق الأجساد إلى أشلاء؛ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
هذه هي التقوى وهذه صفات المتقين.
أن يكون الله في قلب المؤمن ومشاعره وأحاسيسه يحكم كل أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، ومعاملاته وتصرفاته، مستشعرًا قدرةَ الله وعظمته، قد تعلَّق قلبه بربه؛ كما يبين الله في كتابه الكريم حال المؤمن المتقي: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
التقوى أن يظل قلبك موصولًا بالله، متذكِّرًا الآخرة، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، فيعيش المؤمن المتقي بجسده في الدنيا، لكن قلبه في الآخرة، وإن كان يملك الأموال والعقارات والشركات، وإن كان يتبوأ أعلى المناصب وأرفع الرُّتَب.
والصحابة الأبرار فهِموا التقوى بهذا المعنى، فعاشوا لله وبالله، فكانوا في الدنيا بأجسادهم، بينما أرواحهم تُحلِّق في الآخرة؛ روى الحافظ الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري، أنه مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ((كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، قال: انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزَفَتْ نفسي عن الدنيا، فأسهَرْتُ ليلي وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغَون فيها، فقال: يا حارث، عرَفتَ فالزَمْ؛ ثلاثًا)).
هكذا فهِم الصحابة التقوى، فقربتهم من الصالحات، وأبعدتهم عن الذنوب والموبقات، واعلموا - أيها المؤمنون - أن أهمية التقوى كبيرة؛ فهي الأساس الذي يبني عليه المؤمن إيمانه وأعماله، فكل عمل لا يقوم على تقوى الله، والإخلاص له، فهو هباء؛ كما قال الله في كتابه: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 109].
ومن أهمية التقوى - أيها المؤمنون - أنها زاد أرواح المؤمنين، وقوت قلوبهم، فإذا كانت أنواع المأكولات وأصنافها هي زاد الأجساد، فالتقوى هي زاد أرواح المؤمنين؛ كما قال الله في كتابه الكريم: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
تزوَّد من الدنيا فإنك لا تدري
إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفَجْرِ
ومن أهمية التقوى أنها لباس المؤمنين، تستر عوراتهم المعنوية، كما تستر أنواع الألبسة أجسادهم المادية؛ فالتقوى هي زينة المؤمنين ولباسهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26].
إذا المرء لم يلبَسْ ثيابًا من التُّقى
تقلَّب عريانًا وإن كان كاسيا
ومن أهمية التقوى أنها وصية الله سبحانه وتعالى، ووصية محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أكَّد الله سبحانه لنا في كتابه الكريم أن التقوى وصيته لنا وللأمم السابقة من قبلنا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
اعلموا - أيها الإخوة المؤمنون - أن الله عز وجل قد ربط بين التقوى والجهاد في كتابه الكريم، فبيَّن أن أسباب الفلاح ثلاثة؛ جمعها في آية فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35].
فتقوى الله تعالى، والتقرب إليه بالخيرات والطاعات، والجهاد في سبيله هي أعظم ما يقرب العبد من االله تعالى.
قلت قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وما تحت الثرى، لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، يعلم السر وأخفى؛ أما بعد أيها المؤمنون:
اعلموا أن للتقوى ثمارًا عديدة، وفوائدَ عظيمة دينية ونيوية، حسية ومعنوية.
وأولى هذه الثمار أن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ عباده المتقين أن يجعل لهم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فَرَجًا، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون رزقًا حسنًا، طيبًا مباركًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، والوقائع كثيرة، والشواهد عظيمة في قصص المتقين؛ ومما يُروى في ذلك، أن شابًّا شاميًّا نشأ في دمشق، فقير الحال معدم اليد، وكان وسيمًا قسيمًا ذا بهاء ونضرةً، وكان يكسب رزقه كبائع متجول في حواري دمشق، فأُغرمت به إحدى النساء الفاتنات، ومَلَكَ عليها لُبَّها، واستحكم الشيطان على هوائها، فأخذت تترصد ذلك الفتى، وتتحين الفرصة المناسبة للخلوة به، وإيقاعه في شراكها الشهواني، فلما مرَّ ذات يوم من أمام دارها، نادت عليه متظاهرة بحاجتها إلى غرض من مبيعاته، وأخذت تساومه حتى استدرجته إلى داخل الدار، فأغلقت الباب، وكشفت عن محاسنها، وأبدت مفاتنها، وأخذت تراود ذلك الفتى عن نفسه، ليعمل معها فاحشة الزنا، لكن الفتى كان تقيًّا نقيًّا ورعًا، أبَى أن يلبي رغبتها، واستعصم بالله، وأخذ يذكرها بالله تعالى، وحرمة هذه الفاحشة، وشناعة فاعليها، وعاقبة مرتكبيها عند الله، لكن الشيطان كان قد سيطر على هواها، واستحكم على عقلها، فأخذت ترغِّب الفتى وتتودد إليه، فما زاده إلا استعصامًا بالله فلجأت إلى التهديد والوعيد، مهددة إياه إن لم يفعل ما تأمره، فإنها سوف تصيح به الجيران أنه اقتحم عليها دارها، وأنه يراودها عن نفسها، ففكر ما المخرج، فطلب منها الإذن له بالدخول إلى الحمام، فاهتدى إلى القذارة فلطخ نفسه بها، وخرج إليها، وهي منتظرة له على أحر من الجمر، ليطفئ شهوتها، ويشبع رغبتها، فلما رأته صاحت به، وطردته من الدار طردًا، ومرَّ مسرعًا ورائحة القذارة تفوح، وتزكم الأنفاس، ولما داخل داره، اغتسل وغيَّر ثيابه، فاحت من جسده بعد الاغتسال رائحة المسك، ولم يمس طيبًا ولا عودًا ولا مِسْكًا قط، وظلت رائحة المسك ملازمة له، لا تنفك عنه مدى الحياة التي عاشها بعد تلك الحادثة، وعرف عند الناس بالمسكي لرائحة المسك التي كانت تفوح منه، ووسع الله عليه في رزقه وماله، وبنى مسجدا ومدرسةً بحي الصالحية بدمشق، وما يزال المسجد قائمًا إلى زمننا الحاضر، ويعرف بمسجد المسكي وقبره بجوار المسجد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وثانية فوائد وثمار التقوى النصر على الأعداء، ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، والفضل العظيم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]؛ قال بعض المفسرين: فرقانًا أي نصرًا، فالمتقون معاركهم محسومة، وذنوبهم مغفورة، وسيئاتهم مكفَّرة، وفضل الله عليهم عظيم.
ومن فوائد وثمار التقوى العلم النافع: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
ومن فوائد التقوى الراحة النفسية، والاطمئنان القلبي، فلا خوف على المتقين فيما يستقبلهم من أمر دينهم ودنياهم، ولا حزن يعتريهم على ما فاتهم من حطام الدنيا الفانية، فنفوسهم مطمئنة، وقلوبهم راضية؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64]، ومن فوائد التقوى الفوزُ والفلاح في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]، وقال عز شأنه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
والفوائد كثيرة، لا يَسَعُ المقام ذكرها.
واعلموا - أيها الإخوة المجاهدون - أن الله أعد للمتقين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكم من الآيات الواضحات في كتاب الله تبين جزاء المتقين وما أعده لهم من النعيم المقيم؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 15 - 19]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [النبأ: 31 - 36]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المرسلات: 41 - 44].
والخسارة كل الخسارة - أيها المجاهدون - أن يتظاهر العبد للناس بالصلاح والاستقامة وحسن السمت، ولكنه إذا سنحت له الفرصة نَهَبَ وظَلَمَ، وغَدَرَ وغَشَّ وكذب، وزنى وسرق، وأفسد في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 204، 205].
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لأعلمنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تِهامةَ بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورًا، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جلِّهم لنا؛ ألَّا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]، هؤلاء مؤمنون مثلنا، صلُّوا وصاموا وزكَّوا، وحجُّوا واعتمروا، وجاهدوا ورابطوا، وتصدقوا، وأمروا بالمعروف، ونهَوا عن المنكر، وبرُّوا والديهم، وأحسنوا إلى الناس، لكنهم كانوا إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها، واعلموا - أيها الإخوة المؤمنون - أن من أعظم الخلوات في هذه الأيام خلوة الجوالات؛ حيث لا رقيب إلا الله، فلا يعلم أحد إلا الله بمن تتصل، ولماذا تتصل، وبماذا تتصل، وماذا تشاهد، ولماذا تشاهد، وماذا تسمع، ولمن تسمع، ويعلم الله كم يتابع شبابنا من المواقع الإباحية، والقنوات الجنسية، والأفلام الماجنة، والمقاطع الوقحة، والمسلسلات الهابطة، التي تُعرض فيها المحرَّمات، وتُعرض النساء العاريات، التي يستحي حتى إبليس من مشاهدتها.
ألَا فلْيَتَّقِ الله شبابنا وإخواننا، وليحرصوا على أنفسهم وأهليهم وأبنائهم من الوقوع في ذنوب الخلوات، وظنُّنا بكم - أيها المؤمنون - خيرًا، فأنتم قد نذرتم أنفسكم لله، فلا يليق بمؤمن باع نفسه من الله، أن يكون ممن إذا خلوا بمحارم انتهكوها.
واعلموا - أيها المجاهدون - أنَّ من ذنوب الخلوات أنْ يتظاهر الجندي أمام قائده بالسمع والطاعة، والانضباط والالتزام، فإذا انفرد فرط في واجبه، وتهاون في مهمته، وتساهل في خدمته، وحاشاكم أن تكونوا كذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ويجب على كل واحد منا أن يسأل نفسه: كيف أكون من المتقين؟ كيف أحقق التقوى في حياتي؟
والواجب على واحد منا أنْ يستشعر أنَّ الله معه، يراه ويسمعه، ويعلم سره وعلانيته، وأنه قادر عليم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؛ وأنه كما قال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7].
فلْنَجِدَّ ولنجتهد لتحقيق التقوى في نفوسنا، ولنجعل منها جسرًا نعبر به إلى الله، اللهم اجعلنا من الأخفياء الأتقياء الأنقياء، أصلح سرائرنا وظواهرنا، واجعل أعمالنا خيرًا من أقوالنا.
هذا، وصلوا وسلموا على نبينا محمد الطاهر المطهَّر، الطاهر في الظاهر والْمَخْبَر.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد في الأولين والآخرين، وفي الملأ إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، اللهم احفظ بلدنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ إخواننا المجاهدين في جميع الجبهات والمواقع والمتارس والميادين، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، ومن فوقهم ومن تحتهم، اللهم سدِّد رميهم، وأصِبْ هدفهم، واربط على قلوبهم، وثبت الأرض من تحت أقدامهم، أطعِم جائعهم، واكْسُ عاريَهم، وأمِّن خائفهم، وتقبَّل شهداءهم، وداوِ جرحاهم، واكفل أيتامهم وأراملهم، وفكَّ أسراهم، واكبت عدوهم، اللهم عليك بالحوثيين والانفصاليين، وأعوانهم وأتباعهم وأزلامهم، ومن وقف خلفهم، فرِّق جموعهم، وشتِّت شملهم، اقذف الرعب في قلوبهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، خُذْهم أخذ عزيز مقتدر، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله، إن الله يأمركم بثلاث فأدُّوها، وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، هو العليم الخبير، السميع البصير، يعلم السر وأخفى، عالم بما كان، وما سيكون، وما هو كائن، السر عنده علانية، فلا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ القائل جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه من خَلْقِه وخليله، البشير النذير، السراج المنير، الداعي إلى الصراط المستقيم، تَرَكَنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ القائل صلى الله عليه وسلم: اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِعِ السيئة الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن))؛ [رواه الترمذي وقال: حديث حسن]؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فنقف معكم خلال هذه الجمعة حول موضوع التقوى، وما أدراك ما التقوى؟ التقوى كما يُعرِّفها الإمام عليٌّ رضي الله عنه: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
وكما يقول بعض العلماء: "هي أن يراك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك"، روى البخاري عن مرة عن عبدالله في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حقُّ تُقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر)).
التقوى أن تحفظ الله في كل أقوالك، وأفعالك، وحركاتك، وسكناتك، وحدَك أو بين الناس، رآك الناس أم لم يَرَوك، عرَفوك أم لم يعرفوك؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتْبِعِ السيئة الحسنة تمحُها، وخالقِ الناس بخلق حسن)).
وكل هذه التعريفات تدل على أن التقوى تعني أن يكون المسلم مؤمنًا بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قائمًا بأمر الله، مجتنبًا نواهيه، حافظًا لحدوده، ملتزمًا بشرعه، محافظًا على صلاته، مؤدِّيًا زكاته، صابرًا محتسبًا، مجاهدًا مرابطًا، ذاكرًا لله، منيبًا إليه، متوكلًا عليه، محتكمًا إليه، خائفًا من عقابه، راجيًا رحمته وثوابه، بارًّا بوالديه، محسنًا لله بتوحيده وحسن عبادته، محسنًا إلى خلقه، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر؛ مستذكرًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى فرض فرائضَ فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياءَ رحمةً لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها))؛ [حديث حسن، رواه الدارقطني وغيره].
التقوى أن يمتلئ قلب المؤمن وَرَعًا وخشية لله، وبهذا تكون التقوى كلمة جامعة لكل معاني الخير، والبر؛ كما أكَّد ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، فالإيمان والتقوى إذًا ليس توجُّهًا إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب فقط، ولكنها إيمان بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب والنبيين، وإحسان إلى خلق الله من ذوي القربى واليتامى، والمساكين وابن السبيل، والسائلين وفي الرقاب، وهي كذلك صلاة وزكاة ووفاء بالعهود والعقود، وهي صبر في البأساء والضراء وحين البأس، حين تتطاير الرؤوس، وتتمزق الأجساد إلى أشلاء؛ ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
هذه هي التقوى وهذه صفات المتقين.
أن يكون الله في قلب المؤمن ومشاعره وأحاسيسه يحكم كل أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، ومعاملاته وتصرفاته، مستشعرًا قدرةَ الله وعظمته، قد تعلَّق قلبه بربه؛ كما يبين الله في كتابه الكريم حال المؤمن المتقي: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
التقوى أن يظل قلبك موصولًا بالله، متذكِّرًا الآخرة، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، فيعيش المؤمن المتقي بجسده في الدنيا، لكن قلبه في الآخرة، وإن كان يملك الأموال والعقارات والشركات، وإن كان يتبوأ أعلى المناصب وأرفع الرُّتَب.
والصحابة الأبرار فهِموا التقوى بهذا المعنى، فعاشوا لله وبالله، فكانوا في الدنيا بأجسادهم، بينما أرواحهم تُحلِّق في الآخرة؛ روى الحافظ الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري، أنه مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ((كيف أصبحت يا حارث؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا، قال: انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزَفَتْ نفسي عن الدنيا، فأسهَرْتُ ليلي وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغَون فيها، فقال: يا حارث، عرَفتَ فالزَمْ؛ ثلاثًا)).
هكذا فهِم الصحابة التقوى، فقربتهم من الصالحات، وأبعدتهم عن الذنوب والموبقات، واعلموا - أيها المؤمنون - أن أهمية التقوى كبيرة؛ فهي الأساس الذي يبني عليه المؤمن إيمانه وأعماله، فكل عمل لا يقوم على تقوى الله، والإخلاص له، فهو هباء؛ كما قال الله في كتابه: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 109].
ومن أهمية التقوى - أيها المؤمنون - أنها زاد أرواح المؤمنين، وقوت قلوبهم، فإذا كانت أنواع المأكولات وأصنافها هي زاد الأجساد، فالتقوى هي زاد أرواح المؤمنين؛ كما قال الله في كتابه الكريم: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
تزوَّد من الدنيا فإنك لا تدري
إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفَجْرِ
ومن أهمية التقوى أنها لباس المؤمنين، تستر عوراتهم المعنوية، كما تستر أنواع الألبسة أجسادهم المادية؛ فالتقوى هي زينة المؤمنين ولباسهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26].
إذا المرء لم يلبَسْ ثيابًا من التُّقى
تقلَّب عريانًا وإن كان كاسيا
ومن أهمية التقوى أنها وصية الله سبحانه وتعالى، ووصية محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أكَّد الله سبحانه لنا في كتابه الكريم أن التقوى وصيته لنا وللأمم السابقة من قبلنا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
اعلموا - أيها الإخوة المؤمنون - أن الله عز وجل قد ربط بين التقوى والجهاد في كتابه الكريم، فبيَّن أن أسباب الفلاح ثلاثة؛ جمعها في آية فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35].
فتقوى الله تعالى، والتقرب إليه بالخيرات والطاعات، والجهاد في سبيله هي أعظم ما يقرب العبد من االله تعالى.
قلت قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وما تحت الثرى، لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، يعلم السر وأخفى؛ أما بعد أيها المؤمنون:
اعلموا أن للتقوى ثمارًا عديدة، وفوائدَ عظيمة دينية ونيوية، حسية ومعنوية.
وأولى هذه الثمار أن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ عباده المتقين أن يجعل لهم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فَرَجًا، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون رزقًا حسنًا، طيبًا مباركًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]، والوقائع كثيرة، والشواهد عظيمة في قصص المتقين؛ ومما يُروى في ذلك، أن شابًّا شاميًّا نشأ في دمشق، فقير الحال معدم اليد، وكان وسيمًا قسيمًا ذا بهاء ونضرةً، وكان يكسب رزقه كبائع متجول في حواري دمشق، فأُغرمت به إحدى النساء الفاتنات، ومَلَكَ عليها لُبَّها، واستحكم الشيطان على هوائها، فأخذت تترصد ذلك الفتى، وتتحين الفرصة المناسبة للخلوة به، وإيقاعه في شراكها الشهواني، فلما مرَّ ذات يوم من أمام دارها، نادت عليه متظاهرة بحاجتها إلى غرض من مبيعاته، وأخذت تساومه حتى استدرجته إلى داخل الدار، فأغلقت الباب، وكشفت عن محاسنها، وأبدت مفاتنها، وأخذت تراود ذلك الفتى عن نفسه، ليعمل معها فاحشة الزنا، لكن الفتى كان تقيًّا نقيًّا ورعًا، أبَى أن يلبي رغبتها، واستعصم بالله، وأخذ يذكرها بالله تعالى، وحرمة هذه الفاحشة، وشناعة فاعليها، وعاقبة مرتكبيها عند الله، لكن الشيطان كان قد سيطر على هواها، واستحكم على عقلها، فأخذت ترغِّب الفتى وتتودد إليه، فما زاده إلا استعصامًا بالله فلجأت إلى التهديد والوعيد، مهددة إياه إن لم يفعل ما تأمره، فإنها سوف تصيح به الجيران أنه اقتحم عليها دارها، وأنه يراودها عن نفسها، ففكر ما المخرج، فطلب منها الإذن له بالدخول إلى الحمام، فاهتدى إلى القذارة فلطخ نفسه بها، وخرج إليها، وهي منتظرة له على أحر من الجمر، ليطفئ شهوتها، ويشبع رغبتها، فلما رأته صاحت به، وطردته من الدار طردًا، ومرَّ مسرعًا ورائحة القذارة تفوح، وتزكم الأنفاس، ولما داخل داره، اغتسل وغيَّر ثيابه، فاحت من جسده بعد الاغتسال رائحة المسك، ولم يمس طيبًا ولا عودًا ولا مِسْكًا قط، وظلت رائحة المسك ملازمة له، لا تنفك عنه مدى الحياة التي عاشها بعد تلك الحادثة، وعرف عند الناس بالمسكي لرائحة المسك التي كانت تفوح منه، ووسع الله عليه في رزقه وماله، وبنى مسجدا ومدرسةً بحي الصالحية بدمشق، وما يزال المسجد قائمًا إلى زمننا الحاضر، ويعرف بمسجد المسكي وقبره بجوار المسجد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وثانية فوائد وثمار التقوى النصر على الأعداء، ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، والفضل العظيم؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]؛ قال بعض المفسرين: فرقانًا أي نصرًا، فالمتقون معاركهم محسومة، وذنوبهم مغفورة، وسيئاتهم مكفَّرة، وفضل الله عليهم عظيم.
ومن فوائد وثمار التقوى العلم النافع: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].
ومن فوائد التقوى الراحة النفسية، والاطمئنان القلبي، فلا خوف على المتقين فيما يستقبلهم من أمر دينهم ودنياهم، ولا حزن يعتريهم على ما فاتهم من حطام الدنيا الفانية، فنفوسهم مطمئنة، وقلوبهم راضية؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64]، ومن فوائد التقوى الفوزُ والفلاح في الدنيا والآخرة؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]، وقال عز شأنه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
والفوائد كثيرة، لا يَسَعُ المقام ذكرها.
واعلموا - أيها الإخوة المجاهدون - أن الله أعد للمتقين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكم من الآيات الواضحات في كتاب الله تبين جزاء المتقين وما أعده لهم من النعيم المقيم؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 15 - 19]، وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [النبأ: 31 - 36]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المرسلات: 41 - 44].
والخسارة كل الخسارة - أيها المجاهدون - أن يتظاهر العبد للناس بالصلاح والاستقامة وحسن السمت، ولكنه إذا سنحت له الفرصة نَهَبَ وظَلَمَ، وغَدَرَ وغَشَّ وكذب، وزنى وسرق، وأفسد في الأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 204، 205].
عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لأعلمنَّ أقوامًا من أُمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تِهامةَ بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورًا، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جلِّهم لنا؛ ألَّا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]، هؤلاء مؤمنون مثلنا، صلُّوا وصاموا وزكَّوا، وحجُّوا واعتمروا، وجاهدوا ورابطوا، وتصدقوا، وأمروا بالمعروف، ونهَوا عن المنكر، وبرُّوا والديهم، وأحسنوا إلى الناس، لكنهم كانوا إذا خَلَوا بمحارم الله انتهكوها، واعلموا - أيها الإخوة المؤمنون - أن من أعظم الخلوات في هذه الأيام خلوة الجوالات؛ حيث لا رقيب إلا الله، فلا يعلم أحد إلا الله بمن تتصل، ولماذا تتصل، وبماذا تتصل، وماذا تشاهد، ولماذا تشاهد، وماذا تسمع، ولمن تسمع، ويعلم الله كم يتابع شبابنا من المواقع الإباحية، والقنوات الجنسية، والأفلام الماجنة، والمقاطع الوقحة، والمسلسلات الهابطة، التي تُعرض فيها المحرَّمات، وتُعرض النساء العاريات، التي يستحي حتى إبليس من مشاهدتها.
ألَا فلْيَتَّقِ الله شبابنا وإخواننا، وليحرصوا على أنفسهم وأهليهم وأبنائهم من الوقوع في ذنوب الخلوات، وظنُّنا بكم - أيها المؤمنون - خيرًا، فأنتم قد نذرتم أنفسكم لله، فلا يليق بمؤمن باع نفسه من الله، أن يكون ممن إذا خلوا بمحارم انتهكوها.
واعلموا - أيها المجاهدون - أنَّ من ذنوب الخلوات أنْ يتظاهر الجندي أمام قائده بالسمع والطاعة، والانضباط والالتزام، فإذا انفرد فرط في واجبه، وتهاون في مهمته، وتساهل في خدمته، وحاشاكم أن تكونوا كذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ويجب على كل واحد منا أن يسأل نفسه: كيف أكون من المتقين؟ كيف أحقق التقوى في حياتي؟
والواجب على واحد منا أنْ يستشعر أنَّ الله معه، يراه ويسمعه، ويعلم سره وعلانيته، وأنه قادر عليم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؛ وأنه كما قال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7].
فلْنَجِدَّ ولنجتهد لتحقيق التقوى في نفوسنا، ولنجعل منها جسرًا نعبر به إلى الله، اللهم اجعلنا من الأخفياء الأتقياء الأنقياء، أصلح سرائرنا وظواهرنا، واجعل أعمالنا خيرًا من أقوالنا.
هذا، وصلوا وسلموا على نبينا محمد الطاهر المطهَّر، الطاهر في الظاهر والْمَخْبَر.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد في الأولين والآخرين، وفي الملأ إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، اللهم احفظ بلدنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ إخواننا المجاهدين في جميع الجبهات والمواقع والمتارس والميادين، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، ومن فوقهم ومن تحتهم، اللهم سدِّد رميهم، وأصِبْ هدفهم، واربط على قلوبهم، وثبت الأرض من تحت أقدامهم، أطعِم جائعهم، واكْسُ عاريَهم، وأمِّن خائفهم، وتقبَّل شهداءهم، وداوِ جرحاهم، واكفل أيتامهم وأراملهم، وفكَّ أسراهم، واكبت عدوهم، اللهم عليك بالحوثيين والانفصاليين، وأعوانهم وأتباعهم وأزلامهم، ومن وقف خلفهم، فرِّق جموعهم، وشتِّت شملهم، اقذف الرعب في قلوبهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، خُذْهم أخذ عزيز مقتدر، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله، إن الله يأمركم بثلاث فأدُّوها، وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].