حكاية ناي ♔
02-15-2024, 10:59 AM
بدأت حاويات الشحن خلال فصل الربيع الماضي بالظهور على مقربة من محطات الكهرباء الفرعية المتصلة بسد النهضة العظيم في إثيوبيا الذي بني مؤخرا، والذي يعد أكبر سد في قارة إفريقيا. كانت الحاويات تحمل بداخلها مجموعات من الحواسيب القوية الشرهة لاستهلاك الطاقة.
ووفقا لـ "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"، كان ذلك علامة واضحة تدل على أن شركات تعدين "بيتكوين" الصينية، التي تنقلت من بلد لآخر بحثا عن كهرباء رخيصة ولوائح ميسرة منذ أن طردتها بكين قبل سنتين، باتت حاضرة بمنطقة القرن الإفريقي.
بعد أن تقاذفتها الظروف السياسية والاقتصادية غير المواتية، انجذبت لواحدة من أقل البلدان من حيث تكاليف الكهرباء حول العالم، علاوة على حكومة داعمة لها بطريقة متزايدة. عززت إثيوبيا العلاقات مع الصين على مدى العقد الماضي، التي سمحت بتعدين "بيتكوين" بداية من 2022 رغم أنها مستمرة في حظر تداول العملات المشفرة، وأسهمت شركات صينية عديدة في تشييد سد تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار حيث تخطط شركات التعدين للحصول على الكهرباء منه.
برزت إثيوبيا بوصفها فرصة نادرة لجميع الشركات التي تقوم بتعدين العملة المشفرة الأصلية، إذ أسفرت التغيرات المناخية وندرة الطاقة عن ردود أفعال سلبية ضد قطاع قيمته 16 مليار دولار سنويا (بالسعر الحالي لـ"بيتكوين"). لكنها تحظى بجاذبية خاصة للشركات الصينية، التي كانت بالسابق تهيمن على أعمال تعدين "بيتكوين" لكنها واجهت صعوبات جراء التنافس مع منافسين محليين في ولاية تكساس الأمريكية، المركز الحالي للنشاط.
مقامرة خطرة
تعد هذه أيضا مقامرة خطرة بالنسبة إلى الشركات ولإثيوبيا على حد سواء. تبنت سلسلة من البلدان النامية على غرار كازاخستان وإيران في البداية تعدين "بيتكوين"، لكنها انقلبت ضد القطاع عندما هدد استخدامه للطاقة بتأجيج حالة من السخط المحلي. انتهت حقبة الصين باعتبارها مركزا لتعدين "بيتكوين" بطريقة مفاجئة خلال 2021 بعدما حظرته الحكومة. اضطرت عشرات الشركات إلى مغادرة البلاد.
قال جاران ميليرود، الرئيس التنفيذي لشركة "هاش لابس ماينينغ" (Hashlabs Mining): "أولا، من الممكن أن تنفد الكهرباء المتوافرة في الدول، ما لا يدع مجالا لتوسع نشاط شركات التعدين. ثانيا، تستطيع الحكومة اعتبارها شركات غير مرغوب فيها فجأة وتدفعها إلى الرحيل عن البلاد".
يساور القلق المسؤولين الإثيوبيين جراء الجدل الذي يصاحب نشاط تعدين "بيتكوين"، بحسب مسؤولين تنفيذيين في القطاع تحدثوا بشرط عدم الإفصاح عن هوياتهم لتجنب تعريض العلاقات مع الحكومة للخطر. رغم دخول السعة الجديدة من توليد الكهرباء الخدمة، يعيش تقريبا نصف السكان دون كهرباء، ما يجعل التعدين موضوعا حساسا. في الوقت نفسه، يشكل مصدرا مربحا محتملا لإيرادات العملات الأجنبية.
معدات التعدين
ارتقت إثيوبيا فعلا لتكون واحدة من أكبر البلدان المستقبلة لمعدات تعدين "بيتكوين" حول العالم، بحسب تقدير شركة تزويد خدمات التعدين "لوكسر تكنولوجي" (Luxor Technology). ذكر إيثان فيرا، رئيس العمليات التشغيلية، أنها بلغت هذه المنزلة رغم أن إبرام أولى صفقات شركة "لوكسر" الكبيرة لشحن المعدات إلى هناك كان في سبتمبر الماضي.
أشارت الشركة الحكومية المحتكرة للكهرباء إلى أنها عقدت صفقات إمداد بالكهرباء مع 21 من شركات تعدين "بيتكوين"، وجميعها صينية عدا اثنتين منها.
أوضح نو شو، مؤسس رابطة التعدين الرقمي الصينية، التي تنظم المعارض وتسهل تجارة آلات التعدين: "ستصبح إثيوبيا واحدة من أشهر الوجهات لشركات التعدين الصينية". يرتب "شو" لرحلة إلى إثيوبيا تضم مجموعة من مديري شركات التعدين الصينيين للقيام بجولة في مواقع العمل المحتملة.
استعداد شركات تعدين "بيتكوين" لشحن معدات بعشرات الملايين من الدولارات إلى دولة خرجت من حرب أهلية اندلعت في شمال البلاد قبل سنتين فقط، يشير إلى البيئة السياسية والاقتصادية الصعبة التي توجد بها.
ميزة تنافسية
تقوم الشركات بدور جوهري في الحفاظ على شبكة "بيتكوين" من خلال استخدام حواسيب عالية الأداء -أي (rigs) بلغة القطاع- لحل الألغاز الرياضية وإثبات صحة المعاملة المشفرة على "بلوكتشين"، ويحصلون في المقابل على مكافآت في صورة "بيتكوين" تصرفها الشبكة.
هذا النشاط المتقلب، تتبع فيه الإيرادات اتجاه أسعار العملات المشفرة صعودا وهبوطا، فتدهور وضع (Miner Core Scientific Inc) لدرجة الإفلاس في ديسمبر 2022 مع انهيار أسواق العملات المشفرة، وبعد 13 شهرا حصلت على موافقة المحكمة بالخروج من وضع الحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 عندما قفز سعر "بيتكوين بنحو 150 %.
تستخدم الحفارات كميات هائلة من الطاقة، لذا تمثل إمكانية الحصول على كهرباء بتكلفة منخفضة ميزة تنافسية محورية. استهلك تعدين "بيتكوين" 121 تيراواط- ساعة من الكهرباء خلال 2023، ما يعادل استهلاك الأرجنتين، وفق تقديرات مركز كامبريدج للتمويل البديل. وقد تستأثر الكهرباء بنحو 80 % من التكاليف التشغيلية لشركات التعدين، بحسب "ميليرود".
انخفاض تكلفة الكهرباء هو ما يحدد الدولة التي تضع فيها شركات التعدين معداتها خلال الأعوام الماضية، بداية من الصين، ثم مناطق مثل إيران، وكازاخستان، وروسيا، وشمال السويد، وتكساس في الآونة الأخيرة، فالعامل المشترك بين كل تلك الأماكن هو الانخفاض النسبي لأسعار الطاقة.
يمثل الاعتماد على الطاقة الوفيرة أيضا نقطة ضعف رئيسية، إذ قد يدفع شركات التعدين إلى التنافس مع المصانع والمنازل للحصول على الكهرباء، ما يعرضهم لرد فعل سياسي عنيف.
قال المؤسس المشارك في "هاش لابس"، ألين ماخميتوف: "عندما فرضت كازاخستان قيودا وضرائب جديدة على شركات التعدين، دمر ذلك القطاع". وبعد عامين من الإجراءات الصارمة، لا تزال منشأته بقدرة 10 ميغاواط متوقفة عن العمل.
في عصر ينشر فيه ارتفاع درجات الحرارة الدمار في أنحاء العالم، ينظر إلى تعدين "بيتكوين" بشكل متزايد على أنه أحد العوامل المسهمة في الاحترار العالمي التي لا تحقق أي هدف إنتاجي، رغم ادعاء بعض شركات التعدين تزايد استخدامها للطاقة النظيفة. وقدرت دراسة أجرتها جامعة الأمم المتحدة (United Nations University)، نشرت في أكتوبر، أن الوقود الأحفوري استخدم في توليد ثلثي الكهرباء المستخدمة في تعدين "بيتكوين" خلال عامي 2020 و2021.
مصدر للعملة الأجنبية
السبب الرئيس لترخيص الحكومة الإثيوبية لتعدين "بيتكوين" هو أن الشركات تدفع تكلفة الكهرباء التي تستهلكها بالعملة الأجنبية، وفق ما قاله يوداهي إيه زيميكائيل نائب مدير (Information Network Security Administration) الإثيوبية، ردا على أسئلة "بلومبرغ"، غير أنه استخدم في رد كتابي مصطلحات مثل "الحواسيب عالية الأداء" و"تعدين البيانات"، بدلا من "تعدين بيتكوين".
نيمو سمريت، الرئيس التنفيذي لشركة التعدين المحلية (QRB Labs) الذي ساعد في الضغط على المسؤولين لترخيص تعدين "بيتكوين"، قال إن "إثيوبيا تفرض تنظيما صارما. وطرح قطاع جديد كهذا مثل تحديا كبيرا، وسعينا خلال العامين الماضيين إلى الحصول على كل التراخيص اللازمة من الحكومة".
قال يوداهي إن الحكومة أقرت توجيها إرشاديا لتنظيم المنتجات المشفرة، بما يتضمن التعدين، وأن إصدار التراخيص يجري بشكل تجريبي، ولا يزال في مرحلة مبكرة. إلا أنه رفض توضيح عدد التراخيص التي صدرت حتى الآن.
أشار سمريت إلى استمرار حالة عدم اليقين بين شركات التعدين إزاء كيفية رقابة السلطات عليها في المدى الطويل، ورفض يوداهي أن يوضح ما إذا كانت تمت مشاركة التوجيه الإرشادي مع المتعاملين في القطاع أم لا.
مع ذلك، فبالنسبة إلى شركات تعدين "بيتكوين"- الصينية بالأخص- تمثل إثيوبيا مزيجا فريدا يجمع بين الميزات الاقتصادية والسياسية. بل أشار بعض التنفيذيين إليها على أنها مرشحة لمنافسة تكساس، التي تمثل نحو ربع القدرة العالمية لتعدين "بيتكوين".
أحوال مناخية مثالية
قد تنافس قدرة الدولة الإفريقية على توفير الكهرباء لتعدين "بيتكوين" مثيلتها في تكساس خلال أعوام قليلة، بحسب تنفيذي كبير في (Bitmain)، الشركة التي يقع مقرها في بكين والمورد الأكبر للحفارات. فتشغيل مشروع سد النهضة زاد القدرة التوليدية المركبة إلى 5.3 غيغاواط، يأتي 92 % منها من الطاقة المائية، وهي أحد مصادر الطاقة المتجددة.
ستتضاعف القدرة التوليدية لإثيوبيا عند اكتمال السد، وفق شركة الكهرباء الإثيوبية (Ethiopian Electric Power). وقال هيووت إيشيتو مدير قطاع التسويق وتطوير الأعمال، في حوار إن الشركة تتقاضى من شركات تعدين "بيتكوين" سعرا ثابتا قدره 3.14 سنتات أمريكية للكيلوواط- ساعة مقابل الكهرباء الموصلة من المحطات الفرعية.
قال "فيرا" إنه بينما يناهز ذلك المتوسط في تكساس، إلا أن الأسعار في الولاية الملقبة بـ"النجمة الوحيدة" قد تتقلب بشدة، ما يقلص توقعات العوائد.
أضاف هيووت أنه في إثيوبيا، سينخفض السعر فور ربط شركات التعدين بمحطات الطاقة مباشرة، وأن شركة الكهرباء الإثيوبية علقت توقيع عقود جديدة للتأكد من إحكام السيطرة على العملية وحسن إدارتها.
بدأت (BWP)، التي تستضيف المعدات التي تشغلها شركات التعدين القادمة من الصين ودول أخرى، شحن المعدات إلى إثيوبيا في مطلع العام الماضي. وفي ديسمبر، أعلنت الشركة على منصة "إكس" افتتاحها مركز بيانات بقدرة 120 ميغاواط لمعدات التعدين- وهو حجم كبير حتى بمعايير تكساس- في العاصمة أديس أبابا.
وقال الرئيس التنفيذي فيتالي بورشينكو إن الميزات التي تتمتع بها إثيوبيا لا تقتصر على الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة فحسب.
وأضاف مشيرا إلى التوصيات الصادرة عن "بت ماين"، صانعة الحفارات، إلى أن درجة الحرارة المثالية للتعدين تراوح ما بين خمس درجات إلى 25 درجة مئوية (ما بين 41 إلى 77 فهرنهايت)، وهذا في نطاق متوسط درجات الحرارة في إثيوبيا، حيث تقع أديس أبابا على ارتفاع 2,400 متر عن سطح البحر، وهي أعلى كثيرا من معظم مدن منتجعات التزلج على الجليد في جبال الألب.
دعم من العلاقات بين البلدين
هذه العوامل الجاذبة دفعت بعض الشركات الصينية إلى عدم انتظار صدور موافقة رسمية قبل بدء العمليات، بحسب "شو" الذي أضاف أن "بعض شركات التعدين تقدم نفسها على أنها مصانع أو شركات زراعية للحصول على الكهرباء، بدلا من الحصول على موافقة الحكومة على تعدين (بيتكوين)"، إلا أن "شو" لم يحدد أسماء تلك الشركات، ولم يرد يوداهي على طلب التعليق على تلك الممارسات.
تدعم الأوضاع الجيوسياسية ثقة تلك الشركات، إذ إن الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إثيوبيا وأكبر دائنيها الثنائيين، أقرضت الحكومة والمؤسسات المالية الصينية نحو 15 مليار دولار لتمويل 70 مشروعا ضخما في الدولة الإفريقية ما بين 2006 و2018، وفق تصريح وزارة المالية الإثيوبية في ديسمبر.
كانت إثيوبيا واحدة من 17 دولة رفعت الصين مستوى العلاقات معها في العام الماضي، ضمن جهود الرئيس شي جين بينغ لجذب شركاء من الجنوب العالمي. وفي أكتوبر الماضي، استضاف "شي" آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي في بكين في إطار رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى "شراكة استراتيجية شاملة"، على حد وصف وكالة الأنباء "شينخوا" الرسمية.
الدولة الواقعة في القرن الإفريقي في أمس الحاجة إلى تدفقات داخلة من العملات الأجنبية، وتجري محادثات بشأن الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بعد التخلف عن سداد مستحقات الفائدة إلى الجهات الدائنة الخاصة في ديسمبر الماضي، وفي الشهر السابق، توصلت إلى اتفاق مع الدائنين الثنائيين لتعليق سداد المستحقات.
قال "شو" إن الشركات الصينية لتعدين "بيتكوين" بدأت تتطلع إلى دول مثل أنغولا ونيجيريا، ويشجعها على ذلك ارتفاع مكانة الصين في إفريقيا. وأضاف أن "شركات التعدين الصينية لا تواجه أي صعوبات في بناء المواقع في إفريقيا. كما لو كانت مقاطعة أخرى في الصين".
ووفقا لـ "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"، كان ذلك علامة واضحة تدل على أن شركات تعدين "بيتكوين" الصينية، التي تنقلت من بلد لآخر بحثا عن كهرباء رخيصة ولوائح ميسرة منذ أن طردتها بكين قبل سنتين، باتت حاضرة بمنطقة القرن الإفريقي.
بعد أن تقاذفتها الظروف السياسية والاقتصادية غير المواتية، انجذبت لواحدة من أقل البلدان من حيث تكاليف الكهرباء حول العالم، علاوة على حكومة داعمة لها بطريقة متزايدة. عززت إثيوبيا العلاقات مع الصين على مدى العقد الماضي، التي سمحت بتعدين "بيتكوين" بداية من 2022 رغم أنها مستمرة في حظر تداول العملات المشفرة، وأسهمت شركات صينية عديدة في تشييد سد تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار حيث تخطط شركات التعدين للحصول على الكهرباء منه.
برزت إثيوبيا بوصفها فرصة نادرة لجميع الشركات التي تقوم بتعدين العملة المشفرة الأصلية، إذ أسفرت التغيرات المناخية وندرة الطاقة عن ردود أفعال سلبية ضد قطاع قيمته 16 مليار دولار سنويا (بالسعر الحالي لـ"بيتكوين"). لكنها تحظى بجاذبية خاصة للشركات الصينية، التي كانت بالسابق تهيمن على أعمال تعدين "بيتكوين" لكنها واجهت صعوبات جراء التنافس مع منافسين محليين في ولاية تكساس الأمريكية، المركز الحالي للنشاط.
مقامرة خطرة
تعد هذه أيضا مقامرة خطرة بالنسبة إلى الشركات ولإثيوبيا على حد سواء. تبنت سلسلة من البلدان النامية على غرار كازاخستان وإيران في البداية تعدين "بيتكوين"، لكنها انقلبت ضد القطاع عندما هدد استخدامه للطاقة بتأجيج حالة من السخط المحلي. انتهت حقبة الصين باعتبارها مركزا لتعدين "بيتكوين" بطريقة مفاجئة خلال 2021 بعدما حظرته الحكومة. اضطرت عشرات الشركات إلى مغادرة البلاد.
قال جاران ميليرود، الرئيس التنفيذي لشركة "هاش لابس ماينينغ" (Hashlabs Mining): "أولا، من الممكن أن تنفد الكهرباء المتوافرة في الدول، ما لا يدع مجالا لتوسع نشاط شركات التعدين. ثانيا، تستطيع الحكومة اعتبارها شركات غير مرغوب فيها فجأة وتدفعها إلى الرحيل عن البلاد".
يساور القلق المسؤولين الإثيوبيين جراء الجدل الذي يصاحب نشاط تعدين "بيتكوين"، بحسب مسؤولين تنفيذيين في القطاع تحدثوا بشرط عدم الإفصاح عن هوياتهم لتجنب تعريض العلاقات مع الحكومة للخطر. رغم دخول السعة الجديدة من توليد الكهرباء الخدمة، يعيش تقريبا نصف السكان دون كهرباء، ما يجعل التعدين موضوعا حساسا. في الوقت نفسه، يشكل مصدرا مربحا محتملا لإيرادات العملات الأجنبية.
معدات التعدين
ارتقت إثيوبيا فعلا لتكون واحدة من أكبر البلدان المستقبلة لمعدات تعدين "بيتكوين" حول العالم، بحسب تقدير شركة تزويد خدمات التعدين "لوكسر تكنولوجي" (Luxor Technology). ذكر إيثان فيرا، رئيس العمليات التشغيلية، أنها بلغت هذه المنزلة رغم أن إبرام أولى صفقات شركة "لوكسر" الكبيرة لشحن المعدات إلى هناك كان في سبتمبر الماضي.
أشارت الشركة الحكومية المحتكرة للكهرباء إلى أنها عقدت صفقات إمداد بالكهرباء مع 21 من شركات تعدين "بيتكوين"، وجميعها صينية عدا اثنتين منها.
أوضح نو شو، مؤسس رابطة التعدين الرقمي الصينية، التي تنظم المعارض وتسهل تجارة آلات التعدين: "ستصبح إثيوبيا واحدة من أشهر الوجهات لشركات التعدين الصينية". يرتب "شو" لرحلة إلى إثيوبيا تضم مجموعة من مديري شركات التعدين الصينيين للقيام بجولة في مواقع العمل المحتملة.
استعداد شركات تعدين "بيتكوين" لشحن معدات بعشرات الملايين من الدولارات إلى دولة خرجت من حرب أهلية اندلعت في شمال البلاد قبل سنتين فقط، يشير إلى البيئة السياسية والاقتصادية الصعبة التي توجد بها.
ميزة تنافسية
تقوم الشركات بدور جوهري في الحفاظ على شبكة "بيتكوين" من خلال استخدام حواسيب عالية الأداء -أي (rigs) بلغة القطاع- لحل الألغاز الرياضية وإثبات صحة المعاملة المشفرة على "بلوكتشين"، ويحصلون في المقابل على مكافآت في صورة "بيتكوين" تصرفها الشبكة.
هذا النشاط المتقلب، تتبع فيه الإيرادات اتجاه أسعار العملات المشفرة صعودا وهبوطا، فتدهور وضع (Miner Core Scientific Inc) لدرجة الإفلاس في ديسمبر 2022 مع انهيار أسواق العملات المشفرة، وبعد 13 شهرا حصلت على موافقة المحكمة بالخروج من وضع الحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 عندما قفز سعر "بيتكوين بنحو 150 %.
تستخدم الحفارات كميات هائلة من الطاقة، لذا تمثل إمكانية الحصول على كهرباء بتكلفة منخفضة ميزة تنافسية محورية. استهلك تعدين "بيتكوين" 121 تيراواط- ساعة من الكهرباء خلال 2023، ما يعادل استهلاك الأرجنتين، وفق تقديرات مركز كامبريدج للتمويل البديل. وقد تستأثر الكهرباء بنحو 80 % من التكاليف التشغيلية لشركات التعدين، بحسب "ميليرود".
انخفاض تكلفة الكهرباء هو ما يحدد الدولة التي تضع فيها شركات التعدين معداتها خلال الأعوام الماضية، بداية من الصين، ثم مناطق مثل إيران، وكازاخستان، وروسيا، وشمال السويد، وتكساس في الآونة الأخيرة، فالعامل المشترك بين كل تلك الأماكن هو الانخفاض النسبي لأسعار الطاقة.
يمثل الاعتماد على الطاقة الوفيرة أيضا نقطة ضعف رئيسية، إذ قد يدفع شركات التعدين إلى التنافس مع المصانع والمنازل للحصول على الكهرباء، ما يعرضهم لرد فعل سياسي عنيف.
قال المؤسس المشارك في "هاش لابس"، ألين ماخميتوف: "عندما فرضت كازاخستان قيودا وضرائب جديدة على شركات التعدين، دمر ذلك القطاع". وبعد عامين من الإجراءات الصارمة، لا تزال منشأته بقدرة 10 ميغاواط متوقفة عن العمل.
في عصر ينشر فيه ارتفاع درجات الحرارة الدمار في أنحاء العالم، ينظر إلى تعدين "بيتكوين" بشكل متزايد على أنه أحد العوامل المسهمة في الاحترار العالمي التي لا تحقق أي هدف إنتاجي، رغم ادعاء بعض شركات التعدين تزايد استخدامها للطاقة النظيفة. وقدرت دراسة أجرتها جامعة الأمم المتحدة (United Nations University)، نشرت في أكتوبر، أن الوقود الأحفوري استخدم في توليد ثلثي الكهرباء المستخدمة في تعدين "بيتكوين" خلال عامي 2020 و2021.
مصدر للعملة الأجنبية
السبب الرئيس لترخيص الحكومة الإثيوبية لتعدين "بيتكوين" هو أن الشركات تدفع تكلفة الكهرباء التي تستهلكها بالعملة الأجنبية، وفق ما قاله يوداهي إيه زيميكائيل نائب مدير (Information Network Security Administration) الإثيوبية، ردا على أسئلة "بلومبرغ"، غير أنه استخدم في رد كتابي مصطلحات مثل "الحواسيب عالية الأداء" و"تعدين البيانات"، بدلا من "تعدين بيتكوين".
نيمو سمريت، الرئيس التنفيذي لشركة التعدين المحلية (QRB Labs) الذي ساعد في الضغط على المسؤولين لترخيص تعدين "بيتكوين"، قال إن "إثيوبيا تفرض تنظيما صارما. وطرح قطاع جديد كهذا مثل تحديا كبيرا، وسعينا خلال العامين الماضيين إلى الحصول على كل التراخيص اللازمة من الحكومة".
قال يوداهي إن الحكومة أقرت توجيها إرشاديا لتنظيم المنتجات المشفرة، بما يتضمن التعدين، وأن إصدار التراخيص يجري بشكل تجريبي، ولا يزال في مرحلة مبكرة. إلا أنه رفض توضيح عدد التراخيص التي صدرت حتى الآن.
أشار سمريت إلى استمرار حالة عدم اليقين بين شركات التعدين إزاء كيفية رقابة السلطات عليها في المدى الطويل، ورفض يوداهي أن يوضح ما إذا كانت تمت مشاركة التوجيه الإرشادي مع المتعاملين في القطاع أم لا.
مع ذلك، فبالنسبة إلى شركات تعدين "بيتكوين"- الصينية بالأخص- تمثل إثيوبيا مزيجا فريدا يجمع بين الميزات الاقتصادية والسياسية. بل أشار بعض التنفيذيين إليها على أنها مرشحة لمنافسة تكساس، التي تمثل نحو ربع القدرة العالمية لتعدين "بيتكوين".
أحوال مناخية مثالية
قد تنافس قدرة الدولة الإفريقية على توفير الكهرباء لتعدين "بيتكوين" مثيلتها في تكساس خلال أعوام قليلة، بحسب تنفيذي كبير في (Bitmain)، الشركة التي يقع مقرها في بكين والمورد الأكبر للحفارات. فتشغيل مشروع سد النهضة زاد القدرة التوليدية المركبة إلى 5.3 غيغاواط، يأتي 92 % منها من الطاقة المائية، وهي أحد مصادر الطاقة المتجددة.
ستتضاعف القدرة التوليدية لإثيوبيا عند اكتمال السد، وفق شركة الكهرباء الإثيوبية (Ethiopian Electric Power). وقال هيووت إيشيتو مدير قطاع التسويق وتطوير الأعمال، في حوار إن الشركة تتقاضى من شركات تعدين "بيتكوين" سعرا ثابتا قدره 3.14 سنتات أمريكية للكيلوواط- ساعة مقابل الكهرباء الموصلة من المحطات الفرعية.
قال "فيرا" إنه بينما يناهز ذلك المتوسط في تكساس، إلا أن الأسعار في الولاية الملقبة بـ"النجمة الوحيدة" قد تتقلب بشدة، ما يقلص توقعات العوائد.
أضاف هيووت أنه في إثيوبيا، سينخفض السعر فور ربط شركات التعدين بمحطات الطاقة مباشرة، وأن شركة الكهرباء الإثيوبية علقت توقيع عقود جديدة للتأكد من إحكام السيطرة على العملية وحسن إدارتها.
بدأت (BWP)، التي تستضيف المعدات التي تشغلها شركات التعدين القادمة من الصين ودول أخرى، شحن المعدات إلى إثيوبيا في مطلع العام الماضي. وفي ديسمبر، أعلنت الشركة على منصة "إكس" افتتاحها مركز بيانات بقدرة 120 ميغاواط لمعدات التعدين- وهو حجم كبير حتى بمعايير تكساس- في العاصمة أديس أبابا.
وقال الرئيس التنفيذي فيتالي بورشينكو إن الميزات التي تتمتع بها إثيوبيا لا تقتصر على الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة فحسب.
وأضاف مشيرا إلى التوصيات الصادرة عن "بت ماين"، صانعة الحفارات، إلى أن درجة الحرارة المثالية للتعدين تراوح ما بين خمس درجات إلى 25 درجة مئوية (ما بين 41 إلى 77 فهرنهايت)، وهذا في نطاق متوسط درجات الحرارة في إثيوبيا، حيث تقع أديس أبابا على ارتفاع 2,400 متر عن سطح البحر، وهي أعلى كثيرا من معظم مدن منتجعات التزلج على الجليد في جبال الألب.
دعم من العلاقات بين البلدين
هذه العوامل الجاذبة دفعت بعض الشركات الصينية إلى عدم انتظار صدور موافقة رسمية قبل بدء العمليات، بحسب "شو" الذي أضاف أن "بعض شركات التعدين تقدم نفسها على أنها مصانع أو شركات زراعية للحصول على الكهرباء، بدلا من الحصول على موافقة الحكومة على تعدين (بيتكوين)"، إلا أن "شو" لم يحدد أسماء تلك الشركات، ولم يرد يوداهي على طلب التعليق على تلك الممارسات.
تدعم الأوضاع الجيوسياسية ثقة تلك الشركات، إذ إن الصين أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إثيوبيا وأكبر دائنيها الثنائيين، أقرضت الحكومة والمؤسسات المالية الصينية نحو 15 مليار دولار لتمويل 70 مشروعا ضخما في الدولة الإفريقية ما بين 2006 و2018، وفق تصريح وزارة المالية الإثيوبية في ديسمبر.
كانت إثيوبيا واحدة من 17 دولة رفعت الصين مستوى العلاقات معها في العام الماضي، ضمن جهود الرئيس شي جين بينغ لجذب شركاء من الجنوب العالمي. وفي أكتوبر الماضي، استضاف "شي" آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي في بكين في إطار رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى "شراكة استراتيجية شاملة"، على حد وصف وكالة الأنباء "شينخوا" الرسمية.
الدولة الواقعة في القرن الإفريقي في أمس الحاجة إلى تدفقات داخلة من العملات الأجنبية، وتجري محادثات بشأن الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بعد التخلف عن سداد مستحقات الفائدة إلى الجهات الدائنة الخاصة في ديسمبر الماضي، وفي الشهر السابق، توصلت إلى اتفاق مع الدائنين الثنائيين لتعليق سداد المستحقات.
قال "شو" إن الشركات الصينية لتعدين "بيتكوين" بدأت تتطلع إلى دول مثل أنغولا ونيجيريا، ويشجعها على ذلك ارتفاع مكانة الصين في إفريقيا. وأضاف أن "شركات التعدين الصينية لا تواجه أي صعوبات في بناء المواقع في إفريقيا. كما لو كانت مقاطعة أخرى في الصين".