حكاية ناي ♔
02-18-2024, 09:43 AM
محمد بن أبي شنب أو أبي شنب (1869-1929) هو أديب معروف بإجادته لعدد من اللغات الأوروبية، حتى أنه كتب بعض كتبه بالفرنسية. وهو أول جزائري حامل لشهادة الدكتوراه في العصر الحديث.
نبذة عن حياة العلامة ابن شنب
هو علم من أعلام الجزائر ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد، واختلف الباحثون حول مشاركته في الحركة الاجتماعية والإصلاحية التي تمخضت عنها الجزائر في فترة عصيبة من فترات التاريخ، وكان أحد شهودها، إلا البحوث حوله لم يكن لها الخلاف حول علمه ونباهته وقدرته على التحقيق العلمي في زمن غلب التقليد على أهله.
تعريف
هو محمد بن العربي بن محمد بن أبي شنب من مدينة المدية بناحية تاكبو «عين الذهب» في الجزائر، نشأ في أسرة تعود جذورها إلى مدينة «بروسة» التركية وكانت على جانب من الغنى واليسار وتعمل بالزراعة. وقد عنيت هذه الأسرة بتربية ابنها وتعليمه؛ فحفظ شيئا من القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمدارس المدنية التي أنشأتها فرنسا وفق خطتها في نشر ثقافتها؛ فتعلم الفرنسية وقرأ آدابها وتاريخها، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بمدرسة دار المعلمين الفرنسية بـبوزريعة بالقرب من الجزائر، وقضى بها عامًا للدراسة تخرج بعدها مجازًا بتعليم اللغة الفرنسية وآدابها في المدارس الابتدائية.
نشأته وعلمه
المدرسة الثعالبية
وُلد محمد بن العربي بن محمد أبي شنب يوم الثلاثاء 20 رجب 1286هـ، الموافق 26 أكتوبر 1869 م، بمنطقة «عين الذهب» التي تبعد بحوالي ثلاث كيلومترات عن وسط المدية
، من عائلة تجمع بين الأصلين التركي والجزائري، وهو النوع الذي يُعرف في التاريخ بـ «زيجة الكراغلة»، وهي عقود الزواج التي تجمع بين تركي وجزائرية ـ وهي أحد العائلات التركية المقيمة في الجزائر التي نجت من الطرد إلى «أزمير» التركية بعد الاحتلال الفرنسي.
نشأ محمد في حجر والديه اللذان اعتنيا به، وحفظ القرآن عن شيخه أحمد بارماق، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، أين تحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية
، وسهل له ذلك الخط الذي انتهجته الفلسفة الاستعمارية التي تبنّت سياسة تعليم الأهالي بعد منعها بهدف تكوين نخبة منهم. فتوجه ابن أبي شنب إلى الجزائر العاصمة سنة 1886م، والتحق بمدرسة المعلمين (École normale) ببوزريعة، وتخرج منها بعد سنتين وعمره يبلغ 19 سنة فقط.
بعد ذلك، تم تعيينه معلما بالمكتب الرسمي في قرية «سيدي علي تامجارت» (وامري حاليا) المدية فمكث فيه أربع سنوات، ثم انتقل إلى مكتب الشيخ إبراهيم فاتح الرسمي بالجزائر العاصمة، ومنها إلى الجامعة الجزائرية، أين تقدم للامتحان وأحرز شهادة اللغة العربية، كما درس على الشيخ عبد الحليم بن سماية علوم البلاغة والمنطق والتوحيد، وناب عن الشيخ أبي القاسم ابن سديرة في دروسه العربية بالجامعة لمدة سنة كاملة. وفي سنة 1896 م حصل على شهادة البكالوريا، ولكنه تخلّف عن الامتحان النهائي بسبب إصابته بالجدري.
في عام 1898م عينته الأكاديمية أستاذا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة خلفا للشيخ العلاّمة عبد القادر المجاوي (1848م ـ 1914م) عندما انتقل هذا الأخير إلى المدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة، فأقرأ بها الشيخ ابن أبي شنب علوم النحو والصرف والفقه والأدب، ثم عين مدرسا بالمدرسة الثعالبية كذلك خلفا للشيخ عبد الرزاق الأشرف (1871م ـ 1924م).
في 15 نوفمبر 1903م، تزوج الشيخ بابنة الشيخ قدور بن محمود بن مصطفى، الإمام الثاني بالجامع الكبير، فرزق منها بخمسة ذكور وأربع إناث. وفي حوالي 1904م، أسند إليه دراسة صحيح البخاري رواية بجامع سفير بالعاصمة، وارتقى في عام 1908م إلى رتبة محاضر بالجامعة.
في سنة 1920م انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق عضوا به، وفي نفس السنة تقدم لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر فأحرزها بدرجة (ممتاز)، حيث ألف كتابين أحدهما يدور على أبي دلامة شاعر العباسيين، والثاني بحث ذكر فيه الألفاظ التركية والفارسية المستعملة في لغة أهالي الجزائر.
في سنة 1924م، عُيّن الشيخ ابن أبي شنب أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة، كما انتخبه المجمع العلمي الاستعماري بباريس عضوا عاملا به، كما انتخبته هيأة إدارة مجلس الجمعية التاريخية الفرنسية كاتبا عاما بها.
كان محمد يتقن إلى جانب العربية اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية والألمانية والفارسية، وشيئا من اللاتينية والتركية، وهذا ـ إضافة إلى مكانته العلمية ودقة تحقيقاته ـ وهو ما جعل كثيرا من العلماء والمستشرقين يراسلونه ويكاتبونه، ومنهم على سبيل الذكر العلاّمة أحمد تيمور باشا، ورئيس مجمع اللغة العربية بدمشق محمد كرد علي، وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب، والمستشرقون أمثال (كوديرا) و (بلاثيوس) و (كراتشوفسكي).
انتُدب لتمثيل الجزائر في المؤتمرات الدولية الخاصة بالتراث العربي والإسلامي، وكان آخر ما حضره المؤتمر السابع عشر للمستشرقين بأوكسفورد، أين قدّم بحثا عن الشاعر ابن خاتمة الأندلسي.
اجتهاده ومناصبه
شهد عليه يخطب بالفرنسية في مؤتمر المستشرقين في أكسفورد وهو في لباسه الوطني: عمامة صفراء وزنار عريض وسراويل مسترسلة ومعطف من صنع بلاده، فأُخذت بسحر بيانه، واتساعه في بحثه، وظننتني أستمع عالماً من أكبر علماء فرنسا وأدبائها، في روح عربي، وثقافة إسلاميّة، أو عالماً من علماء السلف، جمع الله له بلاغة القلم، وبلاغة اللسان، ووفّر له قسطه من العلم والبصيرة، وقد فُطر على ذكاء وفضل غرام بالتحصيل، وقيّض له أن يجمع بين ثقافتين ينبغ ويفصح بكلّ لغة يعاينه
كان الدكتور ابن أبي شنب يحسن عدة لغات إلى جانب العربية والفرنسية، كالفارسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والتركية واللاتينية والعبرية، لذا يرجع إليه الفضل في تكوين نواة لقسم الأدب المقارن، حتى وإن لم يكن موجودا آنذاك، لأن الجامعة الجزائرية كانت تخضع للنظام التعليمي الفرنسي، غير ان بن شنب يعدَ أول باحث جزائري اهتم باللغات وبالترجمة، وبالتا الي بالانفتاح على آداب الشعوب الأخرى، دراسة وتعليما وترجمة. ولا يمكننا الحديث عن تدريس الأدب المقارن بدون الرجوع إلى اجتهاداته لأنه كان الوحيد القادر على الإنتاج في ميدان الأدب المقارن. ونظم الشعر ونشر الدراسات العديدة ومنها ماهو في صميم الأدب المقارن، كالدراسة التي نشرها في «المجلة الإفريقية» سنة 1919 بعنوان «الأصول الإسلامية للكوميديا الإلهية لدانته».
مؤلفاته وأعماله
ألف أكثر من 50 كتاباً في تخصصات شتى كانت متداولة عند العرب والغربيين وفي العادات والتقاليد وقد أعاد الحياة لبعض المؤلفات بالنشر حقق في بعضها كانت منها:
عناوين لمؤلفاته الشخصية
تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب 1906 و1928.
شرح لمثلثات قطرب 1906.
أبو دلامة وشعره وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1924.
الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب 3 أجزاء 1907.
الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر (لم يطبع).
فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم بالجزائر 1909.
معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى (فاس) من الكتب ونقدها 1922.
خرائد العقود في فرائد القيود 1909.
الكلمات التركية والفارسية المستعملة في اللهجة الجزائرية.
رسالة في المنطق.
مجموع أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب.
رحلة الورتلاني.
تحقيقاته في مؤلفات غيره
البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني عام 1908.
عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأحمد الغبريني 1910م.
الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920.
الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية.
تعليق على: وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان بن هود النبي.
شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت 1926.
طبقات علماء أفريقية لأبي ذر الخشني ترجم للفرنسية 1915.
ترجم إلى الفرنسية رسالة للإمام الغزالي في رياضة الأولاد وتربيتهم نشرت بالمجلة الإفريقية "la revue africaine" سنة 1901.
الجمل تأليف الزجاجي.
طرس الأخبار بما جرى آخر الأربعين من القرن الثالث عشر للمسلمين مع الكفار، وهو من تأليف الشيخ محمّد العربي المشرقي الغريسي.
مواقف
عرف ابن أبي شنب بتواضعه وسعة إطلاعه وحسن معاملته للناس، وفي هذا الصدد تتردد حوله النادرة التالية: «كان في يوم من الأيام في القطار متوجها من مسقط رأسه إلى الجزائر العاصمة للإشراف على امتحانات الثانوية العامة، أي الباكالوريا، وإذا بشابين أوروبيين يجلسان جنبه في عربة القطار، وبدءا يسخران منه ومن لباسه التقليدي، فلم يهتم بهما لأنه كان يواصل تفحص ملفاته، وفي صباح الغد، وجد الشابان نفسهما أمامه، ففوجئا، لأنه أشرف على امتحانهما الشفوي، ولم يقل لهما أي شيء، أما هما فقد اعتراهما الخجل لما بدر منهما حينما التقياه في القطار. هذه النادرة تبين مدى تسامحه وتواضعه». ومما امتاز به محافظته على الزي الوطني والخلاق والعادات والتقاليد الجزائرية، والتزامه التكلم بلغته العربية، حتى خيل إلينا أنه لم يكن يحسن اللغة الفرنسية تماما، وكان من يراه لايخطر بباله أنه من أكبر أعلام الجزائر.
صلة الوصل بين الشرق والغرب
فرض الدكتور محمد بن أبي شنب نفسه في الأوساط الثقافية في الجزائر وخارجها، وكانت له علاقة وطيدة مع الكثير من الكتاب العرب والمستشرقين والمهتمين بالثقافة العربية.أتى في ظرف تاريخي معين جعله يركز كل جهده على البحث والكتابة. ومن خلال قراءتنا للمادة المتوافرة، برغم قلتها، وجدنا في فكر محمد بن شنب فكرا أكاديميا متكاملا، فقد اهتم بالتراث الشعبي الجزائري اللهجة المحلية النمطية والاهتمام بالتراث العربي الإسلامي بالإضافة إلى دراساته الأكاديمية الأخرى.
يطرح البحث عن العلامة محمد بن أبي شنب تساؤلات حول عدم اهتمام الباحثين الجزائريين بخاصة والعرب بعامة به، وهو الذي شكل حلقة وصل بين البحث الأكاديمي الفرنسي والبحث الأكاديمي العربي. وسنرى أنه تطرق إلى مؤاد معرفية مختلفة، وكانت اللغة الفرنسية تحاصره، لانه كان مضطرا للكتابة بها، لاسيما ان الجزائر كانت قد تعرضت للاستعمار لمدة الكثر من 130 سنة، فلم يكتف الاستعمار بنهب خيرات البلد والتسلط عليها فحسب، بل سعى إلى إفراغ الشخصية الجزائرية من اصالتها الوطنية والقومية مستعملا كل الاساليب والوسائل ففرض تعليم اللغة الفرنسية و«فرنس» كل مجالات الحياة الإدراية والتعليمية وفرض على الشعب الجزائري الكتابة والتعليم بلغته، بل فرض عليه دراسة تاريخ فرنسا وتراثها فكان كل من يريد أن يتعلم العربية ويدافع عنها يجد صعوبات جمة في تحقيق هدفه.
هذا بالإضافة إلى الاتجاه الاستعماري في بحث وجمع مواد الثقافة والعلوم بجميع اصنافها في الجزائر. ولم ينته هذا الاتجاه بانتهاء واقع الاستعمار، إذ أن تأثيره ظل فاعلا بالنخبة المثقفة من أبناء الجزائر سواء خلال الفترة الاستعمارية أم في فترة ما بعد الاستقلال، كما نرى في كتابات بعض ـفراد هذه النخبة الذين ظهروا أواخرا القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهم أولئك الذين انتموا إلى الحركة الثقافية والعلمية التي نشطت في تلك الفترة والتي مثلت الوجه شبه الرسمي للمؤسسة الثقافية الجزائرية، حيث عالج الدكتور أبو القاسم سعد الله على سبيل المثال، في كتابة «تاريخ الجزائر الثقافي» هذه الإشكاليات بالبحث والتنقيب وخصص لها عدة أجزاء، كما تكلم فيه عن الأدباء والعلماء والمثقفين الجزائريين الذين عاصروا مختلف تلك المراحل ومن بينهم طبعا العلامة محمد بن أبي شنب الذي ولد وسط هذه الأجواء، بمدينة المدية الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب الجزائر العاصمة.
وفاته
كان محمد بن أبي شنب صورة الأديب والعالم المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل دون أن يفقد شيئا من صفاته وعاداته، وأورثته سعة علمه زهدا وتواضعا ورغبة في تلبية كل طالب علم قصده في مسألة أو قضية.
نبذة عن حياة العلامة ابن شنب
هو علم من أعلام الجزائر ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد، واختلف الباحثون حول مشاركته في الحركة الاجتماعية والإصلاحية التي تمخضت عنها الجزائر في فترة عصيبة من فترات التاريخ، وكان أحد شهودها، إلا البحوث حوله لم يكن لها الخلاف حول علمه ونباهته وقدرته على التحقيق العلمي في زمن غلب التقليد على أهله.
تعريف
هو محمد بن العربي بن محمد بن أبي شنب من مدينة المدية بناحية تاكبو «عين الذهب» في الجزائر، نشأ في أسرة تعود جذورها إلى مدينة «بروسة» التركية وكانت على جانب من الغنى واليسار وتعمل بالزراعة. وقد عنيت هذه الأسرة بتربية ابنها وتعليمه؛ فحفظ شيئا من القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمدارس المدنية التي أنشأتها فرنسا وفق خطتها في نشر ثقافتها؛ فتعلم الفرنسية وقرأ آدابها وتاريخها، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بمدرسة دار المعلمين الفرنسية بـبوزريعة بالقرب من الجزائر، وقضى بها عامًا للدراسة تخرج بعدها مجازًا بتعليم اللغة الفرنسية وآدابها في المدارس الابتدائية.
نشأته وعلمه
المدرسة الثعالبية
وُلد محمد بن العربي بن محمد أبي شنب يوم الثلاثاء 20 رجب 1286هـ، الموافق 26 أكتوبر 1869 م، بمنطقة «عين الذهب» التي تبعد بحوالي ثلاث كيلومترات عن وسط المدية
، من عائلة تجمع بين الأصلين التركي والجزائري، وهو النوع الذي يُعرف في التاريخ بـ «زيجة الكراغلة»، وهي عقود الزواج التي تجمع بين تركي وجزائرية ـ وهي أحد العائلات التركية المقيمة في الجزائر التي نجت من الطرد إلى «أزمير» التركية بعد الاحتلال الفرنسي.
نشأ محمد في حجر والديه اللذان اعتنيا به، وحفظ القرآن عن شيخه أحمد بارماق، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، أين تحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية
، وسهل له ذلك الخط الذي انتهجته الفلسفة الاستعمارية التي تبنّت سياسة تعليم الأهالي بعد منعها بهدف تكوين نخبة منهم. فتوجه ابن أبي شنب إلى الجزائر العاصمة سنة 1886م، والتحق بمدرسة المعلمين (École normale) ببوزريعة، وتخرج منها بعد سنتين وعمره يبلغ 19 سنة فقط.
بعد ذلك، تم تعيينه معلما بالمكتب الرسمي في قرية «سيدي علي تامجارت» (وامري حاليا) المدية فمكث فيه أربع سنوات، ثم انتقل إلى مكتب الشيخ إبراهيم فاتح الرسمي بالجزائر العاصمة، ومنها إلى الجامعة الجزائرية، أين تقدم للامتحان وأحرز شهادة اللغة العربية، كما درس على الشيخ عبد الحليم بن سماية علوم البلاغة والمنطق والتوحيد، وناب عن الشيخ أبي القاسم ابن سديرة في دروسه العربية بالجامعة لمدة سنة كاملة. وفي سنة 1896 م حصل على شهادة البكالوريا، ولكنه تخلّف عن الامتحان النهائي بسبب إصابته بالجدري.
في عام 1898م عينته الأكاديمية أستاذا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة خلفا للشيخ العلاّمة عبد القادر المجاوي (1848م ـ 1914م) عندما انتقل هذا الأخير إلى المدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة، فأقرأ بها الشيخ ابن أبي شنب علوم النحو والصرف والفقه والأدب، ثم عين مدرسا بالمدرسة الثعالبية كذلك خلفا للشيخ عبد الرزاق الأشرف (1871م ـ 1924م).
في 15 نوفمبر 1903م، تزوج الشيخ بابنة الشيخ قدور بن محمود بن مصطفى، الإمام الثاني بالجامع الكبير، فرزق منها بخمسة ذكور وأربع إناث. وفي حوالي 1904م، أسند إليه دراسة صحيح البخاري رواية بجامع سفير بالعاصمة، وارتقى في عام 1908م إلى رتبة محاضر بالجامعة.
في سنة 1920م انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق عضوا به، وفي نفس السنة تقدم لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر فأحرزها بدرجة (ممتاز)، حيث ألف كتابين أحدهما يدور على أبي دلامة شاعر العباسيين، والثاني بحث ذكر فيه الألفاظ التركية والفارسية المستعملة في لغة أهالي الجزائر.
في سنة 1924م، عُيّن الشيخ ابن أبي شنب أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة، كما انتخبه المجمع العلمي الاستعماري بباريس عضوا عاملا به، كما انتخبته هيأة إدارة مجلس الجمعية التاريخية الفرنسية كاتبا عاما بها.
كان محمد يتقن إلى جانب العربية اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والأسبانية والألمانية والفارسية، وشيئا من اللاتينية والتركية، وهذا ـ إضافة إلى مكانته العلمية ودقة تحقيقاته ـ وهو ما جعل كثيرا من العلماء والمستشرقين يراسلونه ويكاتبونه، ومنهم على سبيل الذكر العلاّمة أحمد تيمور باشا، ورئيس مجمع اللغة العربية بدمشق محمد كرد علي، وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب، والمستشرقون أمثال (كوديرا) و (بلاثيوس) و (كراتشوفسكي).
انتُدب لتمثيل الجزائر في المؤتمرات الدولية الخاصة بالتراث العربي والإسلامي، وكان آخر ما حضره المؤتمر السابع عشر للمستشرقين بأوكسفورد، أين قدّم بحثا عن الشاعر ابن خاتمة الأندلسي.
اجتهاده ومناصبه
شهد عليه يخطب بالفرنسية في مؤتمر المستشرقين في أكسفورد وهو في لباسه الوطني: عمامة صفراء وزنار عريض وسراويل مسترسلة ومعطف من صنع بلاده، فأُخذت بسحر بيانه، واتساعه في بحثه، وظننتني أستمع عالماً من أكبر علماء فرنسا وأدبائها، في روح عربي، وثقافة إسلاميّة، أو عالماً من علماء السلف، جمع الله له بلاغة القلم، وبلاغة اللسان، ووفّر له قسطه من العلم والبصيرة، وقد فُطر على ذكاء وفضل غرام بالتحصيل، وقيّض له أن يجمع بين ثقافتين ينبغ ويفصح بكلّ لغة يعاينه
كان الدكتور ابن أبي شنب يحسن عدة لغات إلى جانب العربية والفرنسية، كالفارسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والتركية واللاتينية والعبرية، لذا يرجع إليه الفضل في تكوين نواة لقسم الأدب المقارن، حتى وإن لم يكن موجودا آنذاك، لأن الجامعة الجزائرية كانت تخضع للنظام التعليمي الفرنسي، غير ان بن شنب يعدَ أول باحث جزائري اهتم باللغات وبالترجمة، وبالتا الي بالانفتاح على آداب الشعوب الأخرى، دراسة وتعليما وترجمة. ولا يمكننا الحديث عن تدريس الأدب المقارن بدون الرجوع إلى اجتهاداته لأنه كان الوحيد القادر على الإنتاج في ميدان الأدب المقارن. ونظم الشعر ونشر الدراسات العديدة ومنها ماهو في صميم الأدب المقارن، كالدراسة التي نشرها في «المجلة الإفريقية» سنة 1919 بعنوان «الأصول الإسلامية للكوميديا الإلهية لدانته».
مؤلفاته وأعماله
ألف أكثر من 50 كتاباً في تخصصات شتى كانت متداولة عند العرب والغربيين وفي العادات والتقاليد وقد أعاد الحياة لبعض المؤلفات بالنشر حقق في بعضها كانت منها:
عناوين لمؤلفاته الشخصية
تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب 1906 و1928.
شرح لمثلثات قطرب 1906.
أبو دلامة وشعره وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1924.
الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب 3 أجزاء 1907.
الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر (لم يطبع).
فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم بالجزائر 1909.
معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى (فاس) من الكتب ونقدها 1922.
خرائد العقود في فرائد القيود 1909.
الكلمات التركية والفارسية المستعملة في اللهجة الجزائرية.
رسالة في المنطق.
مجموع أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب.
رحلة الورتلاني.
تحقيقاته في مؤلفات غيره
البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني عام 1908.
عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية لأحمد الغبريني 1910م.
الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920.
الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية.
تعليق على: وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان بن هود النبي.
شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت 1926.
طبقات علماء أفريقية لأبي ذر الخشني ترجم للفرنسية 1915.
ترجم إلى الفرنسية رسالة للإمام الغزالي في رياضة الأولاد وتربيتهم نشرت بالمجلة الإفريقية "la revue africaine" سنة 1901.
الجمل تأليف الزجاجي.
طرس الأخبار بما جرى آخر الأربعين من القرن الثالث عشر للمسلمين مع الكفار، وهو من تأليف الشيخ محمّد العربي المشرقي الغريسي.
مواقف
عرف ابن أبي شنب بتواضعه وسعة إطلاعه وحسن معاملته للناس، وفي هذا الصدد تتردد حوله النادرة التالية: «كان في يوم من الأيام في القطار متوجها من مسقط رأسه إلى الجزائر العاصمة للإشراف على امتحانات الثانوية العامة، أي الباكالوريا، وإذا بشابين أوروبيين يجلسان جنبه في عربة القطار، وبدءا يسخران منه ومن لباسه التقليدي، فلم يهتم بهما لأنه كان يواصل تفحص ملفاته، وفي صباح الغد، وجد الشابان نفسهما أمامه، ففوجئا، لأنه أشرف على امتحانهما الشفوي، ولم يقل لهما أي شيء، أما هما فقد اعتراهما الخجل لما بدر منهما حينما التقياه في القطار. هذه النادرة تبين مدى تسامحه وتواضعه». ومما امتاز به محافظته على الزي الوطني والخلاق والعادات والتقاليد الجزائرية، والتزامه التكلم بلغته العربية، حتى خيل إلينا أنه لم يكن يحسن اللغة الفرنسية تماما، وكان من يراه لايخطر بباله أنه من أكبر أعلام الجزائر.
صلة الوصل بين الشرق والغرب
فرض الدكتور محمد بن أبي شنب نفسه في الأوساط الثقافية في الجزائر وخارجها، وكانت له علاقة وطيدة مع الكثير من الكتاب العرب والمستشرقين والمهتمين بالثقافة العربية.أتى في ظرف تاريخي معين جعله يركز كل جهده على البحث والكتابة. ومن خلال قراءتنا للمادة المتوافرة، برغم قلتها، وجدنا في فكر محمد بن شنب فكرا أكاديميا متكاملا، فقد اهتم بالتراث الشعبي الجزائري اللهجة المحلية النمطية والاهتمام بالتراث العربي الإسلامي بالإضافة إلى دراساته الأكاديمية الأخرى.
يطرح البحث عن العلامة محمد بن أبي شنب تساؤلات حول عدم اهتمام الباحثين الجزائريين بخاصة والعرب بعامة به، وهو الذي شكل حلقة وصل بين البحث الأكاديمي الفرنسي والبحث الأكاديمي العربي. وسنرى أنه تطرق إلى مؤاد معرفية مختلفة، وكانت اللغة الفرنسية تحاصره، لانه كان مضطرا للكتابة بها، لاسيما ان الجزائر كانت قد تعرضت للاستعمار لمدة الكثر من 130 سنة، فلم يكتف الاستعمار بنهب خيرات البلد والتسلط عليها فحسب، بل سعى إلى إفراغ الشخصية الجزائرية من اصالتها الوطنية والقومية مستعملا كل الاساليب والوسائل ففرض تعليم اللغة الفرنسية و«فرنس» كل مجالات الحياة الإدراية والتعليمية وفرض على الشعب الجزائري الكتابة والتعليم بلغته، بل فرض عليه دراسة تاريخ فرنسا وتراثها فكان كل من يريد أن يتعلم العربية ويدافع عنها يجد صعوبات جمة في تحقيق هدفه.
هذا بالإضافة إلى الاتجاه الاستعماري في بحث وجمع مواد الثقافة والعلوم بجميع اصنافها في الجزائر. ولم ينته هذا الاتجاه بانتهاء واقع الاستعمار، إذ أن تأثيره ظل فاعلا بالنخبة المثقفة من أبناء الجزائر سواء خلال الفترة الاستعمارية أم في فترة ما بعد الاستقلال، كما نرى في كتابات بعض ـفراد هذه النخبة الذين ظهروا أواخرا القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهم أولئك الذين انتموا إلى الحركة الثقافية والعلمية التي نشطت في تلك الفترة والتي مثلت الوجه شبه الرسمي للمؤسسة الثقافية الجزائرية، حيث عالج الدكتور أبو القاسم سعد الله على سبيل المثال، في كتابة «تاريخ الجزائر الثقافي» هذه الإشكاليات بالبحث والتنقيب وخصص لها عدة أجزاء، كما تكلم فيه عن الأدباء والعلماء والمثقفين الجزائريين الذين عاصروا مختلف تلك المراحل ومن بينهم طبعا العلامة محمد بن أبي شنب الذي ولد وسط هذه الأجواء، بمدينة المدية الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب الجزائر العاصمة.
وفاته
كان محمد بن أبي شنب صورة الأديب والعالم المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل دون أن يفقد شيئا من صفاته وعاداته، وأورثته سعة علمه زهدا وتواضعا ورغبة في تلبية كل طالب علم قصده في مسألة أو قضية.