مشاهدة النسخة كاملة : مظاهر وأسباب رحمة الله تعالى


حكاية ناي ♔
02-19-2024, 09:41 AM
1- مُقَدِّمَةٌ.

2- مَظَاهِرُ رَحمَةِ الله تعالى.

3- مَفَاتِيحُ الرَّحَمَاتِ وَأَسبَابُهَا.



الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ:

التذكيرُ بِسِعَةِ ومَظَاهِرِ رحمَةِ الله تعالى، وأَسبَابِ ومَفَاتِيحِ هَذِهِ الرَّحَمَاتِ.



مُقَدِّمَةٌ ومَدخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ، عِبَادَ الله، فَإِنَّ رَحمَةَ الله تعالى لا حدَّ لها، ولا أحَدٌ يستطيعُ أن يُحصِيهَا؛ فهِيَ وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ.



كما قال تعالى: ﴿ قَالَ ‌عَذَابِي ‌أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ ‌كَذَّبُوكَ ‌فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ [الأنعام: 147]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا ‌وَسِعْتَ ‌كُلَّ ‌شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7].



وكتبها الله تعالى على نفسه.



كما قال تعالى ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى ‌نَفْسِهِ ‌الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى ‌نَفْسِهِ ‌الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].



وَرَحمَتُهُ سُبحَانَهُ وتعالى تَسبِقُ غَضَبه.



ففي صحيح البخاري عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ)).



فَهُوَ: الرَّحمَنُ ذُو الرَّحمَةِ الشَّامِلةِ لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، وَهُوَ: الرَّحِيمُ ذُو الرَّحمَةِ للمؤمنين يوم القيامة.



كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ ‌بِالْمُؤْمِنِينَ ‌رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].



قال ابن القيم رحمه الله: "إن الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه وتعالى، والرحيم دالٌّ على تعلقها بالمرحوم؛ فالرحمن للوصف، والرحيم للفعل".



وما يتراحَمُ به جميعُ الخلقِ هو جزءٌ واحدٌ من مائة جزء من رحمة الله تعالى.



ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ؛ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وفي رواية: ((حتى ترفع الدابة حافرَها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه)).



وتأمل إلى عِظَمِ وسعَةِ رحمة الله تعالى، فهو أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وبالمثال يتضح المقال، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟))، قُلْنَا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: ((لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا))، وهذا حماد بن سلمة يدخل على سفيان الثوري في مرضه، فقال سفيان: "أترى أن الله يغفر لمثلي؟" فقال حماد: "والله، لو خُيِّرت بين محاسبة الله إياي، وبين محاسبة أبويَّ، لاخترت محاسبة الله؛ وذلك لأن الله أرحم بي من أبويَّ".



فإذا أراد الله تعالى بأهل الأرض خيرًا، نشر عليهم أثرًا من آثار رحمته؛ فعمَّر به البلاد، وأحيا به العباد، وإن أراد بهم شرًّا، أمسك عنهم ذلك الأثر؛ فحلَّ بهم من البلاء بحسب ما أمسك عنهم من الرحمات.



• الوقفة الثانية: مع مَظَاهِرِ رَحمَةِ الله تعالى.



فإن رحمة الله تعالى تتمثل في مظاهر عديدة يعجز العبد عن مجرد إحصائها؛ فإن نِعَمَ الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى هي مظهر من مظاهر رحمته سبحانه وتعالى، ومن مظاهر هذه الرَّحَمَاتُ:

1- إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو رحمة لهذه الأمة:

كما قال تعالى: ﴿ ‌وَمَا ‌أَرْسَلْنَاكَ ‌إِلَّا ‌رَحْمَةً ‌لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ وأي رحمة أن ينتقل الناس به من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد؟!



وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ ‌جَاءَكُمْ ‌رَسُولٌ ‌مِنْ ‌أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].



قال الحسن بن الفضل رحمه الله: "لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه، إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال فيه: ﴿ ‌بِالْمُؤْمِنِينَ ‌رَءُوفٌ ‌رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال عن نفسه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ ‌لَرَءُوفٌ ‌رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].



وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌لِنْتَ ‌لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وكان من أسمائه صلى الله عليه وسلم: نَبِيُّ الرَّحمَةِ.



قال ابن القيم رحمه الله: إن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته:

• أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة.



• ‏وأما أعداؤه المحاربون له: فالذين عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم؛ لأن حياتهم زيادة في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب الله عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خيرٌ لهم من طول أعمارهم.



• ‏وأما المعاهدون له: فعاشوا فى الدنيا تحت ظِلِّه وعهده وذمته، وهم أقل شرًّا بذلك العهد من المحاربين له.



• ‏وأما المنافقون: فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهليهم واحترامها، وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوراة وغيرها.



• ‏وأما الأمم النائية عنه: فإن الله عز وجل رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض؛ فأصاب كل العاملين النفع برسالته.



2- ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى: أنه أنزل علينا أعظم كتاب عرفته البشرية؛ القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ ‌جَاءَتْكُمْ ‌مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].



وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى ‌وَرَحْمَةً ‌لِقَوْمٍ ‌يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64].



وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا ‌كِتَابٌ ‌أَنْزَلْنَاهُ ‌مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].



وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ ‌بِكِتَابٍ ‌فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].



3- ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى: مغفرته لأهل التوحيد يوم القيامة:

• فقد هيَّأ لهم الأسباب في الدنيا لطلب المغفرة، وفتح لهم باب التوبة والرجاء، وعدم اليأس والقنوط من رحمته سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ ‌الَّذِينَ ‌أَسْرَفُوا ‌عَلَى ‌أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].



• فإذا مات هذا العاصي المُسْرِفُ على نفسه، ولقِيَ ربَّه بالتوحيد؛ فيتلقاه سبحانه وتعالى برحمته وعفوه وستره، بعد استحقاقه للعذاب في النار؛ فيخرجه منها برحمته جَلَّ في علاه.



4- ومن مظاهر رحمته: أنه يُدْخِلُ أهل الجنةِ الجنةَ:

كما قال تعالى: ﴿ ‌يُبَشِّرُهُمْ ‌رَبُّهُمْ ‌بِرَحْمَةٍ ‌مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 21]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ ‌نَحْشُرُ ‌الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].



وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قاربوا، وسدِّدوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)).



5- ومن مظاهر رحمته بهذه الأمة: أنه يُدخِلُ سبعين ألفًا بلا حساب ولا عذاب:

ففي الحديث الصحيح، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية: زادني مع كل ألف سبعين ألفًا)).



6- ومن مظاهر رحمته: نزول الأمطار:

كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي ‌يُنَزِّلُ ‌الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، وقال تعالى: ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ ‌رَحْمَتِ ‌اللَّهِ ‌كَيْفَ ‌يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [الروم: 50]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي ‌يُرْسِلُ ‌الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ [الأعراف: 57].



7- ومن مظاهر رحمته: أنه تكفَّل بقسمتها على عباده، ولم يَكِل ذلك لغيره:

كما قال تعالى: ﴿ ‌أَهُمْ ‌يَقْسِمُونَ ‌رَحْمَتَ ‌رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].



• فلن تستطيع قوة بشرية أن تحبس رحمة الله بالعباد؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ‌فَلَا ‌مُمْسِكَ ‌لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].



8- ومن مظاهر رحمته: أنه جعل لرحمته أسبابًا تستنزل بها، ومفاتيحَ؛ فمن طلبها وجدها، ومن أخذ بأسباب الحصول عليها نالها وحصل عليها في أي مكان وزمان، وهذا ما سنتعرف عليه في الخطبة الثانية.



نسأل الله العظيم أن يتغمدنا برحمته الواسعة.



الخطبة الثانية

مع الوقفة الثالثة: مَفَاتِيحُ الرَّحَمَاتِ وَأَسبَابُهَا.

1- طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم:

كما قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132].



2- إقامة الصلاة، والمحافظة عليها:

فقد قال الله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]



وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذي صَلَّى فِيهِ مَا لمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ)).



3- الرحمة بالعباد والشفقة عليهم:

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ؛ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))؛ [رواه الترمذي، وأبو داود].



قال الطيبي رحمه الله: "أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق؛ فيرحم البَرَّ والفاجر، والناطق والبهم، والوحوش والطير".



• وقد وصف الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ‌أَشِدَّاءُ ‌عَلَى ‌الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].



• ‏ ولذلك مدح النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أصحابه من بعده بهذه الصفة؛ فقال: ((أرحم أُمَّتي بأُمَّتي أبو بكر))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].



• ‏بل إن الرحمة -حتى بالحيوان- سببٌ من أسباب رحمة الله تعالى، وتأمل إلى هذه المرأة البغي، والتي لم تعمل خيرًا قط، وهذا الرجل الذي كان يمشي في فلاة، فوجد كلبًا يلهث من العطش، وفي الحديث: ((وفي كل ذات كبد رطبة أجر)).



• ‏ وأما القسوة بالعباد وعدم الرحمة بهم، فسببٌ لكل شر وبلاء، وغياب للرحمة من السماء؛ كما في الحديث الصحيح: ((مَنْ لا يَرْحَمْ الناسَ، لا يَرْحَمْهُ اللهُ عزَّ وجلَّ)).



4- مجَالِسُ العلم، وحِلَقُ القرآن:

كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ‌فَاسْتَمِعُوا ‌لَهُ ‌وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].



• وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، ويتَدَارسُونَه بيْنَهُم، إِلَّا نَزَلتْ علَيهم السَّكِينَة، وغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ، وذَكَرهُمْ اللَّه فيِمنْ عِنده)).



• وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه ((أنه كان في عصابة يذكرون الله، فمرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءهم قاصدًا حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث؛ إعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ما كنتم تقولون؟ فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم؛ فأحببت أن أشارككم فيها)).



5- عِيَادَةُ المرضى، وتفقُّد أحوالهم، وزيارتهم والسؤال عنهم؛ فإنه من أسباب الرحمة:

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ؛ فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].



6- قيام الليل، وإيقاظ الرجل زوجته، والزوجة زوجها:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحِمَ اللَّه رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فصَلَّى وأيْقَظَ امرأَتهُ، فإنْ أَبَتْ نَضحَ في وجْهِهَا الماءَ، رَحِمَ اللَّهُ امَرَأَةً قَامت مِن اللَّيْلِ فَصلَّتْ، وأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فإِن أَبي نَضَحَتْ فِي وجْهِهِ الماءَ))؛ [رواه أبو داود بإسناد صحيح].



7- صلاة أربع ركعات قبل العصر:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الألباني].



8- التكلُّم بالخير، وكفُّ اللسان عن الشر:

فقد روى البيهقي، وصححه الألباني عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رحِمَ الله عبدًا قال فغنِم، أو سكت فسَلِم)).



9- المسامحة في البيع والشراء وعند الاقتضاء:

كما في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رَحِمَ اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باعَ، سَمْحًا إذا اشْتَرى، سَمْحًا إذا اقْتَضَى)).



10- ومن مفاتيح الرحمات أيضًا:

تقوى الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ‌فَسَأَكْتُبُهَا ‌لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].



الصبر على المصائب والآلام؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا ‌أَصَابَتْهُمْ ‌مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156-157].



التصالح والألفة بين المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ‌فَأَصْلِحُوا ‌بَيْنَ ‌أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].



أن يستحل العبد من إخوانه المظالم التي عليه؛ ففي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رَحِمَ اللهُ عبدًا كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال، فاستحَلَّها منه قبل أن تُؤخَذ منه، وليس ثَمَّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات، أُخِذ من حسناته، وإن لم يكن له حسنات، جعلوا عليه من سيئاتهم)).



الجهاد في سبيل الله تعالى، والتضحية بالنفس والمال؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ‌وَهَاجَرُوا ‌وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 20- 21].



الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ ‌قُرُبَاتٍ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 99].



وهناك أوقات وأزمان فاضلة، وأماكن تكثر فيها الرحمات، وتعم فيها الخيرات؛ فمنها ليالي شهر رمضان كلها، والعشر الأواخر خاصة، فإذا دخل رمضان فُتحت أبواب الرحمة، ومنها يوم عرفة، ومنها المساجد، ومجالس العلم، وحلق القرآن.



نسأل الله العظيم أن يرحمنا برحمته الواسعة.

مجنون بحبك
02-19-2024, 09:47 AM
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته