حكاية ناي ♔
02-19-2024, 09:41 AM
حجة الوداع كانت مدرسة متكاملة، معلِّمها ومربِّيها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائد الأمة وحبيب المؤمنين، وتحتاج هذه الحجة إلى مجلدات ومؤتمرات لتأمُّل معانيها الرائعة، وحكمها العظيمة، ودروسها العميقة، واليوم نسلِّط الضوء على أحد هذه الدروس، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع الجامعة، الخطبة التي تمثل الدستور الإسلامي ((أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كُلُّكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت....اللهم فاشهد))، إنه صلى الله عليه وسلم يؤكِّد مبدأً قرآنيًّا عظيمًا؛ وهو وحدة أصل الإنسانية الذي قرره القرآن الكريم من قبل ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13] الإنسانية قيمة اجتماعية، رسَّخها الإسلام في جانبها المضيء، وعلينا أن ننظر إليها بالجانب الإيجابي فقط، ومن جوانبها الإيجابية: أن الناس سواسية في جنسهم وعِرْقهم، لا يتميز عِرْق على عِرْق، كما تزعم النازية، ومقدسو العرق الأبيض، ومفضلو الشمال على الجنوب، الله سبحانه وتعالى خلق آدم عليه السلام بيده العليَّة، من جميع بقاع الأرض، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب وبين ذلك))؛ رواه أبو داود والترمذي.
يختلف الناس في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم بحكمة الله سبحانه، ولكن ليس ذلك مؤشرًا على الأفضلية، فرُبَّ أسود خيرٌ من أبيض، وعبد خيرٌ من حُرٍّ، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ [البقرة: 221].
ومنها أن العصبية القبلية مرض اجتماعي بغيض، حاربه النبي صلى الله عليه وسلم بشدَّة، وعدَّه من مبادئ الجاهلية التي جاء لهدمها، فقال لَما اختصم مهاجريٌّ وأنصاريٌّ، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: ((أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!))؛ متفق عليه.
دعوى الجاهلية التي نراها عند بعض المسلمين المتعصِّبين لحزب أو قبيلة أو قائد، وكأنهم يقولون: نحن معك ظالمًا أو مظلومًا.
الإسلام يأمر أتباعه أن يتبرَّءوا من أنسابهم وأحلافهم وانتماءاتهم إن تعارضت مع الإسلام، كما تبرَّأ نوح عليه السلام من ابنه، وخليل الله إبراهيم عليه السلام من أبيه، وسلمان الفارسي رضي الله عنه من قومه الفُرْس، فكان ممن تشتاق الجنة إليهم.
ومنها أن الناس سواسية في قدرهم عند الله، لا يتميَّز أحد على أحد إلا بالتقوى؛ لأنهم كلهم من تراب، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم التراب هنا، ولم يقل آدم من طين، أو من لحم ودم، ليذكِّر الناس كلهم بمقدارهم المادي، وأصلهم المتواضع، إنه التراب أبسط وأتفه ما يملكه الإنسان، حتى يقال في المثل: "تربت يداك"؛ أي: خرجتَ صفر اليدين، لا تملك إلا التراب، فمهما كان الإنسان مديرًا أو زعيمًا أو حاكمًا أو غنيًّا أو جميلًا أو قويًّا، فهم سواء مع المرؤوس والفقير والقبيح والضعيف والوضيع.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو أشرف الخلق نسبًا وأعلاهم قدرًا وأجملهم وجهًا وأطيبهم نفسًا وريحًا- يجالس الفقراء، ويكرم العبيد، ويحتقر كبراء المشركين وزعماءهم وأغنياءهم.
ومنها أن أصل الناس ذكر وأنثى، لا ذكر فقط، ولا أنثى فقط، كما يريد الشاذُّون الشهوانيون المجرمون الذين لم يكفهم كوفيد 19 في إفناء البشرية، حتى يفنوا هم البشرية بطريقة أخرى؛ وهي القضاء على العائلة ومحاربة التناسل.
إلى أين يتَّجِه العالم؟! قامت الدول ولم تقعد من أجل حقوق المِثْليين، وحرية اختيارهم، وهذه هي الميكيافيلية التي يحاربونها، التي ترسِّخ أن الغاية تُبرِّر الوسيلة. فكل وسيلة عندهم مرخص بها ما دامت تخدم الحرية، الحرية في تعاطي المخدرات، الحرية في التجارب على البشر برضاهم، الحرية في الإجهاض، الحرية في كل شيء، لكن لبس الحجاب في فرنسا ليس حرية، والتمسك بالإسلام في الهند وبورما ليس حرية.
الزوجية هي فطرة الله ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، والزواج بين الجنسين هو العلاقة الطبيعية في كل عوالم الأرض، وهو ما يهدف الإسلام إليه؛ لذا جعلها من الضرورات الخمس.
الخطبة الثانية
بعض الناس فهم الإنسانية من الجانب الخاطئ، وهو تسوية الناس في دينهم، وجعل الإنسانية مرجعًا عقديًّا، وتقديمها على الدين، ووضعها معيارًا لأتباع الأديان، بحيث يتساوون ما داموا على دين، فالمسلم واليهودي والنصراني والبوذي والزرادشتي والصابئي واليزيدي والهندوسي كلهم سواء، وهذا هو الكفر بعينه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال سبحانه: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].
ورد ذلك من خطبة حجة الوداع التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى))، فبالتقوى يتفاضل الخلق.
وأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: ((وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسنة نبيه))، ومن خلط المفاهيم أنهم يطلقون على هذا المبدأ الإبراهيمية وإبراهيم عليه السلام منها براء براءةَ الذئب من دم يوسف؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 130، 131]، وقال عز وجل: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 67، 68].
الإنسانية فضيلة إن كان هدفها التواضُع والرحمة والمساواة العادلة، والإنسانية جريمة إن كان هدفها محو الفوارق العقدية بين الناس، وجعلها شريعةً كونيةً جاهليةً.
يختلف الناس في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم بحكمة الله سبحانه، ولكن ليس ذلك مؤشرًا على الأفضلية، فرُبَّ أسود خيرٌ من أبيض، وعبد خيرٌ من حُرٍّ، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ [البقرة: 221].
ومنها أن العصبية القبلية مرض اجتماعي بغيض، حاربه النبي صلى الله عليه وسلم بشدَّة، وعدَّه من مبادئ الجاهلية التي جاء لهدمها، فقال لَما اختصم مهاجريٌّ وأنصاريٌّ، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال صلى الله عليه وسلم: ((أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟!))؛ متفق عليه.
دعوى الجاهلية التي نراها عند بعض المسلمين المتعصِّبين لحزب أو قبيلة أو قائد، وكأنهم يقولون: نحن معك ظالمًا أو مظلومًا.
الإسلام يأمر أتباعه أن يتبرَّءوا من أنسابهم وأحلافهم وانتماءاتهم إن تعارضت مع الإسلام، كما تبرَّأ نوح عليه السلام من ابنه، وخليل الله إبراهيم عليه السلام من أبيه، وسلمان الفارسي رضي الله عنه من قومه الفُرْس، فكان ممن تشتاق الجنة إليهم.
ومنها أن الناس سواسية في قدرهم عند الله، لا يتميَّز أحد على أحد إلا بالتقوى؛ لأنهم كلهم من تراب، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم التراب هنا، ولم يقل آدم من طين، أو من لحم ودم، ليذكِّر الناس كلهم بمقدارهم المادي، وأصلهم المتواضع، إنه التراب أبسط وأتفه ما يملكه الإنسان، حتى يقال في المثل: "تربت يداك"؛ أي: خرجتَ صفر اليدين، لا تملك إلا التراب، فمهما كان الإنسان مديرًا أو زعيمًا أو حاكمًا أو غنيًّا أو جميلًا أو قويًّا، فهم سواء مع المرؤوس والفقير والقبيح والضعيف والوضيع.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو أشرف الخلق نسبًا وأعلاهم قدرًا وأجملهم وجهًا وأطيبهم نفسًا وريحًا- يجالس الفقراء، ويكرم العبيد، ويحتقر كبراء المشركين وزعماءهم وأغنياءهم.
ومنها أن أصل الناس ذكر وأنثى، لا ذكر فقط، ولا أنثى فقط، كما يريد الشاذُّون الشهوانيون المجرمون الذين لم يكفهم كوفيد 19 في إفناء البشرية، حتى يفنوا هم البشرية بطريقة أخرى؛ وهي القضاء على العائلة ومحاربة التناسل.
إلى أين يتَّجِه العالم؟! قامت الدول ولم تقعد من أجل حقوق المِثْليين، وحرية اختيارهم، وهذه هي الميكيافيلية التي يحاربونها، التي ترسِّخ أن الغاية تُبرِّر الوسيلة. فكل وسيلة عندهم مرخص بها ما دامت تخدم الحرية، الحرية في تعاطي المخدرات، الحرية في التجارب على البشر برضاهم، الحرية في الإجهاض، الحرية في كل شيء، لكن لبس الحجاب في فرنسا ليس حرية، والتمسك بالإسلام في الهند وبورما ليس حرية.
الزوجية هي فطرة الله ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، والزواج بين الجنسين هو العلاقة الطبيعية في كل عوالم الأرض، وهو ما يهدف الإسلام إليه؛ لذا جعلها من الضرورات الخمس.
الخطبة الثانية
بعض الناس فهم الإنسانية من الجانب الخاطئ، وهو تسوية الناس في دينهم، وجعل الإنسانية مرجعًا عقديًّا، وتقديمها على الدين، ووضعها معيارًا لأتباع الأديان، بحيث يتساوون ما داموا على دين، فالمسلم واليهودي والنصراني والبوذي والزرادشتي والصابئي واليزيدي والهندوسي كلهم سواء، وهذا هو الكفر بعينه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال سبحانه: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].
ورد ذلك من خطبة حجة الوداع التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى))، فبالتقوى يتفاضل الخلق.
وأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: ((وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسنة نبيه))، ومن خلط المفاهيم أنهم يطلقون على هذا المبدأ الإبراهيمية وإبراهيم عليه السلام منها براء براءةَ الذئب من دم يوسف؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 130، 131]، وقال عز وجل: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 67، 68].
الإنسانية فضيلة إن كان هدفها التواضُع والرحمة والمساواة العادلة، والإنسانية جريمة إن كان هدفها محو الفوارق العقدية بين الناس، وجعلها شريعةً كونيةً جاهليةً.