حكاية ناي ♔
02-19-2024, 09:46 AM
خطبة: يوم الفرقان دروس وعبر
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصير المجاهدين، وولي المتقين، قاصم الجبارين والمتكبرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
معاشر المؤمنين:
ندب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للسنة الثانية من الهجرة أصحابه للتعرض لقافلة قريش العائدة من الشام إلى مكة؛ فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: ((هذه عِيرُ قريشٍ، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها؛ لعل الله يُنفلكموها))، واستنفر من كان جاهزًا وقادرًا على الخروج ولم يكن يريد قتالًا، ولكن القافلة التي كان يقودها أبو سفيان نَجَتْ بعد تغيير خط سيرها، وأرسل إلى قريش يستنفرها، فخرجت قريش في نحوِ ألف مقاتل، بكامل عدتهم وعتادهم، ومعهم القِيان يَضْرِبن بالدفوف، ويُغنين بهجاء المسلمين، ورؤوس الكفار يتباهون كِبرًا وبطرًا ورئاء الناس، يتوعَّدون المسلمين بالهزيمة والإبادة، كما يفعل الصهاينة؛ حيث يتوعدون المسلمين في أرض فلسطين بالإبادة والقضاء عليهم، وتحرير أسْرَاهم بالقوة، واحتلال غزة، ولكن النصر والعاقبة كانت للمسلمين في بدر، وبإذن الله ستكون كذلك للمسلمين المجاهدين المرابطين في غزة.
أما المسلمون، فكانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلًا، وكان معهم سبعون جملًا يتناوب كل ثلاثة على جمل، وفَرَسان أو ثلاثة فقط، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي الصحابة رضوان الله عليهم قبل الدخول في تلك المعركة الحاسمة، فاستشار أصحابه قائلًا: ((أشيروا عليَّ أيها الناس، فتكلم كبار المهاجرين، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، فكرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: أشيروا عليَّ أيها الناس، فقام المقداد بن عمرو رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن امضِ ونحن معك، فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البخاري].
وهكذا هو موقف المؤمنين الصادقين عند بوادر المواجهة مع أعدائهم، عزم وإصرار وثقة بنصر الله، كما فعل المجاهدون في غزة، ومعهم ذلك الشعب الصابر المرابط؛ ثباتًا وصبرًا ودعمًا للمجاهدين.
معاشر المؤمنين:
ويكرر صلى الله عليه وسلم عبارته: ((أشيروا عليَّ أيها الناس، فقال عندها سعد بن معاذ رضي الله عنه: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخُضتَه لَخُضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تَقَرُّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال: سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين؛ إما العير، وإما النفير))؛ أشار بذلك لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7]، وهكذا هي النفس البشرية تميل للكسب والغِنى، وتتوقى المشقة والضرر، ولكنها حكمة الله تعالى وتدبيره، ففي معركة بدر هذه تجلت الحكمة الربانية: ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8].
وهكذا كان الأمر في جهاد المسلمين في أرض فلسطين أرض الرباط، اختار المجاهدون الأبطال في غزة خيار الجهاد والمواجهة أمام الصهاينة المجرمين، ولو كان طريقًا شائكًا، والآلام والتضحيات فيه كبيرة، ولكن عاقبته هي العزة والنصر والتمكين، إن شاء الله.
معاشر المؤمنين:
ويلتقي الجيشان في ملحمة كبيرة، سماها ربنا جل وعلا يوم الفرقان؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].
عندها رفع صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء، يستنزل النصر من الله جل وعلا ويستغيث به سبحانه، ويلح في الدعاء حتى سقط رداءه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه فرداه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: ((يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سيُنجز لك ما وعدك)).
ويشهد القرآن لهذا الموقف؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].
وتتوالى بشائر المدد الرباني والنصر من الله جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].
وتأملوا - عباد الله - في قوله تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [الأنفال: 12]، فمع نزول الملائكة لنصرة المسلمين مما هو بشارة للنصر الحتمي، إلا أن ربنا جل وعلا ينبه أن الناصر والمعين والمدبر هو الله جل وعلا، لتبقى القلوب معلقةً به هو، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، نسأل الله تعالى نصره المبين لعباده المجاهدين في غزة وفلسطين، وعذابه المهين وعقابه الأليم للصهاينة وأعوانهم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
معاشر المؤمنين:
في غزوة بدر الكبرى دروس وعِبَرٌ لواقعنا اليوم في مواجهة الأمة مع أعدائها الصهاينة، وأتباعهم من الكفار والمنافقين؛ منها:
أمر الله تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مواجهتهم، فلا يفروا ولا ينكُثُوا ولا يجبُنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستغيثوا به، ويتوكلوا عليه أن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على أعدائهم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].
ومن دروسها: أن الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب النصر، وأن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].
وقال تعالى عن معركة بدر: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
وإن الأمة لَتترقب النصر اليوم للمسلمين في غزة في هذه المواجهة؛ لِما رأته وعلمته عن أولئك المجاهدين في غزة من إيمان وصلاح، واستقامة ونصرة لدين الله ودعوته.
ومن دروسها: أن الجهاد من أفضل الأعمال، وهو ذروة سَنام الإسلام؛ لِما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله؛ عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: ((جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعُدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهِد بدرًا من الملائكة))، وفي هذا شهادة وتزكية نبوية وملائكية للمجاهدين في سبيل الله، شهادة لكل من سلك سبيل الجهاد إلى يوم الدين، ينالها اليوم أولئك الأبطال المجاهدون في فلسطين وغزة، أما المتخاذلون والْمُرْجِفون والْمُطبِّعون، فلا نصيب لهم منها، بل لهم الخزي والذل والعار؛ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60].
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصير المجاهدين، وولي المتقين، قاصم الجبارين والمتكبرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].
معاشر المؤمنين:
ندب النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان للسنة الثانية من الهجرة أصحابه للتعرض لقافلة قريش العائدة من الشام إلى مكة؛ فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: ((هذه عِيرُ قريشٍ، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها؛ لعل الله يُنفلكموها))، واستنفر من كان جاهزًا وقادرًا على الخروج ولم يكن يريد قتالًا، ولكن القافلة التي كان يقودها أبو سفيان نَجَتْ بعد تغيير خط سيرها، وأرسل إلى قريش يستنفرها، فخرجت قريش في نحوِ ألف مقاتل، بكامل عدتهم وعتادهم، ومعهم القِيان يَضْرِبن بالدفوف، ويُغنين بهجاء المسلمين، ورؤوس الكفار يتباهون كِبرًا وبطرًا ورئاء الناس، يتوعَّدون المسلمين بالهزيمة والإبادة، كما يفعل الصهاينة؛ حيث يتوعدون المسلمين في أرض فلسطين بالإبادة والقضاء عليهم، وتحرير أسْرَاهم بالقوة، واحتلال غزة، ولكن النصر والعاقبة كانت للمسلمين في بدر، وبإذن الله ستكون كذلك للمسلمين المجاهدين المرابطين في غزة.
أما المسلمون، فكانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلًا، وكان معهم سبعون جملًا يتناوب كل ثلاثة على جمل، وفَرَسان أو ثلاثة فقط، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي الصحابة رضوان الله عليهم قبل الدخول في تلك المعركة الحاسمة، فاستشار أصحابه قائلًا: ((أشيروا عليَّ أيها الناس، فتكلم كبار المهاجرين، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، فكرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله: أشيروا عليَّ أيها الناس، فقام المقداد بن عمرو رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن امضِ ونحن معك، فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البخاري].
وهكذا هو موقف المؤمنين الصادقين عند بوادر المواجهة مع أعدائهم، عزم وإصرار وثقة بنصر الله، كما فعل المجاهدون في غزة، ومعهم ذلك الشعب الصابر المرابط؛ ثباتًا وصبرًا ودعمًا للمجاهدين.
معاشر المؤمنين:
ويكرر صلى الله عليه وسلم عبارته: ((أشيروا عليَّ أيها الناس، فقال عندها سعد بن معاذ رضي الله عنه: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِما أمرك الله، فوالذي بعثك بالحق، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخُضتَه لَخُضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تَقَرُّ به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال: سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين؛ إما العير، وإما النفير))؛ أشار بذلك لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 7]، وهكذا هي النفس البشرية تميل للكسب والغِنى، وتتوقى المشقة والضرر، ولكنها حكمة الله تعالى وتدبيره، ففي معركة بدر هذه تجلت الحكمة الربانية: ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8].
وهكذا كان الأمر في جهاد المسلمين في أرض فلسطين أرض الرباط، اختار المجاهدون الأبطال في غزة خيار الجهاد والمواجهة أمام الصهاينة المجرمين، ولو كان طريقًا شائكًا، والآلام والتضحيات فيه كبيرة، ولكن عاقبته هي العزة والنصر والتمكين، إن شاء الله.
معاشر المؤمنين:
ويلتقي الجيشان في ملحمة كبيرة، سماها ربنا جل وعلا يوم الفرقان؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].
عندها رفع صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء، يستنزل النصر من الله جل وعلا ويستغيث به سبحانه، ويلح في الدعاء حتى سقط رداءه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ رداءه فرداه، ثم التزمه من ورائه، ثم قال: ((يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سيُنجز لك ما وعدك)).
ويشهد القرآن لهذا الموقف؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].
وتتوالى بشائر المدد الرباني والنصر من الله جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].
وتأملوا - عباد الله - في قوله تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ [الأنفال: 12]، فمع نزول الملائكة لنصرة المسلمين مما هو بشارة للنصر الحتمي، إلا أن ربنا جل وعلا ينبه أن الناصر والمعين والمدبر هو الله جل وعلا، لتبقى القلوب معلقةً به هو، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، نسأل الله تعالى نصره المبين لعباده المجاهدين في غزة وفلسطين، وعذابه المهين وعقابه الأليم للصهاينة وأعوانهم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
معاشر المؤمنين:
في غزوة بدر الكبرى دروس وعِبَرٌ لواقعنا اليوم في مواجهة الأمة مع أعدائها الصهاينة، وأتباعهم من الكفار والمنافقين؛ منها:
أمر الله تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مواجهتهم، فلا يفروا ولا ينكُثُوا ولا يجبُنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستغيثوا به، ويتوكلوا عليه أن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على أعدائهم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].
ومن دروسها: أن الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب النصر، وأن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].
وقال تعالى عن معركة بدر: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
وإن الأمة لَتترقب النصر اليوم للمسلمين في غزة في هذه المواجهة؛ لِما رأته وعلمته عن أولئك المجاهدين في غزة من إيمان وصلاح، واستقامة ونصرة لدين الله ودعوته.
ومن دروسها: أن الجهاد من أفضل الأعمال، وهو ذروة سَنام الإسلام؛ لِما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله؛ عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: ((جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعُدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين، قال: وكذلك من شهِد بدرًا من الملائكة))، وفي هذا شهادة وتزكية نبوية وملائكية للمجاهدين في سبيل الله، شهادة لكل من سلك سبيل الجهاد إلى يوم الدين، ينالها اليوم أولئك الأبطال المجاهدون في فلسطين وغزة، أما المتخاذلون والْمُرْجِفون والْمُطبِّعون، فلا نصيب لهم منها، بل لهم الخزي والذل والعار؛ قال تعالى: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60].