حكاية ناي ♔
02-19-2024, 09:47 AM
1- وصف النار وأحوال أهلها.
2- أعمال يسيرة للنجاة من النار.
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، فإن القلوب بحاجة إلى أن تُقرَع بالمواعظ والنُّذُر، وأن نذكِّرها بما خوَّف الله تعالى به عباده، وحذَّرهم منه؛ لأن في ذلك صلاحها واستقامتها على الدين.
قال تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [الليل: 14].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 35، 36].
وخوَّف الله تعالى بها ملائكته المقربين.
فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 29].
وقال لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39].
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بالمواعظ التي تَوجَل منها القلوب، وتذرِف منها العيون.
فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن النعمان رضي الله عنه، قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب وهو يقول: ((أنذرتكم النارَ، أنذرتكم النار)).
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة)).
والنار مخلوقة، موجودة:
قال تعالى عنها: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، ومعنى أُعِدَّت: أي: هُيِّئت.
والنبي صلى الله عليه وسلم رآها: ((ورأيت النار، فلم أرَ منظرًا كاليوم قطُّ أفظعَ...)).
فهيا بنا نقف هذه الوقفات حول النار وعذابها وأحوال أهلها، أعاذنا الله منها، مع بيان بعض الأسباب اليسيرة للنجاة من النار.
فأما أسماؤها وصفاتها، فهي: جهنم، لظَى، الحُطَمة، السعير، سقر، الجحيم، الهاوية، السَّموم، وبئس المصير، وبئس القرار، وبئس المهاد، وبئس الورد المورود، ودار البوار، ودار الفاسقين، وسوء الدار، وأسفل السافلين.
وأما مكانها: ففي أسفل السافلين، وأبعد ما يكون عن رب العالمين؛ فهي دار عقاب أُبعدت عن رحمة الله تعالى، وعن دار أوليائه المؤمنين.
قال تعالى: ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 66].
قال تعالى: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29].
وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الملك: 6].
وأما قعرها فبعيد، وأما حرُّها فشديد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وَجْبَةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رُمِيَ به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها)).
ولعِظَمِ النار يأتي بها يوم القيامة أعداد عظيمة من الملائكة يجرُّونها.
فقد روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتَى بجهنمَ يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرُّونها)).
﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 23].
وأما أبوابها: فهي سبعة أبواب:
قال الله تعالى: ﴿ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ﴾ [الحجر: 44].
قال علي رضي الله عنه: "إن أبواب النار هكذا أطباقٌ بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول ثم الثاني ثم الثالث".
وأما خَزَنتُها:
قال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 30].
وقال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وأما كيف يدخلونها؟ فإنهم يُساقون إلى النار سوقًا عنيفًا، ويُسحبون على وجوههم، ويدخلونها من مكان ضيق مقرَّنين في السلاسل، يدفع بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا.
قال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 71].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر: 48].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [الطور: 13، 14].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 85، 86].
وأما شدة حرها: فإن حرها شديد.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نارُكم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافيةً، قال: فُضِّلت عليهن بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرِّها)).
وأما ظلها: فهو ظل من اللهب واليَحْمُوم.
قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16].
وقال تعالى: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴾ [المرسلات: 30، 31].
وقال تعالى: ﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة: 43، 44].
وأما ريحها: فمن السَّموم.
قال تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ﴾ [الواقعة: 41، 42].
وأما وقودها: فمن الناس والحجارة.
قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].
وأما أهلها وساكنوها: فهم شرار الخلق، وهم أتباع الشياطين.
كما قال الله تعالى: ﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴾ [الليل: 15].
كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 84، 85].
وأما لباسهم: فلباس الخزي والعار؛ فقد قُطِّعت لهم ثياب من نار على قدر أبدانهم.
قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19].
وقال تعالى: ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم: 49، 50].
وأما طعامهم: فهو الزَّقُّوم وبئس الطعام.
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴾ [الواقعة: 51، 52].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 46].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لو أن قطرةً من الزقوم قُطِرَت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟))؛ [صحيح الترمذي]، وفي رواية: ((لأمرَّت على أهل الأرض عَيشَهم)).
وأما شرابهم: فهو الحميم، فإذا ملأوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث، التهبت أكبادهم عطشًا، وغصَّت حلوقهم؛ فيشربون من هذا الحميم.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [المزمل: 12، 13].
وقال تعالى: ﴿ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15]، والحميم هو ما اشتدَّ حرُّه.
فإذا استغاثوا من شدة حره وغليانه، يُغاثون بما هو أشد:
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29].
وأما عن أحوالهم في النار: وبينما هم على ذلك العذاب ينظر بعضهم إلى بعض، ويقترحون أن يذهبوا لخزنة النار؛ لعل الله يخفف عنهم هذا العذاب.
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 49، 50].
ثم ينادون على من كان سببًا في إضلالهم:
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر: 47، 48].
وقال تعالى: ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21].
وتارة يلوم بعضهم بعضًا:
قال تعالى: ﴿ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [ص: 59، 60].
وعند ذلك يلعن بعضهم بعضًا، وتبدأ العداوة:
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25].
قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38].
وحينها يطلبون من الله زيادة العذاب على من كان سببًا في إضلالهم:
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 38].
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴾ [ص: 61].
وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 68].
وعندما يشتد عليهم العذاب، يندمون شديد الندم، يندمون على التفريط والتقصير، يندمون على كل معصية وذنب، ويتمنَّون أن يعودوا إلى الدنيا، يتمنون أن يُخرجوا من النار، فيعودوا إلى دار الدنيا ليعملوا صالحًا:
قال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37].
وحينها يودون لو أنهم يفتدون بأبنائهم الذين من أصلابهم، وزوجاته، وأهلهم وعشيرتهم؛ بل أنهم يودون لو أنهم يفتدون بمن في الأرض جميعًا:
قال تعالى: ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾ [المعارج: 11 - 16].
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل.
الخطبة الثانية
أعمال يسيرة للنجاة من النار:
أيها المسلمون عباد الله، إن من أوجب الواجبات على المسلم، أن يسعى ويبذل الجهد لنجاة نفسه من النار، وهذه بعض الأسباب والأعمال اليسيرة للنجاة من النار:
1- وأولها وأهمها: تحقيق وإخلاص التوحيد لله تعالى:
في الصحيحين عن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لن يوافيَ عبدٌ يومَ القيامة، يقول: لا إله إلا الله، يبتغي به وجه الله، إلا حرَّم الله عليه النار)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار)).
2- البراءة من الشرك:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من مات لا يشرك بالله شيئًا، فقد حرَّم الله عليه النار)).
3- ومن أسباب النجاة من النار: سؤال الله تعالى والاستعاذة به منها:
قال تعالى في وصف عباده المتقين: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 16].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجِرْهُ من النار))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من النار في دُبُرِ كل صلاة؛ أي: بعد التشهد.
4- المحافظة على صلاتي الفجر والعصر:
ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها))؛ يعني: الفجر والعصر.
5- المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها.
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، حرَّمه الله على النار))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
6- المحافظة على تكبيرة الإحرام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)).
7- الإكثار من صيام التطوع:
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)).
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام يومًا في سبيل الله، جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
8- البكاء من خشية الله تعالى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يلج النارَ رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
9- إحسان تربية البنات أو الأخوات:
في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يَلِي من هذه البنات شيئًا، فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار)).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن ويُحسِن إليهن إلا دخل الجنة))؛ [رواه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد].
10- الذب عن عرض أخيه المسلم:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ردَّ عن عِرْضِ أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
11- الصدقة ولو بالقليل:
ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل)).
12- المحافظة على الباقيات الصالحات وهُنَّ المنجيات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا جُنَّتكم، قالوا: يا رسول الله، أمِنْ عدوٍّ قد حضر؟ قال: لا، ولكن جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مُجنِّبات ومُعقِّبات، وهن الباقيات الصالحات))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل.
2- أعمال يسيرة للنجاة من النار.
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، فإن القلوب بحاجة إلى أن تُقرَع بالمواعظ والنُّذُر، وأن نذكِّرها بما خوَّف الله تعالى به عباده، وحذَّرهم منه؛ لأن في ذلك صلاحها واستقامتها على الدين.
قال تعالى: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [الليل: 14].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 35، 36].
وخوَّف الله تعالى بها ملائكته المقربين.
فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 29].
وقال لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39].
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بالمواعظ التي تَوجَل منها القلوب، وتذرِف منها العيون.
فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عن النعمان رضي الله عنه، قال: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب وهو يقول: ((أنذرتكم النارَ، أنذرتكم النار)).
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة)).
والنار مخلوقة، موجودة:
قال تعالى عنها: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24]، ومعنى أُعِدَّت: أي: هُيِّئت.
والنبي صلى الله عليه وسلم رآها: ((ورأيت النار، فلم أرَ منظرًا كاليوم قطُّ أفظعَ...)).
فهيا بنا نقف هذه الوقفات حول النار وعذابها وأحوال أهلها، أعاذنا الله منها، مع بيان بعض الأسباب اليسيرة للنجاة من النار.
فأما أسماؤها وصفاتها، فهي: جهنم، لظَى، الحُطَمة، السعير، سقر، الجحيم، الهاوية، السَّموم، وبئس المصير، وبئس القرار، وبئس المهاد، وبئس الورد المورود، ودار البوار، ودار الفاسقين، وسوء الدار، وأسفل السافلين.
وأما مكانها: ففي أسفل السافلين، وأبعد ما يكون عن رب العالمين؛ فهي دار عقاب أُبعدت عن رحمة الله تعالى، وعن دار أوليائه المؤمنين.
قال تعالى: ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 66].
قال تعالى: ﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 29].
وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الملك: 6].
وأما قعرها فبعيد، وأما حرُّها فشديد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وَجْبَةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رُمِيَ به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن، حتى انتهى إلى قعرها)).
ولعِظَمِ النار يأتي بها يوم القيامة أعداد عظيمة من الملائكة يجرُّونها.
فقد روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتَى بجهنمَ يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرُّونها)).
﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 23].
وأما أبوابها: فهي سبعة أبواب:
قال الله تعالى: ﴿ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ﴾ [الحجر: 44].
قال علي رضي الله عنه: "إن أبواب النار هكذا أطباقٌ بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول ثم الثاني ثم الثالث".
وأما خَزَنتُها:
قال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 30].
وقال تعالى: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وأما كيف يدخلونها؟ فإنهم يُساقون إلى النار سوقًا عنيفًا، ويُسحبون على وجوههم، ويدخلونها من مكان ضيق مقرَّنين في السلاسل، يدفع بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا.
قال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر: 71].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر: 48].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [الطور: 13، 14].
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 85، 86].
وأما شدة حرها: فإن حرها شديد.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نارُكم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافيةً، قال: فُضِّلت عليهن بتسعة وستين جزءًا، كلهن مثل حرِّها)).
وأما ظلها: فهو ظل من اللهب واليَحْمُوم.
قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16].
وقال تعالى: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴾ [المرسلات: 30، 31].
وقال تعالى: ﴿ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة: 43، 44].
وأما ريحها: فمن السَّموم.
قال تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ﴾ [الواقعة: 41، 42].
وأما وقودها: فمن الناس والحجارة.
قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].
وأما أهلها وساكنوها: فهم شرار الخلق، وهم أتباع الشياطين.
كما قال الله تعالى: ﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴾ [الليل: 15].
كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 84، 85].
وأما لباسهم: فلباس الخزي والعار؛ فقد قُطِّعت لهم ثياب من نار على قدر أبدانهم.
قال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19].
وقال تعالى: ﴿ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴾ [إبراهيم: 49، 50].
وأما طعامهم: فهو الزَّقُّوم وبئس الطعام.
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴾ [الواقعة: 51، 52].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 46].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لو أن قطرةً من الزقوم قُطِرَت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟))؛ [صحيح الترمذي]، وفي رواية: ((لأمرَّت على أهل الأرض عَيشَهم)).
وأما شرابهم: فهو الحميم، فإذا ملأوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث، التهبت أكبادهم عطشًا، وغصَّت حلوقهم؛ فيشربون من هذا الحميم.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [المزمل: 12، 13].
وقال تعالى: ﴿ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15]، والحميم هو ما اشتدَّ حرُّه.
فإذا استغاثوا من شدة حره وغليانه، يُغاثون بما هو أشد:
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29].
وأما عن أحوالهم في النار: وبينما هم على ذلك العذاب ينظر بعضهم إلى بعض، ويقترحون أن يذهبوا لخزنة النار؛ لعل الله يخفف عنهم هذا العذاب.
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 49، 50].
ثم ينادون على من كان سببًا في إضلالهم:
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر: 47، 48].
وقال تعالى: ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21].
وتارة يلوم بعضهم بعضًا:
قال تعالى: ﴿ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [ص: 59، 60].
وعند ذلك يلعن بعضهم بعضًا، وتبدأ العداوة:
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 25].
قال تعالى: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [الأعراف: 38].
وحينها يطلبون من الله زيادة العذاب على من كان سببًا في إضلالهم:
قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 38].
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ﴾ [ص: 61].
وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 68].
وعندما يشتد عليهم العذاب، يندمون شديد الندم، يندمون على التفريط والتقصير، يندمون على كل معصية وذنب، ويتمنَّون أن يعودوا إلى الدنيا، يتمنون أن يُخرجوا من النار، فيعودوا إلى دار الدنيا ليعملوا صالحًا:
قال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾ [فاطر: 37].
وحينها يودون لو أنهم يفتدون بأبنائهم الذين من أصلابهم، وزوجاته، وأهلهم وعشيرتهم؛ بل أنهم يودون لو أنهم يفتدون بمن في الأرض جميعًا:
قال تعالى: ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾ [المعارج: 11 - 16].
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل.
الخطبة الثانية
أعمال يسيرة للنجاة من النار:
أيها المسلمون عباد الله، إن من أوجب الواجبات على المسلم، أن يسعى ويبذل الجهد لنجاة نفسه من النار، وهذه بعض الأسباب والأعمال اليسيرة للنجاة من النار:
1- وأولها وأهمها: تحقيق وإخلاص التوحيد لله تعالى:
في الصحيحين عن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لن يوافيَ عبدٌ يومَ القيامة، يقول: لا إله إلا الله، يبتغي به وجه الله، إلا حرَّم الله عليه النار)).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار)).
2- البراءة من الشرك:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من مات لا يشرك بالله شيئًا، فقد حرَّم الله عليه النار)).
3- ومن أسباب النجاة من النار: سؤال الله تعالى والاستعاذة به منها:
قال تعالى في وصف عباده المتقين: ﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 16].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الله الجنة ثلاث مرات، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجِرْهُ من النار))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة من النار في دُبُرِ كل صلاة؛ أي: بعد التشهد.
4- المحافظة على صلاتي الفجر والعصر:
ففي صحيح مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها))؛ يعني: الفجر والعصر.
5- المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها.
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، حرَّمه الله على النار))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].
6- المحافظة على تكبيرة الإحرام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)).
7- الإكثار من صيام التطوع:
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا)).
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام يومًا في سبيل الله، جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
8- البكاء من خشية الله تعالى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يلج النارَ رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
9- إحسان تربية البنات أو الأخوات:
في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يَلِي من هذه البنات شيئًا، فأحسن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار)).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن ويُحسِن إليهن إلا دخل الجنة))؛ [رواه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد].
10- الذب عن عرض أخيه المسلم:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ردَّ عن عِرْضِ أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
11- الصدقة ولو بالقليل:
ففي الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل)).
12- المحافظة على الباقيات الصالحات وهُنَّ المنجيات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا جُنَّتكم، قالوا: يا رسول الله، أمِنْ عدوٍّ قد حضر؟ قال: لا، ولكن جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مُجنِّبات ومُعقِّبات، وهن الباقيات الصالحات))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل.