عازف الناي
08-24-2022, 10:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
“لو طَهُرَت قلوبنا ما شبِعت من كلام ربنا” كلمة قالها عثمان بن عفان رضى الله عنه في حقّ القرآن العظيم، كلمة نحتاج اليوم أن نقف عندها طويلاً ونحن نستقبل القرآن ومعاني القرآن
القرآن العظيم أراد الله سبحانه وتعالى له أن يعلو على كل الكتب السماوية التي أُنزِلت وأن يكون مهيمناً عليها أراد الله له سبحانه أن يحكم في حياة الإنسان فرداً كان، أسرةً، مجتمعاً، أو دولةً أو عالماً. هو الكلام الذي نتعرف من خلاله على ربنا عز وجل هو الكلام الذي يخاطبنا به الله سبحانه وتعالى أفراد وجماعات. ولمنزلة القرآن العظيم التي تحدثنا عنها جعل الله هذا القرآن العظيم في حفظ وفي حرز ولذلك قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) قضية حفظ القرآن قضية مفروغ منها ولكن ليست المسألة في الحفظ فهذا قد تكفل الله سبحانه به، المسألة في التلقي، المسألة في كيفية تلقينا اليوم لهذا الكتاب العظيم ولكي ندرك طبيعة العلاقة التي باتت بيننا وبين كتاب الله اليوم نحتاج أن نقف أولاً عند تلك الطبيعة من العلاقة بين المسلمين الأوائل الذين نزل عليهم القرآن العظيم وبين كتاب الله.
القرآن كان حين ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن يبلغهم إياه النبي صلوات الله وسلامه عليه كانوا يتلقونه ويستقبلونه بقلوبهم قبل أن يستقبلوه بآذانهم. القلوب هي التي كانت تتلقى القرآن ودعونا نتأمل في معنى هذه الكلمة. القرآن لا ينزل على الأذن ولا على السمع ولا على البصر صحيح هذه وسائل إدراك ولكنه أول ما ينزل وأهم ما ينزل عليه هو القلب ولذلك ربي عز وجل يقول (نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ (97) البقرة) إذاً التنزيل هو على القلب وبالتالي الاستقبال والتلقي لا بد أن يكون من القلب.
فالصحابة جيل التلقي الأول حين كان ينزل القرآن كانوا يتلقونه بقلوبهم قلوب شُغفت حباً بهذا الكلام، قلوب مستعدة ومتشوفة ومتطلعة ومتلهفة لأن تسمع من الله عز وجل لأن تسمع كلام ربها وهو يخاطبها وهو يتحدث إليها وهو يعالج الإشكاليات التي تمر بها وهو يتحدث إلى خلجات النفس وإلى الصدور وإلى المشاعر وإلى الأحاسيس التي لا يطّلع عليها أحد سواه سبحانه وتعالى. فلأن جيل التلقي الأول كان يستقبل القرآن بتلك القلوب كان من الطبيعي أن يكون للقرآن ذلك الأثر الذي نسمع عنه ونراه في حياتهم، كان من الطبيعي أن يكون جيل التلقي متلهفاً أن يسمع الكلمة لكي يطبقها في حياته، لكي يحولها من مجرد كلمات تقرأ وتسمع وتحفظ في الصدور إلى واقع إلى تعامل إلى سلوك إلى أخلاقيات في البيع والشراء والتعامل والسفر والسلم والحرب والمنع والأخذ والعطاء، أخلاقيات.
كانوا مصاحف تمشي على الأرض بدون مثالية بمنتهى الواقعية نحن لا نضرب ضرباً في المثالية أو في الخيال حين نقول أن الواحد منهم كان يتلقى القرآن لينفذ الأوامر لينفذ التعليمات ليطبّق في حياته، لا، كان واقعاً حقيقياً عاشوه بينهم ولذا روي عنهم أنهم ما كانوا يتجاوزون العشر آيات من القرآن الكريم وهم تلك الأمة المعروف عنها الحفظ والذاكرة وعدم القدرة على النسيان أبداً. هؤلاء كانوا لا يتجاوزون العشر آيات من كتاب الله إلا بعد أن يتموا ما جاء فيها من العلم والعمل بمعنى آخر كانوا يتعلمونها.
ولكي أتعلم الشيء كما يكشف الآن العلم الحديث أحتاج أن أطبق في حياتي أحتاج أن أفهم أولاً أن أعي ما يقال لي ثم أدرّب نفسي وأمرّنها على أن تمارس ما قد فهمت، تمارس ما قد وعت، تمارس ما قد وصل إليها من معلومات هذه أرقى درجات التعليم والتلقي. وهذا ما نشأ بامتياز في جيل التلقي الأول،
كانوا يحفظونه بقلوبهم بصدورهم بمحبة كان ثمة علاقة من المحبة صعب ربما أن نفهمها اليوم ونحن نعيش حالة من حالات البعد والجفاء في العلاقة مع القرآن العظيم. كانوا يحبون القرآن حباً جماً كانوا يفتقدون القرآن حين تتأخر بعض الآيات في النزول كان تمر بهم الحالة أو الحادثة أو الواقعة فينتظروا بشغف بلهفة لما سيقوله الله عز وجل لهم، تأتي أو تحدث الغزوة أو تحدث الواقعة أو يأتي السؤال من أحدهم وهم في لهفة في ترقّب في انتظار كما يترقب الحبيب كلام حبيبه. هذه العلاقة العظيمة أدت إلى أن يكون القرآن فاعلاً في حياتهم مغيراً لسلوكياتهم مبدِّلاً للأشياء السلبية الموجودة في الحياة،
في الواقع القرآن كان له دور عظيم في قضية التغيير كان يقود التغيير في الفرد وفي المجتمع في الواقع ولذا تمكن القرآن من أن يصنع جيلاً قرآنياً فريداً من نوعه. ويبقى السؤال اليوم بعد كل هذه القرون من نزول القرآن العظيم هل تبدلت إمكانية القرآن على صناعة وإنشاء جيل قرآني كما كان الجيل الأول؟ أم ماذا حدث؟
إمكانية القرآن غير قابلة للنقاش خارج حدود السؤال موجودة وهي من إعجاز هذا القرآن العظيم يخاطب الله به كل الأجيال الشاب الكبير المتعلم المثقف العبقري والأمي البسيط والجاهل المرأة والرجل الكل. إذاً ليست الإشكالية في إمكانية القرآن حتى أنتهي من الموضوع وأنتقل إلى النقطة الأهم وهي طبيعة التلقي الموجود الآن لنا نحن مع هذا القرآن العظيم، هناك إشكالية في التلقي كيف؟
لكي نشخِّص الحالة بطريقة صحيحة نستطيع من خلالها أن نقدم حلولاً عملية نحتاج أن نقف أولاً إلى القلب وإلى المنافذ التي يدخل منها الكلام وهو القرآن كلام الله عز وجل.
أول سؤال أطرحه على نفسي وينبغي أن أطرحه ويطرحه كل واحد منا على نفسه بمنتهى الصدق بدون أي نوع من أنواع التهرب من المسؤولية أو الإتكالية على أشياء مختلفة. أنا حين أفتح هذا الكتاب العظيم اليوم وأقرأ على سبيل المثال بسم الله الرحمن الرحيم (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أوائل سورة البقرة هذه الآيات حين تنزل وأنا أقرأها كيف يستقبلها قلبي؟ هل قلبي يستقبلها بغفلة؟ هل يستقبلها كما يستقبل أيّ كلام عادي يقال له؟ أم أن هذا القلب يدرك بأن هذه الكلمات العظيمة إنما هي من الله، الله سبحانه يتحدث إليّ بهذا القرآن العظيم، الله الملك الواحد الأحد في السماوات والأرض في ملكه سبحانه يحدّثني أنا العبد الفقير أنا العبد المسكين أنا بكل همومي بكل بساطتي بكل محدوديتي يخاطبني ربي عز وجل. هذه المعاني يا ترى هل هي موجودة فعلاً حاضرة في قلبي الآن وأنا أقرأ القرآن أم قد غابت عني؟! أم أني قد شغلت عنها؟! شغلت بماذا؟ ربما أكون شغلت بأني أنا حين أقرأ القرآن هذه الآيات أقرأها بتلهف ولكن ليس تلهف المحبّ لسماع كلام حبيبه لا، تلهف من يريد أن ينتهي من أكبر عدد من الآيات والسور ليختم القرآن وتسجل له ختمة ويزداد في الحسنات وفي الأجر وفي الثواب وهي غاية عظيمة نبيلة لا أحد يتكلم عنها. ولكن السؤال يا ترى ما الفارق الذي إبتداءً أنا في علاقتي مع القرآن غيّرت فيه؟
أنا أستقبل اليوم القرآن ولكن ليس كما كان يستقبل جيل التلقي الأول للقرآن أنا أستقبل القرآن لكي أنتهي من آياته، أنا أستقبل القرآن لكي أعد الآيات والحروف حتى أدرك كم حسنة ستدخل في جيبي وفي ميزان أعمالي. والفارق شاسع بين ذاك التلقي الذي ولد وصنع جيلاً قرآنياً متميزاً استطاع أن يغيّر وجه العالم والتاريخ وبين التلقي الذي أستقبل به القرآن اليوم الذي بصراحة لم يستطع أن يغير حتى من وجه حياتي تغييراً جذرياً ولا من أخلاقياتي ولا من تصرفاتي إلى حد كبير.
ولذا يقول عبد الله بن مسعود في زمانه وفي جيله يتكلم عن حالة بعض الناس مع القرآن فيقول تراه يقرأ القرآن من أوله لآخره من الفاتحة إلى سورة الناس ولا يُرى له القرآن في خُلُق أو في عمل. بمعنى آخر لا يؤثر فيه القرآن لا يغيرّه القرآن لا يصنعه القرآن لا يربيه القرآن لا يطبعه القرآن بصبغته العظيمة التي هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة هذا ما نريد قوله. فالسؤال لن يجيب عليه أحدٌ سواك أنت وأنت تقرأ القرآن وأنت تفتح القرآن اِستحضر هذا المعنى،
المعنى الأول اِستقبل القرآن بقلب يستقبل كلام المحب من حبيبه فقط. رقم إثنين: تعال ننظر إلى الأشياء التي شغلت حيزاً في قلوبنا اليوم، هناك فرق بين قلب فارغ تماماً مستعد للتلقي مستعد أن تسكب فيه، إناء فارغ تسكب فيه ما تشاء وبين إناء قد مُلئ تماماً بأشياء مختلفة ماذا ستضع فيه؟ ما عاد فيه مجالاً أن تسكب فيه شيئاً جديداً قلوبنا كالآنية بل هي آنية فتعال أنا وأنت ننظر بما يا ترى قد شغلنا هذه الآنية؟ بأي شيء ملأناها؟ بالقرآن؟ بكلام الله؟ بكلام الناس؟ بشواغل الحياة المعتادة؟ ماذا سآكل ماذا سأشرب ماذا سأعطي كم أخذت من البنك؟ أولادي؟ حياتي؟ بماذا؟ هذا سؤال أخر لن يجيب عليه إلا أنا وأنت بيننا وبين أنفسنا هكذا.
ثمة منافذ تؤثر على القلب الذي يستقبل به القرآن المنافذ التي امتن ربي عز وجل بها عليّ وعليك. إذاً هي سمع وبصر وفؤاد هذه منافذ يدخل إليها كل شيء في حياتنا، نحتاج أن نتساءل مع أنفسنا المنافذ التي عندي ودعونا نبدأ على سبيل المثال بالسمع هذه الأداة العظيمة النافذة التي تفتح كل شيء من العالم على قلبك طريق واضح طريق ميسّر ومباشر تنفذ إليه المعلومات تنفذ إليه الأخبار، تنفذ إليه الأصوات ينفذ إليه كل شيء عن طريق السمع. يا ترى ماذا أدخل أنا في سمعي في الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة؟ ماذا أدخلت في سمعي؟ ماذا دخل في أذني حتى ينفذ بعد ذلك إلى القلب وإلى العقل فأُشغَل به؟ أي نوع من أنواع الأخبار أدخلت إلى أذني؟ أي نوع؟
ربما يقول البعض ما أدخلت فيها غيبة أو أشياء محرمة أو نميمة أو مجالس الإستهزاء أو أو عشرات الأشياء طبعاً الغيبة
على سبيل المثال والنمية ما يقال أو ما نستمع إلى الناس وهم يقولونه عن الآخرين في غيبتهم من أسوأ الأشياء والملوثات التي تدخل إلى أجهزة السمع التي منحني إياها ربي سبحانه فتقضي عليها تماماً تجعل فيها أو تصنع فيها نوعاً من أنواع الأغشية والأغطية التي تحول بين وصول الحق إلى أذنيّ وهذه إشكالية كبيرة!
الغيبة النميمة الكلام العيب الكلام الحرام على الآخرين ما من شيء يلوّث سمعي وقلبي كسماعي هذه الأشياء، الأشياء التي بعض الناس اليوم في حياتنا اعتادوا عليها أصبحت شيئاً طبيعياً أصبحت كما يقول البعض فاكهة المجالس بمعنى آخر أن المجلس لا يطيب ولا يحلو دون الحديث عن الآخرين وأحياناً حتى الدخول في أعراضهم وأقل ما يقال فلان فعل وأخذ واشترى واعطى وباع ويفهم ولا يفهم كل شيء،
هذا النوع من دخول هذه الأشياء إلى الأذن اِعلم أنه يحول بينك وبين القرآن وقتاً طويلاً، تحتاج بعد التلوث الشديد الذي يدخل إلى سمعك من هذه الأشياء تحتاج إلى وقت طويل حتى تستطيع أن تطهر السمع وتطهر القلب مما قد دخل فيه وقد يقول قائل طيب ماذا أفعل؟
المراقبة، التقوى.
ودعونا نقف هنا التقوى هنا تدخل، اُنظروا إلى الآية التي ذكرت قبل قليل أشرت إليها في أوائل سورة البقرة ربي سبحانه وتعالى يقول (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) وربي سبحانه قبلها في سورة الفاتحة يقول في دعاء المؤمنين الذي نكرره على الأقل سبعة عشر مرة أو تزيد في اليوم والليلة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) ربي سبحانه أجاب في سورة البقرة إجابة دعاء طلب الهداية مني ومنك في التمسك بهذا الكتاب العظيم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تريد هداية تمسك بالكتاب الكتاب أمامك هذا الكتاب هو الذي يوفر لك الهداية (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) إن أردت الهداية التي تطلب وتلح بالدعاء على الله عز وجل أن يمنحك إياها عليك بهذا الكتاب (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة).
ولكن أنا حتى أحتاج وأتبين كيف ربي سيهديني في الحياة كيف سيرشدني كيف سيدلني على الطريق الصحيح في دنياي وآخرتي أحتاج إلى التقوى، الإجابة واضحة (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة). والتقوى ليست بالدرجة التي ينالها الإنسان هكذا بدون مجاهدة بدون تدرج بدون صعود إلى سلم التقوى درجة بعد درجة، لا، أنا أحتاج إلى مجاهدة للنفس حتى أترقى في التقوى. وبقدر ما أجاهد نفسي في بلوغ التقوى بقدر ما أستطيع أن أجاهد نفسي كذلك في الحفاظ والمراقبة على ما يدخل إليها من قول ومن أخبار ومن أحاديث، أجاهد نفسي في السمع. بمعنى آخر بكلام موجز أن أتقي الله في ما أسمع، كلمة صعبة!! أتقي الله في ما أسمع بمعنى أن أراقب الله في سمعي ماذا يدخل في سمعي، أراقب الله في الكلمات التي تدخل أراقب الله في حديث الناس الذي أستمع إليه أراقب الله في كل كلمة تصل إلى أذنيّ هل أسمح لها بالدخول أم لا أسمح لها؟ ومن المعجز والعظيم أن ربي سبحانه وتعالى قد جعل مع هذه الأدوات التي منحنا كما يقول سبحانه في سورة النحل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) كما أنه سبحانه منحني هذه الأدوات أدوات الإستقبال منحني كذلك فيها أجهزة مراقبة بمعنى آخر أني أستطيع أن أتحكم جهاز تحكم عندي يعني مثل الريموت كنترول. أرأيت جهاز الريموت كنرول ترفع الصوت تخفض الصوت تغيّر القناة تحول إلى شيء آخر، أنا كذلك كبشر في سمعي جهاز السمع الذي أعطاني ربي عندي جهاز تحكم عندي جهاز ريموت أستطيع أن أتحكم في ما يدخل إلى سمعي وما لا يدخل. بمعنى آخر إذا كنت جالساً في مجلس فيه غيبة ونميمة وما استطعت أن أغيّر مجرى الحديث وما استطعت أن أدافع عن عرض صديق أو صاحب أو أحد من المسلمين أياً كان حتى لو كان شخصاً لا أعرف،
لا بد أن أقف وأوقف قضية الغيبة في مجالسنا لا بد أن يكون لي دور إيجابي لا يكفي فقط أن أكره بنفسي يعني قضية أضعف الإيمان التي التزمناها منهجاً في واقع الحياة أحتاج أن أراجعها مرة أخرى ليس كل شيء أضعف الإيمان! لا يكفي أني جالس في مجلس وأنا استطيع أن أتكلم استطيع أن أقول لا، أتطيع أن أقول يا جماعة هذا الحديث لا ينبغي أن يقال، لا تتكلموا بهذا هذا كلام لا يرضي الله، أستطيع لماذا أقبل بالأقل؟ لماذا أقبل بالسكوت؟ لماذا دائماً أحاول كما يفعل بعض الناس أحاول أن أرضي الآخرين ولا أزعج الآخرين على حساب علاقتي مع الله؟ على حساب رضى الله سبحانه؟ أنا أعرف أن الكلام لا يرضي الله سبحانه لماذا أقبل به؟! لماذا أقبل أن أبقى متواجداً في مجلس فيه كلام يغضب الله عز وجل؟
هذا السؤال أحتاج أن أجدد فيه الواقع والحال التي أنا فيها ولذلك أنا أحتاج أن أُخرج السموم لأني أنا باستماعي للغيبة والسخرية والنميمة والإستهزاء بالآخرين والخوض في أعراضهم كل هذا الكلام الذي بات يحتل مساحة كبيرة في أذني وبالتالي في قلبي أصبح سماً يحول بيني وبين وصول النافع في كتاب الله إلى كتاب الله هدى كتاب الله شفاء ربي عز وجل وصف هذا القرآن هدى وشفاء رحمة وشفاء هذه الرحمة والهدى والشفاء لا يمكن أن تأتي بوجود هذه السموم،
السموم تقف وتمنع وتحول بيني وبين وصول أيات القرآن العظيم التي فيها الهدى والشفاء ومن الذي أدخل السموم؟ أنا بالدرجة الأولى، أنا من أحتاج أن أراجع نفسي أنا بيدي أنا من أملك قرار التغيير القرار الشجاع أن أوقف السموم فأقول لها لا، يكفي هذا، لا سموم بعد اليوم، لا غيبة بعد اليوم، لا نميمة بعد اليوم، لا استهزاء بآيات الله لااستهزاء بالأخرين لا سخرية بالآخرين بما يلبسون وما يفعلون وكيف يتكلمون وكيف يتحدثون، لا،
نحتاج أن نتعلم أنا وأنت نحتاج أن تنتعلم قول كلمة (لا) في الوقت المناسب بالشكل المناسب بالكيفية التي ترضي ربي عز وجل. وإن شئت أن تعلم ماذا نقصد بكل هذا إقرا سورة الحجرات العظيمة التي حدد فيها ربي عز وجل السموم ووضع امام كل سم من هذه السموم (لا) (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ (11) الحجرات) (لَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (12) الحجرات) هذه السموم ينبغي أن توضع قبلها كلمة (لا) فعلاً وقولاً. عندها فقط تبدأ آيات القرآن تدخل إلى قلبي تجد منفذاً إليها منفذاً من النور لها مجال لها متسع، الإناء لم يُملأ بالسموم فبدأ الإناء يدخل فيه هذا الشفاء هذا النور العظيم من كتاب الله عز وجل فينتفع القلب بمعاني القرآن العظيم. ولذلك ربي سبحانه وتعالى يحدثني عن هذا النوع من السموم في كتابه عز وجل محذراً من عاقبة السموم وإدخال السموم اُنظروا إلى قول الله عز وجل في سورة الأعراف حين يقول (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف) آية واحدة فقط هذه الآية تضعني في محك معالجة الداء والمرض الذي نعاني منه اليوم،
الغفلة، الغفلة عن أجهزة الإستقبال التي باتت تدخل إلينا عشرات الأنواع من السموم فلما آتي إلى كتاب الله عز وجل لا أستطيع أن أنتفع بآياته، أقف عند حد طلب حسنة وعشر حسنات وبكل حرف وأتوقف وانتهينا. ما عاد القرآن فاعلاً في حياتي لأني قد ملأت آنية القلب بالسموم فتعطلت الأجهزة عندي أصبحت القلوب لا يُفقَه بها والأعين تنظر ولكن لا تتحقق بها الفائدة من النظر وهي الإبصار الإبصار الحقيقي، ما معنى الإبصار الحقيقي أن أرى الواقع أو أرى الموقف أو أرى الشيء في حياتي فآخذ منه العبرة أخذ منه الدرس أتعلم منه أتساءل لماذا حصل كيف يحصل كيف أن أتلافى الشيء السلبي كيف أحقق الإيجابي؟ توقفت قضية الإبصار أصبحت العين ترى الصور في الحياة في الواقع عشرات مئات الصور ولكن لا تتحقق فيها إبصار لا تتحقق فيها فائدة. ولهم آذان لا يسمعون بها، جهاز السمع ليس فيه مشكلة عضوية أبداً هو يسمع بشكل ممتاز تماماً ولكن لا يستطيع أن يحوّل ما يسمعه إلى مفهومات إلى أشياء يدركها يستفيد منها تغير في واقعه يسمع فلان مات فلا تغيّر في حياته شيئاً، فلان حدث له مرض وكأن ليس عنده خبر، فلان حصلت عنده مشكلة كبيرة خسر أمواله لا يغيّر فيه شيئاً! يمر على الأشياء والوقائع الكبيرة في حياته وفي حياة غيره فلا تؤثر فيه ولا تضع أمامه أي علامة استفهام ولذلك ربي وصف هؤلاء فقال (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الأعراف) لأن الأنعام ترى الصور ولكن لم يخلق فيها ربي القدرة على تغيير ما تراه إلى مفهومات ومدرِكات ولم يخلق فيها القدرة على تغيير المسموعات إلى أشياء تدركها كما خلقها في الإنسان.
الإنسان له القدرة على أن يربط ما يرى بما لا يرى (الإيمان بالغيب) له القدرة على أن يربط ويحول ويحلل ويستنتج ويغير، هذه القدرة لم تتوافر عند أيّ من الكائنات، أنت فقط من تمتلكها فكيف استعملت هذه الأشياء؟ كيف أديت شكر السمع والبصر المنافذ على سبيل المثال،
هذه نِعَم، أداء شكرها أن تستعملها في ما يرضي الله عز وجل وأترك لك المجال أن تحكم بنفسك وفقاً للجدول الذي وضعناه:
راقب نفسك حاول أن تساعد نفسك اُحكم على ما يدخل إلى سمعك وبصرك في كل يوم وليلة.
ولذلك ربي عز وجل وضع العلاج ونصحني فيها تماماً محذِّراً من مغبة وآثار ونتيجة أن أُدخل إلى سمعي وإلى بصري الملوثات حين يقول في سورة النساء (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) النساء) القضية خطيرة القضية ليست سهلة أي مكان تجد فيه أشياء خطأ فيه ملوثات من سمع أو من بصر صور محرمة كلام حرام اِستهزاء بآيات الله غيبة نميمة كفر خوض في أعراض الناس لا تقعد إما أن تُغيّر بتغيير إيجابي وتكون أنت الفاعل الحقيقي في المجلس أو اُترك لا تقعد معهم لماذا؟ لأن القضية ليست سهلة ما سيدخل في أذنيك وبصرك من سموم سينفذ إلى قلبك وما سينفذ إلى قلبك سيركس فيه وما سيركس فيه سيحول بينك وبين الانتفاع من آيات القرآن العظيم المسألة ليست سهلة راقب ما تنظر إليه راقب ما تسمعه.
ربما ذلك نقطة مهمة لا يهتم لها كثيرون في هذا الزمان وهي الكلام الفارغ الكلام الذي لا فائدة من ورائه ليس بالضرورة كلام غيبة أو نميمة هذا إنتهينا منه ولكن كلام فارغ ماذا أكلت وماذا سآكل وأين ستذهب وأين سنذهب ومن ذهب ومن سافر ومن جاء وكم أخذ وكم راتب فلان وماذا لبس فلان وهل تزوج فلان وهل زوج إبنه وفلانة طلقت وفلان لم يطلق هذا الكلام الذي يدخل تحت دائرة اللغو ويعرفه بعض العلماء بأنه كلام فارغ لا فائدة من ورائه.
اُنظر إلى قول الله عز وجل في كتابه حين يربيني على أن أتخلص أيضاً من الكلام الفارغ هذا الكلام الفارغ مثلاً على سبيل المثال إذا حددت لنفسك كم دقيقة في اليوم تسمع كلاماً فارغاً اِحسب بالورقة والقلم فالأمر جد خطير ومهم وجاهد نفسك كي تراقب كم دقيقة في اليوم أنا سمعت كلاماً فارغاً؟ لماذا كم دقيقة؟ لأنه عدد الدقائق التي سمعت فيها الكلام الفارغ وشاركت فيه ستؤثر على تلقيك للقرآن وأنت تقرأ ستؤثر على انتفاعك بالقرآن حين تريد أن تنتفع به فانتبه لهذا جيداً.
وتأملوا معي قول الله عز وجل حين يمدح ويثني على عباده المؤمنين فيقول (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) وفي سورة القصص حين يقول (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ( 55) القصص) اُنظر، إعراض اختياري باختيارك عندك جهاز الريموت عندك جهاز التحكم شغّله استعمله (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص) اُنظر إلى هذا المؤمن الذي أثنى عليه ربي (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) جعل العلاقة مع اللغو علاقة مرور مرور الكرام ما معنى مرور الكرام؟ مرور معرضين لا أخوض في اللغو لا أخوض في الكلام الباطل البعض قد يمسك بسماعة الهاتف ومكالمة قد تستغرق ساعة وساعة ونصف كلها كلام فارغ لا ينبني عليه عمل ليس هناك فائدة من ورائه ماذا استفدت؟ ماذا استفدت إذا عرفت كل سيرة الجيران والأصحاب والأصدقاء والأقارب وأين قضوا الإجازة الصيفية؟ وأخذت منك ساعة ونصف أو ساعتين من الزمن، ماذا استفدت؟ ما هي المحصلة؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) لم يخلقنا للعبث ولا للهو ولا للعب. وستقول لي إذن بماذا أتكلم إذا لم أتكلم بهذا؟ حتى هذا لا أتكلم فيه!! يجيبك النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” اصمت، الصمت هنا صمت إيجابي صمت تكافأ عليه صمت تثاب عليه أنا إما أن أقول كلام خير أو أصمت الصمت فن نسيناه ونسينا آدابه ونحتاج أن نحضره من جديد إلى حياتنا اليوم إلى واقعنا نحتاج أن نتعلم فن الصمت، فالصمت فن، نحتاج أن نأخذ دروساً في فن الصمت، نحتاج أن نتعلم اِتيكيت الصمت الذي علمني إياه ربي سبحانه وتعالى في كتابه العظيم ونِعْمَ به من معلم علمني إياه حبيبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس الجالس فيعدّ الكلمات التي يقولها صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق لماذا؟ ليعلّمنا أنا وأنت أن تكون كلماتنا محسوبة، ألا أتكلم إلا بخير. وما معنى الخير؟ كلام الخير مثل الكلام الذي نتكلمه الآن كلام ينبني عليه عمل صالح كلام طيب، إذاً هو الأمر بالمعروف، الخير، الإصلاح بين الناس، الكلام الطيب، التسبيح، ذكر الله عز وجل الإستغفار التوبة قواميس الخير كثيرة جداً الكلمات الموجودة في قاموس الخير لا تعد ولا تحصى وفي كل حرف تتكلم به من الخير لك فيه من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا ربي عز وجل. بيِّت النية على التغيير اُنظروا كيف يغيرنا القرآن هذا ما قصدناه في البداية حين قلنا أن جيل التلقي كان يتلقى القرآن بقلبه وأحتاج اليوم أن أتلقى القرآن بقلبي، بقلب بدأ مرحلة مجاهدة النفس للوصول إلى أن يتقي الله في ما يسمع وفي ما يبصر وفي ما ينظر إليه. التقوى من جديد، ولذلك أكون بهذه الطريقة أكون قد أخذت من القرآن معنى الانتفاع العظيم إني أسمح للقرآن أن يربيني من جديد كما كان يفعل في جيل التلقي.
كيف أسمح للقرآن أن يربيني؟ حين تبدأ آيات القرآن تجد منفذاً إلى قلبي لكي يتغير فأنت اليوم حين تقرأ قول الله عز وجل (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تبدأ مرحلة التقوى، تبدأ سفر التقوى، تبدأ مجاهدة النفس في أن أتقي الله في ما أسمع، أتقي الله في ما أنظر إليه وهذه تربية وهذه مجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت) هذه المجاهدة مع النفس التربية القرآنية التي تحدث على مراحل، لا تحدث دفعة واحدة. والآن نفهم معنى قول عثمان رضي الله عنه “لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا”. إذاً هو القلب كلما إزددت مجاهدة لنفسي في تنظيف وتنقية هذا القلب من الشوائب والسموم وتنقية سمعي مما يدخل إليه وتنقية بصري مما يدخل إليه كلما ازددت تقى وكلما ازددت تقى كلما إزددت قدرة على تلقي القرآن العظيم بقلبي، وكلما إزددت قدرة على تلقي واستقبال القرآن بقلبي كلما زاد قلبي طهارة ونقاوة، كلما ازددت إنتفاعاً بهذا القرآن العظيم في نفسي وحياتي وأسرتي وكل من حولي ليتحول المؤمن المطبِّق لآيات ربه في القرآن إلى مصحف يمشي على الأرض يتعامل مع الناس في سلوكياته وكأن آيات القرآن تتمثل في سلوكياته وتعاملاته، في أخلاقه، في صدقه، في أمانته، في ما يعطي في ما يمنع في ما يشتري في ما يبيع في ما يأخذ في الوفاء بالعهود في كل شيء، ولذا المسلمون الأوائل فتحوا العالم بقلوبهم بهذا الكتاب العظيم لأنه انعكس في حياتهم.
هذه المعاني أحتاج أن أستحضرها اليوم وأنا أتعامل مع هذا القرآن العظيم ثم نقطة مهمة جداً (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) اللسان منفذ ومعبر كذلك، اللسان هو أداة البيان التي وهبني ربي عز وجل (علمه البيان) أعطاني لساني، علي أن أتقي الله في لساني أتقي الله في الشيء الذي اقوله ولذلك نحن قلنا قبل قليل عن فن الصمت، هذا مَعْبَر، أنا حين ينشغل لساني بغير ذكر الله بغير الحلال بغير المباح بغير الطاعات كيف أتوقع أني حين أمسك القرآن في آخر النهار سأنتفع بهذا القرآن العظيم؟! كيف أنتفع به وأنا جئت إلى القرآن لأن القرآن حين أقرأه ربي يجريه على لساني أنا أتحدث به وهذا اللسان عبّرت ومررت عليه عشرات الأشياء الممنوعة والملوثات ما عاد طاهراً ما عاد مستعداً لأن يُجرى عليه آيات القرآن حتى إن قالها بلسانه هي مجرد ترداد باللسان لا تتحول إلى القلب حتى ينتفع به. قضية القدرة على النفع والشفاء والرحمة والهداية والبصائر والنور أفرغتها من محتواها القرآن فيه بصائر القرآن هو بصائر القرآن هو هدى القرآن هو شفاء هو رحمة، أين هذه المعاني في حياتي اليوم؟ لماذا فُرِّغت من محتواها؟ ببساطة شديد لأني أوقفت معاني الإستفادة منها، بأي شيء؟ بالسموم والملوثات التي تحدثنا عنها.
طبعاً بعد عملية إفراغ السموم التي وضعنا الجدول لكي يساعدنا حتى نعرف ماذا الذي يدخل في آذاننا وفي أبصارنا وفي حياتنا طبعاً أحتاج الآن إلى البدء في تناول ما يمكن أن نطلق عليه الفيتامينات أو المقويات أحتاج مقويات. أعظم مقوي يقوي حاسة ومنفذ السمع لديّ أن أزداد استماعاً لهذا القرآن العظيم، لكلام ربي سبحانه وتعالى. والحقيقة أنه الآن مع وجود التقنيات الحديثة عاد الاستماع إلى القرآن العظيم ممكناً على مدار الأربع والعشرين ساعة طول الوقت كلما ازددت استماعاً إلى القرآن العظيم كلما قوي السمع لديك إلى القدرة لتقبل معاني القرآن العظيم والإنتفاع بها، قوي سمعك بزيادة الإستماع إلى القرآن العظيم شيئاً فشيئاً، اليوم سمعت على سبيل المثال عشر آيات غداً أسمع عشرين بعد غد أسمع ثلاثين في السيارة في رحلتك إلى العمل في وقوفك في إشارات المرور في كل وقت وحين حاول أن تُدخِل هذه العادات إلى حياتك من جديد، عادة الإستماع إلى القرآن العظيم. اِستمع إلى القرآن وأكثِر من الاستماع وكما ذكرنا قبل قليل وأنت تستمع إلى القرآن ضع نص عينيك أن الله يحدِّثك، أن الله يتكلم إليك، أن الله يخاطبك بهذا الكلام أن الكلام كلام من يحبك فاستقبله استقبال المحبوب والمحبّ لكلام حبيبه. هذه العلاقة لا تنشأ بين يوم وليلة تحتاج إلى نيّة صادقة تحتاج مني ومنك اليوم إلى عزيمة الآن أن أبيّت النيّة والعزيمة الصادقة يا رب اِنفعني بالقرآن العظيم، يا رب اِفتح على سمعي وقلبي وبصري بهذا القرآن العظيم، يا رب اِجعل نور القرآن ورحمة القرآن تنفذ إلى أعماق قلبي وصدري، يا رب اشفيني بالقرآن، يا رب اهديني بالقرآن يا رب انفعني بالقرآن نية صادقة، إلحاح بالدعاء لأنك إذا مُنِحت هذه النعمة العظيمة نعمة الإنتفاع بالقرآن فقد منحت الخير كله في الدنيا والآخرة فزت بخيري الدنيا والآخرة لا تبكي على شيء فاتك من الدنيا بعدها إذا أُعطيت هذه النعمة العظيمة نعمة الانتفاع بالقرآن.
أيضاً من المقويات التي تزيد في قوة منافذ وأجهزة الاستقبال للقرآن العظيم النظر في الكون والنظر في ما حولك، النظر في السماء النظر في الأرض النظر في الطبيعة، في الأشياء الطبيعية في الطيور في الشجر استمتع بالنظر إلى الجمال الذي خلقه ربي سبحانه وتعالى ولكن لا تنسى وأنت تستمع بهذا النوع من النظر أن لا يكون نظرك مجرد نظرة عابرة، لا، اُنظر نظر المتبصِّر نظرة واعية نظرة تجعل الإيمان في قلبك يتجدد من جديد، روح الإيمان تتجدد كيف؟ الله سبحانه وتعالى في عدد كبير جداً من آيات القرآن العظيم يحثّ على النظر في الكون والطبيعة وتقليب النظر ما بين السماء والأرض والشجر والطير والماء وكل شيء من حولنا، لماذا؟ من أعظم مجددات الإيمان في القلب أن تنظر إلى زهرة حتى لو أمسكت زهرة بين يديك (زهرة طبيعية طبعاً) ونظرت إليها نظرة المتأمل الفاحص الشاعر بالعجز أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، الشاعر بالجمال الذي وهبني ربي سبحانه ووضعه في الكون في كل شيء، هذا يجدد الإيمان في قلبي ولذا ربي سبحانه وتعالى في سورة الملك على سبيل المثال بعد أن ينصّ على الغاية من الحياة (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ (5) الملك) الكون، الطبيعة، السماء، هذا النوع من النظر المتبصِّر يقودك ويأخذ بيديك بسلام وراحة وطمأنينة إلى الإيمان بقدرة الله المعجزة وعظمة الله، إلى الإدراك والشعور أن الله على كل شيء قدير، أن الله قد أتقن وأحسن كل شيء خلقه وصنعه في هذا الكون، أن هذا الكون ما قد خُلِقَ للعبث ولا للعب ولا لتقضية وقت طال أو قصر وإنما من ورائه غاية، هذه المعاني التي تجدد الإيمان في قلبي تجعل المؤمن يقرأ القرآن بعين وبالعين الأخرى ينظر إلى الكون فيربط بين الكتابين ربط عظيم ربط يجدد معاني التلقي والإحساس في قلبي في نفسي في حياتي يجعل الكلمات التي أسمع كلمات القرآن والتي أتلقاها يجعل لها طعم عجيب طعم الإيمان المتجدد طعم الإحساس بمعاني الكلمات العظيمة التي تحوّل مني إلى إنسان حين يقرأ القرآن يسعى إلى أن يقرأه أحسن قراءة. أنا مطالب بأحسن العمل أنا لم أطالب بأكثر العمل على أي نحو كان، لا، ولذلك ربي قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) أحسن العمل لا يتوقف على الكمية يتوقف على النوع يتوقف على مدى متابعته لكتاب الله لما جاء في كتاب الله يتوقف على النية الصادقة التي أُبيِّت في قلبي. ولذلك ونحن اليوم نتكلم في كل في مؤسساتنا في حياتنا، الجودة في التعليم، الجودة في العطاء، الجودة المؤسسية، الجودة، الجودة، أين الجودة في إيماني؟ أين الجودة في علاقتي مع الله؟ أين الجودة في تلاوتي لكتاب الله؟ هل أنا أتوخى وأنا أقرأ القرآن أن تكون تلاوتي أحسن تلاوة؟ أجود تلاوة؟ أم أن كل ما يهمني هو أن أنتهي من التلاوة ومن السورة والآية والجزء وانتهينا؟! أحتاج أن أعيد النظر في كل هذا، أحتاج أن أغيّر وأن أجدد في أولوياتي
ولنا أن نعيد ترتيب ما قلناه في هذه الوقفة السريعة مع الإستفادة من الجدول المرفق طبعاً كما ذكرنا في البداية.
أولاً علاقتي مع القرآن تحتاج إلى تجديد أحتاج إلى وقفة صادقة في علاقتي مع القرآن، أحتاج إلى النظر في قلبي أن أخمّ قلبي أن أتفقد قلبي لأن القرآن لا ينزل إلا على القلب فأين قلبي وأنا أقرأ القرآن؟ أحتاج أن أراجع قلبي ومشاغل قلبي، أحتاج أن أتقي الله في ما يشغل خاطري وقلبي، أحتاج أن أتقي الله في المنافذ وأجهزة الإستقبال والإدراك التي ينفذ بها القرآن إلى قلبي، أحتاج أن أتقي الله في سمعي في ما يدخل إليه، أحتاج أن أتقي الله في نظري في بصري في رؤيتي في الصور عشرات ومئات الصور التي تدخل إلى عيني منها الحلال منها غير ذلك. أنا من سيتخذ القرار أنا من أملك القرار، بيدي أن أغيّر أن أوقف الريموت موجود في يدي وفي يدك أنت جهاز التحكم موجود نستطيع أن نتحكم في ما يدخل إلى أسماعنا في ما يدخل إلى أبصارنا في ما يخرج على ألسنتنا في ما نقول في ما نسمع في ما نرى أجهزة التحكم موجودة لدي. ربي لم يخلق لدي أجهزة بدون تحكم، خلق عندي التحكم والتحكم اِختياري القرار بيدك أنت أنت من تملك القرار، فعِّل القرار الإيجابي فعِّل قرار (لا) لكل الملوّثات التي تدخل إلى منافذ الإدراك عندنا لكل أجهزة الإستقبال التي تحتاج إلى تنقية وفلترة من الملوّثات، السموم التي ندخلها إلى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا هي التي تحول بيننا وبين الانتفاع بآيات القرآن العظيم، هي التي باتت تحول دون الوصول إلى ما وصل إليه جيل التلقي من تفعيل القرآن في حياتهم في أخلاقهم في سلوكياتهم التي جعلت الواحد منهم قرآناً يمشي على الأرض، بأي شيء؟ بالأخلاق بالتعامل بتحويل الانتفاع إلى آيات القرآن التي يسمعون ولذلك ما كان يهمّهم الكمّ بل كان يهمّهم الكيف.
الزيادة من الاستماع إلى القرآن حتى نتخلص من السموم والملوّثات، أخرِج السموم من سمعك أخرِج السموم من بصرك أخرِج السموم من قلبك، أخرِج السموم من لسانك (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) ترفّع بنفسك عن اللغو والكلام الفارغ الذي بات يحتل مساحة شاسعة واسعة من حياتنا سمعاً وتلقياً وكلاماً، ضع أولوياتك حين تمسك بالقرآن تأكد تماماً أن الله يخاطبك بهذا القرآن، الكلام موجّه إليك، الكلام موجّه لي ولك ولذلك ينبغي حين أتلقى القرآن أن أدرك وأضع في حسباني تماماً أن هذا الكلام قد وُجِّهَ لي ليحلّ ما أنا فيه، ليعالج مشاكل، ليعالج أزمات، ليجيب على تساؤلات تدور في ذهني أو في ما حولي. القرآن يحلّ كل هذه الأشياء، إذن هو موجّه بالدرجة الأولى لي ولك. تأنّى في تلاوتك لكتاب الله لا يكن الهم والشيء الأساس في تلاوتي أن أنتهي من الجزء أو أنتهي من السورة بأي كان شكل ذلك الإنتهاء، لا، أنا أقدِّم هذا العمل بين يدي الله وربي يطلب مني أحسن العمل، أحسن التلاوة، أحسن القراءة أحسن الفهم، والأمر لا شك يحتاج إلى مجاهدة، يحتاج إلى شيء من المصابرة ولكن لا بأس هذه المصابرة وهذه المجاهدة هي تربية القرآن لي ولك، هي التربية التي لأجلها نزل القرآن العظيم القرآن يربي.
ولذا هذا معنى قول السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام قالت: كان خُلُقه القرآن، القرآن تحول إلى أخلاقيات،
معاني القرآن. أحتاج أن أقف عند هذه المعاني تماماً أحتاج أن أشغّل وأفعِّل أجهزة التحكم بفعالية شديدة أحتاج أن أقلل الانشغال بالأشخاص الذي بات يحتل مساحة في قلبي، في نفسي. أرتِّب الأولويات، لا أُشغل نفسي بسلبيات وهموم وأحداث على سبيل المثال لا يترتب عليها عمل، أشياء تثبِّط، أشياء تقطعني عن السير إلى الغاية التي من أجلها خلقت أضع أمام عيني دائماً كل يوم كل صباح (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون)أضع في بالي هذه الآية دائماً فلا يكون يومي ولا صباحي ولا مسائي عبثاً ولا نوعاً من أنواع مجرد قضاء الوقت أنا لم أُخلق عبثاً هذه الحقيقة أحتاج أن أجددها في نفسي أحتاج أن أقلل قضية الجري المتواصل وراء الدنيا والإنغماس المُهلك في ملذاتها ومغرياتها، أحتاج أن أتعلم كيف أفعِّل قول كلمة (لا) في الوقت المناسب.
ما نعيشه اليوم من انغماس شديد وركض وراء الدنيا جعلنا نغفل حتى عن حقيقة وجودنا فيها وهذا لا ينبغي أن يكون. أعِد الأمور إلى نصابها، غيِّر، راجع في الجدول، اَنظر إلى الأشياء التي في حياتي أولوياتي في حياتي ما هي؟ هذا الانشغال المتواصل في الدنيا على سبيل المثال أبسط مثال هذه الأجهزة الذكية النقالة وغيرها بمجرد شراء جهاز جديد بعدها بفترة بسيطة ينزل الجهاز الذي يليه إذا أنا أبقيت نفسي في هذه الدوامة لن أنتهي ستقضي عليّ. أحتاج أن أتعلّم أن الشيء الذي أحتاجه هو الذي آخذه والذي لا أحتاج ليس بالضرورة أن أجري وراءه، أحتاج أن أفهم معنى الاقتصاد العالمي اليوم الذي جعل من الإنسان مستهلكاً بامتياز مستهلكاً بالدرجة الأولى كائن إستهلاكي يستهلك أشياء لا يحتاج إليها، أنا إنسان، أنا عندي عقل عندي تمييز عندي أجهزة تحكّم لا أسمح للخارج أن يتحكم فيّ، أنا أتحكم في ذاتي لا أسمح لما هو خارج ذاتي أن يتحكم فيّ ويسيطر عليّ كلياً وأستميت وأنا أجري وراءه دون أن أنتبه لما يحدث في حياتي، في داخلي.
القرآن هو من يساعدني على ذلك، أحتاج أن أجاهد وأدرّب نفسي على تقليل الكلام الفارغ الذي لا فائدة من ورائه والطريقة العملية ربما تكون في البداية صعبة ولكن لا بأس أن تأخذ ورقة وقلم وتكتب كلمات، عدّ، إحسب، أذكر أننا في يوم من الأيام إتفقت مع مجموعة من الطلبة قلنا ما رأيكم أن نقوم بتمرين تمرين جميل إحسب في يوم واحد عدد الكلمات التي تتفوه بها وضعها في خانات كلام جيد كلام سيء كلام فارغ، اليوم الأول كانت النتائج عجيبة معظم ما نقوله من كلام هو كلام فارغ أحتاج أن أدرِّب نفسي على الصمت قول الخير أو الصمت. في البداية ربما العملية تكون صعبة بعد قليل ستصبح أقل صعوبة ثم أكثر سهولة إلى أن تصبح شيئاً معتاداً عندك إما أن تقول كلام خير أو تصمت. كل ما ذكرناه خطوات عملية الغاية الأساس منها أن تصبح لدي أجهزة الاستقبال قادرة على أن ينفذ إليها النور الذي في هذا الكتاب العظيم، البصائر، على أن تستقبل القرآن العظيم. ودعونا نتذكر دائماً أن قلوبنا آنية فلا نملأها بالسموم والملوّثات والأشياء الفارغة حتى لا يعود فيها مكان لمعاني القرآن العظيم. دعونا نتخذ القرار الصح أن نملأها بكل خير والشيء لا يمكن أن يُملأ بفاسد وبصالح في آن واحد إما هذا وإما هذا. دعونا نفرِّغ هذه الآنية من كل السموم والملوّثات ونملأها ونبيّت النيّة والعزيمة على أن نملأها بكل خير وما من خير أعظم من هذا الكتاب العظيم.
السلام عليكم ورحمة الله.
اسلاميات
برنامج بنيان مرصوص
الحلقة الثانية
د.رقية العلواني
https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_08/image.png.b12bfa4e5012b3e966c2b8a98b46b38a.png
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
“لو طَهُرَت قلوبنا ما شبِعت من كلام ربنا” كلمة قالها عثمان بن عفان رضى الله عنه في حقّ القرآن العظيم، كلمة نحتاج اليوم أن نقف عندها طويلاً ونحن نستقبل القرآن ومعاني القرآن
القرآن العظيم أراد الله سبحانه وتعالى له أن يعلو على كل الكتب السماوية التي أُنزِلت وأن يكون مهيمناً عليها أراد الله له سبحانه أن يحكم في حياة الإنسان فرداً كان، أسرةً، مجتمعاً، أو دولةً أو عالماً. هو الكلام الذي نتعرف من خلاله على ربنا عز وجل هو الكلام الذي يخاطبنا به الله سبحانه وتعالى أفراد وجماعات. ولمنزلة القرآن العظيم التي تحدثنا عنها جعل الله هذا القرآن العظيم في حفظ وفي حرز ولذلك قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) قضية حفظ القرآن قضية مفروغ منها ولكن ليست المسألة في الحفظ فهذا قد تكفل الله سبحانه به، المسألة في التلقي، المسألة في كيفية تلقينا اليوم لهذا الكتاب العظيم ولكي ندرك طبيعة العلاقة التي باتت بيننا وبين كتاب الله اليوم نحتاج أن نقف أولاً عند تلك الطبيعة من العلاقة بين المسلمين الأوائل الذين نزل عليهم القرآن العظيم وبين كتاب الله.
القرآن كان حين ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن يبلغهم إياه النبي صلوات الله وسلامه عليه كانوا يتلقونه ويستقبلونه بقلوبهم قبل أن يستقبلوه بآذانهم. القلوب هي التي كانت تتلقى القرآن ودعونا نتأمل في معنى هذه الكلمة. القرآن لا ينزل على الأذن ولا على السمع ولا على البصر صحيح هذه وسائل إدراك ولكنه أول ما ينزل وأهم ما ينزل عليه هو القلب ولذلك ربي عز وجل يقول (نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ (97) البقرة) إذاً التنزيل هو على القلب وبالتالي الاستقبال والتلقي لا بد أن يكون من القلب.
فالصحابة جيل التلقي الأول حين كان ينزل القرآن كانوا يتلقونه بقلوبهم قلوب شُغفت حباً بهذا الكلام، قلوب مستعدة ومتشوفة ومتطلعة ومتلهفة لأن تسمع من الله عز وجل لأن تسمع كلام ربها وهو يخاطبها وهو يتحدث إليها وهو يعالج الإشكاليات التي تمر بها وهو يتحدث إلى خلجات النفس وإلى الصدور وإلى المشاعر وإلى الأحاسيس التي لا يطّلع عليها أحد سواه سبحانه وتعالى. فلأن جيل التلقي الأول كان يستقبل القرآن بتلك القلوب كان من الطبيعي أن يكون للقرآن ذلك الأثر الذي نسمع عنه ونراه في حياتهم، كان من الطبيعي أن يكون جيل التلقي متلهفاً أن يسمع الكلمة لكي يطبقها في حياته، لكي يحولها من مجرد كلمات تقرأ وتسمع وتحفظ في الصدور إلى واقع إلى تعامل إلى سلوك إلى أخلاقيات في البيع والشراء والتعامل والسفر والسلم والحرب والمنع والأخذ والعطاء، أخلاقيات.
كانوا مصاحف تمشي على الأرض بدون مثالية بمنتهى الواقعية نحن لا نضرب ضرباً في المثالية أو في الخيال حين نقول أن الواحد منهم كان يتلقى القرآن لينفذ الأوامر لينفذ التعليمات ليطبّق في حياته، لا، كان واقعاً حقيقياً عاشوه بينهم ولذا روي عنهم أنهم ما كانوا يتجاوزون العشر آيات من القرآن الكريم وهم تلك الأمة المعروف عنها الحفظ والذاكرة وعدم القدرة على النسيان أبداً. هؤلاء كانوا لا يتجاوزون العشر آيات من كتاب الله إلا بعد أن يتموا ما جاء فيها من العلم والعمل بمعنى آخر كانوا يتعلمونها.
ولكي أتعلم الشيء كما يكشف الآن العلم الحديث أحتاج أن أطبق في حياتي أحتاج أن أفهم أولاً أن أعي ما يقال لي ثم أدرّب نفسي وأمرّنها على أن تمارس ما قد فهمت، تمارس ما قد وعت، تمارس ما قد وصل إليها من معلومات هذه أرقى درجات التعليم والتلقي. وهذا ما نشأ بامتياز في جيل التلقي الأول،
كانوا يحفظونه بقلوبهم بصدورهم بمحبة كان ثمة علاقة من المحبة صعب ربما أن نفهمها اليوم ونحن نعيش حالة من حالات البعد والجفاء في العلاقة مع القرآن العظيم. كانوا يحبون القرآن حباً جماً كانوا يفتقدون القرآن حين تتأخر بعض الآيات في النزول كان تمر بهم الحالة أو الحادثة أو الواقعة فينتظروا بشغف بلهفة لما سيقوله الله عز وجل لهم، تأتي أو تحدث الغزوة أو تحدث الواقعة أو يأتي السؤال من أحدهم وهم في لهفة في ترقّب في انتظار كما يترقب الحبيب كلام حبيبه. هذه العلاقة العظيمة أدت إلى أن يكون القرآن فاعلاً في حياتهم مغيراً لسلوكياتهم مبدِّلاً للأشياء السلبية الموجودة في الحياة،
في الواقع القرآن كان له دور عظيم في قضية التغيير كان يقود التغيير في الفرد وفي المجتمع في الواقع ولذا تمكن القرآن من أن يصنع جيلاً قرآنياً فريداً من نوعه. ويبقى السؤال اليوم بعد كل هذه القرون من نزول القرآن العظيم هل تبدلت إمكانية القرآن على صناعة وإنشاء جيل قرآني كما كان الجيل الأول؟ أم ماذا حدث؟
إمكانية القرآن غير قابلة للنقاش خارج حدود السؤال موجودة وهي من إعجاز هذا القرآن العظيم يخاطب الله به كل الأجيال الشاب الكبير المتعلم المثقف العبقري والأمي البسيط والجاهل المرأة والرجل الكل. إذاً ليست الإشكالية في إمكانية القرآن حتى أنتهي من الموضوع وأنتقل إلى النقطة الأهم وهي طبيعة التلقي الموجود الآن لنا نحن مع هذا القرآن العظيم، هناك إشكالية في التلقي كيف؟
لكي نشخِّص الحالة بطريقة صحيحة نستطيع من خلالها أن نقدم حلولاً عملية نحتاج أن نقف أولاً إلى القلب وإلى المنافذ التي يدخل منها الكلام وهو القرآن كلام الله عز وجل.
أول سؤال أطرحه على نفسي وينبغي أن أطرحه ويطرحه كل واحد منا على نفسه بمنتهى الصدق بدون أي نوع من أنواع التهرب من المسؤولية أو الإتكالية على أشياء مختلفة. أنا حين أفتح هذا الكتاب العظيم اليوم وأقرأ على سبيل المثال بسم الله الرحمن الرحيم (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) أوائل سورة البقرة هذه الآيات حين تنزل وأنا أقرأها كيف يستقبلها قلبي؟ هل قلبي يستقبلها بغفلة؟ هل يستقبلها كما يستقبل أيّ كلام عادي يقال له؟ أم أن هذا القلب يدرك بأن هذه الكلمات العظيمة إنما هي من الله، الله سبحانه يتحدث إليّ بهذا القرآن العظيم، الله الملك الواحد الأحد في السماوات والأرض في ملكه سبحانه يحدّثني أنا العبد الفقير أنا العبد المسكين أنا بكل همومي بكل بساطتي بكل محدوديتي يخاطبني ربي عز وجل. هذه المعاني يا ترى هل هي موجودة فعلاً حاضرة في قلبي الآن وأنا أقرأ القرآن أم قد غابت عني؟! أم أني قد شغلت عنها؟! شغلت بماذا؟ ربما أكون شغلت بأني أنا حين أقرأ القرآن هذه الآيات أقرأها بتلهف ولكن ليس تلهف المحبّ لسماع كلام حبيبه لا، تلهف من يريد أن ينتهي من أكبر عدد من الآيات والسور ليختم القرآن وتسجل له ختمة ويزداد في الحسنات وفي الأجر وفي الثواب وهي غاية عظيمة نبيلة لا أحد يتكلم عنها. ولكن السؤال يا ترى ما الفارق الذي إبتداءً أنا في علاقتي مع القرآن غيّرت فيه؟
أنا أستقبل اليوم القرآن ولكن ليس كما كان يستقبل جيل التلقي الأول للقرآن أنا أستقبل القرآن لكي أنتهي من آياته، أنا أستقبل القرآن لكي أعد الآيات والحروف حتى أدرك كم حسنة ستدخل في جيبي وفي ميزان أعمالي. والفارق شاسع بين ذاك التلقي الذي ولد وصنع جيلاً قرآنياً متميزاً استطاع أن يغيّر وجه العالم والتاريخ وبين التلقي الذي أستقبل به القرآن اليوم الذي بصراحة لم يستطع أن يغير حتى من وجه حياتي تغييراً جذرياً ولا من أخلاقياتي ولا من تصرفاتي إلى حد كبير.
ولذا يقول عبد الله بن مسعود في زمانه وفي جيله يتكلم عن حالة بعض الناس مع القرآن فيقول تراه يقرأ القرآن من أوله لآخره من الفاتحة إلى سورة الناس ولا يُرى له القرآن في خُلُق أو في عمل. بمعنى آخر لا يؤثر فيه القرآن لا يغيرّه القرآن لا يصنعه القرآن لا يربيه القرآن لا يطبعه القرآن بصبغته العظيمة التي هي صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة هذا ما نريد قوله. فالسؤال لن يجيب عليه أحدٌ سواك أنت وأنت تقرأ القرآن وأنت تفتح القرآن اِستحضر هذا المعنى،
المعنى الأول اِستقبل القرآن بقلب يستقبل كلام المحب من حبيبه فقط. رقم إثنين: تعال ننظر إلى الأشياء التي شغلت حيزاً في قلوبنا اليوم، هناك فرق بين قلب فارغ تماماً مستعد للتلقي مستعد أن تسكب فيه، إناء فارغ تسكب فيه ما تشاء وبين إناء قد مُلئ تماماً بأشياء مختلفة ماذا ستضع فيه؟ ما عاد فيه مجالاً أن تسكب فيه شيئاً جديداً قلوبنا كالآنية بل هي آنية فتعال أنا وأنت ننظر بما يا ترى قد شغلنا هذه الآنية؟ بأي شيء ملأناها؟ بالقرآن؟ بكلام الله؟ بكلام الناس؟ بشواغل الحياة المعتادة؟ ماذا سآكل ماذا سأشرب ماذا سأعطي كم أخذت من البنك؟ أولادي؟ حياتي؟ بماذا؟ هذا سؤال أخر لن يجيب عليه إلا أنا وأنت بيننا وبين أنفسنا هكذا.
ثمة منافذ تؤثر على القلب الذي يستقبل به القرآن المنافذ التي امتن ربي عز وجل بها عليّ وعليك. إذاً هي سمع وبصر وفؤاد هذه منافذ يدخل إليها كل شيء في حياتنا، نحتاج أن نتساءل مع أنفسنا المنافذ التي عندي ودعونا نبدأ على سبيل المثال بالسمع هذه الأداة العظيمة النافذة التي تفتح كل شيء من العالم على قلبك طريق واضح طريق ميسّر ومباشر تنفذ إليه المعلومات تنفذ إليه الأخبار، تنفذ إليه الأصوات ينفذ إليه كل شيء عن طريق السمع. يا ترى ماذا أدخل أنا في سمعي في الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة؟ ماذا أدخلت في سمعي؟ ماذا دخل في أذني حتى ينفذ بعد ذلك إلى القلب وإلى العقل فأُشغَل به؟ أي نوع من أنواع الأخبار أدخلت إلى أذني؟ أي نوع؟
ربما يقول البعض ما أدخلت فيها غيبة أو أشياء محرمة أو نميمة أو مجالس الإستهزاء أو أو عشرات الأشياء طبعاً الغيبة
على سبيل المثال والنمية ما يقال أو ما نستمع إلى الناس وهم يقولونه عن الآخرين في غيبتهم من أسوأ الأشياء والملوثات التي تدخل إلى أجهزة السمع التي منحني إياها ربي سبحانه فتقضي عليها تماماً تجعل فيها أو تصنع فيها نوعاً من أنواع الأغشية والأغطية التي تحول بين وصول الحق إلى أذنيّ وهذه إشكالية كبيرة!
الغيبة النميمة الكلام العيب الكلام الحرام على الآخرين ما من شيء يلوّث سمعي وقلبي كسماعي هذه الأشياء، الأشياء التي بعض الناس اليوم في حياتنا اعتادوا عليها أصبحت شيئاً طبيعياً أصبحت كما يقول البعض فاكهة المجالس بمعنى آخر أن المجلس لا يطيب ولا يحلو دون الحديث عن الآخرين وأحياناً حتى الدخول في أعراضهم وأقل ما يقال فلان فعل وأخذ واشترى واعطى وباع ويفهم ولا يفهم كل شيء،
هذا النوع من دخول هذه الأشياء إلى الأذن اِعلم أنه يحول بينك وبين القرآن وقتاً طويلاً، تحتاج بعد التلوث الشديد الذي يدخل إلى سمعك من هذه الأشياء تحتاج إلى وقت طويل حتى تستطيع أن تطهر السمع وتطهر القلب مما قد دخل فيه وقد يقول قائل طيب ماذا أفعل؟
المراقبة، التقوى.
ودعونا نقف هنا التقوى هنا تدخل، اُنظروا إلى الآية التي ذكرت قبل قليل أشرت إليها في أوائل سورة البقرة ربي سبحانه وتعالى يقول (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) وربي سبحانه قبلها في سورة الفاتحة يقول في دعاء المؤمنين الذي نكرره على الأقل سبعة عشر مرة أو تزيد في اليوم والليلة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) ربي سبحانه أجاب في سورة البقرة إجابة دعاء طلب الهداية مني ومنك في التمسك بهذا الكتاب العظيم (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تريد هداية تمسك بالكتاب الكتاب أمامك هذا الكتاب هو الذي يوفر لك الهداية (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) إن أردت الهداية التي تطلب وتلح بالدعاء على الله عز وجل أن يمنحك إياها عليك بهذا الكتاب (لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة).
ولكن أنا حتى أحتاج وأتبين كيف ربي سيهديني في الحياة كيف سيرشدني كيف سيدلني على الطريق الصحيح في دنياي وآخرتي أحتاج إلى التقوى، الإجابة واضحة (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة). والتقوى ليست بالدرجة التي ينالها الإنسان هكذا بدون مجاهدة بدون تدرج بدون صعود إلى سلم التقوى درجة بعد درجة، لا، أنا أحتاج إلى مجاهدة للنفس حتى أترقى في التقوى. وبقدر ما أجاهد نفسي في بلوغ التقوى بقدر ما أستطيع أن أجاهد نفسي كذلك في الحفاظ والمراقبة على ما يدخل إليها من قول ومن أخبار ومن أحاديث، أجاهد نفسي في السمع. بمعنى آخر بكلام موجز أن أتقي الله في ما أسمع، كلمة صعبة!! أتقي الله في ما أسمع بمعنى أن أراقب الله في سمعي ماذا يدخل في سمعي، أراقب الله في الكلمات التي تدخل أراقب الله في حديث الناس الذي أستمع إليه أراقب الله في كل كلمة تصل إلى أذنيّ هل أسمح لها بالدخول أم لا أسمح لها؟ ومن المعجز والعظيم أن ربي سبحانه وتعالى قد جعل مع هذه الأدوات التي منحنا كما يقول سبحانه في سورة النحل (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) النحل) كما أنه سبحانه منحني هذه الأدوات أدوات الإستقبال منحني كذلك فيها أجهزة مراقبة بمعنى آخر أني أستطيع أن أتحكم جهاز تحكم عندي يعني مثل الريموت كنترول. أرأيت جهاز الريموت كنرول ترفع الصوت تخفض الصوت تغيّر القناة تحول إلى شيء آخر، أنا كذلك كبشر في سمعي جهاز السمع الذي أعطاني ربي عندي جهاز تحكم عندي جهاز ريموت أستطيع أن أتحكم في ما يدخل إلى سمعي وما لا يدخل. بمعنى آخر إذا كنت جالساً في مجلس فيه غيبة ونميمة وما استطعت أن أغيّر مجرى الحديث وما استطعت أن أدافع عن عرض صديق أو صاحب أو أحد من المسلمين أياً كان حتى لو كان شخصاً لا أعرف،
لا بد أن أقف وأوقف قضية الغيبة في مجالسنا لا بد أن يكون لي دور إيجابي لا يكفي فقط أن أكره بنفسي يعني قضية أضعف الإيمان التي التزمناها منهجاً في واقع الحياة أحتاج أن أراجعها مرة أخرى ليس كل شيء أضعف الإيمان! لا يكفي أني جالس في مجلس وأنا استطيع أن أتكلم استطيع أن أقول لا، أتطيع أن أقول يا جماعة هذا الحديث لا ينبغي أن يقال، لا تتكلموا بهذا هذا كلام لا يرضي الله، أستطيع لماذا أقبل بالأقل؟ لماذا أقبل بالسكوت؟ لماذا دائماً أحاول كما يفعل بعض الناس أحاول أن أرضي الآخرين ولا أزعج الآخرين على حساب علاقتي مع الله؟ على حساب رضى الله سبحانه؟ أنا أعرف أن الكلام لا يرضي الله سبحانه لماذا أقبل به؟! لماذا أقبل أن أبقى متواجداً في مجلس فيه كلام يغضب الله عز وجل؟
هذا السؤال أحتاج أن أجدد فيه الواقع والحال التي أنا فيها ولذلك أنا أحتاج أن أُخرج السموم لأني أنا باستماعي للغيبة والسخرية والنميمة والإستهزاء بالآخرين والخوض في أعراضهم كل هذا الكلام الذي بات يحتل مساحة كبيرة في أذني وبالتالي في قلبي أصبح سماً يحول بيني وبين وصول النافع في كتاب الله إلى كتاب الله هدى كتاب الله شفاء ربي عز وجل وصف هذا القرآن هدى وشفاء رحمة وشفاء هذه الرحمة والهدى والشفاء لا يمكن أن تأتي بوجود هذه السموم،
السموم تقف وتمنع وتحول بيني وبين وصول أيات القرآن العظيم التي فيها الهدى والشفاء ومن الذي أدخل السموم؟ أنا بالدرجة الأولى، أنا من أحتاج أن أراجع نفسي أنا بيدي أنا من أملك قرار التغيير القرار الشجاع أن أوقف السموم فأقول لها لا، يكفي هذا، لا سموم بعد اليوم، لا غيبة بعد اليوم، لا نميمة بعد اليوم، لا استهزاء بآيات الله لااستهزاء بالأخرين لا سخرية بالآخرين بما يلبسون وما يفعلون وكيف يتكلمون وكيف يتحدثون، لا،
نحتاج أن نتعلم أنا وأنت نحتاج أن تنتعلم قول كلمة (لا) في الوقت المناسب بالشكل المناسب بالكيفية التي ترضي ربي عز وجل. وإن شئت أن تعلم ماذا نقصد بكل هذا إقرا سورة الحجرات العظيمة التي حدد فيها ربي عز وجل السموم ووضع امام كل سم من هذه السموم (لا) (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ (11) الحجرات) (لَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (12) الحجرات) هذه السموم ينبغي أن توضع قبلها كلمة (لا) فعلاً وقولاً. عندها فقط تبدأ آيات القرآن تدخل إلى قلبي تجد منفذاً إليها منفذاً من النور لها مجال لها متسع، الإناء لم يُملأ بالسموم فبدأ الإناء يدخل فيه هذا الشفاء هذا النور العظيم من كتاب الله عز وجل فينتفع القلب بمعاني القرآن العظيم. ولذلك ربي سبحانه وتعالى يحدثني عن هذا النوع من السموم في كتابه عز وجل محذراً من عاقبة السموم وإدخال السموم اُنظروا إلى قول الله عز وجل في سورة الأعراف حين يقول (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف) آية واحدة فقط هذه الآية تضعني في محك معالجة الداء والمرض الذي نعاني منه اليوم،
الغفلة، الغفلة عن أجهزة الإستقبال التي باتت تدخل إلينا عشرات الأنواع من السموم فلما آتي إلى كتاب الله عز وجل لا أستطيع أن أنتفع بآياته، أقف عند حد طلب حسنة وعشر حسنات وبكل حرف وأتوقف وانتهينا. ما عاد القرآن فاعلاً في حياتي لأني قد ملأت آنية القلب بالسموم فتعطلت الأجهزة عندي أصبحت القلوب لا يُفقَه بها والأعين تنظر ولكن لا تتحقق بها الفائدة من النظر وهي الإبصار الإبصار الحقيقي، ما معنى الإبصار الحقيقي أن أرى الواقع أو أرى الموقف أو أرى الشيء في حياتي فآخذ منه العبرة أخذ منه الدرس أتعلم منه أتساءل لماذا حصل كيف يحصل كيف أن أتلافى الشيء السلبي كيف أحقق الإيجابي؟ توقفت قضية الإبصار أصبحت العين ترى الصور في الحياة في الواقع عشرات مئات الصور ولكن لا تتحقق فيها إبصار لا تتحقق فيها فائدة. ولهم آذان لا يسمعون بها، جهاز السمع ليس فيه مشكلة عضوية أبداً هو يسمع بشكل ممتاز تماماً ولكن لا يستطيع أن يحوّل ما يسمعه إلى مفهومات إلى أشياء يدركها يستفيد منها تغير في واقعه يسمع فلان مات فلا تغيّر في حياته شيئاً، فلان حدث له مرض وكأن ليس عنده خبر، فلان حصلت عنده مشكلة كبيرة خسر أمواله لا يغيّر فيه شيئاً! يمر على الأشياء والوقائع الكبيرة في حياته وفي حياة غيره فلا تؤثر فيه ولا تضع أمامه أي علامة استفهام ولذلك ربي وصف هؤلاء فقال (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الأعراف) لأن الأنعام ترى الصور ولكن لم يخلق فيها ربي القدرة على تغيير ما تراه إلى مفهومات ومدرِكات ولم يخلق فيها القدرة على تغيير المسموعات إلى أشياء تدركها كما خلقها في الإنسان.
الإنسان له القدرة على أن يربط ما يرى بما لا يرى (الإيمان بالغيب) له القدرة على أن يربط ويحول ويحلل ويستنتج ويغير، هذه القدرة لم تتوافر عند أيّ من الكائنات، أنت فقط من تمتلكها فكيف استعملت هذه الأشياء؟ كيف أديت شكر السمع والبصر المنافذ على سبيل المثال،
هذه نِعَم، أداء شكرها أن تستعملها في ما يرضي الله عز وجل وأترك لك المجال أن تحكم بنفسك وفقاً للجدول الذي وضعناه:
راقب نفسك حاول أن تساعد نفسك اُحكم على ما يدخل إلى سمعك وبصرك في كل يوم وليلة.
ولذلك ربي عز وجل وضع العلاج ونصحني فيها تماماً محذِّراً من مغبة وآثار ونتيجة أن أُدخل إلى سمعي وإلى بصري الملوثات حين يقول في سورة النساء (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) النساء) القضية خطيرة القضية ليست سهلة أي مكان تجد فيه أشياء خطأ فيه ملوثات من سمع أو من بصر صور محرمة كلام حرام اِستهزاء بآيات الله غيبة نميمة كفر خوض في أعراض الناس لا تقعد إما أن تُغيّر بتغيير إيجابي وتكون أنت الفاعل الحقيقي في المجلس أو اُترك لا تقعد معهم لماذا؟ لأن القضية ليست سهلة ما سيدخل في أذنيك وبصرك من سموم سينفذ إلى قلبك وما سينفذ إلى قلبك سيركس فيه وما سيركس فيه سيحول بينك وبين الانتفاع من آيات القرآن العظيم المسألة ليست سهلة راقب ما تنظر إليه راقب ما تسمعه.
ربما ذلك نقطة مهمة لا يهتم لها كثيرون في هذا الزمان وهي الكلام الفارغ الكلام الذي لا فائدة من ورائه ليس بالضرورة كلام غيبة أو نميمة هذا إنتهينا منه ولكن كلام فارغ ماذا أكلت وماذا سآكل وأين ستذهب وأين سنذهب ومن ذهب ومن سافر ومن جاء وكم أخذ وكم راتب فلان وماذا لبس فلان وهل تزوج فلان وهل زوج إبنه وفلانة طلقت وفلان لم يطلق هذا الكلام الذي يدخل تحت دائرة اللغو ويعرفه بعض العلماء بأنه كلام فارغ لا فائدة من ورائه.
اُنظر إلى قول الله عز وجل في كتابه حين يربيني على أن أتخلص أيضاً من الكلام الفارغ هذا الكلام الفارغ مثلاً على سبيل المثال إذا حددت لنفسك كم دقيقة في اليوم تسمع كلاماً فارغاً اِحسب بالورقة والقلم فالأمر جد خطير ومهم وجاهد نفسك كي تراقب كم دقيقة في اليوم أنا سمعت كلاماً فارغاً؟ لماذا كم دقيقة؟ لأنه عدد الدقائق التي سمعت فيها الكلام الفارغ وشاركت فيه ستؤثر على تلقيك للقرآن وأنت تقرأ ستؤثر على انتفاعك بالقرآن حين تريد أن تنتفع به فانتبه لهذا جيداً.
وتأملوا معي قول الله عز وجل حين يمدح ويثني على عباده المؤمنين فيقول (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) وفي سورة القصص حين يقول (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ( 55) القصص) اُنظر، إعراض اختياري باختيارك عندك جهاز الريموت عندك جهاز التحكم شغّله استعمله (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص) اُنظر إلى هذا المؤمن الذي أثنى عليه ربي (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) جعل العلاقة مع اللغو علاقة مرور مرور الكرام ما معنى مرور الكرام؟ مرور معرضين لا أخوض في اللغو لا أخوض في الكلام الباطل البعض قد يمسك بسماعة الهاتف ومكالمة قد تستغرق ساعة وساعة ونصف كلها كلام فارغ لا ينبني عليه عمل ليس هناك فائدة من ورائه ماذا استفدت؟ ماذا استفدت إذا عرفت كل سيرة الجيران والأصحاب والأصدقاء والأقارب وأين قضوا الإجازة الصيفية؟ وأخذت منك ساعة ونصف أو ساعتين من الزمن، ماذا استفدت؟ ما هي المحصلة؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون) لم يخلقنا للعبث ولا للهو ولا للعب. وستقول لي إذن بماذا أتكلم إذا لم أتكلم بهذا؟ حتى هذا لا أتكلم فيه!! يجيبك النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت” اصمت، الصمت هنا صمت إيجابي صمت تكافأ عليه صمت تثاب عليه أنا إما أن أقول كلام خير أو أصمت الصمت فن نسيناه ونسينا آدابه ونحتاج أن نحضره من جديد إلى حياتنا اليوم إلى واقعنا نحتاج أن نتعلم فن الصمت، فالصمت فن، نحتاج أن نأخذ دروساً في فن الصمت، نحتاج أن نتعلم اِتيكيت الصمت الذي علمني إياه ربي سبحانه وتعالى في كتابه العظيم ونِعْمَ به من معلم علمني إياه حبيبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس الجالس فيعدّ الكلمات التي يقولها صلى الله عليه وسلم وهو خير الخلق لماذا؟ ليعلّمنا أنا وأنت أن تكون كلماتنا محسوبة، ألا أتكلم إلا بخير. وما معنى الخير؟ كلام الخير مثل الكلام الذي نتكلمه الآن كلام ينبني عليه عمل صالح كلام طيب، إذاً هو الأمر بالمعروف، الخير، الإصلاح بين الناس، الكلام الطيب، التسبيح، ذكر الله عز وجل الإستغفار التوبة قواميس الخير كثيرة جداً الكلمات الموجودة في قاموس الخير لا تعد ولا تحصى وفي كل حرف تتكلم به من الخير لك فيه من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا ربي عز وجل. بيِّت النية على التغيير اُنظروا كيف يغيرنا القرآن هذا ما قصدناه في البداية حين قلنا أن جيل التلقي كان يتلقى القرآن بقلبه وأحتاج اليوم أن أتلقى القرآن بقلبي، بقلب بدأ مرحلة مجاهدة النفس للوصول إلى أن يتقي الله في ما يسمع وفي ما يبصر وفي ما ينظر إليه. التقوى من جديد، ولذلك أكون بهذه الطريقة أكون قد أخذت من القرآن معنى الانتفاع العظيم إني أسمح للقرآن أن يربيني من جديد كما كان يفعل في جيل التلقي.
كيف أسمح للقرآن أن يربيني؟ حين تبدأ آيات القرآن تجد منفذاً إلى قلبي لكي يتغير فأنت اليوم حين تقرأ قول الله عز وجل (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) تبدأ مرحلة التقوى، تبدأ سفر التقوى، تبدأ مجاهدة النفس في أن أتقي الله في ما أسمع، أتقي الله في ما أنظر إليه وهذه تربية وهذه مجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت) هذه المجاهدة مع النفس التربية القرآنية التي تحدث على مراحل، لا تحدث دفعة واحدة. والآن نفهم معنى قول عثمان رضي الله عنه “لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا”. إذاً هو القلب كلما إزددت مجاهدة لنفسي في تنظيف وتنقية هذا القلب من الشوائب والسموم وتنقية سمعي مما يدخل إليه وتنقية بصري مما يدخل إليه كلما ازددت تقى وكلما ازددت تقى كلما إزددت قدرة على تلقي القرآن العظيم بقلبي، وكلما إزددت قدرة على تلقي واستقبال القرآن بقلبي كلما زاد قلبي طهارة ونقاوة، كلما ازددت إنتفاعاً بهذا القرآن العظيم في نفسي وحياتي وأسرتي وكل من حولي ليتحول المؤمن المطبِّق لآيات ربه في القرآن إلى مصحف يمشي على الأرض يتعامل مع الناس في سلوكياته وكأن آيات القرآن تتمثل في سلوكياته وتعاملاته، في أخلاقه، في صدقه، في أمانته، في ما يعطي في ما يمنع في ما يشتري في ما يبيع في ما يأخذ في الوفاء بالعهود في كل شيء، ولذا المسلمون الأوائل فتحوا العالم بقلوبهم بهذا الكتاب العظيم لأنه انعكس في حياتهم.
هذه المعاني أحتاج أن أستحضرها اليوم وأنا أتعامل مع هذا القرآن العظيم ثم نقطة مهمة جداً (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) اللسان منفذ ومعبر كذلك، اللسان هو أداة البيان التي وهبني ربي عز وجل (علمه البيان) أعطاني لساني، علي أن أتقي الله في لساني أتقي الله في الشيء الذي اقوله ولذلك نحن قلنا قبل قليل عن فن الصمت، هذا مَعْبَر، أنا حين ينشغل لساني بغير ذكر الله بغير الحلال بغير المباح بغير الطاعات كيف أتوقع أني حين أمسك القرآن في آخر النهار سأنتفع بهذا القرآن العظيم؟! كيف أنتفع به وأنا جئت إلى القرآن لأن القرآن حين أقرأه ربي يجريه على لساني أنا أتحدث به وهذا اللسان عبّرت ومررت عليه عشرات الأشياء الممنوعة والملوثات ما عاد طاهراً ما عاد مستعداً لأن يُجرى عليه آيات القرآن حتى إن قالها بلسانه هي مجرد ترداد باللسان لا تتحول إلى القلب حتى ينتفع به. قضية القدرة على النفع والشفاء والرحمة والهداية والبصائر والنور أفرغتها من محتواها القرآن فيه بصائر القرآن هو بصائر القرآن هو هدى القرآن هو شفاء هو رحمة، أين هذه المعاني في حياتي اليوم؟ لماذا فُرِّغت من محتواها؟ ببساطة شديد لأني أوقفت معاني الإستفادة منها، بأي شيء؟ بالسموم والملوثات التي تحدثنا عنها.
طبعاً بعد عملية إفراغ السموم التي وضعنا الجدول لكي يساعدنا حتى نعرف ماذا الذي يدخل في آذاننا وفي أبصارنا وفي حياتنا طبعاً أحتاج الآن إلى البدء في تناول ما يمكن أن نطلق عليه الفيتامينات أو المقويات أحتاج مقويات. أعظم مقوي يقوي حاسة ومنفذ السمع لديّ أن أزداد استماعاً لهذا القرآن العظيم، لكلام ربي سبحانه وتعالى. والحقيقة أنه الآن مع وجود التقنيات الحديثة عاد الاستماع إلى القرآن العظيم ممكناً على مدار الأربع والعشرين ساعة طول الوقت كلما ازددت استماعاً إلى القرآن العظيم كلما قوي السمع لديك إلى القدرة لتقبل معاني القرآن العظيم والإنتفاع بها، قوي سمعك بزيادة الإستماع إلى القرآن العظيم شيئاً فشيئاً، اليوم سمعت على سبيل المثال عشر آيات غداً أسمع عشرين بعد غد أسمع ثلاثين في السيارة في رحلتك إلى العمل في وقوفك في إشارات المرور في كل وقت وحين حاول أن تُدخِل هذه العادات إلى حياتك من جديد، عادة الإستماع إلى القرآن العظيم. اِستمع إلى القرآن وأكثِر من الاستماع وكما ذكرنا قبل قليل وأنت تستمع إلى القرآن ضع نص عينيك أن الله يحدِّثك، أن الله يتكلم إليك، أن الله يخاطبك بهذا الكلام أن الكلام كلام من يحبك فاستقبله استقبال المحبوب والمحبّ لكلام حبيبه. هذه العلاقة لا تنشأ بين يوم وليلة تحتاج إلى نيّة صادقة تحتاج مني ومنك اليوم إلى عزيمة الآن أن أبيّت النيّة والعزيمة الصادقة يا رب اِنفعني بالقرآن العظيم، يا رب اِفتح على سمعي وقلبي وبصري بهذا القرآن العظيم، يا رب اِجعل نور القرآن ورحمة القرآن تنفذ إلى أعماق قلبي وصدري، يا رب اشفيني بالقرآن، يا رب اهديني بالقرآن يا رب انفعني بالقرآن نية صادقة، إلحاح بالدعاء لأنك إذا مُنِحت هذه النعمة العظيمة نعمة الإنتفاع بالقرآن فقد منحت الخير كله في الدنيا والآخرة فزت بخيري الدنيا والآخرة لا تبكي على شيء فاتك من الدنيا بعدها إذا أُعطيت هذه النعمة العظيمة نعمة الانتفاع بالقرآن.
أيضاً من المقويات التي تزيد في قوة منافذ وأجهزة الاستقبال للقرآن العظيم النظر في الكون والنظر في ما حولك، النظر في السماء النظر في الأرض النظر في الطبيعة، في الأشياء الطبيعية في الطيور في الشجر استمتع بالنظر إلى الجمال الذي خلقه ربي سبحانه وتعالى ولكن لا تنسى وأنت تستمع بهذا النوع من النظر أن لا يكون نظرك مجرد نظرة عابرة، لا، اُنظر نظر المتبصِّر نظرة واعية نظرة تجعل الإيمان في قلبك يتجدد من جديد، روح الإيمان تتجدد كيف؟ الله سبحانه وتعالى في عدد كبير جداً من آيات القرآن العظيم يحثّ على النظر في الكون والطبيعة وتقليب النظر ما بين السماء والأرض والشجر والطير والماء وكل شيء من حولنا، لماذا؟ من أعظم مجددات الإيمان في القلب أن تنظر إلى زهرة حتى لو أمسكت زهرة بين يديك (زهرة طبيعية طبعاً) ونظرت إليها نظرة المتأمل الفاحص الشاعر بالعجز أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، الشاعر بالجمال الذي وهبني ربي سبحانه ووضعه في الكون في كل شيء، هذا يجدد الإيمان في قلبي ولذا ربي سبحانه وتعالى في سورة الملك على سبيل المثال بعد أن ينصّ على الغاية من الحياة (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ (5) الملك) الكون، الطبيعة، السماء، هذا النوع من النظر المتبصِّر يقودك ويأخذ بيديك بسلام وراحة وطمأنينة إلى الإيمان بقدرة الله المعجزة وعظمة الله، إلى الإدراك والشعور أن الله على كل شيء قدير، أن الله قد أتقن وأحسن كل شيء خلقه وصنعه في هذا الكون، أن هذا الكون ما قد خُلِقَ للعبث ولا للعب ولا لتقضية وقت طال أو قصر وإنما من ورائه غاية، هذه المعاني التي تجدد الإيمان في قلبي تجعل المؤمن يقرأ القرآن بعين وبالعين الأخرى ينظر إلى الكون فيربط بين الكتابين ربط عظيم ربط يجدد معاني التلقي والإحساس في قلبي في نفسي في حياتي يجعل الكلمات التي أسمع كلمات القرآن والتي أتلقاها يجعل لها طعم عجيب طعم الإيمان المتجدد طعم الإحساس بمعاني الكلمات العظيمة التي تحوّل مني إلى إنسان حين يقرأ القرآن يسعى إلى أن يقرأه أحسن قراءة. أنا مطالب بأحسن العمل أنا لم أطالب بأكثر العمل على أي نحو كان، لا، ولذلك ربي قال (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) أحسن العمل لا يتوقف على الكمية يتوقف على النوع يتوقف على مدى متابعته لكتاب الله لما جاء في كتاب الله يتوقف على النية الصادقة التي أُبيِّت في قلبي. ولذلك ونحن اليوم نتكلم في كل في مؤسساتنا في حياتنا، الجودة في التعليم، الجودة في العطاء، الجودة المؤسسية، الجودة، الجودة، أين الجودة في إيماني؟ أين الجودة في علاقتي مع الله؟ أين الجودة في تلاوتي لكتاب الله؟ هل أنا أتوخى وأنا أقرأ القرآن أن تكون تلاوتي أحسن تلاوة؟ أجود تلاوة؟ أم أن كل ما يهمني هو أن أنتهي من التلاوة ومن السورة والآية والجزء وانتهينا؟! أحتاج أن أعيد النظر في كل هذا، أحتاج أن أغيّر وأن أجدد في أولوياتي
ولنا أن نعيد ترتيب ما قلناه في هذه الوقفة السريعة مع الإستفادة من الجدول المرفق طبعاً كما ذكرنا في البداية.
أولاً علاقتي مع القرآن تحتاج إلى تجديد أحتاج إلى وقفة صادقة في علاقتي مع القرآن، أحتاج إلى النظر في قلبي أن أخمّ قلبي أن أتفقد قلبي لأن القرآن لا ينزل إلا على القلب فأين قلبي وأنا أقرأ القرآن؟ أحتاج أن أراجع قلبي ومشاغل قلبي، أحتاج أن أتقي الله في ما يشغل خاطري وقلبي، أحتاج أن أتقي الله في المنافذ وأجهزة الإستقبال والإدراك التي ينفذ بها القرآن إلى قلبي، أحتاج أن أتقي الله في سمعي في ما يدخل إليه، أحتاج أن أتقي الله في نظري في بصري في رؤيتي في الصور عشرات ومئات الصور التي تدخل إلى عيني منها الحلال منها غير ذلك. أنا من سيتخذ القرار أنا من أملك القرار، بيدي أن أغيّر أن أوقف الريموت موجود في يدي وفي يدك أنت جهاز التحكم موجود نستطيع أن نتحكم في ما يدخل إلى أسماعنا في ما يدخل إلى أبصارنا في ما يخرج على ألسنتنا في ما نقول في ما نسمع في ما نرى أجهزة التحكم موجودة لدي. ربي لم يخلق لدي أجهزة بدون تحكم، خلق عندي التحكم والتحكم اِختياري القرار بيدك أنت أنت من تملك القرار، فعِّل القرار الإيجابي فعِّل قرار (لا) لكل الملوّثات التي تدخل إلى منافذ الإدراك عندنا لكل أجهزة الإستقبال التي تحتاج إلى تنقية وفلترة من الملوّثات، السموم التي ندخلها إلى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا هي التي تحول بيننا وبين الانتفاع بآيات القرآن العظيم، هي التي باتت تحول دون الوصول إلى ما وصل إليه جيل التلقي من تفعيل القرآن في حياتهم في أخلاقهم في سلوكياتهم التي جعلت الواحد منهم قرآناً يمشي على الأرض، بأي شيء؟ بالأخلاق بالتعامل بتحويل الانتفاع إلى آيات القرآن التي يسمعون ولذلك ما كان يهمّهم الكمّ بل كان يهمّهم الكيف.
الزيادة من الاستماع إلى القرآن حتى نتخلص من السموم والملوّثات، أخرِج السموم من سمعك أخرِج السموم من بصرك أخرِج السموم من قلبك، أخرِج السموم من لسانك (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) الفرقان) ترفّع بنفسك عن اللغو والكلام الفارغ الذي بات يحتل مساحة شاسعة واسعة من حياتنا سمعاً وتلقياً وكلاماً، ضع أولوياتك حين تمسك بالقرآن تأكد تماماً أن الله يخاطبك بهذا القرآن، الكلام موجّه إليك، الكلام موجّه لي ولك ولذلك ينبغي حين أتلقى القرآن أن أدرك وأضع في حسباني تماماً أن هذا الكلام قد وُجِّهَ لي ليحلّ ما أنا فيه، ليعالج مشاكل، ليعالج أزمات، ليجيب على تساؤلات تدور في ذهني أو في ما حولي. القرآن يحلّ كل هذه الأشياء، إذن هو موجّه بالدرجة الأولى لي ولك. تأنّى في تلاوتك لكتاب الله لا يكن الهم والشيء الأساس في تلاوتي أن أنتهي من الجزء أو أنتهي من السورة بأي كان شكل ذلك الإنتهاء، لا، أنا أقدِّم هذا العمل بين يدي الله وربي يطلب مني أحسن العمل، أحسن التلاوة، أحسن القراءة أحسن الفهم، والأمر لا شك يحتاج إلى مجاهدة، يحتاج إلى شيء من المصابرة ولكن لا بأس هذه المصابرة وهذه المجاهدة هي تربية القرآن لي ولك، هي التربية التي لأجلها نزل القرآن العظيم القرآن يربي.
ولذا هذا معنى قول السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام قالت: كان خُلُقه القرآن، القرآن تحول إلى أخلاقيات،
معاني القرآن. أحتاج أن أقف عند هذه المعاني تماماً أحتاج أن أشغّل وأفعِّل أجهزة التحكم بفعالية شديدة أحتاج أن أقلل الانشغال بالأشخاص الذي بات يحتل مساحة في قلبي، في نفسي. أرتِّب الأولويات، لا أُشغل نفسي بسلبيات وهموم وأحداث على سبيل المثال لا يترتب عليها عمل، أشياء تثبِّط، أشياء تقطعني عن السير إلى الغاية التي من أجلها خلقت أضع أمام عيني دائماً كل يوم كل صباح (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون)أضع في بالي هذه الآية دائماً فلا يكون يومي ولا صباحي ولا مسائي عبثاً ولا نوعاً من أنواع مجرد قضاء الوقت أنا لم أُخلق عبثاً هذه الحقيقة أحتاج أن أجددها في نفسي أحتاج أن أقلل قضية الجري المتواصل وراء الدنيا والإنغماس المُهلك في ملذاتها ومغرياتها، أحتاج أن أتعلم كيف أفعِّل قول كلمة (لا) في الوقت المناسب.
ما نعيشه اليوم من انغماس شديد وركض وراء الدنيا جعلنا نغفل حتى عن حقيقة وجودنا فيها وهذا لا ينبغي أن يكون. أعِد الأمور إلى نصابها، غيِّر، راجع في الجدول، اَنظر إلى الأشياء التي في حياتي أولوياتي في حياتي ما هي؟ هذا الانشغال المتواصل في الدنيا على سبيل المثال أبسط مثال هذه الأجهزة الذكية النقالة وغيرها بمجرد شراء جهاز جديد بعدها بفترة بسيطة ينزل الجهاز الذي يليه إذا أنا أبقيت نفسي في هذه الدوامة لن أنتهي ستقضي عليّ. أحتاج أن أتعلّم أن الشيء الذي أحتاجه هو الذي آخذه والذي لا أحتاج ليس بالضرورة أن أجري وراءه، أحتاج أن أفهم معنى الاقتصاد العالمي اليوم الذي جعل من الإنسان مستهلكاً بامتياز مستهلكاً بالدرجة الأولى كائن إستهلاكي يستهلك أشياء لا يحتاج إليها، أنا إنسان، أنا عندي عقل عندي تمييز عندي أجهزة تحكّم لا أسمح للخارج أن يتحكم فيّ، أنا أتحكم في ذاتي لا أسمح لما هو خارج ذاتي أن يتحكم فيّ ويسيطر عليّ كلياً وأستميت وأنا أجري وراءه دون أن أنتبه لما يحدث في حياتي، في داخلي.
القرآن هو من يساعدني على ذلك، أحتاج أن أجاهد وأدرّب نفسي على تقليل الكلام الفارغ الذي لا فائدة من ورائه والطريقة العملية ربما تكون في البداية صعبة ولكن لا بأس أن تأخذ ورقة وقلم وتكتب كلمات، عدّ، إحسب، أذكر أننا في يوم من الأيام إتفقت مع مجموعة من الطلبة قلنا ما رأيكم أن نقوم بتمرين تمرين جميل إحسب في يوم واحد عدد الكلمات التي تتفوه بها وضعها في خانات كلام جيد كلام سيء كلام فارغ، اليوم الأول كانت النتائج عجيبة معظم ما نقوله من كلام هو كلام فارغ أحتاج أن أدرِّب نفسي على الصمت قول الخير أو الصمت. في البداية ربما العملية تكون صعبة بعد قليل ستصبح أقل صعوبة ثم أكثر سهولة إلى أن تصبح شيئاً معتاداً عندك إما أن تقول كلام خير أو تصمت. كل ما ذكرناه خطوات عملية الغاية الأساس منها أن تصبح لدي أجهزة الاستقبال قادرة على أن ينفذ إليها النور الذي في هذا الكتاب العظيم، البصائر، على أن تستقبل القرآن العظيم. ودعونا نتذكر دائماً أن قلوبنا آنية فلا نملأها بالسموم والملوّثات والأشياء الفارغة حتى لا يعود فيها مكان لمعاني القرآن العظيم. دعونا نتخذ القرار الصح أن نملأها بكل خير والشيء لا يمكن أن يُملأ بفاسد وبصالح في آن واحد إما هذا وإما هذا. دعونا نفرِّغ هذه الآنية من كل السموم والملوّثات ونملأها ونبيّت النيّة والعزيمة على أن نملأها بكل خير وما من خير أعظم من هذا الكتاب العظيم.
السلام عليكم ورحمة الله.
اسلاميات
برنامج بنيان مرصوص
الحلقة الثانية
د.رقية العلواني
https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_08/image.png.b12bfa4e5012b3e966c2b8a98b46b38a.png