حكاية ناي ♔
02-26-2024, 06:03 PM
نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بقباء النبي يصلي الجمعة حين الارتحال من قباء إلى المدينة
نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار أبي أيوب الأنصاري
إسلام حبر اليهود عبدالله بن سلام
• وفي هذه السنة: نزل - صلى الله عليه وسلم - بقباء، وبنى مسجد قباء.
الشرح:
ثم عَدَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ[1] وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أبو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ أربع عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - [2].
• وفيها: صلى الجمعة حين ارتحل من قباء إلى المدينة، صلاها في طريقه ببني سالم، وهي أول جمعة صلاها وأول خطبة خطبها في الإسلام.
الشرح:
مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - بقباء أربعة عشر يومًا بنى خلالها مسجد قباء، ثم أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - دخول المدينة المنورة، فخرج من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة[3].
• وفيها: نزل - صلى الله عليه وسلم - بدار أبي أيوب الأنصاري.
الشرح:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إلى بني النجار لما عقد العزم على التحرك من قباء إلى المدينة فجاءوه متقلدي سيوفهم، حرسًا له - صلى الله عليه وسلم -.
فلما أشرف حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ليلاً استقبله أهلها استقبالاً حافلاً، وفرحوا بمقدمه عليهم ما لم يفرحوا بشيء مثله قط.
يقول أنس بن مالك: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ لَعِبَتْ الْحَبَشَةُ لَقُدُومِهِ فَرَحًا بِذَلِكَ، لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ[4] ويقول أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: فأقام فيهم - أي: في بني عَمْرِو بن عَوْفٍ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بني النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بني النَّجَّارِ حَوْلَهُ[5]، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله[6].
فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَنْزِلُ عَلَى بني النَّجَّارِ أَخْوَالِ عبد الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ" فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله[7]، فَقَالَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟"، فَقَالَ أبو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ الله هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا"، قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ الله[8].
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دار أبي أيوب الأنصاري:
فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دار الصحابي الجليل خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّفْلِ، وَأبو أَيُّوبَ فِي الْعِلْوِ، فَانْتَبَهَ أبو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "السُّفْلُ أَرْفَقُ"، فَقَالَ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعُلُوِّ، وَأبو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ" قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ أَوْ مَا كَرِهْتَ.
قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى[9].
• وفيها: بنى المسجد النبويَّ والحجرات.
الشرح:
حينما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكان راكبًا رَاحِلَتَهُ سَارَ بها حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: "هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ"، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا: لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله فَأَبَى رَسُولُ الله أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بناهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بنيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ[10]
وكانت في هذه الأرض التي بنى عليها المسجد قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ الله بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً[11].
وكَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بناء المسجد يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ[12].
صفة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
يقول عبدالله بن عمر: كان الْمَسْجِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ.
فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أبو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بنيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ[13] وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ[14].
• وفيها: أسلم حبر اليهود عبدالله بن سلام.
الشرح:
يحكي عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - بداية دخول الإسلام قلبه فيقول - رضي الله عنه -: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"[15].
ثم أراد عبدالله بن سلام أن يتيقن من أمر النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ فقَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا"، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ[16]، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ" قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ عبدالله بن سَلَامٍ فِيكُمْ؟" قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عبدالله بن سَلَامٍ؟" قَالُوا: أَعَاذَهُ الله مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عبدالله، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ الله[17].
• وفيها: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة، وأبا رافع فحملاهنَّ من مكة إلى المدينة ما عدا زينب.
المصدر: (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار أبي أيوب الأنصاري
إسلام حبر اليهود عبدالله بن سلام
• وفي هذه السنة: نزل - صلى الله عليه وسلم - بقباء، وبنى مسجد قباء.
الشرح:
ثم عَدَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ[1] وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أبو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَقْبَلَ أبو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بني عَمْرِو بن عَوْفٍ أربع عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - [2].
• وفيها: صلى الجمعة حين ارتحل من قباء إلى المدينة، صلاها في طريقه ببني سالم، وهي أول جمعة صلاها وأول خطبة خطبها في الإسلام.
الشرح:
مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم - بقباء أربعة عشر يومًا بنى خلالها مسجد قباء، ثم أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - دخول المدينة المنورة، فخرج من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة[3].
• وفيها: نزل - صلى الله عليه وسلم - بدار أبي أيوب الأنصاري.
الشرح:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل إلى بني النجار لما عقد العزم على التحرك من قباء إلى المدينة فجاءوه متقلدي سيوفهم، حرسًا له - صلى الله عليه وسلم -.
فلما أشرف حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ليلاً استقبله أهلها استقبالاً حافلاً، وفرحوا بمقدمه عليهم ما لم يفرحوا بشيء مثله قط.
يقول أنس بن مالك: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ لَعِبَتْ الْحَبَشَةُ لَقُدُومِهِ فَرَحًا بِذَلِكَ، لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ[4] ويقول أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه -: فأقام فيهم - أي: في بني عَمْرِو بن عَوْفٍ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلَإِ بني النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأبو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلَأُ بني النَّجَّارِ حَوْلَهُ[5]، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ الله، جَاءَ نَبِيُّ الله[6].
فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَنْزِلُ عَلَى بني النَّجَّارِ أَخْوَالِ عبد الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ" فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِي الطُّرُقِ يُنَادُونَ يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله، يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ الله[7]، فَقَالَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟"، فَقَالَ أبو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ الله هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي، فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا"، قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ الله[8].
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دار أبي أيوب الأنصاري:
فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في دار الصحابي الجليل خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّفْلِ، وَأبو أَيُّوبَ فِي الْعِلْوِ، فَانْتَبَهَ أبو أَيُّوبَ لَيْلَةً فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "السُّفْلُ أَرْفَقُ"، فَقَالَ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعُلُوِّ، وَأبو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ، فَكَانَ يَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ، فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ" قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ أَوْ مَا كَرِهْتَ.
قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى[9].
• وفيها: بنى المسجد النبويَّ والحجرات.
الشرح:
حينما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكان راكبًا رَاحِلَتَهُ سَارَ بها حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: "هَذَا إِنْ شَاءَ الله الْمَنْزِلُ"، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا: لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ الله فَأَبَى رَسُولُ الله أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بناهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بنيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ[10]
وكانت في هذه الأرض التي بنى عليها المسجد قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ الله بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً[11].
وكَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بناء المسجد يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ[12].
صفة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
يقول عبدالله بن عمر: كان الْمَسْجِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ.
فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أبو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بنيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ[13] وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ[14].
• وفيها: أسلم حبر اليهود عبدالله بن سلام.
الشرح:
يحكي عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - بداية دخول الإسلام قلبه فيقول - رضي الله عنه -: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"[15].
ثم أراد عبدالله بن سلام أن يتيقن من أمر النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ، مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ فقَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا"، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ[16]، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ" قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ عبدالله بن سَلَامٍ فِيكُمْ؟" قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عبدالله بن سَلَامٍ؟" قَالُوا: أَعَاذَهُ الله مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عبدالله، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ الله[17].
• وفيها: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بناته وزوجته سودة بنت زمعة زيد بن حارثة، وأبا رافع فحملاهنَّ من مكة إلى المدينة ما عدا زينب.
المصدر: (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)