حكاية ناي ♔
02-29-2024, 10:24 AM
الحمد لله الذي فتح لنا أبواب الدعاء، وجعل الدعاء وسيلة لإصلاح الزوجة والأبناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الصفات والأسماء، شهادة ننجو بها يوم القيامة عند اللقاء، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خاتِمُ الرسل والأنبياء، كان يبين أن الإنسان ينتفع بعد موته بصلاح الأبناء، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الفضلاء، وعلى من تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، حديثنا متواصلٌ عن صفات عباد الرحمن الكريمة، لنسيرَ على طريقتهم الـحسنة؛ رَجَاءً أن نكون معهم في الجنة، فضلًا من الله ومِنة.
عباد الله، الدعاءُ له أهمية عظيمة في حياة كل مسلم ومسلمة، فكم من محنة رفعها الله؟ وكم من مصيبة كشفها الله؟ وكم من رزق ساقه الله؟ وكم من أمراض شفاها الله؟ وكم من حاجات قضاها الله بالدعاء؟ ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه أبوابًا كثيرة من الخير ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]؛ ولذلك كان من صفات عباد الرحمن اللجوءُ إلى الله بالدعاء، ويخصون في دعواتهم: الدعاءَ بصلاح الزوجة والأولاد، قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فهم يسألون الله تعالى أن يهب لهم من أزواجهم ما تَقَرُّ به عيونهم، ومعنى قرة العين: سكونها فلا تطمح إلى من هو فوقه[1]؛ لأن طبيعة الإنسان حين ينظر بعينيه يبحث دائمًا عن الأفضل، فإذا رُزق زوجة صالحة فلن ينظر إلى ما سواها، ولن تَتَطَلَّع عينه إلى غيرها؛ لأنه قد أوتي خيرًا كثيرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لعمر بن الخطاب: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ»[2]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ...))[3].
فالزوجة الصالحة من سعادة الانسان؛ لأنها تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه في ماله وعرضه إذا غاب، وتُربي أبناءه، وتعينه على عبادة ربه؛ لذا وجب على المؤمن سؤالُ الله تعالى صلاحَ الزوجة اقتداءً بعباد الرحمن.
ثم إن عباد الرحمن يسألون الله كذلك أن يصلح أبناءهم؛ لأن صلاح الأبناء والبنات ينتفع به الآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات، ففي الحياة ينتفعون بطاعتهم وإحسانهم؛ لأنهم زينتُهم في الدنيا، والله تعالى يقول: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وبعد الممات ينتفعون بصلاحهم ودعواتهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))[4].
وقد كان الأنبياء والصالحون يتوجهون إلى الله تعالى بالدعاء أن يصلح ذريتهم، فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول في دعائه: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إبراهيم: 40]، وحياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تزخر بدعوات طيبات لأبنائه وأحفاده؛ فمن ذلك أنه كان يحمل سيدنا الحسن رضي الله عنه ويقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ))[5].
وكان للفُضيل بن عِياضٍ ولدٌ اسمه عليُّ بنُ الفضيل، يدعو الله له ويقول: "اللهمَّ إنِّي اجتهدتُ أَن أُؤدب عَلِيًّا فلم أَقدرْ على تأديبِه، فأدِّبْهُ لي"، استجاب الله له، فأصبحَ ابنُه إمامًا كأبيهِ في العِلمِ والزُّهدِ، حتى قال فيه عَبد اللَّه بْن المبارك: "خير الناس الفضيلُ بْن عياض، وخيرٌ مِنْهُ ابْنه عليٌّ"[6].
وهذا سُلَيْمُ بنُ أيوب الرازي -أحد رواة الحديث وهو من فقهاء الشافعية- يتحدث عن نفسه ويقول: عندما كان في عشر سنوات ذهب إلى أحد العلماء ليتعلم العربية ويحفظ القرآن، يقول: فشق ذلك عليه فلم يستطع أن يتعلم شيئًا، فقال له هذا العالم: ألك والدة؟ قال: قلت: نعم: قال: قل لها: أن تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم، قال: فرجعت، فسألت أمي الدعاء، فدعت لي، ففتح الله عليَّ[7].... فصار بعد سنوات من أجلِّ علماء الشافعية. الله أكبر.
إن كثيرًا من عظماء المسلمين في التاريخ، من العلماء والزهَّاد، والأولياء والعباد، لم يبلغ كثير منهم ما بلغ؛ إلا بفضل دعاء الوالدين.
هذا وإن الكثير من الآباء والأمهات في هذا الزمان، يبذلون كل شيء من أجل صلاح أبنائهم واستقامتهم، فتراهم يهتمون بتوفير الطعام والشراب، والملبس والمسكن والتعليم، وهذا خير إن شاء الله؛ لكن أغلبهم يتغافلون عن الدعاء، ويتناسون أن من أعظم أسباب صلاح أبنائهم كثرة الدعاء لهم، وسؤال الله تعالى أن يصلحهم.
فالله الله في أبنائكم يا عباد الله! سلُوا الله تعالى أن يخرج من أصلابكم ذرية تُوحد الله وتعبده، وتطيعه وتشركه، فاللهم يا ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وبعد:
عباد الله، أصل هذه الخطبة دعاءُ عباد الرحمن إذ يقولون: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فالواحد منهم يسأل الله تعالى صلاح الزوجة والأولاد، ويسأله أن يكون إمامًا وقدوةً في الدين، لعباد الله المتقين، وهؤلاء المتقون قد يكونون من أصحابه، أو من تلاميذه، أو جماعته، أو من أهل بيته وأولاده، وعلى هذا المعنى فكل واحد منا إمامٌ بحسب الذين تحت مسؤوليته من الناس، خاصة أبناءنا وبناتنا.
فعباد الرحمن يكونون قدوة صالحة لأبنائهم، فيحافظون على الصلوات في أوقاتها، ويَصْدُقون إذا حدثوا، ويوفون إذا عاهدوا، ويصومون النوافل ويتصدقون، ويقومون الليل، ويصلون أرحامهم، ويترفعون عن ارتكاب المحرمات.
فيتأثر أبناؤهم ببيئتهم وصلاحهم، وتتحسن أخلاقهم، وتصلح سيرتهم، وما ذلك إلا بسبب اقتدائهم بآبائهم.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه إذا كان الدعاء من أفضل وسائل إصلاح الأولاد؛ فإن التربية بالقدوة من أعظم مبادئ تربيتهم على الصلاح والتقوى والسداد، فاللهم اهدِ أولادنا، وأصلح لنا أزواجنا، واجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللهمَّ أصلِحْ لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلِحْ لنا دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ يا ربَّ العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمن له حق علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات يارب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينا ولأشياخنا، ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-182].
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، حديثنا متواصلٌ عن صفات عباد الرحمن الكريمة، لنسيرَ على طريقتهم الـحسنة؛ رَجَاءً أن نكون معهم في الجنة، فضلًا من الله ومِنة.
عباد الله، الدعاءُ له أهمية عظيمة في حياة كل مسلم ومسلمة، فكم من محنة رفعها الله؟ وكم من مصيبة كشفها الله؟ وكم من رزق ساقه الله؟ وكم من أمراض شفاها الله؟ وكم من حاجات قضاها الله بالدعاء؟ ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه أبوابًا كثيرة من الخير ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]؛ ولذلك كان من صفات عباد الرحمن اللجوءُ إلى الله بالدعاء، ويخصون في دعواتهم: الدعاءَ بصلاح الزوجة والأولاد، قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فهم يسألون الله تعالى أن يهب لهم من أزواجهم ما تَقَرُّ به عيونهم، ومعنى قرة العين: سكونها فلا تطمح إلى من هو فوقه[1]؛ لأن طبيعة الإنسان حين ينظر بعينيه يبحث دائمًا عن الأفضل، فإذا رُزق زوجة صالحة فلن ينظر إلى ما سواها، ولن تَتَطَلَّع عينه إلى غيرها؛ لأنه قد أوتي خيرًا كثيرًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لعمر بن الخطاب: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ»[2]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ...))[3].
فالزوجة الصالحة من سعادة الانسان؛ لأنها تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، وتحفظه في ماله وعرضه إذا غاب، وتُربي أبناءه، وتعينه على عبادة ربه؛ لذا وجب على المؤمن سؤالُ الله تعالى صلاحَ الزوجة اقتداءً بعباد الرحمن.
ثم إن عباد الرحمن يسألون الله كذلك أن يصلح أبناءهم؛ لأن صلاح الأبناء والبنات ينتفع به الآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات، ففي الحياة ينتفعون بطاعتهم وإحسانهم؛ لأنهم زينتُهم في الدنيا، والله تعالى يقول: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وبعد الممات ينتفعون بصلاحهم ودعواتهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))[4].
وقد كان الأنبياء والصالحون يتوجهون إلى الله تعالى بالدعاء أن يصلح ذريتهم، فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول في دعائه: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إبراهيم: 40]، وحياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تزخر بدعوات طيبات لأبنائه وأحفاده؛ فمن ذلك أنه كان يحمل سيدنا الحسن رضي الله عنه ويقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ))[5].
وكان للفُضيل بن عِياضٍ ولدٌ اسمه عليُّ بنُ الفضيل، يدعو الله له ويقول: "اللهمَّ إنِّي اجتهدتُ أَن أُؤدب عَلِيًّا فلم أَقدرْ على تأديبِه، فأدِّبْهُ لي"، استجاب الله له، فأصبحَ ابنُه إمامًا كأبيهِ في العِلمِ والزُّهدِ، حتى قال فيه عَبد اللَّه بْن المبارك: "خير الناس الفضيلُ بْن عياض، وخيرٌ مِنْهُ ابْنه عليٌّ"[6].
وهذا سُلَيْمُ بنُ أيوب الرازي -أحد رواة الحديث وهو من فقهاء الشافعية- يتحدث عن نفسه ويقول: عندما كان في عشر سنوات ذهب إلى أحد العلماء ليتعلم العربية ويحفظ القرآن، يقول: فشق ذلك عليه فلم يستطع أن يتعلم شيئًا، فقال له هذا العالم: ألك والدة؟ قال: قلت: نعم: قال: قل لها: أن تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم، قال: فرجعت، فسألت أمي الدعاء، فدعت لي، ففتح الله عليَّ[7].... فصار بعد سنوات من أجلِّ علماء الشافعية. الله أكبر.
إن كثيرًا من عظماء المسلمين في التاريخ، من العلماء والزهَّاد، والأولياء والعباد، لم يبلغ كثير منهم ما بلغ؛ إلا بفضل دعاء الوالدين.
هذا وإن الكثير من الآباء والأمهات في هذا الزمان، يبذلون كل شيء من أجل صلاح أبنائهم واستقامتهم، فتراهم يهتمون بتوفير الطعام والشراب، والملبس والمسكن والتعليم، وهذا خير إن شاء الله؛ لكن أغلبهم يتغافلون عن الدعاء، ويتناسون أن من أعظم أسباب صلاح أبنائهم كثرة الدعاء لهم، وسؤال الله تعالى أن يصلحهم.
فالله الله في أبنائكم يا عباد الله! سلُوا الله تعالى أن يخرج من أصلابكم ذرية تُوحد الله وتعبده، وتطيعه وتشركه، فاللهم يا ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وبعد:
عباد الله، أصل هذه الخطبة دعاءُ عباد الرحمن إذ يقولون: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فالواحد منهم يسأل الله تعالى صلاح الزوجة والأولاد، ويسأله أن يكون إمامًا وقدوةً في الدين، لعباد الله المتقين، وهؤلاء المتقون قد يكونون من أصحابه، أو من تلاميذه، أو جماعته، أو من أهل بيته وأولاده، وعلى هذا المعنى فكل واحد منا إمامٌ بحسب الذين تحت مسؤوليته من الناس، خاصة أبناءنا وبناتنا.
فعباد الرحمن يكونون قدوة صالحة لأبنائهم، فيحافظون على الصلوات في أوقاتها، ويَصْدُقون إذا حدثوا، ويوفون إذا عاهدوا، ويصومون النوافل ويتصدقون، ويقومون الليل، ويصلون أرحامهم، ويترفعون عن ارتكاب المحرمات.
فيتأثر أبناؤهم ببيئتهم وصلاحهم، وتتحسن أخلاقهم، وتصلح سيرتهم، وما ذلك إلا بسبب اقتدائهم بآبائهم.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه إذا كان الدعاء من أفضل وسائل إصلاح الأولاد؛ فإن التربية بالقدوة من أعظم مبادئ تربيتهم على الصلاح والتقوى والسداد، فاللهم اهدِ أولادنا، وأصلح لنا أزواجنا، واجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللهمَّ أصلِحْ لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلِحْ لنا دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ يا ربَّ العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمن له حق علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات يارب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينا ولأشياخنا، ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180-182].