حكاية ناي ♔
02-29-2024, 10:26 AM
الحمد لله الذي شرع لعباده الوسطيَّةَ والاعتدال، سبحانه وتعالى نهى عن الإسراف والإقتار في إنفاق الأموال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، ذو الإكرام والجلال، شهادةً تنفعنا يوم يحاسَب العباد على ما قدَّموا من الأعمال، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، كريم الصفات والخِصال، كان يحُثُّ أمَّتَه على الاعتدال في النفقة في كل الأحوال، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير صَحْبٍ وآل، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم يكون إلى الله المصير والمآل؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]؛ أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، إن لعباد الرحمن كثيرًا من الصفات الحسنى، ونحن نتحدث عنهم ونسير على طريقتهم الـمُثلى؛ رجاءَ أن نكون معهم في جنة العلا، إن شاء الله تعالى.
فمن صفات عباد الرحمن الاعتدالُ والوسطية في إنفاق المال؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
أيها المؤمنون، إن هذا المال الذي بين أيدينا من أعظم نِعَمِ الله علينا؛ فهو أساس وقِوام حياتنا؛ فبالمال نحقق غاياتٍ دينيةً ودنيويةً، فنوفر الطعام والشراب، والمسكن واللباس، والزواج والنفقة على الأهل والأولاد، وبه نتقرب إلى الله ونعبده بالزكاة، والحج والعمرة وصلة الأرحام، والإنفاق في سائر وجوه الإحسان.
وكل إنسان سيُسأل عن ماله يوم الحساب؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل... عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟...))[1]؛ لذلك وجب علينا أن نراعي تعاليم الإسلام في أموالنا، من جهة كسبها، ومن جهة إنفاقها.
فأما من جهة كسبها؛ فنتحرى الحلال في تجاراتنا ومعاملاتنا، وحِرَفِنا ووظائفنا، ونجتنب جمع المال من الحرام؛ كالغش والظلم والسرقة، والرِّشوة والرِّبا، وغيرها من الطرق المحرمة.
وأما من جهة إنفاقها، فإن الله تعالى مدح طريقة إنفاق عباد الرحمن لأموالهم؛ إذ يقول: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، والمعنى أنهم "ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا"[2].
عبدالملك بن مروان عندما أراد أن يزوِّج ابنته فاطمةَ لعمرَ بنِ عبدالعزيز، امتحنه، وسأله هذا السؤال؛ ليعرف ميزانه في الحياة وكيفية عيشه؛ فقال له: يا عمر ما نفقتك؟ (أي: كيف تنفق مالك؟) فقال عمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، نفقتي حسنة بين سيئتين؛ ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]؛ فالسيئة الأولى هي الإسراف، والسيئة الثانية هي الإقتار؛ وهو البخل، والحسنة التي بينهما: الوسطية والاعتدال في النفقة، فعلِمَ عبدالملك أهلية عمر للزواج بابنته فاطمة، فزوَّجها له.
فأما السيئة الأولى فهي الإسراف؛ ومعناه مجاوزة الشيء حدَّه، فمن الناس من يسرف في إنفاق ماله، في طعامه وشرابه، وسيارته وكمالياته، ولا يوازن بين نفقته ودخله، فتراه يكسب خمسةً، وينفق عشرة، أو يكسب مائة، وينفق مائتين، وقد يلجأ إلى الدَّين لسدِّ حاجته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الدَّين، ويبين أن الرجل ((إذا غرِم - أي استدان - حدَّث فكذب، ووعد فأخلف))[3].
وإننا حينما ننظر إلى أحوال الناس اليوم، نجدهم يُحمِّلون أنفسهم فوق طاقتهم المالية، فيقعون ضحية للديون، وما يتبع ذلك من تضييع الأمانات والحقوق، ولو عاش الإنسان على حسب طاقته المالية، لارتاح من شرٍّ عظيم.
وأما السيئة الثانية، فهي الإقتار - أي: البخل - فمن الناس من يبخل بماله، فالمال بين يديه، لكنه محروم منه، وكفى بالبخل إثمًا أنه يؤدي بالإنسان إلى تضييع حقوق الناس التي على ذمته، من الأهل والأولاد والأقارب؛ ((وكفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول))[4].
وقد يؤدي به إلى منع إخراج الزكاة الواجبة؛ لذلك توعَّده الله بعذاب شديد يوم القيامة؛ ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 180].
وقد يؤدي به إلى حرمان نفسه من أيسر حقوقها؛ فعن أبي الأحوص، عن أبيه، ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون - أي قديم رديء - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألك مال؟ قال: نعم، من كل المال، قال: من أي المال؟ قال: قد آتاني الله من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالًا، فلْيُرَ عليك أثر نعمة الله وكرامته))[5].
وهاتان الصفتان؛ الإسراف والبخل، ليستا من صفات عباد الرحمن، ولا تليقان بأهل الإسلام؛ ولقد أحسن ابن الوردي إذ قال:
بين تبذير وبخل رتبة
فكلا هذين إن دام قتل[6]
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، فاللهم إنا نعوذ بك من الإسراف والإقتار، واجعلنا قوامًا بين ذلك يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجِبْ لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ أما بعد:
فيا عباد الله، رأينا في الخطبة الأولى أن هناك مرتبتين؛ مرتبة الإسراف ومرتبة البخل.
هذا، وإن عباد الرحمن مرتبتهم بين المرتبتين؛ فهم وسط بين الإسراف والبخل، فهم لا يسرفون في نفقاتهم، ولا يبخلون بأموالهم، ويُعطُون كل ذي حق حقه، من الأقارب والمحتاجين، والفقراء والمساكين، وغيرها من الحقوق التي شرعها رب العالمين، فلا يحرمون هذا على حساب هذا، ولا يعطون هذا على حساب هذا؛ عملًا بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تُخرِج الزكاة من مالك؛ فإنها طُهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين، فقال: يا رسول الله، أقْلِلْ لي، قال: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]))[7].
فاللهم وفِّقْنا جميعًا لأداء كل الحقوق يا رب العالمين.
هذا، وأكْثِروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين؛ فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين؛ إنك حميد مجيد.
وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأدِمْ على بلدنا الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أنْزِلِ السَّكينة في قلوبنا، وزِدْنا إيمانًا مع إيماننا، واهدِنا وأصلح بالنا وأدخلنا الجنة يا رب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا ولأشياخنا، ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، إن لعباد الرحمن كثيرًا من الصفات الحسنى، ونحن نتحدث عنهم ونسير على طريقتهم الـمُثلى؛ رجاءَ أن نكون معهم في جنة العلا، إن شاء الله تعالى.
فمن صفات عباد الرحمن الاعتدالُ والوسطية في إنفاق المال؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
أيها المؤمنون، إن هذا المال الذي بين أيدينا من أعظم نِعَمِ الله علينا؛ فهو أساس وقِوام حياتنا؛ فبالمال نحقق غاياتٍ دينيةً ودنيويةً، فنوفر الطعام والشراب، والمسكن واللباس، والزواج والنفقة على الأهل والأولاد، وبه نتقرب إلى الله ونعبده بالزكاة، والحج والعمرة وصلة الأرحام، والإنفاق في سائر وجوه الإحسان.
وكل إنسان سيُسأل عن ماله يوم الحساب؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل... عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟...))[1]؛ لذلك وجب علينا أن نراعي تعاليم الإسلام في أموالنا، من جهة كسبها، ومن جهة إنفاقها.
فأما من جهة كسبها؛ فنتحرى الحلال في تجاراتنا ومعاملاتنا، وحِرَفِنا ووظائفنا، ونجتنب جمع المال من الحرام؛ كالغش والظلم والسرقة، والرِّشوة والرِّبا، وغيرها من الطرق المحرمة.
وأما من جهة إنفاقها، فإن الله تعالى مدح طريقة إنفاق عباد الرحمن لأموالهم؛ إذ يقول: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، والمعنى أنهم "ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا"[2].
عبدالملك بن مروان عندما أراد أن يزوِّج ابنته فاطمةَ لعمرَ بنِ عبدالعزيز، امتحنه، وسأله هذا السؤال؛ ليعرف ميزانه في الحياة وكيفية عيشه؛ فقال له: يا عمر ما نفقتك؟ (أي: كيف تنفق مالك؟) فقال عمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، نفقتي حسنة بين سيئتين؛ ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]؛ فالسيئة الأولى هي الإسراف، والسيئة الثانية هي الإقتار؛ وهو البخل، والحسنة التي بينهما: الوسطية والاعتدال في النفقة، فعلِمَ عبدالملك أهلية عمر للزواج بابنته فاطمة، فزوَّجها له.
فأما السيئة الأولى فهي الإسراف؛ ومعناه مجاوزة الشيء حدَّه، فمن الناس من يسرف في إنفاق ماله، في طعامه وشرابه، وسيارته وكمالياته، ولا يوازن بين نفقته ودخله، فتراه يكسب خمسةً، وينفق عشرة، أو يكسب مائة، وينفق مائتين، وقد يلجأ إلى الدَّين لسدِّ حاجته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الدَّين، ويبين أن الرجل ((إذا غرِم - أي استدان - حدَّث فكذب، ووعد فأخلف))[3].
وإننا حينما ننظر إلى أحوال الناس اليوم، نجدهم يُحمِّلون أنفسهم فوق طاقتهم المالية، فيقعون ضحية للديون، وما يتبع ذلك من تضييع الأمانات والحقوق، ولو عاش الإنسان على حسب طاقته المالية، لارتاح من شرٍّ عظيم.
وأما السيئة الثانية، فهي الإقتار - أي: البخل - فمن الناس من يبخل بماله، فالمال بين يديه، لكنه محروم منه، وكفى بالبخل إثمًا أنه يؤدي بالإنسان إلى تضييع حقوق الناس التي على ذمته، من الأهل والأولاد والأقارب؛ ((وكفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول))[4].
وقد يؤدي به إلى منع إخراج الزكاة الواجبة؛ لذلك توعَّده الله بعذاب شديد يوم القيامة؛ ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 180].
وقد يؤدي به إلى حرمان نفسه من أيسر حقوقها؛ فعن أبي الأحوص، عن أبيه، ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون - أي قديم رديء - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألك مال؟ قال: نعم، من كل المال، قال: من أي المال؟ قال: قد آتاني الله من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالًا، فلْيُرَ عليك أثر نعمة الله وكرامته))[5].
وهاتان الصفتان؛ الإسراف والبخل، ليستا من صفات عباد الرحمن، ولا تليقان بأهل الإسلام؛ ولقد أحسن ابن الوردي إذ قال:
بين تبذير وبخل رتبة
فكلا هذين إن دام قتل[6]
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، فاللهم إنا نعوذ بك من الإسراف والإقتار، واجعلنا قوامًا بين ذلك يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجِبْ لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ أما بعد:
فيا عباد الله، رأينا في الخطبة الأولى أن هناك مرتبتين؛ مرتبة الإسراف ومرتبة البخل.
هذا، وإن عباد الرحمن مرتبتهم بين المرتبتين؛ فهم وسط بين الإسراف والبخل، فهم لا يسرفون في نفقاتهم، ولا يبخلون بأموالهم، ويُعطُون كل ذي حق حقه، من الأقارب والمحتاجين، والفقراء والمساكين، وغيرها من الحقوق التي شرعها رب العالمين، فلا يحرمون هذا على حساب هذا، ولا يعطون هذا على حساب هذا؛ عملًا بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تُخرِج الزكاة من مالك؛ فإنها طُهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين، فقال: يا رسول الله، أقْلِلْ لي، قال: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]))[7].
فاللهم وفِّقْنا جميعًا لأداء كل الحقوق يا رب العالمين.
هذا، وأكْثِروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين؛ فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين؛ إنك حميد مجيد.
وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأدِمْ على بلدنا الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أنْزِلِ السَّكينة في قلوبنا، وزِدْنا إيمانًا مع إيماننا، واهدِنا وأصلح بالنا وأدخلنا الجنة يا رب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا ولأشياخنا، ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].