حكاية ناي ♔
12-23-2022, 09:29 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام أمهاتِ المؤمنين، بلا شك داخلات في لفظ (الأهل)؛ بنص القرآن الكريم، والسُّنة المطهرة، والإجماع، والعرف، واللغة.
أولًا: من القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 32، 33].
فإن هذه الآية تدل على دخولهن حتمًا؛ لأن سياق الآيات قبلها وبعدها خطاب لهن، والإرادة في هذه الآية هي الإرادة الشرعية الدينية التي تتضمن محبته ورضاه، وليست الإرادة الكونية القدرية التي تتضمن خلقه وتقديره؛ كإرادته في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 27].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره (6/ 364): "إنها نص في دخول أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في أهل البيت ها هنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح".
قال الإمام الزمخشري في الكشاف (3/ 538): "في هذا دليل بيِّنٌ على أن نساء النبي عليه الصلاة والسلام من أهل بيته".
وأما قوله تعالى: ﴿ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ﴾، ولم يقل: (عَنْكُنَّ)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾، ولم يقل: (وَيُطَهِّرَكُنَّ)؛ لأن النساء دخل مَعهنَّ النبي عليه الصلاة والسلام وهو رأس أهل بيته؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 183(: "الذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليًّا وحسنًا وحسينًا كان فيهم، وإذا اجتمع المذكَّر والمؤنث، غُلِّب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام.
2- قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 25]، ومعلوم بلا خلاف بين المسلمين أن المراد بالأهل هنا زوجة العزيز.
3- وقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [القصص: 29]، وهذه الآية حكاية لخطاب موسى عليه السلام لزوجته.
4- وقوله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وفي الآية أمر من الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام ليأمر أزواجه وذريته وأقربائه، فهل من المعقول أن يأمر الزوج الناس بالصلاة، ويستثني أقرب الناس إليه؛ وهي زوجته شريكة حياته، المسؤول عنها يوم القيامة؟ فمن باب أولى أن يبدأ بنفسه، ثم بزوجته، ثم بأولاده بعد ذلك؛ ومثلها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
5- وقوله تعالى: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، والمقصود هنا بلفظ أهل البيت هي أم موسى عليه السلام، وإخوته، والزوج الذي يقوم بكفالته.
6- وقوله تعالى: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73]، وهذا خطاب لسارة امرأة الخليل إبراهيم عليه السلام، وفيه دليل صريح على دخول الزوجة في أهل البيت.
7- وقوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81]؛ أي: أسْرِ بأهلك جميعًا إلا امرأتك فلا تسرِ بها، فإنه ﴿ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من العذاب، وهو رميهم بالحجارة؛ لكونها كانت كافرة، وهذا الاستثناء دليل واضح على دخول الزوجة في لفظ الأهل، وإلا يعتبر هذا الاستثناء حاشا لله عبثًا لا معنى له.
والآيات في هذا المعنى كثيرة نكتفي بما ذكرنا.
ثانيًا: من السُّنة النبوية المطهرة:
وأما الدليل على دخول الزوجة في لفظ الأهل من السنة المطهرة فكثيرة؛ منها:
1- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: ((قام رسول الله عليه الصلاة والسلام يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى "خما" بين مكة والمدينة، فحمِد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: أما بعد: ألَا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثَقَلَين؛ أولهما كتاب الله؛ فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده...))؛ [رواه الإمام مسلم]، فإن قوله: ((نساؤه من أهل بيته)) يفيد إقرار كونهن من أهل البيت، ثم عقَّب بأن أهل بيته لا يقتصر عليهن، بل كل من حُرِّمت عليه الصدقة من الذكور والإناث، والذين يعطون من الخُمْسِ، ويدل لذلك أنهن يعطين من الخمس، وأيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح (2/ 429) عن ابن أبي مليكة: ((أن خالد بن سعيد بعث إلى عائشة ببقرة من الصدقة فردَّتها، وقالت: إنا - آل محمد صلى الله عليه وسلم - لا تحل لنا الصدقة))..
2- في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((فخرج النبي عليه الصلاة والسلام فانطلق إلى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ))؛ [متفق عليه].
3- في حديث الإفك حول أم المؤمنين عائشة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرًا))؛ [متفق عليه].
فقوله: ((من يعذرني))؛ أي: من ينصفني ويقيم عذري إذا انتصفت منه لِما بلغني من أذاه في أهل بيتي، فسمَّى السيدة عائشة بـ((أهل بيتي))، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد تأذى بأذية أم المؤمنين تأذيًا استعذر منه.
ثالثًا: الإجماع:
والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة؛ ولهذا حصل الإجماع على دخول زوجاته عليه الصلاة والسلام في أهل بيته.
رابعًا: العرف واللغة:
فالأهل في عرف العرب هي الزوجة أولًا، ثم الأولاد، والأقربون من العشيرة؛ قال ابن منظور في لسان العرب (2/ 16): "وبَيْتُ الرجلُ: امرأَتُه، ويُكْنى عَنِ المرأَة بالبَيْتِ؛ وَقَالَ:
أَلا يَا بَيْتُ بالعَلْياءِ بَيْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَوْلَا حُبُّ أَهْلِكَ ما أَتَيْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَراد: لِي بالعَلْياءِ بَيْتٌ، ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَكْني عَنِ المرأَة بالبَيْت؛ قَالَهُ الأَصمعي وأَنشد:
أَكِبَرٌ غَيَّرَني أَم بَيْتُ؟
الْجَوْهَرِيُّ: البَيْتُ عِيالُ الرَّجُلِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مَا لِي، إِذا أَنْزِعُها... صَأَيْتُ؟ أَكِبَرٌ غَيَّرني، أَم بَيْتُ؟
والبَيْتُ: التَزْويجُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، يُقَالُ: باتَ الرجلُ يَبيتُ إِذا تَزَوَّجَ، وَيُقَالُ: بَنى فلانٌ عَلَى امرأَته بَيْتًا إِذا أَعْرَسَ بِهَا وأَدخلها بَيْتًا مَضْروبًا، وَقَدْ نَقَل إِليه مَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْ آلَةٍ وفِراشٍ وَغَيْرِهِ"، وقال أيضًا: "وأَهَلَ الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُلُ أَهْلًا وأُهُولًا، وتَأَهَّلَ: تَزَوَّج، وأَهَلَ فُلَانٌ امرأَة يَأْهُلُ إِذا تَزَوَّجَهَا، فَهِيَ مَأْهُولَة، والتَأَهُّلُ: التَّزَوُّجُ، وَفِي بَابِ الدُّعَاءِ: آهَلَكَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ إِيهَالًا؛ أَي: زَوَّجَكَ فِيهَا وأَدخلكها".
بل وحتى في استعمالاتنا العرفية اليومية للغة عندما يقول لك شخص ما: سأشتري هذا الثوب لأهلي ليلبسونه في العيد، فلن يخطر ببالك أنه يشتريه لأخته ولا لأمه ولا لابنته ولا لأبيه ولا لابنه، بل ستجزم بأنه سيشتريه لزوجته، وإذا قابلت صاحبك ومعه امرأة في السيارة، وسألته: من التي معه؟ فقال لك: معي أهلي، فلن تشك بأنها ابنته ولا أخته ولا أمهن بل ستجزم أنها زوجته، فالزوجة تنفرد وحدها بلفظ الأهل، وأهل البيت، وليس ذلك لغيرها.
الخلاصة:
مما سبق ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخلات في لفظ "أهل البيت الأطهار"، من الكتاب العزيز، ومن السُّنة النبوية المطهرة، وبإجماع الأمة الإسلامية، وكذلك من اللغة العربية، ومن العُرف الصحيح السائد بين الناس؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، والله تعالى أعلم.
فإن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام أمهاتِ المؤمنين، بلا شك داخلات في لفظ (الأهل)؛ بنص القرآن الكريم، والسُّنة المطهرة، والإجماع، والعرف، واللغة.
أولًا: من القرآن الكريم:
1- قوله تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 32، 33].
فإن هذه الآية تدل على دخولهن حتمًا؛ لأن سياق الآيات قبلها وبعدها خطاب لهن، والإرادة في هذه الآية هي الإرادة الشرعية الدينية التي تتضمن محبته ورضاه، وليست الإرادة الكونية القدرية التي تتضمن خلقه وتقديره؛ كإرادته في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ [النساء: 27].
قال الإمام ابن كثير في تفسيره (6/ 364): "إنها نص في دخول أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في أهل البيت ها هنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح".
قال الإمام الزمخشري في الكشاف (3/ 538): "في هذا دليل بيِّنٌ على أن نساء النبي عليه الصلاة والسلام من أهل بيته".
وأما قوله تعالى: ﴿ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ﴾، ولم يقل: (عَنْكُنَّ)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾، ولم يقل: (وَيُطَهِّرَكُنَّ)؛ لأن النساء دخل مَعهنَّ النبي عليه الصلاة والسلام وهو رأس أهل بيته؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 183(: "الذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ ﴾؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليًّا وحسنًا وحسينًا كان فيهم، وإذا اجتمع المذكَّر والمؤنث، غُلِّب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام.
2- قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: ﴿ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 25]، ومعلوم بلا خلاف بين المسلمين أن المراد بالأهل هنا زوجة العزيز.
3- وقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [القصص: 29]، وهذه الآية حكاية لخطاب موسى عليه السلام لزوجته.
4- وقوله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وفي الآية أمر من الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام ليأمر أزواجه وذريته وأقربائه، فهل من المعقول أن يأمر الزوج الناس بالصلاة، ويستثني أقرب الناس إليه؛ وهي زوجته شريكة حياته، المسؤول عنها يوم القيامة؟ فمن باب أولى أن يبدأ بنفسه، ثم بزوجته، ثم بأولاده بعد ذلك؛ ومثلها قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
5- وقوله تعالى: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، والمقصود هنا بلفظ أهل البيت هي أم موسى عليه السلام، وإخوته، والزوج الذي يقوم بكفالته.
6- وقوله تعالى: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73]، وهذا خطاب لسارة امرأة الخليل إبراهيم عليه السلام، وفيه دليل صريح على دخول الزوجة في أهل البيت.
7- وقوله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾ [هود: 81]؛ أي: أسْرِ بأهلك جميعًا إلا امرأتك فلا تسرِ بها، فإنه ﴿ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾ من العذاب، وهو رميهم بالحجارة؛ لكونها كانت كافرة، وهذا الاستثناء دليل واضح على دخول الزوجة في لفظ الأهل، وإلا يعتبر هذا الاستثناء حاشا لله عبثًا لا معنى له.
والآيات في هذا المعنى كثيرة نكتفي بما ذكرنا.
ثانيًا: من السُّنة النبوية المطهرة:
وأما الدليل على دخول الزوجة في لفظ الأهل من السنة المطهرة فكثيرة؛ منها:
1- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: ((قام رسول الله عليه الصلاة والسلام يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى "خما" بين مكة والمدينة، فحمِد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: أما بعد: ألَا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثَقَلَين؛ أولهما كتاب الله؛ فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده...))؛ [رواه الإمام مسلم]، فإن قوله: ((نساؤه من أهل بيته)) يفيد إقرار كونهن من أهل البيت، ثم عقَّب بأن أهل بيته لا يقتصر عليهن، بل كل من حُرِّمت عليه الصدقة من الذكور والإناث، والذين يعطون من الخُمْسِ، ويدل لذلك أنهن يعطين من الخمس، وأيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح (2/ 429) عن ابن أبي مليكة: ((أن خالد بن سعيد بعث إلى عائشة ببقرة من الصدقة فردَّتها، وقالت: إنا - آل محمد صلى الله عليه وسلم - لا تحل لنا الصدقة))..
2- في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((فخرج النبي عليه الصلاة والسلام فانطلق إلى حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ))؛ [متفق عليه].
3- في حديث الإفك حول أم المؤمنين عائشة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرًا))؛ [متفق عليه].
فقوله: ((من يعذرني))؛ أي: من ينصفني ويقيم عذري إذا انتصفت منه لِما بلغني من أذاه في أهل بيتي، فسمَّى السيدة عائشة بـ((أهل بيتي))، فثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد تأذى بأذية أم المؤمنين تأذيًا استعذر منه.
ثالثًا: الإجماع:
والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة؛ ولهذا حصل الإجماع على دخول زوجاته عليه الصلاة والسلام في أهل بيته.
رابعًا: العرف واللغة:
فالأهل في عرف العرب هي الزوجة أولًا، ثم الأولاد، والأقربون من العشيرة؛ قال ابن منظور في لسان العرب (2/ 16): "وبَيْتُ الرجلُ: امرأَتُه، ويُكْنى عَنِ المرأَة بالبَيْتِ؛ وَقَالَ:
أَلا يَا بَيْتُ بالعَلْياءِ بَيْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَوْلَا حُبُّ أَهْلِكَ ما أَتَيْتُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَراد: لِي بالعَلْياءِ بَيْتٌ، ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَكْني عَنِ المرأَة بالبَيْت؛ قَالَهُ الأَصمعي وأَنشد:
أَكِبَرٌ غَيَّرَني أَم بَيْتُ؟
الْجَوْهَرِيُّ: البَيْتُ عِيالُ الرَّجُلِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مَا لِي، إِذا أَنْزِعُها... صَأَيْتُ؟ أَكِبَرٌ غَيَّرني، أَم بَيْتُ؟
والبَيْتُ: التَزْويجُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، يُقَالُ: باتَ الرجلُ يَبيتُ إِذا تَزَوَّجَ، وَيُقَالُ: بَنى فلانٌ عَلَى امرأَته بَيْتًا إِذا أَعْرَسَ بِهَا وأَدخلها بَيْتًا مَضْروبًا، وَقَدْ نَقَل إِليه مَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْ آلَةٍ وفِراشٍ وَغَيْرِهِ"، وقال أيضًا: "وأَهَلَ الرجلُ يَأْهِلُ ويَأْهُلُ أَهْلًا وأُهُولًا، وتَأَهَّلَ: تَزَوَّج، وأَهَلَ فُلَانٌ امرأَة يَأْهُلُ إِذا تَزَوَّجَهَا، فَهِيَ مَأْهُولَة، والتَأَهُّلُ: التَّزَوُّجُ، وَفِي بَابِ الدُّعَاءِ: آهَلَكَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ إِيهَالًا؛ أَي: زَوَّجَكَ فِيهَا وأَدخلكها".
بل وحتى في استعمالاتنا العرفية اليومية للغة عندما يقول لك شخص ما: سأشتري هذا الثوب لأهلي ليلبسونه في العيد، فلن يخطر ببالك أنه يشتريه لأخته ولا لأمه ولا لابنته ولا لأبيه ولا لابنه، بل ستجزم بأنه سيشتريه لزوجته، وإذا قابلت صاحبك ومعه امرأة في السيارة، وسألته: من التي معه؟ فقال لك: معي أهلي، فلن تشك بأنها ابنته ولا أخته ولا أمهن بل ستجزم أنها زوجته، فالزوجة تنفرد وحدها بلفظ الأهل، وأهل البيت، وليس ذلك لغيرها.
الخلاصة:
مما سبق ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخلات في لفظ "أهل البيت الأطهار"، من الكتاب العزيز، ومن السُّنة النبوية المطهرة، وبإجماع الأمة الإسلامية، وكذلك من اللغة العربية، ومن العُرف الصحيح السائد بين الناس؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، والله تعالى أعلم.