مشاهدة النسخة كاملة : دروس غزوة حنين والطائف وتبوك


حكاية ناي ♔
12-23-2022, 09:35 AM
إنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ لغزوة حنين والطائف وتبوك الكثيرَ مِن الدروس التربوية التي يستطيع المسلمون الاستفادة منها في حياتهم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
أولًا: غزوة حنين
سبب غزوة حنين:
لما بلغ فتح مكة هوازن جمعهم مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه ثقيف وقومه بنو نصر بن معاوية، وبنو جشم، وبنو سعد بن بكر، وبشر من بني هلال بن عامر، وقد استصحبوا معهم أنعامهم ونساءهم؛ لئلا يفرُّوا، فلما تحقَّق ذلك دريد بن الصمة شيخ بني جشم - وكانوا قد حملوه في هودج لكبره تيمُّنًا برأيه- أنكر ذلك على مالك بن عوف النصري، وقال: إنها إن كانت لك لم ينفعك ذلك، وإن كانت عليك فإن المنهزم لا يرده شيء، وحرَّضهم على ألا يقاتلوا إلا في بلادهم، فأبوا عليه ذلك واتبعوا رأي مالك بن عوف، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني، وبعث صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، فاستعلم له خبر القوم وقصدهم، فتهيَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقائهم، واستعار من صفوان بن أمية أدراعًا، قيل: مائة، واقترض منه جملة من المال، وسار إليهم في العشرة آلاف الذين كانوا معه في الفتح، وألفين من طلقاء مكة، وشهد معه صفوان بن أمية حنينًا وهو مشرك، وذلك في شوال من هذه السنة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص أمية بن عبد شمس، وله نحو عشرين سنة، ومَرَّ صلى الله عليه وسلم في مسيره ذلك على شجرة يُعظِّمها المشركون يُقال لها ذات أنواط، فقال بعضُ جُهَّال العرب: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: ((قلتم - والذي نفسي بيده - كما قال قوم موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ))، ثم نهض صلى الله عليه وسلم فوافى حنينًا، وهو وادٍ حدور من أودية تهامة، وقد كمنت لهم هوازن فيه، وذلك في عماية الصبح، فحملوا على المسلمين حملةَ رجلٍ واحدٍ، فولَّى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، فذلك قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة: 25]، وذلك أن بعضهم قال: لن نُغلَب اليوم من قلة، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفر، ومعه من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعلي، وعمُّه العباس، وابناه: الفضل، وقُثَم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وابنه جعفر، وآخرون، وهو صلى الله عليه وسلم يومئذٍ راكب بغلته التي أهداها له فَروة بن نُفاثة الجُذامي، وهو يركُضُها إلى وجه العدوِّ، والعباس آخذٌ بحَكَمَتِها يكفُّها عن التقدم، وهو صلى الله عليه وسلم ينوِّه باسمه يقول: ((أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطلب))، ثم أمر العباس، وكان جهيرَ الصوت، أن ينادي: ((يا معشرَ الأنصارِ، يا معشرَ أصحابِ الشجرةِ، يا معشرَ أصحابِ السَّمُرةِ))، فلما سمِعَه المسلمون وهم فارُّون كرُّوا وأجابوه: لبيك لبيك، وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يثني بعيره لكثرة المنهزمين، نزل عن بعيره وأخذ درعه فلبسها، وأخذ سيفه وتُرْسَه، ويرجع راجلًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا اجتمع حوله عصابة منهم نحو المائة، استقبلوا هوازن فاقتتلوا، واشتدت الحرب، وألقى الله في قلوب هوازن الرعب حين رجعوا، فلم يملكوا أنفسهم، وتفر هوازن بين يدي المسلمين، ويتبعونهم يقتلون ويأسرون، فلم يرجع آخر الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والأسارى بين يده، وحاز صلى الله عليه وسلم أموالهم وعيالهم، وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس، فبعث صلى الله عليه وسلم إليهم أبا عامر الأشعري واسمه عبيد ومعه ابن أخيه أبو موسى الأشعري حاملًا راية المسلمين في جماعة من المسلمين، فقتلوا منهم خلقًا، وقُتِل أمير المسلمين أبو عامر، رماه رجل فأصاب ركبته، وكان منها حتفه، فقَتل أبو موسى قاتلَه، وكان أحد إخوة عشرة، قَتل أبو عامر التسعة قبله، ولما أخبر أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استغفر صلى الله عليه وسلم لأبي عامر، وكان أبو عامر رابع أربعة استشهدوا يوم حنين، والثاني أيمن بن أم أيمن، والثالث يزيد بن زمعة بن الأسود، والرابع سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان من الأنصار رضي الله عنهم، وأما المشركون فقُتل منهم خلقٌ كثيرٌ نحو الأربعين في هذه الغزوة؛ (الفصول في سيرة الرسول لابن كثير، صـ133:130).

دروس غزوة حنين:
(1) مشروعية إرسال العيون لمعرفة قوة الأعداء وذلك لإعداد الخطة المناسبة للقتال.
(2) التحذير من التبرك بآثار الصالحين؛ منعًا للشرك بالله تعالى.
(3) الاغترار بكثرة العَدَد والسلاح سبب الهزيمة، فيجب على المسلمين أن يكونوا على يقين من أن النصر يكون من عند الله تعالى وحده مع وجوب الأخذ بأسباب هذا النصر المادية والتي حثَّنا الله تعالى عليها في كتابه؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
(4) على القائد المسلم أن يُشجِّع جنوده على الاجتهاد في القتال.


ثانيًا: غزوة الطائف
تجمَّعَتْ قوات المسلمين في أعقاب النصر المظفر الذي كتبه اللهُ تعالى لهم في معركة حنين، وتوجهوا بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بهدف القضاء على قوات ثقيف التي فرت من حنين، وكانت فلول ثقيف بقيادة مالك بن عوف قد لجأت إلى حصونها المنيعة في الطائف، وجمعت ما يكفيها من المؤن الغذائية لعام كامل، وأغلقت أبوابها واتخذت كافة الإجراءات والاستعدادات التي تمكنها من مواجهة حصار طويل، وواصلت ترميم الحصون وتدعيمها إلى حين وصول طلائع المسلمين المتجهة نحوهم؛ (نضرة النعيم، جـ1، صـ380).

وَصَلَ صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فحاصرهم مدةً طويلةً، فاستعصوا وتمنَّعوا، وقتلوا جماعة من المسلمين بالنَّبْل وغيره.

وقد خرَّبَ صلى الله عليه وسلم كثيرًا من أموالهم الظاهرة وقطع أعنابهم، ولم ينل منهم شيئًا كبيرًا، فرجع عنهم فأتى الجِعرانة (مكان)، فأتاه وفد هوازن هنالك مسلمين، وذلك قبل أن يقسم الغنائم، فخيَّرهم صلى الله عليه وسلم بين ذراريهم وبين أموالهم، فاختاروا الذرية، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم))، قال المهاجرون والأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتنع الأقرع بن حابس وعُيينة بن حصن وقومهما حتى أرضاهما وعوَّضهما صلى الله عليه وسلم فرُدت الذرية على هوازن، وكانوا ستة آلاف، فيهم الشيماء بنت الحارث، وهي أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فأكرمها وأعطاها، ورجعت إلى بلادها مختارةً لذلك، ثم قسمصلى الله عليه وسلم بقيته على المسلمين، وتألَّف جماعةً من سادات قريش وغيرهم، فجعل يعطي الرجل المائة بعير، والخمسين، ونحو ذلك، وعتب بعض الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم بسبب قسمة الغنائم بهذه الطريقة.

روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ (أخذ) يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ))، قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَاللَّهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ))، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا؛ (البخاري، حديث:3147، مسلم حديث:1059).

واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف النصري على مَن أسلم مِن قومه، وكان قد أسلم وحَسُنَ إسلامه، واعتمر صلى الله عليه وسلم مِن الجِعرانة ودخل مكة، فلما قضى عمرته ارتحل إلى المدينة، وأقام للناس الحج عامئذٍ عتَّاب بن أُسيد رضي الله عنه، فكان أول من حج بالناس من أمراء المسلمين؛ (الفصول في سيرة الرسول لابن كثير، صـ136:134).

دروس من غزوة الطائف:
(1) حرص نبيُّنا صلى الله عليه وسلم على الامتثال لأمر الله تعالى، ويتضح ذلك في سرعة الذهاب لقتال أهل الطائف.
(2) ضرورة استشارة ذوي الرأي والخبرة، وعدم الاستبداد بالرأي مع وجود ذوي الرأي السديد.
(3) وجوب إعداد المسلمين لأحدث الأسلحة لقتال أعداء الإسلام؛ لتكون كلمة الله تعالى هي العليا.
(4) استجابة الله تعالى لدعاء الصالحين المخلصين، ويتضح ذلك في استجابة الله تعالى لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث هدى سبحانه قبيلة ثقيف، فأسلموا وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ (هذا الحبيب لأبي بكر الجزائري، صـ413:414).

ثالثًا: غزوة تبوك
ولما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29] ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة ومَن حولهم مِن الأعراب إلى الجهاد، وأعلمهم بغزو الروم، وذلك في رجب من سنة تسع، وكان لا يريد غزوة إلا وَرَّى بغيرها، إلا غزوته هذه، فإنه صرح لهم بها ليتأهَّبوا؛ لشدة عدوهم وكثرته، وذلك حين طابت الثمار، وكان ذلك في سنة مجدبة، فتأهَّب المسلمون لذلك، وأنفق عثمان بن عفان رضي الله عنه على هذا الجيش وهو جيش العسرة مالًا جزيلًا، ونهض صلى الله عليه وسلم في نحوٍ من ثلاثين ألفًا، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة خرج معه عبدالله بن أُبَيٍّ رأس النفاق، ثم رجع من أثناء الطريق، وتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النساءُ والذريةُ، ومن عذره الله من الرجال ممن لا يجد ظهرًا يركبه أو نفقةً تكفيه، فمنهم البكاؤون، وكانوا سبعة، وتخلَّف منافقون؛ كفرًا وعنادًا وكانوا نحو الثمانين رجلًا، وتخلَّف عُصاةٌ مثل: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، ثم تاب الله عليهم بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسين ليلة، فسار صلى الله عليه وسلم فمَرَّ في طريقه بديار ثمود، قوم نبي الله صالح صلى الله عليه وسلم، فأمرهم ألَّا يدخلوا عليهم بيوتهم إلا أن يكونوا باكين، وألَّا يشربوا إلا من بئر الناقة، وما كانوا عجنوا به من غيره فليطعموه للإبل، فبلغ صلى الله عليه وسلم تبوك وفيها عين تبَضُّ بشيء من ماء قليل، فكثرت ببركته، مع ما شوهد من بركة دعائه في هذه الغزوة، من تكثير الطعام الذي كان حاصل الجيش جميعه منه مقدار العنز الباركة، فدعا الله عز وجل فأكلوا منه وملؤوا كل وعاء كان في ذلك الجيش، وكذا لما عطشوا دعا الله تعالى فجاءت سحابة فأمطرت، فشربوا حتى رووا واحتملوا، ثم وجدوها لم تجاوز الجيش، ولما انتهى إلى هناك لم يلق غزوًا، ورأى أن دخولهم إلى أرض الشام بهذه السنة يشق عليهم، فعزم على الرجوع، وصالح صلى الله عليه وسلم يُحنَّة بن رُؤْبة صاحب أيلة، وبعث خالدًا إلى أُكَيْدِر دُومة، فجيء به فصالحه أيضًا، وكان رجوعه من هذه الغزاة في رمضان من سنة تسع، وأنزل فيها عامة سورة التوبة، وعاتب الله عز وجل من تخلَّف عنه صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 120، 121]؛ (الفصول في سيرة الرسول لابن كثير، صـ140:137).


دروس من غزوة تبوك:
(1) مشروعية إعلان التعبئة العامة والنفير التام لجهاد أعداء الإسلام، ولا يحل يومئذٍ لأحد التخلف إلا أن يكون من أهل الأعذار، أو يتخلف بإذن الإمام الخاص.
(2) مشروعية افتتاح اكتتابات عامة لجمع المال للجهاد في سبيل الله تعالى.
(3) بيان رفع الحرج عن ذوي الأعذار؛ كالعمى والعرج والمرض والعجز المالي.
(4) مشروعية قصر الصلاة في السفر، وجواز الجمع فيه.
(5) مشروعية عقد ولي أمر المسلمين الصلح مع المشركين، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وكان في ذلك منفعة للمسلمين؛ (هذا الحبيب لأبي بكر الجزائري، صـ437: 438).

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عاشق السهر
12-23-2022, 09:35 AM
جزاك الله خيـر
وبارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما

حكاية ناي ♔
12-28-2022, 07:50 AM
اسعدني حضوركم