مشاهدة النسخة كاملة : قطوف من سيرته صلى الله عليه وسلم (2)


حكاية ناي ♔
03-11-2024, 09:09 AM
إذا علِمنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرنا من قبل، فلا شكَّ أن القلوب قبل العقول تُسارِع شوقًا إلى معرفة المزيد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيف كان؟ وكيف عاش؟ وكيف تَعامَل مع ربه؟ وكيف تعامَل مع مَن حوله؟ كيف كان يمشي؟ كيف كان يأكل؟ كيف كان يشرب؟ كيف كان يدعو؟ كيف أوذِيَ؟ وكيف صبر؟ وكيف جاهَد؟ وكيف عبد؟ كل هذه وغيرها أسئلة تحتاج إلى إجابة، والإجابة التي نجعلها مِسك الختام هي تَطوافة في رَوْضة الحبيبِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مع سيرته، نعيش مع سيرته من خلال هذه السطور، والحقيقة أننا لا نملِك أن نوفِّي هذه السيرة بعض ما يجب، ولكنها رؤوس موضوعاتِ، وجُمُل يسيرة، قُصِد بها فتح الطريق أمام ناشئة المسلمين وشبيبتهم لدراسة أعمق لهذه السيرة النبويَّة الخالدة.



نسبه:

هو أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهر بن عبدمالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان.



هذا هو المُتَّفَق عليه في نسبه، واتَّفقوا أيضًا أن عدنان من ولد إسماعيل - عليه السلام.



أسماؤه:

عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لي أسماءً، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفرَ، وأنا الحاشر الذي يُحشَر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد))[1].



وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسمِّي لنا نفسه أسماء، فقال: ((أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة))[2].



طهارة نسبه:

اعلم - رحِمني الله وإياك - أن نبينا المصطفى على الخَلْق كله - صلى الله عليه وسلم - قد صانه الله من زلةِ الزنا، فوُلِد من نكاحٍ صحيحٍ ولم يولَد من سفاح؛ فعن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))[3].



وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نَسَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نَسبٍ، فكذلك الرسل تُبْعَث في نسَبِ قومها[4].



ولادته:

وُلِد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، وقيل: في الثانى منه، وقيل: في الثامن، وقيل: في العاشر، وقيل: في الثاني عشر.



قال ابن كثير: والصحيح أنه وُلد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعًا.



قال علماء السير: لما حمَلت به آمنة قالت: ما وجدتُ له ثِقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.



وفي حديث العِرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله يقول: ((إني عند الله في أم الكتاب لخاتَم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأحدِّثكم تأويل ذلك، دعوة إبراهيم، دعاء ﴿ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 129]، وبِشارة عيسى ابن مريم ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، ورؤيا أمي، رأتْ في منامها أنها وضعت نورًا أضاءت منه قصور الشام))[5].



وتُوفِّي أبوه وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل: بعد ولادته بأشهر، وقيل: بسنة، والمشهور الأول.



رَضاعه:

أرضعتْه ثويبة مولاة أبي لهب أيامًا، ثم استرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحوًا من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظ النفْس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.



ثم ماتت أمه (بالأبواء) وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأبواء، وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح زار قبرَ أمه؛ كما يروي لنا ذلك أبو هريرة - رضي الله عنه - حيث قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمه فبكى وأبكى مَن حوله، فقال: ((استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذَن لي، واستأذنته في أن أزور قبرَها فأذِن لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّر الموت))[6].



فلما ماتت أمه حضنتْه أم أيمن، وهي مولاته ورِثها من أبيه، وكفَله جده عبدالمطلب، فلما بلَغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العمر ثماني سنين تُوفِّي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفَله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزَّ نصر، وأتم مؤازرة، مع أنه كان مستمرًّا على شِركه إلى أن مات.



صيانة الله - تعالى - له من دَنَس الجاهلية:

وكان الله - سبحانه وتعالى - قد صانه وحماه من صِغره، وطهَّره من دَنَس الجاهلية ومن كل عيبٍ، ومنَحه كل خُلُق جميل، حتى لم يكن يُعرف بين قومه إلا بالأمين؛ لما شاهَدوه من طهارته وصدْق حديثه وأمانته، حتى إنه لما أرادت قريش تجديدَ بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضِع الحجر الأسود اختلفوا فيمَن يضعه، ثم اتفقوا أن يكون أول داخلٍ عليهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كلَّ قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه[7].



زواجه:

تزوَّج خديجةَ وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارةٍ لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلَّى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوَّجها.



وماتت خديجة - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوَّج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة - رضي الله عنها - تزوَّج - عليه السلام - سودةَ بنت زمعة، ثم تزوَّج عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ولم يتزوَّج بِكرًا غيرها، ثم تزوَّج حفصةَ بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ثم تزوَّج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنهما، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية - رضي الله عنها - وتزوج زينب بنت جحش- رضي الله عنها - ثم تزوج رسول الله جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها - ثم تزوج أم حبيبة - رضي الله عنها - واسمها رملة، وقيل: هند بنت أبي سفيان، وتزوج إثر فتْح خيبر صفية بنت حيي بن أخطب - رضي الله عنها - ثم تزوج ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - وهي آخر مَن تزوَّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم.



أولاده:

كل أولاده من ذكرٍ وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطيَّة التي أهداها له المقوقس.



فالذكور من ولده: القاسم، وبه كان يُكنَى، وعاش أيامًا يسيرة، والطاهر والطيب.



وقيل: وَلَدت له عبدالله في الإسلام، فلقِّب بالطاهر والطيب، أما إبراهيم فولِد بالمدينة، وعاش عامين غير شهرين، ومات قبله بثلاثة أشهر.



بناته:

زينب وهي أكبر بناته، وتزوَّجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وفاطمة تَزوجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأنجبت له الحسن والحسين - رضي الله عنهما - سيدي شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بعد رقية - رضي الله عنهن جميعًا.



قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على الصحيح.



مبعثه:

بُعِث لأربعين سنة، فنزل عليه المَلَك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتدَّ ذلك عليه، وتغيَّر وجهه، وعرق جبينه، فلما نزل عليه المَلَك قال له: اقرأ، قال: ((لست بقارئ))، فغطَّه المَلَك حتى بلَغ منه الجَهْد، ثم قال له: اقرأ، فقال: ((لست بقارئ ثلاثًا))، ثم قال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1 - 4].



فرجع رسول الله إلى خديجة - رضي الله عنها - يرتَجِف، فأخبرها بما حدَث له، فثبَّتته وقالت: أبشِر، كلا والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصِل الرحم، وتَصدُق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتُعين على نوائب الدهر، وتُكرِم الضيف[8].



ثم فتَر الوحي، فمكث رسول الله ما شاء الله أن يمكُث لا يرى شيئًا، فاغتمَّ لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدَّى له المَلَك بين السماء والأرض على كرسي، وثبَّته، وبشَّره بأنه رسول الله حقًّا، فلما رآه رسول الله خاف منه، وذهب إلى خديجة، وقال: ((زملوني، دثِّروني، فأنزل الله عليه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 1 - 4]))[9].



فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن يُنذِر قومَه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتمَّ قيامٍ، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزَهم ونجاتَهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نورٍ وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفًا مُطاعًا فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يعلَمون من محبَّته له.



قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستَّر بالنبوَّة، ثم نزل عليه: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر: 94]، فأعلَنَ الدعوة.



فلما نزل قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، خرج رسول الله حتى صعِد الصفا فهتَف: ((يا صباحاه))، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: ((أرأيتُم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفْح هذا الجبل، أكنتم مُصدِّقي؟))، قالوا: ما جرَّبنا عليك كذبًا، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد))، قال أبو لهب: تبًّا لك ما جمْعتنا إلا لهذا،ثم قام فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1][10].



صبره على الأذى:

ولقي الشدائد من قومه وهو صابر مُحتسِب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فِرارًا من الظلم والاضطهاد فخرجوا.



قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله من الأذى ما لم تَطمع به في حياته.



وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبةُ بن أبي معيط بسلى جَذورٍ فقذفه على ظهرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة - عليها السلام - فأخذته من ظهره، ودعتْ على مَن صنع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم عليك الملأ من قريش))[11].



وفي رواية أخرى: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يومًا بمنكبه، ولوى ثوبَه في عُنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟[12].



رحمته بقومه:

فلما اشتدَّ الأذى على رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة - رضي الله عنها - خرج رسول الله إلى الطائف، فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العِناد والسخرية والأذى، ورَمَوه بالحجارة حتى أدمَوْا عقبيه، فقرَّر الرجوع إلى مكة.



وتروي لنا أمنا عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد، قال: ((لقد لقيتُ من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبدياليل بن عبدكلال، فلمْ يُجبني إلى ما أردت، فانطلَقتُ وأنا مهموم على وجهي فلم أستفِق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمِع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم، فناداني مَلَك الجبال فسلَّم عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئتَ أن أُطبِق عليهم الأخشبين، فقال النبي: بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرِك به شيئًا[13].



وكان رسول الله يخرج في كل موسم، فيَعرِض نفسه على القبائل ويقول: ((مَن يؤويني؟ من يَنصُرني؟ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربي))[14].



ثم إن رسول الله لقي عند العقبة في الموسم ستةَ نفرٍ فدعاهم فأسلَموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سرًّا فلما تمَّت أمَر رسول الله من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.



هجرته إلى المدينة:

كانت هجرته - صلى الله عليه وسلم - درسًا عظيمًا في الأخذ بالأسباب، ثم حُسْن التوكل على الله تعالى؛ حيث خرج هو وصاحبه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في رحلة الهجرة، والتي شهِدت أحداثًا كثيرة، سجَّلتها لنا كتبُ السير والتاريخ، حتى دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسَّعة، فبنى فيها مسجدَه ومنزله.



غزواتــه:

بعد أن أسَّس النبي - صلى الله عليه وسلم - المجتمع المسلم بالمدينة والذي بدأه بالمسجدِ، أخذ في إرسال الرسائل والسرايا لمن حوله - صلى الله عليه وسلم - وكانت غزواته التي شارَك فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - حافلة بالدروس والعِبر والتشريعات، ونقَل لنا الصحابةُ من خلالها الكثير من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم.



وقد شارَك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعٍ وعشرين غزاة؛ كما يروي لنا ذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما خرج رسول الله من مكة قال أبو بكر: أَخرَجوا نبيَّهم - إنا لله وإنا إليه راجعون - فأنزل الله - عز وجل -: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ [الحج: 39]، وهي أول آية نزلت في القتال[15].



وغزا رسول الله سبعًا وعشرين غزاة، قاتَل منها في تسع: بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعث ستًّا وخمسين سرية.



حج النبي واعتماره:

لم يَحُج النبيُّ بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع، وفيها نزل عليه قول الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وفيها أشهَد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله على أمَّته أن بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، وكانت هذه الحجة بمثابة الموسوعة التشريعيَّة للأمة؛ حيث بيَّن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكثير من التشريعات لصحابته الذين تجاوزوا المائة ألف يَسألونه ويجيبهم.



أما بالنسبة للعمرة؛ فالأولى عمرة الحديبية التي صدَّه المشركون عنها، والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجِعرَّانة، والرابعة عمرته مع حجته.



صفتـه:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَبْعَة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون - أي: أبيض بياضًا مُشربًا بحمرة - أشعر، أدعج العينين - أي: شديد سوادهما - أجرد - أى لا يُغطِّي شعر صدرَه وبطنه - ذو مسربة - أي: له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.



أخلاقـه:

كان أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعًا، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].



وكان أشجع الناس وأعفَّ الناس وأكثرهم تواضعًا، وكان أشد حياء من العذراء في خِدرها، يَقبَل الهدية ويُكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان يأكل ما وجد، ولا يدَّخِر ما حضر، ولا يتكلَّف ما لم يَحضُره، وكان لا يأكل متكئًا ولا على خِوان، وكان يمرُّ به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يُوقَد في أبياته نار، وكان يُجالِس الفقراء والمساكين، ويعود المرضى، ويمشي في الجنائز.



وكان يمزح ولا يقول إلا حقًّا، ويضحك من غير قهقهة، وكان في مؤنة أهله؛ فعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))[16].



وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: خدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، والله ما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء: لمَ فعلتَ كذا، وهلا فعلتَ كذا[17].



وما زال يَلطف بالخَلْق ويُريهم المعجزات، فانشقَّ له القمر، ونبَع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجِذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.



فضلـه:

فضَّله الله تعالى على سائر خلقه بفضائل كثيرة، منها:

ما رواه مسلم عن جابر بن عبدالله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُعطيتُ خمسًا لم يُعطَهنَّ أحدٌ قبلي نُصِرتُ بالرُّعب مسيرة شهر، وجُعلِت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركتْه الصلاة فليصلِّ، وأُحلَّت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصَّة، وبُعِثت إلى الناس عامة)) [18].



وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أكثر الأنبياء تَبَعًا يوم القيامة، وأنا أول مَن يقرَع باب الجنة))[19].



وفي أفراده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، وأول مَن ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفَّع))[20].



عبادته ومعيشته:

قالت عائشة - رضي الله عنها -: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟!



قال: ((أفلا أحب أكون عبدًا شكورًا))[21].


وقالت: وكان مَضجعه الذي ينام عليه في الليل من أدم محشو ليفًا!!



وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: لقد رأيت رسول الله يَظلُّ اليوم يلتوي ما يَجِد دَقَلاً [22]يملأ بطنَه[23].



ما ضرَّه من الدنيا ما فات، وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفَّقنا لطاعته، وحشرنا على كتابه وسُنَّته، آمين، آمين.

ساكن الروح
03-11-2024, 09:14 AM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته