مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: من توضأ فليستنثر


حكاية ناي ♔
03-27-2024, 09:28 PM
• عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ".

• وعنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ".

وفي رواية للبخاري: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فتوضأ فَلْيَسْتَنْثِرْ...."



ألفاظ الأحاديث:

• (فَلْيَسْتَنْثِرْ): أي ليخرج من أنفه ما استنشقه من ماء، واللام للأمر.

• (اسْتَجْمَرَ): الاستجمار: هو مسح أثر الخارج من السبيلين بالأحجار ونحوها، وسمي استجماراً اشتقاقاً من الجمرات وهي الحصيات الصغيرة والاستجمار لا يكون إلا بالحجارة بخلاف الاستنجاء والاستطابة فيكونان بالماء أو بالحجارة وهذا قول الجمهور من علماء اللغة والحديث.

• (فَلْيُوتِر): الإيتار جعل العدد وتراً، أي فردا والمقصود أن يقطع في عدد المسحات على وتر إما ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً وهكذا وأما ما دون الثلاث فلا يجزئ كما سيأتي.

• (من نومه): يعم نوم الليل والنهار، لكن قوله (يبيت على خيشومه) دلَّ على أن المقصود نوم الليل دون النهار لأن البيتوته لا تكون إلا بالليل.

• (الشَّيْطَان): من الشَّطْن وهو البعد والشيطان يقال لمن كان بعيداً عن الخير فيقال للكافر شيطان وللفاسق شيطان وللجن شيطان فالمراد هنا جنس الشيطان وبعضهم على أن المراد شيطان الجن وهو القرين الذي مع كل إنسان.

• (خَيَاشِيمه): قال العلماء: الخيشوم أعلى الأنف، وقيل: هو الأنف كله، وعلى هذا فكلمة خشم صحيحة من حيث اللغة والخيشوم أفصح.



من فوائد الأحاديث:

الفائدة الأولى: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " من توضأ فليستنثر " فيه دلالة على وجوب الاستنشاق في الوضوء لأن كل استنثار لا بد أن يسبقه استنشاق، والأمر في الأصل أنه للوجوب حتى يأتي صارف يصرفه خلافاً للجمهور الذين قالوا باستحباب الاستنشاق وسبق بيان المسألة.



الفائدة الثانية: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ومن استجمر فليوتر" فيه دلالة على وجوب الإيتار في الاستجمار، والاستجمار هو استعمال الحجارة في مسح الخارج من السبيلين، فيشرع له أن يوتر في عدد المسحات ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من الإيتار وهذا مستحب فيما زاد على الثلاث بأن يقطع على وتر، والقول الثاني إن هذا الإتياء واجب وهو ظاهر الحديث ، فلو أنقى في استجماره بأربع أحجار يسن له أن يزيد واحدة ليقطع على خمس ولو أنقى بست أحجار استحب له سابعة وأما الثلاث فهي واجبة فلا يجزئ ما دونها فإذا أنقى باثنتين وجب أن يزيد ثالثة وإذا أنقى بثلاث فإنه لا يزيد ليقطع على وتر وهذا قول جمهور العلماء، ودليل وجوب الثلاث في الاستجمار ما رواه البخاري من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين ولم أجد ثالثاً فأتيته بروثة وألقى الروثة وقال: إنها ركس " ورواه أيضاً أحمد وزاد " ائتني بغيرها ".



الفائدة الثالثة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه الآخر فيه دلالة على مشروعية الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم وتحت هذه الفائدة أمران:

الأمر الأول: هل هذا خاص بنوم الليل فقط أو في كل نوم؟ على قولين:

قيل: إنه في كل نوم لأن التعليل في الحديث ينطبق على نوم الليل ونوم النهار، وذكر البيتوتة في الحديث ليست مرادة بذاتها وإنما خرجت مخرج الغالب حيث إن النوم غالباً لا يكون إلا في الليل.

وقيل: إنه خاص في نوم الليل، لظاهر الحديث حيث قال: " فإن الشيطان يبيت على خيشومه " والبيتوتة لا تكون إلا في الليل وهذا القول هو الأظهر والله أعلم.



الأمر الثاني: اختلف في حكم الاستنثار ثلاثاً بعد الاستيقاظ من نوم الليل:

القول الأول: قالوا بالاستحباب، للعلة الواردة في الحديث " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " وبيات الشيطان هنا لا يُحدث نجاسة حتى يؤمر الإنسان بإزالتها على وجه الإلزام.

والقول الثاني: أن الاستنثار واجب، لأن الأصل في الأمر الوجوب ولا صارف يصرفه عن الوجوب، وما ذكره أصحاب القول الأول ليس صارفاً تقوم به الحجة يصرف الأمر عن الوجوب لأن الحكمة من الأمر بالاستنثار قد تكون مخفية وليست النجاسة، ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيد ففي حديث الباب الأمر بالاستنثار ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم وجاء في رواية البخاري ما يقيد هذا الأمر بحال الوضوء، فإما أن يحمل المطلق على المقيد فيكون المقصود بالأمر هو حال الوضوء أو يعمل بالحديثين فيكون الاستنثاران واجبين والله أعلم.



الفائدة الرابعة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " اختلف في معناه:

قيل: إن بيات الشيطان ليس حقيقة وإنما المراد به ما يكون في الأنف من أذى يوافق الشيطان.

وقيل: هو على ظاهره وأن الشيطان يبيت حقيقة وذلك لأن الأنف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها والمنافذ كلها لها غلق إلا الأنف والأذنين فيدخل منها الشيطان وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المتفق عليه: " ذُكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل نام ليلة حتى أصبح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه أو قال: في أذنه "وأما الفم فله غلق أيضاً ولذلك حث على كظم الفم عند التثاؤب لئلا يدخل الشيطان فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - مرفوعاً: " إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل " وفي رواية " فليكظم ما استطاع " وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -" فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال " ها " ضحك الشيطان".

وعلى كل حال الواجب على المسلم الإيمان والتصديق والامتثال والطاعة سواء علم حقيقة وحكمة ما أُمر به أو خفي عليه ذلك، وذلك من جملة ما خفي عليه من علم الله الذي أحاط بعلمه كل شيء سبحانه.



الفائدة الخامسة: في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستنثار ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم وتعليل ذلك بإزالة موضع بيات الشيطان أوضح دليل على اجتناب مواضع الشياطين فالإنسان ينبغي له أن يكون من أبعد الناس عن مواطن الشياطين ومأواها سواء من شياطين الجن أو الإنس فتأمل كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك من أجل إزالة أثر الشيطان فكيف بمن يأوي إلى مواطن الشياطين بنفسه ويتردد عليها؟



مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الطهارة)

صمتى لغتى
03-27-2024, 09:31 PM
جزاك الله خير
وأحسن إليك فيما قدمت
دمت برضى الله وإحسانه وفضله