حكاية ناي ♔
03-31-2024, 09:34 PM
الخطبة الأولى
الحمد لله وليِّ مَن اتَّقاه، مَن اعتمد عليه كَفَاه، ومن لاذ به وَقَاهُ، أحمده حمدًا يليق بكريم وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهُداه.
أما بعد:
فيا عباد الله: خيرُ وصيَّةٍ يُوصي بها المرء نفسَه وإخوانه: تقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لعباده؛ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]، فاتقوا الله حقَّ تقواه.
أيها المسلمون:
جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفْطِر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سُنَّتي فليس مني))؛ [رواه البخاري ومسلم].
أيها المؤمنون:
عُنِيَتِ الشريعة الإسلامية بالنفس عنايةً فائقةً، فشرعت من الأحكام ما يحقق لها المصالح، ويدرأ عنها المفاسد؛ وذلك مبالغةً في حفظها، وصيانتها ودرء الاعتداء عليها، ووضعت تدابيرَ عديدةً كفيلةً بإذن الله بحفظها من التَّلَفِ، وجعلت أمورًا عدةً ترتقي بها نحو المعالي والرفعة والسموِّ، بل سدَّت جميع الطرق الْمُفْضِية إلى إزهاقها أو إتلافها أو الاعتداء عليها.
فالنفس محترمة في ذاتها ولذاتها بصرف النظر عن معتقدها ومذهبها ودينها؛ لأن الذي خلقها وبرأها إنما هو الله رب العالمين، وقد أكَّد الله سبحانه على عظمة النفس وعظمة حُرْمَتِها، فأقسم بها سبحانه قائلًا: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس: 7].
أيها المؤمنون:
يقول الله جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
فالعمل على إنقاذ نفس واحدة من الموت يأتي معادلًا لإنقاذ حياة الناس جميعًا؛ لأنه بذلك العمل الإنسانيِّ يعظِّم شأن الحياة، ويدعو الغير إلى تعظيمها والمحافظة عليها، وبذل أقصى الجهد لإنقاذ حياة الآخرين؛ لأن الحياة لا يأخذها إلا واهبَها سبحانه.
عباد الله:
نصَّ الفقهاء على أنه يجب على الشخص إنقاذ حياة الآخرين إذا تعرضت للخطر، وكان قادرًا على ذلك، كأن ينقذ غريقًا، أو مَن به نوبة قلبية، أو ماس كهربائي، أو رأى حريقًا، أو غير ذلك من الحالات الطارئة؛ ولو أدى ذلك إلى قطع الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو الإفطار في نهار رمضان، ولو أن ينقذ الرجلُ المرأةَ، والمرأةُ الرجلَ، لكن هذا الإنقاذ مقيَّد بالقدرة والتمكُّن، كغيره من الواجبات الشرعية؛ فإذا كان الإنسان عاجزًا عن إنقاذ غيره لم يلزمه ذلك، وإذا غلب على الظن أنه يهلِكُ إذا حاول إنقاذ غيره، حرُم عليه ذلك؛ لِما فيه من إلقاء النفس إلى التَّهْلُكَةِ، كأن يكون الإنسان لا يُحسِن السباحة، فيحاول إنقاذَ غريقٍ.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "إنه يجب على المرء المسلم إذا رأى أخاه المسلم في أمر يُخشَى منه الهلاك، يجب عليه أن يسعى لإنقاذه بكل وسيلة،حتى إنه لو كان صائمًا صيام الفرض في رمضان، وحصل شيء يُخشَى منه الهلاك على أخيه المسلم، واضطر إلى أن يُفطِرَ لإنقاذه، فإنه يفطر لإنقاذه، وعلى هذا فإذا مررت بحادث سيارة، ورأيت الناس في حال يُخشَى عليهم من التَّلَفِ أو من تضاعف الضرر، فإنه يجب عليك إنقاذهم بقدر ما تستطيع، ولو أن تحمِلَ النساء، وإن لم يكن معهن محارم؛ لأن هذه ضرورة"؛ ا.هـ.
من السُّبُلِ الْمُعِينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: التبرع بالدم؛ لِما في ذلك من قضاء للحاجات وتفريج للكربات؛ روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))، كيف يكون شعورك، وقد قضيت حاجة مسلم من دمائك، وفرَّجت بها كربة غيرك، وخفَّفت بها معاناة أخيك؟
ومن السُّبُلِ المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: التدرُّب على الإسعافات الأولية، والاستفادة من أهل الاختصاص في ذلك، وتعليم الأهل والأولاد هذه المهاراتِ، وكذلك توفير حقيبة أدوات السلامة، فكم أنقذ العارفون بها من مصاب مشرِف على الهلاك في أماكن عملهم، أو في الشوارع، أو غيرها! فقد يجدون إنسانًا قد تعرَّض لجرح، أو كسر، أو نوبة قلبية، أو غصة، أو نحوها، فيسارعون لإنقاذهم، وأهل المروءة لا ينسَون المعروف، وإن ضاع عند الناس، فلن يضيع عند الله؛ قال سبحانه: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197].
ومن السبل المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: الاهتمام بوضع طفايات الحريق في البيوت والسيارات، والتدرب على تشغيلها، وكم كان لها من أثر بالغ - بعد توفيق الله - في إطفاء حرائق كادت أن تُحدِث كوارثَ وخيمةً!
ومن السبل المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين كذلك: سرعة التبليغ عن حوادث السيارات أو الحرائق أو غيرها من الحالات التي تستدعي إسعافًا، وحفظ أرقام الجهات التي تؤدي هذه الخدمة؛ فسرعة مجيئهم معين - بعد الله - في تجاوز الأزمة وعلاجها وعدم تفاقمها.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من جميع الشرور والأضرار، وأن يمُنَّ علينا وعليكم بالعفو والعافية، في الأنفس والأهل والأولاد.
الخطبة الثانية
الحمد لله خير الحافظين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرحم الراحمين، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد حثَّتِ الشريعة الغرَّاءُ على إغاثة الملهوف، وتقديم العون له، وإنقاذ النفس ولو كان كلبًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثلَ الذي بلغ بي، فملأ خُفَّه، ثم أمسكه بفيه، ثم رَقِيَ، فسَقَى الكلب، فشكر الله له، فغفر له))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وتخبرنا السنة الصحيحة أن الله عز وجل قد غفر لامرأة زانية من بني إسرائيل، لماذا؟ لأنها سَقَتْ كلبًا كاد أن يقتله العطش؛ فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن امرأةً بغيًّا رأت كلبًا في يوم حارٍّ يُطِيف ببئر، قد أدْلَعَ لسانه من العطش، فنزعت له بمُوقها فغُفر لها))؛ [رواه مسلم].
بل إن الشريعةَ الغرَّاءَ تَنهى نهيًا شديدًا عن تعذيب الحيوان، وحبسه أو قتله ظلمًا بغير حق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّةٍ سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خِشَاشِ الأرض))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ((نهى أن تُصبَرَ البهائم))؛ [رواه البخاري ومسلم]؛ ومعنى "تصبر البهائم"؛ أي: تحبس حتى تموت، ونهى كذلك عن ((اتخاذ شيء فيه الروح غرضًا))؛ [رواه مسلم]؛ أي: تثبيته وجعله هدفًا للتدريب على الرماية والقنص.
أيها المباركون:
لا شكَّ أن مساعدة الآخرين من أعظم القُرُبات، وأفضل الطاعات، خاصةً إذا طلبها أو أظهر احتياجه لها؛ ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وخير الناس أنفعهم للناس))؛ [رواه الطبراني وغيره، وحسنه الألباني].
وتذكَّر يا عبدالله دائمًا أن قضاء حوائج الآخرين، خصوصًا في الأوقات العصيبة هو في الواقع إحسان للنفس، وما نقدمه للناس في الظاهر، إنما نقدمه لأنفسنا في الحقيقة؛ فالجزاء من جنس العمل؛ قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: 7].
إخوة الإسلام: صلوا على خير الورى، وأجَلِّ ما خلق الإله وما برا، هو خير من وطئ الثرى، طوبى لمن صلى عليه وأكثرا.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد، اللهم بارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، اللهم اجعلنا من أتباعه، واحشرنا في زُمْرَتِهِ، واسْقِنا من حوضه، وارزقنا شفاعته، واجعله أحب إلينا من أولادنا، وأموالنا وأزواجنا، إنك سميع الدعاء.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، لِما تحب وترضى، وأعِنْه على البر والتقوى يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، وانصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أغِثْنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وليِّ مَن اتَّقاه، مَن اعتمد عليه كَفَاه، ومن لاذ به وَقَاهُ، أحمده حمدًا يليق بكريم وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهُداه.
أما بعد:
فيا عباد الله: خيرُ وصيَّةٍ يُوصي بها المرء نفسَه وإخوانه: تقوى الله عز وجل، فهي وصية الله لعباده؛ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]، فاتقوا الله حقَّ تقواه.
أيها المسلمون:
جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفْطِر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سُنَّتي فليس مني))؛ [رواه البخاري ومسلم].
أيها المؤمنون:
عُنِيَتِ الشريعة الإسلامية بالنفس عنايةً فائقةً، فشرعت من الأحكام ما يحقق لها المصالح، ويدرأ عنها المفاسد؛ وذلك مبالغةً في حفظها، وصيانتها ودرء الاعتداء عليها، ووضعت تدابيرَ عديدةً كفيلةً بإذن الله بحفظها من التَّلَفِ، وجعلت أمورًا عدةً ترتقي بها نحو المعالي والرفعة والسموِّ، بل سدَّت جميع الطرق الْمُفْضِية إلى إزهاقها أو إتلافها أو الاعتداء عليها.
فالنفس محترمة في ذاتها ولذاتها بصرف النظر عن معتقدها ومذهبها ودينها؛ لأن الذي خلقها وبرأها إنما هو الله رب العالمين، وقد أكَّد الله سبحانه على عظمة النفس وعظمة حُرْمَتِها، فأقسم بها سبحانه قائلًا: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس: 7].
أيها المؤمنون:
يقول الله جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
فالعمل على إنقاذ نفس واحدة من الموت يأتي معادلًا لإنقاذ حياة الناس جميعًا؛ لأنه بذلك العمل الإنسانيِّ يعظِّم شأن الحياة، ويدعو الغير إلى تعظيمها والمحافظة عليها، وبذل أقصى الجهد لإنقاذ حياة الآخرين؛ لأن الحياة لا يأخذها إلا واهبَها سبحانه.
عباد الله:
نصَّ الفقهاء على أنه يجب على الشخص إنقاذ حياة الآخرين إذا تعرضت للخطر، وكان قادرًا على ذلك، كأن ينقذ غريقًا، أو مَن به نوبة قلبية، أو ماس كهربائي، أو رأى حريقًا، أو غير ذلك من الحالات الطارئة؛ ولو أدى ذلك إلى قطع الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، أو الإفطار في نهار رمضان، ولو أن ينقذ الرجلُ المرأةَ، والمرأةُ الرجلَ، لكن هذا الإنقاذ مقيَّد بالقدرة والتمكُّن، كغيره من الواجبات الشرعية؛ فإذا كان الإنسان عاجزًا عن إنقاذ غيره لم يلزمه ذلك، وإذا غلب على الظن أنه يهلِكُ إذا حاول إنقاذ غيره، حرُم عليه ذلك؛ لِما فيه من إلقاء النفس إلى التَّهْلُكَةِ، كأن يكون الإنسان لا يُحسِن السباحة، فيحاول إنقاذَ غريقٍ.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "إنه يجب على المرء المسلم إذا رأى أخاه المسلم في أمر يُخشَى منه الهلاك، يجب عليه أن يسعى لإنقاذه بكل وسيلة،حتى إنه لو كان صائمًا صيام الفرض في رمضان، وحصل شيء يُخشَى منه الهلاك على أخيه المسلم، واضطر إلى أن يُفطِرَ لإنقاذه، فإنه يفطر لإنقاذه، وعلى هذا فإذا مررت بحادث سيارة، ورأيت الناس في حال يُخشَى عليهم من التَّلَفِ أو من تضاعف الضرر، فإنه يجب عليك إنقاذهم بقدر ما تستطيع، ولو أن تحمِلَ النساء، وإن لم يكن معهن محارم؛ لأن هذه ضرورة"؛ ا.هـ.
من السُّبُلِ الْمُعِينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: التبرع بالدم؛ لِما في ذلك من قضاء للحاجات وتفريج للكربات؛ روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))، كيف يكون شعورك، وقد قضيت حاجة مسلم من دمائك، وفرَّجت بها كربة غيرك، وخفَّفت بها معاناة أخيك؟
ومن السُّبُلِ المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: التدرُّب على الإسعافات الأولية، والاستفادة من أهل الاختصاص في ذلك، وتعليم الأهل والأولاد هذه المهاراتِ، وكذلك توفير حقيبة أدوات السلامة، فكم أنقذ العارفون بها من مصاب مشرِف على الهلاك في أماكن عملهم، أو في الشوارع، أو غيرها! فقد يجدون إنسانًا قد تعرَّض لجرح، أو كسر، أو نوبة قلبية، أو غصة، أو نحوها، فيسارعون لإنقاذهم، وأهل المروءة لا ينسَون المعروف، وإن ضاع عند الناس، فلن يضيع عند الله؛ قال سبحانه: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197].
ومن السبل المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين: الاهتمام بوضع طفايات الحريق في البيوت والسيارات، والتدرب على تشغيلها، وكم كان لها من أثر بالغ - بعد توفيق الله - في إطفاء حرائق كادت أن تُحدِث كوارثَ وخيمةً!
ومن السبل المعينة على حفظ نفسك ونفوس الآخرين كذلك: سرعة التبليغ عن حوادث السيارات أو الحرائق أو غيرها من الحالات التي تستدعي إسعافًا، وحفظ أرقام الجهات التي تؤدي هذه الخدمة؛ فسرعة مجيئهم معين - بعد الله - في تجاوز الأزمة وعلاجها وعدم تفاقمها.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من جميع الشرور والأضرار، وأن يمُنَّ علينا وعليكم بالعفو والعافية، في الأنفس والأهل والأولاد.
الخطبة الثانية
الحمد لله خير الحافظين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرحم الراحمين، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد حثَّتِ الشريعة الغرَّاءُ على إغاثة الملهوف، وتقديم العون له، وإنقاذ النفس ولو كان كلبًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرًا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثلَ الذي بلغ بي، فملأ خُفَّه، ثم أمسكه بفيه، ثم رَقِيَ، فسَقَى الكلب، فشكر الله له، فغفر له))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وتخبرنا السنة الصحيحة أن الله عز وجل قد غفر لامرأة زانية من بني إسرائيل، لماذا؟ لأنها سَقَتْ كلبًا كاد أن يقتله العطش؛ فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن امرأةً بغيًّا رأت كلبًا في يوم حارٍّ يُطِيف ببئر، قد أدْلَعَ لسانه من العطش، فنزعت له بمُوقها فغُفر لها))؛ [رواه مسلم].
بل إن الشريعةَ الغرَّاءَ تَنهى نهيًا شديدًا عن تعذيب الحيوان، وحبسه أو قتله ظلمًا بغير حق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّةٍ سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خِشَاشِ الأرض))؛ [رواه البخاري ومسلم].
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ((نهى أن تُصبَرَ البهائم))؛ [رواه البخاري ومسلم]؛ ومعنى "تصبر البهائم"؛ أي: تحبس حتى تموت، ونهى كذلك عن ((اتخاذ شيء فيه الروح غرضًا))؛ [رواه مسلم]؛ أي: تثبيته وجعله هدفًا للتدريب على الرماية والقنص.
أيها المباركون:
لا شكَّ أن مساعدة الآخرين من أعظم القُرُبات، وأفضل الطاعات، خاصةً إذا طلبها أو أظهر احتياجه لها؛ ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وخير الناس أنفعهم للناس))؛ [رواه الطبراني وغيره، وحسنه الألباني].
وتذكَّر يا عبدالله دائمًا أن قضاء حوائج الآخرين، خصوصًا في الأوقات العصيبة هو في الواقع إحسان للنفس، وما نقدمه للناس في الظاهر، إنما نقدمه لأنفسنا في الحقيقة؛ فالجزاء من جنس العمل؛ قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: 7].
إخوة الإسلام: صلوا على خير الورى، وأجَلِّ ما خلق الإله وما برا، هو خير من وطئ الثرى، طوبى لمن صلى عليه وأكثرا.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد، اللهم بارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، اللهم اجعلنا من أتباعه، واحشرنا في زُمْرَتِهِ، واسْقِنا من حوضه، وارزقنا شفاعته، واجعله أحب إلينا من أولادنا، وأموالنا وأزواجنا، إنك سميع الدعاء.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، لِما تحب وترضى، وأعِنْه على البر والتقوى يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، وانصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم أغِثْنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.