حكاية ناي ♔
04-02-2024, 07:31 PM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
نحن نعيش في هذه الأيام وهي العشر الأواخر من رمضان، فيها خير عظيم، وفيها أجر جسيم، لمن اغتنم مثل هذه الليالي، وهذه الأيام في الطاعات، وفي العبادات، خصوصًا أن القرآن الكريم أُنزِل في هذه العشر، القرآن المبارك، أُنزل في ليلة مباركة؛ هي ليلة القدر، التي عادلها الله بعمل ألف شهر، أنت تعمل في هذه الليلة عملًا من طاعة أو عبادة، أو صلاة أو ركوع، أو تسبيح أو ذكر، يعادل رجلًا من الأمم السابقة عَبَدَ الله أكثرَ من ثمانين عامًا؛ ألف شهر.
وفي خطبتنا هذه نبين ونوضح ونحذر مما يُفسِد أعمالنا، فإياك أخي المؤمن أن تجمع الحسنات، وأن تُكثِرَ من الطاعات، وأن تجتهد في العبادات، ثم تضيع هذه الأعمال، تضيعها بأمر يسير عليك التخلص منه واجتنابه؛ وهذا العمل - والعياذ بالله - هو الشرك بالله سبحانه وتعالى.
وقد يتعجب بعضنا: ومن منا مشرك؟! ومن منا يبحث عن الشرك بالله عز وجل؟ كلنا لا نحب الشرك، ولا نؤيد أحدًا يقول عنا مشركين، والتحذير من هذا كما سنعلم، ومن أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، عندما بيَّنوا أن أعمالًا جاءت بعد الصحابة رضي الله عنهم هي دقيقة جدًّا في أعيننا، قالوا: كنا نعُدُّها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الْمُوبقات؛ ولنستمع إلى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
ألَا فاعلموا إخواني في الله أن الإيمان والتوحيد كالعسل في حلاوته وفي مذاقه، والشرك والكفر والنفاق كالسُّمِّ والعياذ بالله، فإذا وُضِعت قطرة من السم في قِدْرٍ من العسل، ماذا تفعل به؟ تفسده، يصبح العسل مسمومًا بقطرة سُمٍّ، لكن ما تنفع دفقات من العسل في قدر من السم؟
فلنتَّقِ الله عباد الله، ولنأخذ بعضًا من هذه الـمظاهر، التي تهاون فيها كثير من الناس من المسلمين ومن الموحدين؛ ولذلك من مظاهر الشرك التي يجب التحذير منها ما يتعاطاه الناس من التشاؤم، وفي اللغة الطِّيَرة، يتشاءم الناس بالصوت، فيتشاءم بعضهم من صوت كلب يَعوي، أو غراب يَنعِق، أو صوت قبيح يتشاءم منه، أو قد يتشاءم بعضهم من صورة أو منظر أو وجه، عندما أراد أن يخرج من بيته قابل حمارًا أو قابل كلبًا، أو قابل إنسانًا اشتهر بين الناس أنه ما يراه أحد ويرى خيرًا، إذا رجع هذا الإنسان عن حاجته بسبب ذلك، أشرك بالله، ما الذي أرجعه؟ الصوت أو الصورة، وهذه من قدر الله سبحانه وتعالى.
فالتأثير والسبب من الله، فلماذا تشرك بالله يا عبدَالله؟
لذلك ورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطِّيَرةُ شرك، قال ابن مسعود: وما منا إلا، ولكنَّ الله يُذهِبه بالتوكل))؛ [(د) (3910)، (ت) (1614)].
إذًا علاج هذا الذي تراه في قلبك - طيرة، شرك، تشاؤم - ما الذي يُذهِبه؟ أن تتوكل على الله، وأن تقول كما جاء في حديث آخر أن تقول: ((اللهم لا طيرَ إلا طيرُك، ولا خيرَ إلا خيرُك، ولا إله غيرك))، وتمضي لا ترجع يا عبدَالله، إذا فعلت ذلك، فأنت اجتنبت الشرك، أنت مؤمن موحِّد، وإن جاء التشاؤم خطراتٍ على قلبك.
فقول ابن مسعود رضي الله عنه: (وما منا إلا)؛ أي: ما منا أحد إلا يعرِض له الوهم من قِبل الطِّيَرة، وكرِه أن يتم كلامه ذلك؛ لِما يتضمنه من الحالة المكروهة.
لذلك قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: "الفرق بين الطيرة والتطيُّر؛ أن التطير هو الظن السيئ الذي في القلب، والطيرة هو الفعل المترتب على الظن السيئ... وقوله: (ولكن الله يُذْهِبه بالتوكل)؛ أي: بسبب الاعتماد عليه، والاستناد إليه سبحانه، وحاصله أن الخطرة ليس بها عبرة، فإن وقعت غفلةً، فلا بد من رجعة، والله أعلم"؛ [عون المعبود وحاشية ابن القيم: (10/ 289)].
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردَّتْهُ الطِّيَرة من حاجة، فقد أشرك))، كما قلنا قبل قليل، سمع صوتًا أو رأى صورة، تشاءم منها فرجع، هذا أشرك، ((من ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك، فقالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))؛ [(حم) (7045)، صحيح الجامع: (6264)، الصحيحة: (1065)].
كذلك قد يكون التشاؤم والتطير من بعض المنازل أو بعض الجيران، أو بعض الزوجات والأولاد، "ما رأيناها ورأينا خيرًا"، "ما سكنَّا في هذا المنزل ورأينا خيرًا"، أو نحو ذلك؛ لذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار كثُر فيها عددنا))؛ أي: كثر أهلونا والأولاد كثروا ما شاء الله، ((وكثرت فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقلَّ فيها عددنا، وقلَّت فيها أموالنا))، والآن هذا طرح للقضية؛ أي: أنتركها ونتحول إلى غيرها، أم أن هذا من باب الشرك والطيرة المنهي عنها؟ ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها ذميمةً))؛ [(خد) (918)، (د) (3924)، انظر الصحيحة: (790)].
(دعوها) فإنها (ذميمة)؛ أي: اتركوها بالتحول عنها حال كونها مذمومة؛ لأن هواءها غير موافق لكم... أي: ذروها وتحولوا عنها؛ لتخلصوا من سوء الظن، ورؤية البلاء من نزول تلك الدار.
ومن مظاهر الشرك أيضًا والعياذ بالله غير التطير، ما ثبت عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: ((أقبل رهط))؛ أي: جماعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عددهم عشرة، ((فبايع تسعةً، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعةً)) على السمع والطاعة، والإسلام والدين، وما شابه ذلك، ((وتركت هذا؟ فقال: إن عليه تميمةً، من علَّق تميمةً فقد أشرك، فأدخل يده فقطعها، فبايعه))؛ [(حم) (17422)، (ك) (7513)، انظر صحيح الجامع: (6394)، الصحيحة: (492)].
التمائم: جمع تميمة؛ وهو الخيط الذي يربط على اليد، والسوار الذي يُوضَع لرفع الألم ونحو ذلك، إن لم يثبت طبًّا منفعتها، بوجود مواد كيمائية أو ما شابه ذلك فيها، تساعد في العلاج، وإلا فهذا من باب الاعتقادات الفاسدة، أو خرزة تُعلَّق على طفل أو دابة، أو تعلق على سيارة أو ما شابه ذلك، هذا شرك، تريد أن تدفع الضر أو تجلب النفع بمثل هذه الأمور التي لم يشرعها الله، ولم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليها هَدْيُ الصحابة والتابعين والصالحين، وتخترع أشياءَ من تسويل الشيطان، هذا شرك والعياذ بالله.
لذلك قالوا: التميمة هي عبارة عن خرزات، كانت العرب تعلقها على أولادهم؛ يتَّقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام، واليوم يعلقونها على الأطفال إلا من رحم الله، على الدواب، على السيارات، على الدور، ونحو ذلك.
عن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: ((دخلت على عبدالله بن عكيم الجهني أعُودُه))؛ أي: أزوره وهو مريض، ((وبه حُمْرة))، الحمرة: ورم من جنس الطواعين، نوع من أنواع الطاعون يصيب الجسم في منطقة معينة ينتفخ ويحمر، ((فقلت: ألَا تعلق شيئًا؟)) حسب اعتقاده يضع له خرزة؛ أي: ألا تعلق تميمةً؟ ((قال: الموت أقرب من ذلك))؛ أي: أموت ولا أفعل ذلك، لماذا؟ لأن توحيده نقيٌّ، وعقيدته صافية، وإسلامه نظيف، ليس هناك شرك في الداخل يميل به مع الريح يمنة ويسرة، يريد أن يتخلص من الألم ولو بالشرك بالله، وما يفعلها، هذا الإنسان قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه))؛ [(ت) (2072)، (حم) (18803)، انظر: غاية المرام (297)]؛ أي: من علَّق على نفسه شيئًا من التعاويذ والحجابات، والخرز والتمائم، وأشباهها، معتقِدًا أنها تجلب إليه نفعًا، أو تدفع عنه ضرًّا، خُلِّيَ إلى ذلك الشيء.
كذلك من المظاهر التي انتشرت في الأمة، وما أكثرها! وهي مستمرة من أيام الشرك والجاهلية التي كانت قبل الإسلام، وفي أول الإسلام، حتى نهى عنها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فنهى عنها من بعده الصحابة رضي الله عنهم؛ وهو الحَلْفُ بغير الله.
فالحلف بغير الله من مظاهر الشرك بالله، لا يجوز الحلف إلا بالله أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، فالحلف بغير الله شركٌ أكبرُ، إن اعتُقد في المحلوف المخلوق بأنه عظيم، بأنه يفعل الأفاعيل، أمَّا إن جرت على لسانك، فقد وقعتَ في كبيرة من الكبائر، لست مشركًا، ولكن معصية من المعاصي يمحوها الاستغفار، وكثرة الحسنات، ونحو ذلك؛ عن سعد بن عبيدة، قال: سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا يحلف يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: ((لا يُحلَف بغير الله؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلَفَ بغير الله فقد أشرك))؛ [(ت) (1535)، (د) (3251)، (ت) (1535)، وصححه الألباني في الإرواء: (2561)].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفًا فليحلف بالله))؛ [(خ) (7401)].
بعض الناس يحلِف بالكعبة، وبعضهم يحلِف بأبيه وبرأس أبيه، وبعضهم يحلف بعقاله، وبعضهم يحلف بزوجته، قائلًا: (وحياة حبنا)، كل هذا نوع من أنواع الشرك والعياذ بالله، وغيره كثير.
الحلف بغير الله ولو كان حلفًا بالكعبة، أو بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو بنبي من الأنبياء، أو بمَلَكٍ من الملائكة، أو بولي من الأولياء، أو بضريح من الأضرحة، أو بقبر من القبور، كله شرك بالله عز وجل؛ إذًا لا تحلفوا إلا بالله؛ لأن الحلف عبادة، إن وجَّهتَها لغير الله، أشركت بالله معه غيره.
قال الحافظ: "والتعبير بقول: (أشرك)؛ للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، على من حلف بغير الله، فإن اعتقد، كفر، خرج من الدين، وإن لم يعتقد، ارتكب كبيرة من الكبائر؛ كالقتل وعقوق الوالدين ونحو ذلك، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك"؛ [فتح الباري (11 /531)].
واستمِع أيضًا لمن يحلف من الناس - وربما يحلف الجلوس والمستمعون - بالأمانة، لحديث منصوص عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وغيره، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فليس منا))؛ [(د) (3253)، (حم) (23030)، صحيح الجامع: (6203)، الصحيحة: (94)]، ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالأمانة مخلوقة، الله سبحانه وتعالى أمر بها، فليست الأمانة صفةً من صفاته، ولا يسمى الله بالأمين، فليست اسمًا من أسمائه، وإنما هي أمر من أوامره، وفرض من فروضه، على هذه الأمة أن يكونوا أمناء فيما بينهم، فنهى عن الحلف بها؛ لِما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته.
لذلك ومن خوف الصحابة رضي الله عنهم من الحلف بغير الله، ماذا قال عبدالله بن مسعود؟ قال رضي الله عنه: "لأن أحلف بالله كاذبًا، أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا"؛ [(عب) (15929)، (طب) (8902)، وصححه الألباني في الإرواء: (2562)، وصحيح الترغيب: (2953)].
انظر إلى عظمة الحلف بغير الله، إلى خطره إلى شدته، لماذا حلفه بالله كاذبًا أحب إليه من أن يحلف بغيره صادقًا؟ الحلف بالله ولو كاذبًا فيه تعظيم لله، أما الحلف بغير الله ولو صادقًا فيه شرك بالله عز وجل، هكذا فهِموا، فماذا فهمنا نحن في هذا الزمان؟
دخل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه - وهذا مظهر آخر من مظاهر الشرك بالله - دخل على امرأته، فرأى عليها حرزًا من الحمرة، وقلنا: إن الحمرة داء يصيب الإنسان يشبه الطاعون، فقطعه قطعًا عنيفًا، هي وضعته من أجل هذه الحمرة، فقطعه قطعًا عنيفًا كأن بينه وبينه حقدًا، حقد الصحابة على الشرك بالله عز وجل، فكيف يقع من زوجة صالحة؟ ثم قال: ((إن آل عبدالله أغنياء عن الشرك، وقال: كان مما حفِظنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الرَّقَى، والتمائم، والتِّوَلَةَ من الشرك))؛ [(ك) (7505)، (حب) (6090)، (طس) (1442)، الصحيحة: (2972)].
قال المناوي: "والنهي عن الرقية بغير القرآن وأسماء الله وصفاته منهيٌّ عنه، لا يجوز أن نرقي غيرنا إلا بما ثبت في كتاب الله، أو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجتهدنا فيه وليس فيه شرك، هذه الرُّقى جائزة، أما غيرها فلا يجوز، والتمائم... خرزات تعلقها العرب على الطفل؛ لدفع العين، ثم اتسع فيها فسمَّوا بها كل عوذة، والتولة... شيء تفعله النساء لتُحبِّب الرجل إلى امرأته، وهي ما يحبب المرأة للرجل من سحر وغيره"؛ [فيض القدير (6/ 314)].
فهو نوع من السحر، والساحر لا يفلح أبدًا، هذه كلها عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك.
فإذا كانت الرقية بالقرآن، أو باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، أو بصفة من صفاته، أو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما ثبت عنه، أو باللغة العربية المفهومة، وليس فيها شرك، وإنما فيها توسل بالله سبحانه وتعالى، فذلك جائز؛ هذا ما ثبت عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: ((كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟))؛ يعني ممنوع الرقى مطلقًا، أو هناك تفصيل في المسألة؟ نرقي في الجاهلية فكيف ترى في ذلك؟ فقال: ((اعرضوا عليَّ رُقاكم))، هو ما أثبت لهم رقية معينة، قال لهم: اعرضوا عليَّ رقاكم، ((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك))؛ [(م) 64 - (2200)، (د) (3886)، (حب) (6094)]، وفي رواية: ((لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا))؛ [(د) (3886)، انظر الصحيحة: (1066)].
إذًا؛ لـمَّا حرم الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم، وأبعدنا عن الشرك بالرقى، جعل الحل في كتاب الله، في أدعية، في ذكر لله سبحانه وتعالى، في توسل واستغاثة بالله سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد يجمع الإنسان بين الإيمان والشرك، لكن وجود الشرك يُفسد الإيمان، ويُبطل التوحيد، ويُبطل الأعمال الصادقة كلها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
وقال جل جلاله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، يعرفون الله، وأنه هو رب، وأنه الخالق الرازق، المدبر لجميع هذه الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبقَ عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفجأَهم العقاب وهم آمنون؛ [تفسير السعدي (ص: 406)].
وأُذكِّركم بما سبق:
الإيمان كالعسل، والشرك كالسم، فإذا وُضعت قطرة من السم في قِدْرٍ من العسل، أفسدته وأبطلته، لكن ما تنفع دفقات من العسل في قدر من السم؟
فنعوذ بالله من الشرك وأهله، ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ﴾ [الأنعام: 22، 23]، ننظر إلى أعذارهم الباهتة، ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23]، يقسمون بالله، مع أن الأنبياء جاؤوهم، وبيَّنوا لهم الشرك، ومن بعد الأنبياء جاءهم العلماء والوعَّاظ والدعاة، بيَّنوا لهم أن هذا شرك، فهناك يوم القيامة يحكم الله عليهم بأنهم مشركون، وهم ينفون هذا، ويقولون: والله ربنا ما كنا مشركين؛ ﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 24].
والشرك أنواعه كثيرة، لا تستوعبه خطبة، أنواعه بعدد الأهواء، فكل من هوِيَ شيئًا، عَبَدَهُ من دون الله، تقرب إليه من دون الله، أشركه مع الله في العبادة، ومنه أن يُعبَد مع الله غيره؛ كالسجود والحج، والذبح والدعاء، والخوف والرجاء، والخشية والخشوع، وغير ذلك من أنواع العبادة، هذه كلها عبادات، إذا صُرِف منها شيء لغير الله فهو شرك، فإن تاب فاعلُ ذلك، تاب الله عليه.
عن أنس رضي الله عنه، قال: ((إنكم لَتعملون أعمالًا))، يقول لمن بعده، يقول للتابعين، ((هي أدق في أعينكم من الشعر، إنْ كنا لَنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الـموبقات، قال أبو عبدالله: يعني بذلك الـمهلكات))؛ [(خ) (6492)، (حم) (12604)]؛ أي: تعملون أعمالًا تحسبونها هينةً، وهي عظيمة، أو تؤول إلى العِظَمِ؛ [فتح الباري لابن حجر: (11/ 330)].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((خطَبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: ((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، وهل أحد منا يسمع دبيب النمل أو يراه؟ فهذا يجعل الإنسان دائمًا يخاف؛ كما خاف إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ((فقال له رجل: يا رسول الله، وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه))؛ [(حم) (19606)، (طس) (3479)، صحيح الترغيب: (36)].
ألَا وصلوا وسلموا على الهادي البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبدالله، الذي صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم كُنْ معنا ولا تكُنْ علينا، اللهم أيِّدنا ولا تخذلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعنَّا على طاعتك، اللهم أعنا يا رب العالمين على طاعتك.
اللهم وحِّد صفوفنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأزِلِ الغل والحقد الحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا يا رب العالمين على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنك قلت وقولك الحق: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، فاللهم ثبِّتنا على أمرك، واعصمنا بحبلك، وارزقنا من فضلك.
اللهم ثبتنا على المعتقد الصحيح، الذي رضِيتَه لملائكتك في سمائك، وأنبيائك في أرضك، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
اللهم يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب، اصرف قلوبنا إلى طاعتك.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
نحن نعيش في هذه الأيام وهي العشر الأواخر من رمضان، فيها خير عظيم، وفيها أجر جسيم، لمن اغتنم مثل هذه الليالي، وهذه الأيام في الطاعات، وفي العبادات، خصوصًا أن القرآن الكريم أُنزِل في هذه العشر، القرآن المبارك، أُنزل في ليلة مباركة؛ هي ليلة القدر، التي عادلها الله بعمل ألف شهر، أنت تعمل في هذه الليلة عملًا من طاعة أو عبادة، أو صلاة أو ركوع، أو تسبيح أو ذكر، يعادل رجلًا من الأمم السابقة عَبَدَ الله أكثرَ من ثمانين عامًا؛ ألف شهر.
وفي خطبتنا هذه نبين ونوضح ونحذر مما يُفسِد أعمالنا، فإياك أخي المؤمن أن تجمع الحسنات، وأن تُكثِرَ من الطاعات، وأن تجتهد في العبادات، ثم تضيع هذه الأعمال، تضيعها بأمر يسير عليك التخلص منه واجتنابه؛ وهذا العمل - والعياذ بالله - هو الشرك بالله سبحانه وتعالى.
وقد يتعجب بعضنا: ومن منا مشرك؟! ومن منا يبحث عن الشرك بالله عز وجل؟ كلنا لا نحب الشرك، ولا نؤيد أحدًا يقول عنا مشركين، والتحذير من هذا كما سنعلم، ومن أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، عندما بيَّنوا أن أعمالًا جاءت بعد الصحابة رضي الله عنهم هي دقيقة جدًّا في أعيننا، قالوا: كنا نعُدُّها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الْمُوبقات؛ ولنستمع إلى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
ألَا فاعلموا إخواني في الله أن الإيمان والتوحيد كالعسل في حلاوته وفي مذاقه، والشرك والكفر والنفاق كالسُّمِّ والعياذ بالله، فإذا وُضِعت قطرة من السم في قِدْرٍ من العسل، ماذا تفعل به؟ تفسده، يصبح العسل مسمومًا بقطرة سُمٍّ، لكن ما تنفع دفقات من العسل في قدر من السم؟
فلنتَّقِ الله عباد الله، ولنأخذ بعضًا من هذه الـمظاهر، التي تهاون فيها كثير من الناس من المسلمين ومن الموحدين؛ ولذلك من مظاهر الشرك التي يجب التحذير منها ما يتعاطاه الناس من التشاؤم، وفي اللغة الطِّيَرة، يتشاءم الناس بالصوت، فيتشاءم بعضهم من صوت كلب يَعوي، أو غراب يَنعِق، أو صوت قبيح يتشاءم منه، أو قد يتشاءم بعضهم من صورة أو منظر أو وجه، عندما أراد أن يخرج من بيته قابل حمارًا أو قابل كلبًا، أو قابل إنسانًا اشتهر بين الناس أنه ما يراه أحد ويرى خيرًا، إذا رجع هذا الإنسان عن حاجته بسبب ذلك، أشرك بالله، ما الذي أرجعه؟ الصوت أو الصورة، وهذه من قدر الله سبحانه وتعالى.
فالتأثير والسبب من الله، فلماذا تشرك بالله يا عبدَالله؟
لذلك ورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطِّيَرةُ شرك، قال ابن مسعود: وما منا إلا، ولكنَّ الله يُذهِبه بالتوكل))؛ [(د) (3910)، (ت) (1614)].
إذًا علاج هذا الذي تراه في قلبك - طيرة، شرك، تشاؤم - ما الذي يُذهِبه؟ أن تتوكل على الله، وأن تقول كما جاء في حديث آخر أن تقول: ((اللهم لا طيرَ إلا طيرُك، ولا خيرَ إلا خيرُك، ولا إله غيرك))، وتمضي لا ترجع يا عبدَالله، إذا فعلت ذلك، فأنت اجتنبت الشرك، أنت مؤمن موحِّد، وإن جاء التشاؤم خطراتٍ على قلبك.
فقول ابن مسعود رضي الله عنه: (وما منا إلا)؛ أي: ما منا أحد إلا يعرِض له الوهم من قِبل الطِّيَرة، وكرِه أن يتم كلامه ذلك؛ لِما يتضمنه من الحالة المكروهة.
لذلك قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام: "الفرق بين الطيرة والتطيُّر؛ أن التطير هو الظن السيئ الذي في القلب، والطيرة هو الفعل المترتب على الظن السيئ... وقوله: (ولكن الله يُذْهِبه بالتوكل)؛ أي: بسبب الاعتماد عليه، والاستناد إليه سبحانه، وحاصله أن الخطرة ليس بها عبرة، فإن وقعت غفلةً، فلا بد من رجعة، والله أعلم"؛ [عون المعبود وحاشية ابن القيم: (10/ 289)].
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردَّتْهُ الطِّيَرة من حاجة، فقد أشرك))، كما قلنا قبل قليل، سمع صوتًا أو رأى صورة، تشاءم منها فرجع، هذا أشرك، ((من ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك، فقالوا: يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))؛ [(حم) (7045)، صحيح الجامع: (6264)، الصحيحة: (1065)].
كذلك قد يكون التشاؤم والتطير من بعض المنازل أو بعض الجيران، أو بعض الزوجات والأولاد، "ما رأيناها ورأينا خيرًا"، "ما سكنَّا في هذا المنزل ورأينا خيرًا"، أو نحو ذلك؛ لذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار كثُر فيها عددنا))؛ أي: كثر أهلونا والأولاد كثروا ما شاء الله، ((وكثرت فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقلَّ فيها عددنا، وقلَّت فيها أموالنا))، والآن هذا طرح للقضية؛ أي: أنتركها ونتحول إلى غيرها، أم أن هذا من باب الشرك والطيرة المنهي عنها؟ ((فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها ذميمةً))؛ [(خد) (918)، (د) (3924)، انظر الصحيحة: (790)].
(دعوها) فإنها (ذميمة)؛ أي: اتركوها بالتحول عنها حال كونها مذمومة؛ لأن هواءها غير موافق لكم... أي: ذروها وتحولوا عنها؛ لتخلصوا من سوء الظن، ورؤية البلاء من نزول تلك الدار.
ومن مظاهر الشرك أيضًا والعياذ بالله غير التطير، ما ثبت عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: ((أقبل رهط))؛ أي: جماعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عددهم عشرة، ((فبايع تسعةً، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعةً)) على السمع والطاعة، والإسلام والدين، وما شابه ذلك، ((وتركت هذا؟ فقال: إن عليه تميمةً، من علَّق تميمةً فقد أشرك، فأدخل يده فقطعها، فبايعه))؛ [(حم) (17422)، (ك) (7513)، انظر صحيح الجامع: (6394)، الصحيحة: (492)].
التمائم: جمع تميمة؛ وهو الخيط الذي يربط على اليد، والسوار الذي يُوضَع لرفع الألم ونحو ذلك، إن لم يثبت طبًّا منفعتها، بوجود مواد كيمائية أو ما شابه ذلك فيها، تساعد في العلاج، وإلا فهذا من باب الاعتقادات الفاسدة، أو خرزة تُعلَّق على طفل أو دابة، أو تعلق على سيارة أو ما شابه ذلك، هذا شرك، تريد أن تدفع الضر أو تجلب النفع بمثل هذه الأمور التي لم يشرعها الله، ولم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليها هَدْيُ الصحابة والتابعين والصالحين، وتخترع أشياءَ من تسويل الشيطان، هذا شرك والعياذ بالله.
لذلك قالوا: التميمة هي عبارة عن خرزات، كانت العرب تعلقها على أولادهم؛ يتَّقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام، واليوم يعلقونها على الأطفال إلا من رحم الله، على الدواب، على السيارات، على الدور، ونحو ذلك.
عن عيسى بن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: ((دخلت على عبدالله بن عكيم الجهني أعُودُه))؛ أي: أزوره وهو مريض، ((وبه حُمْرة))، الحمرة: ورم من جنس الطواعين، نوع من أنواع الطاعون يصيب الجسم في منطقة معينة ينتفخ ويحمر، ((فقلت: ألَا تعلق شيئًا؟)) حسب اعتقاده يضع له خرزة؛ أي: ألا تعلق تميمةً؟ ((قال: الموت أقرب من ذلك))؛ أي: أموت ولا أفعل ذلك، لماذا؟ لأن توحيده نقيٌّ، وعقيدته صافية، وإسلامه نظيف، ليس هناك شرك في الداخل يميل به مع الريح يمنة ويسرة، يريد أن يتخلص من الألم ولو بالشرك بالله، وما يفعلها، هذا الإنسان قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه))؛ [(ت) (2072)، (حم) (18803)، انظر: غاية المرام (297)]؛ أي: من علَّق على نفسه شيئًا من التعاويذ والحجابات، والخرز والتمائم، وأشباهها، معتقِدًا أنها تجلب إليه نفعًا، أو تدفع عنه ضرًّا، خُلِّيَ إلى ذلك الشيء.
كذلك من المظاهر التي انتشرت في الأمة، وما أكثرها! وهي مستمرة من أيام الشرك والجاهلية التي كانت قبل الإسلام، وفي أول الإسلام، حتى نهى عنها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فنهى عنها من بعده الصحابة رضي الله عنهم؛ وهو الحَلْفُ بغير الله.
فالحلف بغير الله من مظاهر الشرك بالله، لا يجوز الحلف إلا بالله أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، فالحلف بغير الله شركٌ أكبرُ، إن اعتُقد في المحلوف المخلوق بأنه عظيم، بأنه يفعل الأفاعيل، أمَّا إن جرت على لسانك، فقد وقعتَ في كبيرة من الكبائر، لست مشركًا، ولكن معصية من المعاصي يمحوها الاستغفار، وكثرة الحسنات، ونحو ذلك؛ عن سعد بن عبيدة، قال: سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلًا يحلف يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: ((لا يُحلَف بغير الله؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلَفَ بغير الله فقد أشرك))؛ [(ت) (1535)، (د) (3251)، (ت) (1535)، وصححه الألباني في الإرواء: (2561)].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفًا فليحلف بالله))؛ [(خ) (7401)].
بعض الناس يحلِف بالكعبة، وبعضهم يحلِف بأبيه وبرأس أبيه، وبعضهم يحلف بعقاله، وبعضهم يحلف بزوجته، قائلًا: (وحياة حبنا)، كل هذا نوع من أنواع الشرك والعياذ بالله، وغيره كثير.
الحلف بغير الله ولو كان حلفًا بالكعبة، أو بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو بنبي من الأنبياء، أو بمَلَكٍ من الملائكة، أو بولي من الأولياء، أو بضريح من الأضرحة، أو بقبر من القبور، كله شرك بالله عز وجل؛ إذًا لا تحلفوا إلا بالله؛ لأن الحلف عبادة، إن وجَّهتَها لغير الله، أشركت بالله معه غيره.
قال الحافظ: "والتعبير بقول: (أشرك)؛ للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك، على من حلف بغير الله، فإن اعتقد، كفر، خرج من الدين، وإن لم يعتقد، ارتكب كبيرة من الكبائر؛ كالقتل وعقوق الوالدين ونحو ذلك، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك"؛ [فتح الباري (11 /531)].
واستمِع أيضًا لمن يحلف من الناس - وربما يحلف الجلوس والمستمعون - بالأمانة، لحديث منصوص عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وغيره، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فليس منا))؛ [(د) (3253)، (حم) (23030)، صحيح الجامع: (6203)، الصحيحة: (94)]، ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالأمانة مخلوقة، الله سبحانه وتعالى أمر بها، فليست الأمانة صفةً من صفاته، ولا يسمى الله بالأمين، فليست اسمًا من أسمائه، وإنما هي أمر من أوامره، وفرض من فروضه، على هذه الأمة أن يكونوا أمناء فيما بينهم، فنهى عن الحلف بها؛ لِما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته.
لذلك ومن خوف الصحابة رضي الله عنهم من الحلف بغير الله، ماذا قال عبدالله بن مسعود؟ قال رضي الله عنه: "لأن أحلف بالله كاذبًا، أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا"؛ [(عب) (15929)، (طب) (8902)، وصححه الألباني في الإرواء: (2562)، وصحيح الترغيب: (2953)].
انظر إلى عظمة الحلف بغير الله، إلى خطره إلى شدته، لماذا حلفه بالله كاذبًا أحب إليه من أن يحلف بغيره صادقًا؟ الحلف بالله ولو كاذبًا فيه تعظيم لله، أما الحلف بغير الله ولو صادقًا فيه شرك بالله عز وجل، هكذا فهِموا، فماذا فهمنا نحن في هذا الزمان؟
دخل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه - وهذا مظهر آخر من مظاهر الشرك بالله - دخل على امرأته، فرأى عليها حرزًا من الحمرة، وقلنا: إن الحمرة داء يصيب الإنسان يشبه الطاعون، فقطعه قطعًا عنيفًا، هي وضعته من أجل هذه الحمرة، فقطعه قطعًا عنيفًا كأن بينه وبينه حقدًا، حقد الصحابة على الشرك بالله عز وجل، فكيف يقع من زوجة صالحة؟ ثم قال: ((إن آل عبدالله أغنياء عن الشرك، وقال: كان مما حفِظنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الرَّقَى، والتمائم، والتِّوَلَةَ من الشرك))؛ [(ك) (7505)، (حب) (6090)، (طس) (1442)، الصحيحة: (2972)].
قال المناوي: "والنهي عن الرقية بغير القرآن وأسماء الله وصفاته منهيٌّ عنه، لا يجوز أن نرقي غيرنا إلا بما ثبت في كتاب الله، أو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجتهدنا فيه وليس فيه شرك، هذه الرُّقى جائزة، أما غيرها فلا يجوز، والتمائم... خرزات تعلقها العرب على الطفل؛ لدفع العين، ثم اتسع فيها فسمَّوا بها كل عوذة، والتولة... شيء تفعله النساء لتُحبِّب الرجل إلى امرأته، وهي ما يحبب المرأة للرجل من سحر وغيره"؛ [فيض القدير (6/ 314)].
فهو نوع من السحر، والساحر لا يفلح أبدًا، هذه كلها عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك.
فإذا كانت الرقية بالقرآن، أو باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، أو بصفة من صفاته، أو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما ثبت عنه، أو باللغة العربية المفهومة، وليس فيها شرك، وإنما فيها توسل بالله سبحانه وتعالى، فذلك جائز؛ هذا ما ثبت عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: ((كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟))؛ يعني ممنوع الرقى مطلقًا، أو هناك تفصيل في المسألة؟ نرقي في الجاهلية فكيف ترى في ذلك؟ فقال: ((اعرضوا عليَّ رُقاكم))، هو ما أثبت لهم رقية معينة، قال لهم: اعرضوا عليَّ رقاكم، ((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك))؛ [(م) 64 - (2200)، (د) (3886)، (حب) (6094)]، وفي رواية: ((لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا))؛ [(د) (3886)، انظر الصحيحة: (1066)].
إذًا؛ لـمَّا حرم الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم، وأبعدنا عن الشرك بالرقى، جعل الحل في كتاب الله، في أدعية، في ذكر لله سبحانه وتعالى، في توسل واستغاثة بالله سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فقد يجمع الإنسان بين الإيمان والشرك، لكن وجود الشرك يُفسد الإيمان، ويُبطل التوحيد، ويُبطل الأعمال الصادقة كلها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
وقال جل جلاله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى، يعرفون الله، وأنه هو رب، وأنه الخالق الرازق، المدبر لجميع هذه الأمور، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده، فهؤلاء الذين وصلوا إلى هذه الحال لم يبقَ عليهم إلا أن يحل بهم العذاب، ويفجأَهم العقاب وهم آمنون؛ [تفسير السعدي (ص: 406)].
وأُذكِّركم بما سبق:
الإيمان كالعسل، والشرك كالسم، فإذا وُضعت قطرة من السم في قِدْرٍ من العسل، أفسدته وأبطلته، لكن ما تنفع دفقات من العسل في قدر من السم؟
فنعوذ بالله من الشرك وأهله، ونعوذ بالله أن نكون ممن قال الله فيهم: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ﴾ [الأنعام: 22، 23]، ننظر إلى أعذارهم الباهتة، ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 23]، يقسمون بالله، مع أن الأنبياء جاؤوهم، وبيَّنوا لهم الشرك، ومن بعد الأنبياء جاءهم العلماء والوعَّاظ والدعاة، بيَّنوا لهم أن هذا شرك، فهناك يوم القيامة يحكم الله عليهم بأنهم مشركون، وهم ينفون هذا، ويقولون: والله ربنا ما كنا مشركين؛ ﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 24].
والشرك أنواعه كثيرة، لا تستوعبه خطبة، أنواعه بعدد الأهواء، فكل من هوِيَ شيئًا، عَبَدَهُ من دون الله، تقرب إليه من دون الله، أشركه مع الله في العبادة، ومنه أن يُعبَد مع الله غيره؛ كالسجود والحج، والذبح والدعاء، والخوف والرجاء، والخشية والخشوع، وغير ذلك من أنواع العبادة، هذه كلها عبادات، إذا صُرِف منها شيء لغير الله فهو شرك، فإن تاب فاعلُ ذلك، تاب الله عليه.
عن أنس رضي الله عنه، قال: ((إنكم لَتعملون أعمالًا))، يقول لمن بعده، يقول للتابعين، ((هي أدق في أعينكم من الشعر، إنْ كنا لَنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الـموبقات، قال أبو عبدالله: يعني بذلك الـمهلكات))؛ [(خ) (6492)، (حم) (12604)]؛ أي: تعملون أعمالًا تحسبونها هينةً، وهي عظيمة، أو تؤول إلى العِظَمِ؛ [فتح الباري لابن حجر: (11/ 330)].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((خطَبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: ((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، وهل أحد منا يسمع دبيب النمل أو يراه؟ فهذا يجعل الإنسان دائمًا يخاف؛ كما خاف إبراهيم عليه السلام فقال: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ((فقال له رجل: يا رسول الله، وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِما لا نعلمه))؛ [(حم) (19606)، (طس) (3479)، صحيح الترغيب: (36)].
ألَا وصلوا وسلموا على الهادي البشير النذير، والسراج المنير؛ محمد بن عبدالله، الذي صلى الله عليه في كتابه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة أجمعين، وارضَ عنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم كُنْ معنا ولا تكُنْ علينا، اللهم أيِّدنا ولا تخذلنا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعنَّا على طاعتك، اللهم أعنا يا رب العالمين على طاعتك.
اللهم وحِّد صفوفنا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأزِلِ الغل والحقد الحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا يا رب العالمين على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنك قلت وقولك الحق: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، فاللهم ثبِّتنا على أمرك، واعصمنا بحبلك، وارزقنا من فضلك.
اللهم ثبتنا على المعتقد الصحيح، الذي رضِيتَه لملائكتك في سمائك، وأنبيائك في أرضك، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
اللهم يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب، اصرف قلوبنا إلى طاعتك.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].