حكاية ناي ♔
04-15-2024, 07:39 PM
الخطبة الأولى
الحمد لله، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، والحمد لله ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إقرارًا به وتعظيمًا وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بعثه الله رحمةً للعالمين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فاللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وذبَّ عنهم، وسلَّم تسليمًا أما بعد:-
عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أَيُّهَا المؤمنون! صام الصائمون، وتصدق المتصدقون، وقام وتهجد المتهجدون، وبادر المبادرون، وفي مقابلهم غفل الغافلون، وكثر نوم النائمين، حتى غفلوا عن هذا الشهر، فمضى عليهم كثيرٌ منه لم يستدركوه، ولم يستغلوا أيامه ولياله.
عباد الله! إن الله جَلَّ وَعَلا لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ومقاصدكم، وليس العبرة عنده سبحانه بكثرة الأعمال، وإنما العبرة بأصوبها، ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، ولم يقل: أكثر عملًا، وقيل لأبي عليٍ الفضيل بن عياض: "ما أحسن عملًا؟ قال: أخلصه وأصوبه".
عباد الله! صمتَ أيها الصائم، وقمتَ أيها القائم، وتصدقتَ وقرأتَ القرآن، ثم ماذا بعد ذلك؟ ما نيتك فيه وما قصدك؟ هل صيامك عادةً أم عبادة؟ هل تصدقك لأجل أن تُمدح أو محض قربةٍ تتقرب بها إلى ربك جَلَّ وَعَلا؟
ألا فاسمعوا أيها المخلصون، وتهنؤوا واهنؤوا أيها الموحدون، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنه هذا الحديث الأصل الجامع في فضل صيام رمضان وقيامه؛ ففي الصحيحين[1] من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، زاد الإمام أحمد بإسنادٍ حسن: «غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» قاله الحافظ بن حجر.
نعم يا عباد الله؛ كيف يكون صومنا وقيامنا إيمانًا واحتسابًا؟ إنه الصيام والقيام المتمحَّض فيه العمل لله جَلَّ وَعَلا، وهو الموعود عليه الأجرُ العظيم والثواب الجزيل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي سعيدٍ في الصحيحين[2]: «من صام يومًا في سبيل الله» نعم يا عباد الله، في سبيل الله «باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، وفي رواية[3]: «بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، فيكون صومك لله، هذا معنى (أن يكون في سبيله)؛ تبتغي مرضاته، لا حظ فيه لصيامك وعملك إلا ثوابه ووجهه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
وفي الحديث الصحيح المخرَّج في الصحيحين[4] عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: قال الله عَزَّ وَجَلَّ؛ فهذا حديثٌ قدسي يرويه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان؛ فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ عند لقاء ربه بثواب صومه»، فاللهَ اللهَ يا رعاكم الله، حققوا لله الإخلاص والتوحيد في صيامكم، وفي سائر عباداتكم، وانظروا ثواب الله ومدحته، ولا تلتفتوا إلى غير ذلك، لئلا يدخل عليكم الشيطان بأنواع المداخل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده تترا، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، وأصلي وأسلم على سيد البرية في الأولى وفي الأخرى نبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أولي الفضل والنهى، ما طلع ليلٌ أقبل عليه نهارٌ وأدبر، أما بعد:
عباد الله! فاستعينوا بالله على ما بقي من شهركم، وحسنوا فيه نياتكم، ومقاصدكم، واعملوا لله، وارجوا ثوابكم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وكان الصيامُ بهذه المثابة؛ لأنه عملٌ تركي لا يعلم الناس أنك صائم حتى تُعْلِمهم بذلك، وهذا الصيام بهذه المثابة لا بد أن يهذب نفوسكم ويؤدب أقوالكم وأفعالكم، حتى إذا كان يوم صوم أحدكم فسابه أحدٌ فشاتمه فإنه يصون صيامه، يقول: اللهم إني صائم؛ أي أني أترفع وأتنزه أن أنزل إلى مستواك في الردى لما في الصيام من السمو والعلو، ورفعة صاحبه عند ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلًّا تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَىٰ أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَىٰ أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِيْنَ يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللًّا، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
الحمد لله، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، والحمد لله ﴿ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إقرارًا به وتعظيمًا وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بعثه الله رحمةً للعالمين بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فاللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وذبَّ عنهم، وسلَّم تسليمًا أما بعد:-
عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أَيُّهَا المؤمنون! صام الصائمون، وتصدق المتصدقون، وقام وتهجد المتهجدون، وبادر المبادرون، وفي مقابلهم غفل الغافلون، وكثر نوم النائمين، حتى غفلوا عن هذا الشهر، فمضى عليهم كثيرٌ منه لم يستدركوه، ولم يستغلوا أيامه ولياله.
عباد الله! إن الله جَلَّ وَعَلا لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ومقاصدكم، وليس العبرة عنده سبحانه بكثرة الأعمال، وإنما العبرة بأصوبها، ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، ولم يقل: أكثر عملًا، وقيل لأبي عليٍ الفضيل بن عياض: "ما أحسن عملًا؟ قال: أخلصه وأصوبه".
عباد الله! صمتَ أيها الصائم، وقمتَ أيها القائم، وتصدقتَ وقرأتَ القرآن، ثم ماذا بعد ذلك؟ ما نيتك فيه وما قصدك؟ هل صيامك عادةً أم عبادة؟ هل تصدقك لأجل أن تُمدح أو محض قربةٍ تتقرب بها إلى ربك جَلَّ وَعَلا؟
ألا فاسمعوا أيها المخلصون، وتهنؤوا واهنؤوا أيها الموحدون، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنه هذا الحديث الأصل الجامع في فضل صيام رمضان وقيامه؛ ففي الصحيحين[1] من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، زاد الإمام أحمد بإسنادٍ حسن: «غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» قاله الحافظ بن حجر.
نعم يا عباد الله؛ كيف يكون صومنا وقيامنا إيمانًا واحتسابًا؟ إنه الصيام والقيام المتمحَّض فيه العمل لله جَلَّ وَعَلا، وهو الموعود عليه الأجرُ العظيم والثواب الجزيل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أبي سعيدٍ في الصحيحين[2]: «من صام يومًا في سبيل الله» نعم يا عباد الله، في سبيل الله «باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، وفي رواية[3]: «بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، فيكون صومك لله، هذا معنى (أن يكون في سبيله)؛ تبتغي مرضاته، لا حظ فيه لصيامك وعملك إلا ثوابه ووجهه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
وفي الحديث الصحيح المخرَّج في الصحيحين[4] عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: قال الله عَزَّ وَجَلَّ؛ فهذا حديثٌ قدسي يرويه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان؛ فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ عند لقاء ربه بثواب صومه»، فاللهَ اللهَ يا رعاكم الله، حققوا لله الإخلاص والتوحيد في صيامكم، وفي سائر عباداتكم، وانظروا ثواب الله ومدحته، ولا تلتفتوا إلى غير ذلك، لئلا يدخل عليكم الشيطان بأنواع المداخل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده تترا، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، وأصلي وأسلم على سيد البرية في الأولى وفي الأخرى نبينا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أولي الفضل والنهى، ما طلع ليلٌ أقبل عليه نهارٌ وأدبر، أما بعد:
عباد الله! فاستعينوا بالله على ما بقي من شهركم، وحسنوا فيه نياتكم، ومقاصدكم، واعملوا لله، وارجوا ثوابكم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وكان الصيامُ بهذه المثابة؛ لأنه عملٌ تركي لا يعلم الناس أنك صائم حتى تُعْلِمهم بذلك، وهذا الصيام بهذه المثابة لا بد أن يهذب نفوسكم ويؤدب أقوالكم وأفعالكم، حتى إذا كان يوم صوم أحدكم فسابه أحدٌ فشاتمه فإنه يصون صيامه، يقول: اللهم إني صائم؛ أي أني أترفع وأتنزه أن أنزل إلى مستواك في الردى لما في الصيام من السمو والعلو، ورفعة صاحبه عند ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى.
ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلًّا تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَىٰ أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَىٰ أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِيْنَ يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللًّا، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.