مشاهدة النسخة كاملة : بدر التمام في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة الكرام


حكاية ناي ♔
04-19-2024, 05:07 PM
الخطبة الأولى

أما بعد:

فحديثنا في ذلك اليوم الطيب الميمون الأغرِّ: بدر التمام في تعامل النبي مع الصحابة الكرام؛ لنقف مع القدوة الحسنة والأسوة الطيبة، وهو يتعامل مع أصحابه بحبٍّ ورفق ولين، يمازحهم وينصحهم، ويرفُق بهم، يَعُود مرضاهم، ويتبع جنائزهم يثني عليه، صلى الله عليه وسلم، فأعيروني القلوب والأسماع.



أولًا: أنه كان يمازحهم صلى الله عليه وسلم:

إخوة الإيمان: لقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مثالًا رائعًا للحياة الإنسانية المتكاملة، فهو في خَلْوَتِهِ يصلى ويطيل الخشوع والبكاء، ويقوم حتى تتورَّم قدماه، وهو في الحق لا يبالي بأحد في جنب الله، ولكنه مع الحياة والناس بشر سويٌّ، يحب الطيبات، ويَبَشُّ ويبتسم، ويداعب ويمزح، ولا يقول إلا حقًّا.



ولذا فلا عَجَبَ أنه صلى الله عليه وسلم كان يتفكُّهُ حينًا، ويطرف للفكاهة والْمُزاح – الذي لا يحمل إثمًا – أحيانًا، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته جافًّا ولا قاسيًا، ولا فظًّا ولا غليظًا، وإننا عند استعراض سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم نجدها قد تخلَّلها نوع من الدُّعابة والمزاح[1].



عن أنس بن مالك، ((أن رجلًا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني حاملك على ولد ناقة، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق))[2].



معناه: سأعطيك جملًا كبيرًا، ولكنه من باب المداعبة قال: سأحملك على ولد الناقة، فظن الرجل أنه سيعطى ناقة صغيرة أو جملًا صغيرًا، فقال: وما أفعل به يا رسول الله؟ فعلَّمه ووضح له الأمر صلى الله عليه وسلم، فقال له: وهل من إبل أو جمل إلا وهو ولد ناقة[3].



عن الحسن قال: ((أتَتْ عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادْعُ الله أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز، قال: فولَّت تبكي، فقال: أخبِروها أنها لا تدخلها وهي عجوز؛ إن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35 - 37]))[4].



ثانيًا: يرفُق بالعُصاة منهم:

إخوة الإسلام: ومن صور أخلاقه صلى الله عليه وسلم الرِّفق بالعصاة والمذنبين، وكان يَعِظُهم ويبيِّن لهم الحكمة التي شرعها الله في تحريم الحرام؛ عن أبي أمامة، ((أن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتأذن لي في الزنا؟ قال: فصاح القوم به وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُه فدنا حتى كان قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ فقال: لا يا رسول الله، جعلني الله فداك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: فتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم - ثم ذكر الحديث في العمة والخالة كذلك - قال: فقال يا رسول الله، ادع الله لي، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم قال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فَرْجَه، قال: فكان لا يلتفت إلى شيء بعدُ))[5].



وتأملوا - عباد الله - في قصة شارب الخمر؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: ((إن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله، وكان يُلقَّب حمارًا، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جَلَدَهُ في الشراب، فأُتِيَ به يومًا فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم الْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله))؛ [صحيح البخاري][6].



عن أنس بن مالك قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا في المسجد وأصحابه معه، إذ جاء أعرابي، فبال في المسجد، فقال أصحابه: مَهْ مَهْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا تُزْرِموه، دَعُوه، ثم دعاه، فقال: إن هذا المسجد لا يصلح لشيء من القَذَرِ والبول - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو لقراءة القرآن، وذكر الله))[7].



من فوائد حديث الأعرابي: حُسْن خُلُق الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعليمه، ورِفْقه، وأن هذا هو الذي ينبغي لنا إذا دَعَونا إلى الله، أو أمرنا بمعروف، أو نهينا عن منكر؛ أن نرفُقَ؛ لأن الرفق يحصل به الخير، والعنف يحصل به الشر، ربما إذا عنفت أن يحصل من قبيلك ما يسمونه برد الفعل ولا يقبل منك شيئًا، يرُدُّ الشرع من أجلك، لكن إذا رفقت وتأنَّيت فهذا هو الأقرب إلى الإجابة.



ثالثًا: وفاؤه صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

ومن نبع وفائه صلى الله عليه وسلم أنه لم ينسَ ما قدَّمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام؛ فعن عليٍّ رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نفعني مال أحد قطُّ ما نفعني مال أبي بكر))[8].



عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: ((إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ مُتَّخِذًا من الناس خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن خُلَّة الإسلام ومودته، لا يَبْقَيَنَّ في المسجد بابٌ إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر))[9].



رابعًا: يقتص من نفسه صلى الله عليه وسلم:

واعلموا - عباد الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم العدل حتى على نفسه ويقدم نفسه للقصاص؛ عن أبي فراس أن عمر قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه))[10].



عن عبدالله بن أبي بكر أن رجلًا ممن شهد حُنَينًا قال: ((والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي وفي رجلي نعلٌ غليظة، إذ زحمت ناقتي ناقةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، فقرع قدمي بالسوط، وقال: أوجعتني فتأخَّر عني فانصرفت، فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني، قال: قلت: هذا والله لِما كنت أصبت من رِجْلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس.


قال: فجئته وأنا أتوقع، فقال: إنك أصبتَ رجلي بالأمس فأوجعتني، فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوضك منها، فأعطاني ثمانين نعجةً بالضربة التي ضربني))[11].



وهكذا، فإن الحصيف من الناس يطلب السلامة في آخرته، فيتحلل من المظالم أو يردها؛ خشية أن يحاسب عليها يوم القيامة، وأسوته في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم القائل: ((من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض، فليتحلله اليوم قبل ألَّا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات))[12].



خامسًا: مشاركته لأصحابه في البلاء والشدة والفرح:

كان صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في أفراحهم وأحزانهم فيبدلها فرحًا، ويواسيهم، فيشعرون أنهم ليسوا واحدهم في محنتهم، حتى يخفف عنهم ما هم فيه من البلاء، ومن صور ذلك كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابنٌ صغير، يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه فهَلَكَ، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما لي لا أرى فلانًا، قالوا: يا رسول الله، بُنَيُّه الذي رأيته هلك، فلقِيَه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان، أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة، إلا وجدته قد سبقك إليه، يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة، فيفتحها لي، لَهو أحب إليَّ، قال: فذاك لك))[13].



سادسًا: قيامه صلى الله عليه وسلم بحماية أصحابه:

معاشر الأحباب، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من أولئك الرؤساء الذين يحتمون بجندهم وحاشيتهم، بل كان أشجعهم، يتقدمهم وقت الخوف والفزع، فيحتمون به لا أن يحتمي هو بهم، والحقيقة أن الشجاعة هي القائدة إلى الأمام، والموبوءة منصب الهمام، والقاضية على الذل والهوان، وهي سر بقاء البشر، واستمرار الحياة، وعمران الأرض، وهي من صفات الكمال والجمال، وبها اتصف الأنبياء والمرسلون، وامتاز بها سيدهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ عن ‌أنس قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: ‌لن ‌تُراعوا، ‌لن ‌تراعوا، وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ، في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا، أو إنه لبحر))[14].



وشجاعته صلى الله عليه وسلم تتجلى في هذا الحديث في أنه من شدة عَجَلَتِه في الخروج إلى العدو قبل الناس جميعًا، خرج على هذا الفرس الذي انقلب بفضل الله عز وجل إلى أسرع ما يكون بعد أن كان معروفًا بالبطء، وخرج صلى الله عليه وسلم ما عليه سرج، ولم يخشَ من الخروج وحده لكشف الحال؛ لكي يطمئن أصحابه صلى الله عليه وسلم.



سابعًا: مشاورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مشاورة أصحابه في قضايا الحروب والسلم، رغم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتاج لرأيهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤيدًا بالوحي من عند الله تعالى، لكنه كان يستشير أصحابه؛ ليعلمهم الشورى في حياتهم؛ حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت أحدًا أكثر مشاورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"[15].



ومن صور استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه استشارتُه أصحابَه يومَ بدر في مكان النزول، عندما تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه؛ ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل على أدنى ماء من مياه بدر، ((فقام الحباب بن المنذر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنْزَلَكَهُ الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم - قريش - فننزله ونغور - أي: نخرب - ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرتَ بالرأي، ثم تحوَّل النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش إلى المكان الذي أشار به المنذر))[16].



ثامنًا: تفقُّد أصحابه ومواساتهم:

إخوة الإسلام: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في وقت الشدة والبلاء التسليةُ والعزاء، فكان يشعر بآلامهم، ويجعل لهم من مِحَنِهم مِنَحًا، ومن الحزن فرحًا، ومن الألم أملًا.



عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس تحلَّق إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له بني صغير يأتيه من خلف ظهره، ففقده بين يديه إلى أن ظعن في جنازة ذلك الصبي، قال: فامتنع الرجل من الحلقة لم يحضرها؛ يذكر بنيه حزنًا عليه، قال: وفقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بالي لا أرى فلانًا؟ قالوا: يا نبي الله، هلك الذي رأيته فمنعه الحزن عليه، والذكر له أن يحضر الحلقة، فلقيه نبي الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك قال: فعزاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا فلان، أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله، لا، بل يسبقني إلى أبواب الجنة أحب إليَّ، قال: فذاك لك، فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله، أهذا لهذا خاصة، أم من هلك له طفل من المسلمين كان ذاك له؟ قال: بل من هلك له طفل من المسلمين كان ذلك له))[17]؛ [رواه النسائي].



عن أبي سعيد: ((أن رجلًا ابتاع ثمارًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُصيب فيها، ولزمه دين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا على أخيكم، فتصدقوا عليه، فلم يبلغ قضاء دينه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك))[18].



والمعنى: أنه ليس لكم زجره وحبسه؛ لأنه ظهر إفلاسه، بل يخلى ويمهل إلى أن يحصل له مال، فيأخذ الدائنون ديونهم بعدما يحصل له مال، وليس معناه إبطال ديونهم"؛ [رواه مسلم].



أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

أما بعد:

تاسعًا: عيادته صلى الله عليه وسلم مرضاهم:

إخوة الإسلام: وكان من خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم أن يعود مرضاهم ويدعو لهم؛ عن زيد بن أرقم، قال: ((أصابني رَمَدٌ فعادني النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلما بَرَأَت خرجت، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كانت عيناك لما بهما ما كنت صانعًا؟ قال: قلت: لو كانتا عيناي لما بهما صبرت واحتسبت، قال: لو كانت عيناك لما بهما، ثم صبرت واحتسبت، للقيت الله عز وجل ولا ذنب لك، قال إسماعيل: ثم صبرت واحتسبت، لأوجب الله لك الجنة))[19].



عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجة الوداع من وجعٍ اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، فأتصدق بثلثي مالي، قال: لا فقلت: فالشطر، فقال: لا، ثم قال: الثلث، والثلث كبير أو كثير، إنك إن تَذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفَّفون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ بها، حتى ما تجعل في في امرأتك، قلت: يا رسول الله، أأخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملًا صالحًا إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون: اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم ولا تردَّهم على أعقابهم))[20].



عاشرًا: اتباع جنائزهم:

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتبع جنائز أصحابه ويلومهم إذا لم يخبروه بوفاة أحد؛ عن ابن عباس رضي الله عليهما قال: ((مات إنسان كان رسول الله يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلًا، فلما أصبح، أخبروه، فقال: ما منعكم أن تُعْلِموني؟ قالوا: كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه))[21].



عن حسين بن وحوح الأنصاري: ((أن طلحة بن البراء مرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُوده فقال: إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فآذنوني به وعجِّلوا، فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل: إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني أخاف عليه يهودًا أن يصاب بسببي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح، فجاء حتى وقف على قبره، فصف الناس معه، ثم رفع يديه فقال: اللهم الْقَ طلحةَ يضحك إليك وتضحك إليه))[22].

الدعاء ...

رحيق الورد
04-19-2024, 05:08 PM
جزاك الله خيرا
وجعلة فى ميزان حسناتك