مشاهدة النسخة كاملة : عبادات تدفع البلاء (2)


حكاية ناي ♔
05-04-2024, 12:37 PM
الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُجزِل القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البر الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفو والغفران لذنبه، وأشهد أنَّ نبينا وسيدنا مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن إلى يوم الدين، أما بعد:

يتجلَّى لُطْف الله بأهل الإيمان ورعايته لأهل الإحسان، بالتخفيف عنهم وحفظهم من السوء، وتجنيبهم ما حل بغيرهم، والتحلِّي بالصبر، والرِّضا بقدر الله عند الشدائد، يقول كما في صحيح مسلم: ((عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له))، ولولا لطف اللطيف الخبير لامتلأت القلوب وحشة وفزعًا وخوفًا.



يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100]: يوصل بِرَّه وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.



ومن رحمته سبحانه أنه جعل لنا عبادات جاءتِ النصوصُ بأنها تدفَعُ البلاء؛ عَلَّمَنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرنا بعضها في الخطبة السابقة، واليوم نكمل بعون الله ذكر بعض العبادات التي تَدْفَع البلاء فنقول:

ملازمة الاستغفار: ومن العبادات اليسيرة ذات التأثيرات العظيمة في دفع البلاء كثرة الاستغفار؛ إذ من داوم عليه أعاذه الله من الشرور ودفع عنه البلاء والنقم والمحن؛ قال الله: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12].



وقال تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما العذاب المدفوع، فهو يَعُمُّ العذاب السماويَّ، ويعمُّ ما يكون من العباد؛ وذلك أن الجميع قد سمَّاه الله عذابًا".



وقال الشيخ السعدي رحمه الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، فهذا مانعٌ مِن وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه.



وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أمانانِ كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفع أحدهما وبقي الآخر: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾؛ [أخرجه أحمد].



وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ))؛ رواه أبو داود وابن ماجه، وأحمد في "المسند"، والطبراني في "المعجم الأوسط"؛ وغيرهم.



وعن فَضالةَ بن عُبَيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبدُ آمنٌ من عذاب الله ما استغفر الله))؛ [أخرجه أحمد].



كثرة الصلاة على النبي تَدْفَعُ البلاء: فعن أُبَيِّ بن كعبٍ قال قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))، قُلْتُ: الرُّبُع، قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: فَالنِّصْف؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: ((إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ))؛ (سنن الترمذي، وحسَّنه الألباني).



قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: «مَنْ فاته كثرة الصيام والقيام، فليشغل نفسه بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك لو فعلت في عمرك كل الطاعات، ثم صلى الله عليك صلاة واحدة، رجحت تلك الصَّلاة الواحدة على كل ما عملته في عمرك من جميع الطاعات؛ لأنك تصلي على قدر وسعك، وهو سبحانه وتعالى يُصلي على قدر ربوبيته، هذا إذا كانت صلاة واحدة، فكيف إذا صلَّى عليك عشرًا بكل صلاة، كما جاء في الحديث الصحيح؟!».



وقال سهل التستري رحمه الله: «الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولَّاها هو وملائكته،ثمَّ أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليست كذلك».



وقال ابن القيم رحمه الله: "من أراد انشراح الصدر، وغفران الذنب وتفريج الكرب، وذهاب الهمِّ فليُكثر من الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم".



ومن عجيب ما ورد عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تفرج الكرب ما ذكره الحافظ السخاوي في كتابه (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع):

قال: حكى الفاكهاني في كتاب "الفجر المنير" قال: أخبرني الشيخ الصالح موسى الضرير أنه ركب في المركب في البحر المالح، قال: وقد قَدِمَتْ علينا ريحٌ تُسَمَّى (الإقلابية)، قَلَّ مَن ينجو منها مِن الغرق، فنِمْتُ فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: ((قل لأهل المركب أن يقولوا ألف مرة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاةً تُنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتَقضي لنا بها جميعَ الحاجات، وتُطهرنا بها من جميع السيئات، وتَرفعُنا بها عندك أعلى الدرجات، وتُبَلِّغُنا بها أقصى الغايات مِن جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات))، قال: فاستيقظت وأخبرت أهل المركب الرؤيا؛ فصلينا نحو (ثلاثمائة) مرة؛ ففَرَّجَ الله عنا وأسكن عنا تلك الريح ببركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.



ورَوى هذه القصةَ المجدُ اللُّغوي، ونقل عَقِبها عن الحسن بن عليٍّ الأسواني، قال: ومَن قالها في كلِّ مُهِمٍّ ونازِلةٍ وبَلِيَّةٍ ألفَ مرةٍ؛ فَرَّجَ الله عنه، وأدرك مأمولَه (النفحة الإلهية في الصلاة على خير البريه للشيخ المُحدِّث عبدالله الصديق الغُمَاري).



صَنائعُ المَعروف تَدفَعُ البلاءات والآفات:

ومن العبادات التي تدفع البلاءات والآفات في الأموال والأبدان صنائعُ المعروفِ مع الآخرين؛ وصنائع المعروف هي الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف؛ من قرض حسن، أو بر، أو هدية، أو صدقة، أو إعانة على قضاء حاجة، من شفاعة، أو تحمُّل دَين، أو بعضه، أو غير ذلك من وجوه الإحسان المتنوعة؛ ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].



وصدقة السر تطفئ غضب الرب، ففي الترمذي: ((إنَّ الصدقة تُطفِئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السوء))، وفي الترمذي أيضًا من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصدقة تُطفِئ الخطيئة كما يُطفِئ الماءُ النارَ)).

وعَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ))؛ [رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع].



قال ابنُ القَـيِّم رحمه الله: «ومِنْ أَعْظَمِ عِلاجات المرضِ: فِعْلُ الخيرِ والإِحسان، والذِّكْـرُ، والدُّعاءُ، والتَّـضَرُّعُ، والابتهالُ إلى الله، ولهذه الأمور تأثيرٌ في دَفْعِ العِلَل، وحُصُولِ الشِّفاءِ؛ ولكن بحَسَبِ استعدادِ النَّـفْس، وقَـبُولِها، وعَقِيدتها في ذلك ونفعِه»؛ [زاد المعاد].



إن الصدقة لترفع الأمراض والأعراض من مصائب وبلايا، وقد جرب ذلك الموفقون من أهل الله، فوجدوا العلاج الروحي أنفع من العلاج الحسي، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج بالأدعية الروحية والإلهية، وكان السلف الصالح يتصدقون على قدر مرضهم وبليتهم، ويخرجون من أعز ما يملكون؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((داووا مرضاكم بالصدقة))؛ حسنه الألباني في صحيح الجامع.



وكما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ((وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم))؛ (صحيح الجامع).



وقال العلامة ابن القيم: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم؛ بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه".



وقال رحمه الله: "في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم".



يقول ابن شقيق: "سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ"؛ صحيح الترغيب.



وقال البيهقي: "في هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبدالله رحمه الله، فإنه قرح وجهه، وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب، وبقي فيه قريبًا مِن سنة، فسأل الأستاذ الإمام "أبا عثمان الصابوني" أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثَرَ الناسُ التأمين، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأةٌ في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبدالله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها ((قولي لأبي عبدالله يوسع الماء على المسلمين))، فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأمر بسقاية بُنِيت على باب داره، وحين فرغوا من بنائها أمر بصبِّ الماء فيها وطرح الجمد؛ أي: الثلج في الماء، وأخذ الناس في الشرب، فما مرَّ عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء، وزالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين.



ويُذكر أن رجلًا أصيب بالسرطان، فطاف الدنيا بحثًا عن العلاج، فلم يجده، فتصدق على أمِّ أيتام، فشفاه الله تعالى، فأحْسِنوا -أيها المسلمون- ولا تحقروا من المعروف شيئًا؛ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وإن الله لمع المحسنين.



الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى وبعد:

أيها المسلمون، والأخذ بالأسباب المادية المشروعة الممكنة من سنن الله الكونية؛ بل هي من شيم المرسلين والصالحين، ومن صميم تحقيق العبودية وتمام التوكل على الله سبحانه، فقد أرشدنا الله عز وجل في غير ما آية لتحري الأسباب؛ كأمر الله سبحانه لمريم بهز جذع النخلة ليتساقط الرطب، مع أنها في مخاض وضعيفة ولا تقوى على ذلك أبدًا؛ إلا أنها الأسباب.



فحقيقة التوكل هو اعتماد القلب على الله مع مباشرة الأسباب، فالاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع، ونقص في العقل، والاقتصار على الأسباب دون اعتماد القلب على الله عجز وتواكل وشرك في الأسباب، والتداوي والعلاج ما هو إلا أخذ بالأسباب التي أودعها الله في الكون، وهو أمر مشروع، لا يتعارض مع قضاء الله وقدره، وقد جاءت التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة المحمدية بما يحفظ على الناس أجسادهم وصحتهم وبكل ما يصلح حالهم، وجعلت الحفاظ على حياة وصحة الإنسان أحد الضروريَّات الأساسية التي أمرت الشريعة بالحفاظ عليها وحمايتها وتنميتها، ومن هذه التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة:

العبادات الوقائية من الأوبئة والأمراض: الأمر بالغسل والتطهر من الأوساخ والأدران التي هي مرتع للأمراض وسبب في نقلها وانتشارها؛ قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].



وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حَقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل فيه رأسه وجسده))، وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الطهور شطر الإيمان))؛ حيث جعل النظافة والتطهُّر نصف الإيمان؛ فكان هذا الغسل وهذا الوضوء الذي نُكرِّره كل يوم باستمرار من أعظم أسباب الوقاية من الأمراض، والغاسل لهذه الجراثيم، والمذهب لهذه المخلوقات الضارة على أسطح الأجساد وبشرة العباد.



وأمر بالحرص على السواك والتأكيد عليه، وعلى المضمضة والاستنشاق: ((وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))، ورأينا: ((خلل أصابع يديك ورجليك))، ورأينا ((وغسل البراجم، والأشاجع، وعقد الأصابع))، وكل التجاويف الموجودة.



ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة المحمدية مما يحفظ على الناس أجسادهم وصحتهم: النهى عن الاستنجاء باليمين، قالَ صلى الله عليه وسلم: ((إذا شَرِبَ أحدُكُم فلا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ، وإذا أَتَى الخلاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيمينِهِ، ولا يَتَمَسَّحْ بيمينهِ))؛ [رواه البخاري ومسلم].



قال ابنُ مُفلح: "ويُكرهُ لكُلِّ أحَدٍ أنْ يَنْتَثِرَ ويُنَقِّي أنفَهُ ووَسَخَهُ ودَرَنَهُ ويَخلَعَ نَعلَهُ ونحوَ ذلكَ بيمينهِ مع القُدْرةِ على ذلكَ بيَسَارِهِ مُطْلَقًا"؛ انتهى.



النهي عن البول في الماء الراكد أو الاغتسال فيه، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَبُولَنَّ أحدكُم في الماءِ الدَّائمِ الذي لا يَجْري، ثُمَّ يَغتسِلُ فيهِ))؛ رواه البخاري ومسلم.



وكذلك النهي عن إفساد البيئة وموارد الناس أو ظلهم بالبول أو التغوُّط فيها، قال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ))، قالُوا: وما اللَّعَّانانِ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: ((الذي يَتَخَلَّى في طريقِ الناسِ أوْ في ظِلِّهِمْ))؛ رواه مسلم.



وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا عَطَسَ غَطَّى وجْهَهُ بيدهِ أوْ بثَوْبهِ، وغَضَّ بها صَوْتَهُ؛ رواه الترمذي، وقال: (حَسَنٌ صَحيحٌ).



ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية: الأمر بحفظ الأطعمة ونظافتها؛ ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((غَطُّوا الإِناءَ، وأَوكُـوا السِّقاءَ؛ فإِنَّ في السَّنَـةِ لَـيْـلَـةً يَـنْزِلُ فيها وبـاءٌ؛ لا يَـمُـرُّ بـإِناءٍ ليسَ عليـهِ غِطاءٌ، أو سِقـاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إِلا نَـزَلَ فيه مِنْ ذلك الوَباءِ))؛ [رواه مسلم].



ومن التوجيهات الشرعية، والآداب المرعية في الشريعة:

توقِّي المَواضِع التي فيها الوَباء: فقد وضع الإسلام أساس الحَجْر الصحي في مكافحة الأوبئة القاتلة السارية بما يتوافق مع حقائق الطب (والمراد بالحجر الصحي: تحديد حرية الانتقال لمَن تعرَّض للعدوى بمرض مُعْدٍ، وحجره مدة من الزمن تعادل أطول حد لحضانة ذلك المرض، فإذا ثبتت سلامته رفع عنه الحَجْر، وإلا عُزل بسبب إصابته).



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ -يعني: الطاعون- بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه))؛ (متفقٌ عليه).



وهذا الحديث أصلٌ في الحجر الصحي الذي لم يعرفه العالم إلا على أبواب القرن العشرين، فقد أثبتت الدراسات أن البلد المصاب بالمرض الوبائي إذا خرج منه الإنسان فإنه يَنشر المرض وإن لم يُصب به، فأصبح أول قرار تتخذه الدول التي تُصاب بالوباء، بأن تحجُر على المنطقة الموبوءة.



وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ))؛ (متفقُ عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ))؛ (رواه البخاري).

وقد سلك الرسول صلى الله عليه وسلم الأسباب المؤدية لعدم انتقال العدوى نتيجة الأمراض المعدية، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)).



وكانت البيعة تتم بطريق اللمس، وذلك بوضع اليد في اليد، ولا يوجدُ أوضح وأصرح من هذا النص في تجنب التعامل مع المريض المصاب بمرض مُعْدٍ.



وقد فهم هذا المعنى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد دخول الشام ومعه كبار الصحابة وقد استشرى الطاعون فيها ومات الآلاف، فأخذ بالأسباب والحذرِ والحيطةِ ورجع ومن معه إلى المدينة؛ وهذا هو الحَجرُ الصحي بعينه بلغة اليوم.



أيها الكرماء الأجِلَّاء عباد الله، كانت هذه بعض العبادات التي يدفع الله بها البلاء؛ نسأل الله تعالى أن يصرفَ عنَّا الوباء والبلاء، اللهم احْمِ بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأمراض والأوبئة، ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ بلادنا وبلاد الإسلام من كل مكروه وسوء، وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، اللهم آمين، وأقم الصلاة.

عيوني تضمك
05-04-2024, 12:37 PM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنان.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن