حكاية ناي ♔
05-08-2024, 08:20 PM
الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونسْتهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه من خلقه وخليلُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فجزاه الله عنَّا خير ما جزى نبيًا عن أُمَّته وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد - فيا عباد الله -: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
إخوتي في الله: هل نحتفل، أو لا نحتفل؟ ما الذي يمنعنا من الاحتفال، أو ما الذي يدفعنا للاحتفال؟ هذه الجدلية التي تحدث في كلّ عامٍ عندما نقترب من شهر ربيع الأول، وتحديدًا في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر، فزمْرة تتحدَّث عن الاحتفال بالميلاد، أو بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، وأخرى تعترض، وإن كنَّا قد قرَّرنا هذه المسألة كِرارًا ومِرارًا بأنه لا ثمَّة دليل، ولا مَنهجية فعلها عليه الصلاة والسلام، ولا أصحابه الكرام في مثْل هذا الأمر، إلا أنَّنا دائمًا نتسائل: لماذا يحتفل هؤلاء، ولماذا يبتدع هؤلاء؟ والجواب: أنَّ الكلّ يدّعي حبَّ النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الادّعاء الذي يحصل منَّا جميعًا في محبّته عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى برهان، وقبل هذا وذاك: لماذا نحبُّه عليه الصلاة والسلام، وأعتقد أنَّ الإجابة واضحة لدَى الجميع، منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه كونه آخر الأنبياء والمرسلين، وقدوة الخلْق أجميعن، وكونه هو الذي بعد توفيق الله له يبدأ على يده الحساب يوم القيامة، وهو أول مَن يقرعُ باب الجنَّة ويدخلها، كلُّ هذا وذاك يدفعنا لحبّ النبي عليه الصلاة والسلام.
الثلاثة والعشرون عامًا التي قضاها مبلّغًا للدعوة، متحمّلًا في سبيلها ما تحمَّل من أجل أن يوصل رسالة الإسلام إلينا، عرَّض نفسه للخطر، رفض كلّ مظاهر التّرف والإسراف وغير ذلك مِن مظاهر مُتَعِ الدنيا التي عُرِضَتْ عليه من أجل أن يترك الرسالة، وما تركها؛ من أجل أن يوصلنا إلى الله جلَّ في عُلاه، هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي قَلِقَ علينا في الدنيا كثيرًا، تألَّم لحالِنا كثيرًا، يومًا ما يقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118] يبكي بكاءً عظيمًا، يبعث الله جبريل وهو أعلم بحال النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويقول اللهُ: « ياجِبْرِيلُ اذْهَبْ إلىمُحَمَّدٍ،ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ » فلمَّا جاء جبريل، وسأل النبي عليه الصلاة والسلام قال: « أُمَّتي أُمَّتِي » كانت القضية الكبرى عنده: ما الذي سيحصل لهذه الأُمَّة يوم القيامة، يعود جبريل بالخبر إلى الله جلَّ في عُلاه، والله أعلمُ بالجواب، فقال له الله: « اذْهَبْ إلىمُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوؤكَ » رواه مسلم. بأبي وأمِّي صلوات الله وسلامه عليه.
هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي قَلِقَ علينا كثيرًا يوم تأخَّر بدءَ الحساب يوم القيامة، فينطلق في المقام المحمود، واللّواء المعقود وهناك ينطرح تحت العرش؛ ليحمد الله بمحامد يكون من بعدها البدْءُ بإذن الحساب؛ تخفيفًا على هذه الأُمَّة.
هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي وقف على الصراط يقول: «اللهمَّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي» بل كان عليه الصلاة والسلام لا يفتر أبدًا عن الدعاء لهذه الأُمَّة، فكما تقدَّم معَنا أنه دعا لعائشة بأن يغفر الله لها ما تقدَّم من ذنبها وما تأخَّر، وما أسرَّت وما أعْلنت، فلمَّا فرِحَت بذلك أخبرَها بأن هذه هي دعوته لأُمَّته في كلّ صلاة، بل كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يضحي ضحَّى بشاة عن نفسه وعن أهله، وضحَّى بأخرى عن أُمَّته، بأبي وأمِّي صلوات الله وسلامه عليه.
كان عليه الصلاة والسلام يحبُّنا كثيرًا، يسأل عنا كثيرًا، يومًا ما قال لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم: « وددتُ أني لقيتُ إخواني، فقال أصحابُه: أوليسَ نحنُ إخوانَك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنُوا بي و لم يَرَوْنِي » صححه الألباني. كان عليه الصلاة والسلام يشتاق كثيرًا إلى رؤية هذه الوجوه، كم سيكون اللّقاء سعيدًا يوم القيامة إذا التقيناه ونحن على دينه متمسّكين بسُنَّته، لأجل هذا كله كان حبُّ الصحابة له حبًا مختلفًا، كانت لغة التعبير عندهم لغةٌ ربَّما لا يستطيع الكلام ولا التاريخ ولا المواقف أن تترجمها، فالدفاع والقتال والألم، بل الْتزام فوري بأوامره عليه الصلاة والسلام.
يومًا ما يخطب الناسَ ويقول: «اجلِسُوا»، ويكون داخلًا على باب المسجد عبد الله بن مسعود، وقبل أن يدخلَ المسجد يسمعه يقول: «اجلِسُوا» فيجلس على باب المسجد في الأخير، في المكان الذي سمع فيه الكلام، فلمَّا رآه النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أقبلْ عبد الله» كلُّ هذا الْتزام منه بكل كملة يقولها، يدخل أبو بكر قبله إلى الغار حتى لا يكون في الغار شيءٌ يؤذي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وفي السيرة أنَّه وجد ثقبًا فغطَّاه بشيءٍ من ثوبه، وأمَّا الثقب الآخر فاتَّكأ عليه بظهره؛ حتى لا يكون ثمَّة شيءٍ يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الغار، ينام عليه الصلاة والسلام في حِجره، ويُلْدَغُ أبو بكر، يتألَّم لا يتحرَّك، أقصى تعبير كان لألَمه دمعاتٌ خرجت من عينه، سالَت وسقطت على وِجْنَة النبي عليه الصلاة والسلام، اسْتيقظ لها فرأى ما نزل على أبي بكر، فلمَّا سأله، قال: لُدِغْتُ يا رسول الله، ولم أشأْ أني أُوقِظَك، ثمَّ إنه عليه الصلاة والسلام مسحَ عليها، ودعا لهُ فذهبت، كانوا يحبونه حبًا حقيقيًا، حتى الصغار، في يومٍ من الأيام يقف ربيعةُ بن كعب الأسْلمي، يقدِّم له الوضوء، فيقول له: « سَلْ » بعد أن وضَّأه، قال: يا رسول الله،« أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ »، لم يكن أقصى طلب أمام هذا الطفل الذي عاش في ذلك العصر أن يطلب شيئًا من مال، أو طعام، أو لباس، أو أي مُتْعةٍ يحتاجها الأطفال في ذلك الوقت، كان الهمُّ الأكبر إذا غادرنا هذه الدنيا نريد أن نكون قريبين منك يا رسول الله، قال إذًا: «فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ » رواه مسلم. هي ذات القضية التي أمرضت ثوبان مولاه، مرض مرضًا شديدًا، غاب عن مجلسه، كلُّ ذا لأنه تخيَّل في لحظة من اللَّحظات أنه إذا كان يوم القيامة، جمعَ الله الأوَّلين والآخرين، الأنبياء وكلهم في أرض المحشر، كيف سيلتقون بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى الدرجات معَ الأنبياء! هناك أخبره عليه الصلاة والسلام بأن: « المرْءُ مع مَن أحَبَّ يومَ القيامةِ » صححه الترمذي.
يقف أعرابيٌّ معَ النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: يا رسول الله؛ متى الساعة؟ قال: « قالَ ما أعددتَ لَها »؟ قال: أعدَدتُ لها حبَّ الله ورسوله قال: « المرءُ معَ من أحبَّ » صححه الألباني. قال أنس: فما فرِحَ المسلمون يومئذٍ فرحًا بعد فرحهم بالإسلام بمثل هذه الكملة، كانت هذه الكملة بمعنى أنهم سيلتقون بالحبيب مرةً أخرى يوم القيامة، كونه يحبونه حبًّا عظيمًا، كانوا يتفانون بكل ما تعني الكلمة من التفاني.
عروة بن مسعود لمَّا رأى ذلك المنظر في صلح الحديبية يتنازعون على وضوئه، يخفضون أصواتهم أمام صوته، لا يستطيعون أن يُحدّوا النظر في وجهه، أيّ حبٍّ ذلك الحب، كان الواحد منهم إذا ذُكِرَ عليه الصلاة والسلام ولو بعد حين ربَّما لا يمتلك دمعاته أمام هذا الذكر، لمَّا وقف بلالٌ رافعًا للأذان في بيت المقدس، ولمَّا وصل إلى: (أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) ما استطاع أن يكملها، ما استطاع الصحابة أن يسمعوها الكل بكى! هنا ذكريات، هنا كلمات، هنا حنان، هنا عطف، هنا مودَّة، هنا لقاء، هنا قصة إيمان، هنا قضية التعامل مختلفة كلّ الاختلاف في التعامل معَ شخص النبي عليه الصلاة والسلام، هكذا عاشوا معَه عليه الصلاة والسلام، هكذا ترجموا عن حُبِّهم للنبي عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يُعظِّم قدرَه في قلوبنا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنْب فاسْتغفروه، فيا لِفوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيّ بعده، وبعد -إخوتي في الله- أُوصيكم ونفسي بتقوى الله.
قد يكون من غاية الإساءة إلى جَنَاب النبي عليه الصلاة والسلام ألا نذكره إلا في موسمٍ ما، بطريقة ما، هو أصلًا لم يُسنَّها لنا، ولم يدلنا عليها، ولم يدع أصحابه للعمل بها، وما فعلها أصحابه أصلًا، إنَّنا اليوم عندما نتساءل عن المحبة نتساءل عن مؤشرات حقيقية عرفها مَن أحبَّه بصدق، اتباعنا للنبي عليه الصلاة والسلام عنوان حب، تعظيم حديثه، والدفاع عنه عنوان حب، تقديم كلّ شيءٍ أمره بنا على هوى النفس، ومتطلّبات هذه الحياة، تقديم أمره عنوان حب، تحقيق سُنَّته عنوان حب، تعظيم من يعظِّم سُنَّته عنوان حب، كثرة الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام عنوان حب، الدفاع عن دينه، الغيرة على دينه، التألّم لدينه عنوان حب، نشر دينه في كلّ مكان وسُنَّته في كلّ مكان، هذا هو عنوان الحب.
اليوم إذا أردنا أن نتحدَّث عن الحبّ الحقيقي يجب أن نغير طريقة تعاملنا معَ المصطفى عليه الصلاة والسلام، أقول والله بكلِّ جراءة معَ النفس، وكلّ صراحة معَ الفؤاد: الواحد منَّا اليوم ربَّما يقع في إساءات عظيمة معَ مقام النبي عليه الصلاة والسلام، فأنا أسأل سؤالًا: أليست معلوماتنا عن النبي عليه الصلاة والسلام لا تزال معلومات قليلة، ومخْتزلة، ومكرَّرة، جدّدوا هذه المعلومات، كمْ هو الوقت الذي نثْنيه أحيانًا في قراءة بعض كُتُب السُنَّة لنتأمَّل بعض أحاديثه، هل خصَّصنا شيئًا من أوقاتنا لقراءة كتابٍ في السيرة النبوية مثل «الرحيق المخْتوم» أو غيره من الكتب اليَسيرة البسيطة ذات اللّغة السهلة، هل هذا موجود ضمْن جدولنا اليومي؟ أو أنَّنا استطعنا أن نوجد أوقاتًا لأن نتواصل اجتماعيًا عبر القروبات، وعبر وسائل التواصل، ونتصل على القريب والبعيد، ونحضر المناسبات، ونعزي هذا، ونفرح معَ هذا، ونتواصل معَ كل الناس، أمَّا التواصل معَ المصطفى عليه الصلاة والسلام فهو ادّعاء في إطار ضيق جدًا.
ألسْنا اليوم بحاجة إلى أن نلْتزم سُنَّته ولو كانت سُننًا جديدة، نفعلها ولو مرة واحدة، لماذا لا نتساءل عن سُنَنٍ مهْجورة، لماذا لا نسأل بعضنا بعضًا، أو ندخل حتى على وسائل التعليم الإلكتروني الموجودة الآن ونكتب (سُنَنٌ مهجورة) كم هي السُّنَن التي هجرها الناس، فكأنّي أتقرب إلى الله باتباع سُنَّة لم أكن يومًا ما أفعلها، أليسَ هذا جزءٌ من الترجمة عن المحبة، أليسَ هذا عندما نقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة نقول: يا رسول الله، كنا نبحث عن سُنَّتك، ونتَتَبعُها، ونحرص عليها، كنَّا ندافع عنها، كنَّا نحميها، كنَّا نعضّدُ من يحميها، كنَّا نغضب ونتألّم مِمَّن يجترئُ عليها، أليسَ هذا هو الذي يجلعنا نقف موقفًا مباركًا أمام المصطفى عليه الصلاة والسلام؟
ألسْنا بحاجة إلى أن نحوّل أسرنا إلى أُسرٍ نبوية، أنا أسألكم سؤالًا: هل بيننا وبين أبنائنا درسٌ في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ ألسْنا نجتمع معهم بطرقٍ مختلفة من الاجتماع، لماذا لا نخصّص يومًا في الأسبوع نقرأ كتابًا سويًا، نتعلم قصة، نعلّق على حديث، اجعلوها بالتداول بينهم، يومًا هذه الفتاة تأتي بقصة، واليوم الابن يأتي بقصة، يومًا على مستوى الأسر الإخوة والأخوات، والأم والأب، والأسرة الأبعد، ربَّما على مستوى أصدقائنا، أو مَن نلتقي به في بعض مناسباتنا، لماذا لا تبدأ لقاءاتنا لذكْر حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؟
اللّقاء الذي يكون في نهاية الأسبوع، أو وسط الأسبوع معَ أسرنا لماذا لا نفتتحه بحديثٍ نتأمَّله قليلًا، أو قصة مؤثّرة نعيش في رحابها، لماذا لا يكون هذا هو الدَّيدن الحقيقي لترجمة الحبّ للنبي عليه الصلاة والسلام؟
اليوم إذا أراد الواحد منَّا أن يحسّن علاقته معَ الله فإنَّ تحسين العلاقة معَ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أعظم الوسائل لعُمْق العلاقة معَ الله جلَّ في عُلاه ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، اخرجوا من هنا وأنتم تحملون هذا الحب العميق لنبيّكم محمد عليه الصلاة والسلام، حبًّا ليس شكليًا، لا يُترجم في كلمة، لا يُترجم في موقف، بقدر أن يُترجمَ في منهج حياة، في اللّحظة التي يُقال لك: قال عليه الصلاة والسلام، تقول: سمعْنا وأطعْنا، لا مجال للمجادلة، أو الالْتواء على حديث وردَ عنه عليه الصلاة والسلام، فاللّحظة التي ترى مَن يلتزم بسُنَّته إذ بك تشعر بتقديره وتعظيمه وإجلاله، لا لذاتِه بلْ للسُنَّة التي ظهرت عليه؛ لأنَّ مثل هذا إنَّما تقربَ بفعْله اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، انشروا بين الناس الأحاديث، انشروا بينهم قضية حفظ حديث النبي عليه الصلاة والسلام، شجّعوا أبناءكم على أن نحفظ، على أن نتأمَّل، على أن نتدبر، مثل هذا هو إصلاحٌ حقيقيٌ في ظِل بُعْدٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة المليئة بالمُغريات.
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يتولى أمورنا، وأن يجمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم في الفردوس الأعلى من الجنة.. ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فإنَّ الله أمركم بذلك في كتابه قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونسْتهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه من خلقه وخليلُه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، فجزاه الله عنَّا خير ما جزى نبيًا عن أُمَّته وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد - فيا عباد الله -: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
إخوتي في الله: هل نحتفل، أو لا نحتفل؟ ما الذي يمنعنا من الاحتفال، أو ما الذي يدفعنا للاحتفال؟ هذه الجدلية التي تحدث في كلّ عامٍ عندما نقترب من شهر ربيع الأول، وتحديدًا في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر، فزمْرة تتحدَّث عن الاحتفال بالميلاد، أو بمولد النبي عليه الصلاة والسلام، وأخرى تعترض، وإن كنَّا قد قرَّرنا هذه المسألة كِرارًا ومِرارًا بأنه لا ثمَّة دليل، ولا مَنهجية فعلها عليه الصلاة والسلام، ولا أصحابه الكرام في مثْل هذا الأمر، إلا أنَّنا دائمًا نتسائل: لماذا يحتفل هؤلاء، ولماذا يبتدع هؤلاء؟ والجواب: أنَّ الكلّ يدّعي حبَّ النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الادّعاء الذي يحصل منَّا جميعًا في محبّته عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى برهان، وقبل هذا وذاك: لماذا نحبُّه عليه الصلاة والسلام، وأعتقد أنَّ الإجابة واضحة لدَى الجميع، منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه كونه آخر الأنبياء والمرسلين، وقدوة الخلْق أجميعن، وكونه هو الذي بعد توفيق الله له يبدأ على يده الحساب يوم القيامة، وهو أول مَن يقرعُ باب الجنَّة ويدخلها، كلُّ هذا وذاك يدفعنا لحبّ النبي عليه الصلاة والسلام.
الثلاثة والعشرون عامًا التي قضاها مبلّغًا للدعوة، متحمّلًا في سبيلها ما تحمَّل من أجل أن يوصل رسالة الإسلام إلينا، عرَّض نفسه للخطر، رفض كلّ مظاهر التّرف والإسراف وغير ذلك مِن مظاهر مُتَعِ الدنيا التي عُرِضَتْ عليه من أجل أن يترك الرسالة، وما تركها؛ من أجل أن يوصلنا إلى الله جلَّ في عُلاه، هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي قَلِقَ علينا في الدنيا كثيرًا، تألَّم لحالِنا كثيرًا، يومًا ما يقرأ قول الله تعالى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118] يبكي بكاءً عظيمًا، يبعث الله جبريل وهو أعلم بحال النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويقول اللهُ: « ياجِبْرِيلُ اذْهَبْ إلىمُحَمَّدٍ،ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ » فلمَّا جاء جبريل، وسأل النبي عليه الصلاة والسلام قال: « أُمَّتي أُمَّتِي » كانت القضية الكبرى عنده: ما الذي سيحصل لهذه الأُمَّة يوم القيامة، يعود جبريل بالخبر إلى الله جلَّ في عُلاه، والله أعلمُ بالجواب، فقال له الله: « اذْهَبْ إلىمُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوؤكَ » رواه مسلم. بأبي وأمِّي صلوات الله وسلامه عليه.
هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي قَلِقَ علينا كثيرًا يوم تأخَّر بدءَ الحساب يوم القيامة، فينطلق في المقام المحمود، واللّواء المعقود وهناك ينطرح تحت العرش؛ ليحمد الله بمحامد يكون من بعدها البدْءُ بإذن الحساب؛ تخفيفًا على هذه الأُمَّة.
هوَ هوَ عليه الصلاة والسلام الذي وقف على الصراط يقول: «اللهمَّ؛ أُمَّتِي أُمَّتِي» بل كان عليه الصلاة والسلام لا يفتر أبدًا عن الدعاء لهذه الأُمَّة، فكما تقدَّم معَنا أنه دعا لعائشة بأن يغفر الله لها ما تقدَّم من ذنبها وما تأخَّر، وما أسرَّت وما أعْلنت، فلمَّا فرِحَت بذلك أخبرَها بأن هذه هي دعوته لأُمَّته في كلّ صلاة، بل كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يضحي ضحَّى بشاة عن نفسه وعن أهله، وضحَّى بأخرى عن أُمَّته، بأبي وأمِّي صلوات الله وسلامه عليه.
كان عليه الصلاة والسلام يحبُّنا كثيرًا، يسأل عنا كثيرًا، يومًا ما قال لأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم: « وددتُ أني لقيتُ إخواني، فقال أصحابُه: أوليسَ نحنُ إخوانَك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنُوا بي و لم يَرَوْنِي » صححه الألباني. كان عليه الصلاة والسلام يشتاق كثيرًا إلى رؤية هذه الوجوه، كم سيكون اللّقاء سعيدًا يوم القيامة إذا التقيناه ونحن على دينه متمسّكين بسُنَّته، لأجل هذا كله كان حبُّ الصحابة له حبًا مختلفًا، كانت لغة التعبير عندهم لغةٌ ربَّما لا يستطيع الكلام ولا التاريخ ولا المواقف أن تترجمها، فالدفاع والقتال والألم، بل الْتزام فوري بأوامره عليه الصلاة والسلام.
يومًا ما يخطب الناسَ ويقول: «اجلِسُوا»، ويكون داخلًا على باب المسجد عبد الله بن مسعود، وقبل أن يدخلَ المسجد يسمعه يقول: «اجلِسُوا» فيجلس على باب المسجد في الأخير، في المكان الذي سمع فيه الكلام، فلمَّا رآه النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أقبلْ عبد الله» كلُّ هذا الْتزام منه بكل كملة يقولها، يدخل أبو بكر قبله إلى الغار حتى لا يكون في الغار شيءٌ يؤذي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وفي السيرة أنَّه وجد ثقبًا فغطَّاه بشيءٍ من ثوبه، وأمَّا الثقب الآخر فاتَّكأ عليه بظهره؛ حتى لا يكون ثمَّة شيءٍ يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الغار، ينام عليه الصلاة والسلام في حِجره، ويُلْدَغُ أبو بكر، يتألَّم لا يتحرَّك، أقصى تعبير كان لألَمه دمعاتٌ خرجت من عينه، سالَت وسقطت على وِجْنَة النبي عليه الصلاة والسلام، اسْتيقظ لها فرأى ما نزل على أبي بكر، فلمَّا سأله، قال: لُدِغْتُ يا رسول الله، ولم أشأْ أني أُوقِظَك، ثمَّ إنه عليه الصلاة والسلام مسحَ عليها، ودعا لهُ فذهبت، كانوا يحبونه حبًا حقيقيًا، حتى الصغار، في يومٍ من الأيام يقف ربيعةُ بن كعب الأسْلمي، يقدِّم له الوضوء، فيقول له: « سَلْ » بعد أن وضَّأه، قال: يا رسول الله،« أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ »، لم يكن أقصى طلب أمام هذا الطفل الذي عاش في ذلك العصر أن يطلب شيئًا من مال، أو طعام، أو لباس، أو أي مُتْعةٍ يحتاجها الأطفال في ذلك الوقت، كان الهمُّ الأكبر إذا غادرنا هذه الدنيا نريد أن نكون قريبين منك يا رسول الله، قال إذًا: «فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ » رواه مسلم. هي ذات القضية التي أمرضت ثوبان مولاه، مرض مرضًا شديدًا، غاب عن مجلسه، كلُّ ذا لأنه تخيَّل في لحظة من اللَّحظات أنه إذا كان يوم القيامة، جمعَ الله الأوَّلين والآخرين، الأنبياء وكلهم في أرض المحشر، كيف سيلتقون بالمصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في أعلى الدرجات معَ الأنبياء! هناك أخبره عليه الصلاة والسلام بأن: « المرْءُ مع مَن أحَبَّ يومَ القيامةِ » صححه الترمذي.
يقف أعرابيٌّ معَ النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: يا رسول الله؛ متى الساعة؟ قال: « قالَ ما أعددتَ لَها »؟ قال: أعدَدتُ لها حبَّ الله ورسوله قال: « المرءُ معَ من أحبَّ » صححه الألباني. قال أنس: فما فرِحَ المسلمون يومئذٍ فرحًا بعد فرحهم بالإسلام بمثل هذه الكملة، كانت هذه الكملة بمعنى أنهم سيلتقون بالحبيب مرةً أخرى يوم القيامة، كونه يحبونه حبًّا عظيمًا، كانوا يتفانون بكل ما تعني الكلمة من التفاني.
عروة بن مسعود لمَّا رأى ذلك المنظر في صلح الحديبية يتنازعون على وضوئه، يخفضون أصواتهم أمام صوته، لا يستطيعون أن يُحدّوا النظر في وجهه، أيّ حبٍّ ذلك الحب، كان الواحد منهم إذا ذُكِرَ عليه الصلاة والسلام ولو بعد حين ربَّما لا يمتلك دمعاته أمام هذا الذكر، لمَّا وقف بلالٌ رافعًا للأذان في بيت المقدس، ولمَّا وصل إلى: (أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) ما استطاع أن يكملها، ما استطاع الصحابة أن يسمعوها الكل بكى! هنا ذكريات، هنا كلمات، هنا حنان، هنا عطف، هنا مودَّة، هنا لقاء، هنا قصة إيمان، هنا قضية التعامل مختلفة كلّ الاختلاف في التعامل معَ شخص النبي عليه الصلاة والسلام، هكذا عاشوا معَه عليه الصلاة والسلام، هكذا ترجموا عن حُبِّهم للنبي عليه الصلاة والسلام.
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يُعظِّم قدرَه في قلوبنا، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنْب فاسْتغفروه، فيا لِفوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيّ بعده، وبعد -إخوتي في الله- أُوصيكم ونفسي بتقوى الله.
قد يكون من غاية الإساءة إلى جَنَاب النبي عليه الصلاة والسلام ألا نذكره إلا في موسمٍ ما، بطريقة ما، هو أصلًا لم يُسنَّها لنا، ولم يدلنا عليها، ولم يدع أصحابه للعمل بها، وما فعلها أصحابه أصلًا، إنَّنا اليوم عندما نتساءل عن المحبة نتساءل عن مؤشرات حقيقية عرفها مَن أحبَّه بصدق، اتباعنا للنبي عليه الصلاة والسلام عنوان حب، تعظيم حديثه، والدفاع عنه عنوان حب، تقديم كلّ شيءٍ أمره بنا على هوى النفس، ومتطلّبات هذه الحياة، تقديم أمره عنوان حب، تحقيق سُنَّته عنوان حب، تعظيم من يعظِّم سُنَّته عنوان حب، كثرة الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام عنوان حب، الدفاع عن دينه، الغيرة على دينه، التألّم لدينه عنوان حب، نشر دينه في كلّ مكان وسُنَّته في كلّ مكان، هذا هو عنوان الحب.
اليوم إذا أردنا أن نتحدَّث عن الحبّ الحقيقي يجب أن نغير طريقة تعاملنا معَ المصطفى عليه الصلاة والسلام، أقول والله بكلِّ جراءة معَ النفس، وكلّ صراحة معَ الفؤاد: الواحد منَّا اليوم ربَّما يقع في إساءات عظيمة معَ مقام النبي عليه الصلاة والسلام، فأنا أسأل سؤالًا: أليست معلوماتنا عن النبي عليه الصلاة والسلام لا تزال معلومات قليلة، ومخْتزلة، ومكرَّرة، جدّدوا هذه المعلومات، كمْ هو الوقت الذي نثْنيه أحيانًا في قراءة بعض كُتُب السُنَّة لنتأمَّل بعض أحاديثه، هل خصَّصنا شيئًا من أوقاتنا لقراءة كتابٍ في السيرة النبوية مثل «الرحيق المخْتوم» أو غيره من الكتب اليَسيرة البسيطة ذات اللّغة السهلة، هل هذا موجود ضمْن جدولنا اليومي؟ أو أنَّنا استطعنا أن نوجد أوقاتًا لأن نتواصل اجتماعيًا عبر القروبات، وعبر وسائل التواصل، ونتصل على القريب والبعيد، ونحضر المناسبات، ونعزي هذا، ونفرح معَ هذا، ونتواصل معَ كل الناس، أمَّا التواصل معَ المصطفى عليه الصلاة والسلام فهو ادّعاء في إطار ضيق جدًا.
ألسْنا اليوم بحاجة إلى أن نلْتزم سُنَّته ولو كانت سُننًا جديدة، نفعلها ولو مرة واحدة، لماذا لا نتساءل عن سُنَنٍ مهْجورة، لماذا لا نسأل بعضنا بعضًا، أو ندخل حتى على وسائل التعليم الإلكتروني الموجودة الآن ونكتب (سُنَنٌ مهجورة) كم هي السُّنَن التي هجرها الناس، فكأنّي أتقرب إلى الله باتباع سُنَّة لم أكن يومًا ما أفعلها، أليسَ هذا جزءٌ من الترجمة عن المحبة، أليسَ هذا عندما نقف بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة نقول: يا رسول الله، كنا نبحث عن سُنَّتك، ونتَتَبعُها، ونحرص عليها، كنَّا ندافع عنها، كنَّا نحميها، كنَّا نعضّدُ من يحميها، كنَّا نغضب ونتألّم مِمَّن يجترئُ عليها، أليسَ هذا هو الذي يجلعنا نقف موقفًا مباركًا أمام المصطفى عليه الصلاة والسلام؟
ألسْنا بحاجة إلى أن نحوّل أسرنا إلى أُسرٍ نبوية، أنا أسألكم سؤالًا: هل بيننا وبين أبنائنا درسٌ في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ ألسْنا نجتمع معهم بطرقٍ مختلفة من الاجتماع، لماذا لا نخصّص يومًا في الأسبوع نقرأ كتابًا سويًا، نتعلم قصة، نعلّق على حديث، اجعلوها بالتداول بينهم، يومًا هذه الفتاة تأتي بقصة، واليوم الابن يأتي بقصة، يومًا على مستوى الأسر الإخوة والأخوات، والأم والأب، والأسرة الأبعد، ربَّما على مستوى أصدقائنا، أو مَن نلتقي به في بعض مناسباتنا، لماذا لا تبدأ لقاءاتنا لذكْر حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؟
اللّقاء الذي يكون في نهاية الأسبوع، أو وسط الأسبوع معَ أسرنا لماذا لا نفتتحه بحديثٍ نتأمَّله قليلًا، أو قصة مؤثّرة نعيش في رحابها، لماذا لا يكون هذا هو الدَّيدن الحقيقي لترجمة الحبّ للنبي عليه الصلاة والسلام؟
اليوم إذا أراد الواحد منَّا أن يحسّن علاقته معَ الله فإنَّ تحسين العلاقة معَ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أعظم الوسائل لعُمْق العلاقة معَ الله جلَّ في عُلاه ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، اخرجوا من هنا وأنتم تحملون هذا الحب العميق لنبيّكم محمد عليه الصلاة والسلام، حبًّا ليس شكليًا، لا يُترجم في كلمة، لا يُترجم في موقف، بقدر أن يُترجمَ في منهج حياة، في اللّحظة التي يُقال لك: قال عليه الصلاة والسلام، تقول: سمعْنا وأطعْنا، لا مجال للمجادلة، أو الالْتواء على حديث وردَ عنه عليه الصلاة والسلام، فاللّحظة التي ترى مَن يلتزم بسُنَّته إذ بك تشعر بتقديره وتعظيمه وإجلاله، لا لذاتِه بلْ للسُنَّة التي ظهرت عليه؛ لأنَّ مثل هذا إنَّما تقربَ بفعْله اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام، انشروا بين الناس الأحاديث، انشروا بينهم قضية حفظ حديث النبي عليه الصلاة والسلام، شجّعوا أبناءكم على أن نحفظ، على أن نتأمَّل، على أن نتدبر، مثل هذا هو إصلاحٌ حقيقيٌ في ظِل بُعْدٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة المليئة بالمُغريات.
أسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يتولى أمورنا، وأن يجمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضي الله عنهم في الفردوس الأعلى من الجنة.. ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير فإنَّ الله أمركم بذلك في كتابه قائلًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].