حكاية ناي ♔
12-03-2024, 06:22 PM
إِنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ - عز وجل - فعَظِّمُوا اللهَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَخَافُوهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَرَاقِبُوهُ، وَتَفَكَّرُوا فِي وُقُوفِكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].
عباد الله: إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمٍ أن يَعْبُدَ الله على نورٍ وبصيرةٍ، وأنْ يَتَعَلَّمَ أُمُورَ دِينِهِ، وقَدْ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم لفضل ذلك بقوله: « مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدين »، ألا إن من المسائِلِ الشَّرْعِيَّةِ التي يَحْتَاجُ المسلمُ أن يتعلَّمَهَا، وَيَفْقَهَ أَحْكَامَهَا هِيَ: مَسْأَلَةُ المسحِ على الخفين، وحَدِيثِي مَعَكُمُ اليومَ عن هذا الموضوعِ، وقد لخصته في خمسِ مسائلَ مُوجَزَةٍ:
أما المسألة الأولى: فأعلموا أن المسحَ على الخُفَّيْنِ سُنَّةٌ ورُخْصَةٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رَوَى ذَلِكَ أكثرُ من سبعينَ صَحَابِياً.
ففي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ بنِ عبدِ الله البُجَلِيِّ -رضي الله عنه- قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، وأَجْمَعَ المسلمونَ على جَوَازِ المسْحِ على الخُفَّيْنِ لحَاجَةٍ أو لغيرِ حاجةٍ إذا لُبِسَا على طَهَارَةٍ.
أما المسألة الثانية: فمَنْ أَرَادَ المسحَ على الخفينِ فلا بُدَّ من تحقِيقِهِ لشروطِ المسحِ، وهي كما يلي:
أولًا: لبْسُهُمَا على طَهَارَةٍ: ومعنى ذلك أن يَلْبسَهُمَا بعدَ وُضُوءٍ كاملٍ، وهنا مسألةٌ قد يغفل عنها البعض، وهي أن هناك من يغسِلُ رجلَهُ اليمنَى ثم يَلْبسُ الجَوْرَبَ، ثُمَّ يغسِلُ رجلَهُ اليسرى، ثم يَلْبسُ الجوربَ الآَخَرَ، وهذا أمرٌ مَرْجُوحٌ؛ لأنه في الحقيقةِ لم يتحقَّقْ لُبْسُهُما على طهارةٍ، قال العلامةُ ابن بازٍ رحمه الله: (لا يجوزُ للمسلمِ أن يمسحَ على الْخُفَّيْنِ إلا إذا كان قد لَبِسَهُمَا بعد كمالِ الطهارةِ، والذي أَدْخَلَ الخُفَّ أو الجَوْرَبَ برجلِهِ اليُمْنَى قبل غَسْلِ رِجْلِهِ اليسرَى لم تَكْتَمِلْ طَهَارَتُهُ).
ثانيًا: من شُرُوطِ المسحِ: أَنْ تَكُونَ الخِفَافُ أو الجَوَارِبُ طَاهِرَةً في ذاتها، فَإِن كانَتْ نَجِسَةً فَلا يَجُوزُ المسْحُ عَلَيْهِمَا.
ثالثًا: مِن شُرُوطِ المسحِ أن يَكُونَ خِلَالَ المدةِ التي حدَّدَهَا الشرع، وَهِيَ كَمَا تَعْلَمُون يَوْمٌ ولَيْلَةٌ للمقيم، وثلاثة أيامٍ ولياليهن للمسافر، قال علي رضي الله عنه: (جَعَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أيامٍ وليالِيهِنَّ للمسافرِ ويومًا وليلةً للمقيم).
ومن المسائلِ التي يَحْسُنُ التنبيهُ عليها أَنَّ مَنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ، ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وهو الراجحُ من أقوالِ أهل العلم، وإِذَا شَكَّ شَخْصٌ في ابتداءِ مُدَّةِ المسحِ ووَقْتِهِ؛ فَإِنَّ الصوابَ أَنْ يَبْنِيَ على اليقين، فَمَثَلًا لو شكَّ هل مَسَحَ لِصَلَاةِ الظهرِ أو لِصَلَاةِ العَصْرِ، فَإِنَّهُ يجعلُ ابتداءَ المدةِ من صَلَاةِ العَصْرِ؛ لأن الأصلَ عدمُ المسحِ، وهو بقاء ما كان على ما كان.
رابعًا: من شُرُوطِ صِحَّةِ المسحِ أن يكون المسحُ في الحدثِ الأصغرِ، وليسَ فيما يُوجِبُ الغسلَ لِمَا ثَبَتَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ».
خامسًا: من شروط المسح أن تكون الجواربُ ساترةً للمفروض، ومعنى ذلك أن تكونَ ساترةً للكعبين، فإن لم تكن كذلك فلا يجوزُ المسح عليهما، وألا تكون شفافة رقيقة، ويجوزُ المسحُ على الجورب المخروقِ إذا كان الخرق يسيراً.
أما المسألةُ الثالثةُ: فما هي طريقة المسح على الخفين؟ ومتى يبدأ حساب مدة المسح؟ أما كيفية المسح: فإذا وصل المتَوَضِّئُ إلى قدميه وعليهما الجوربين، وقد أدخلهما على وضوء كما مر معنا، فإنه يبلل يده بالماء، ويمسح بيده على ظاهر قدمه من أطراف أصابع الرجلين إلى بداية ساقه فقط، ويكون المسح باليدين معاً على الرجلين جميعًا. وأما متى يبدأ حساب مدة المسح: فهي من أول مسحٍ بعد الحدث، وليس من أول وقتِ لُبْسِ الجوربِ كما يظُنُّ البعض، وهذه مسألةٌ مهمةٌ فَلْيُنْتَبَهْ لهذا الأمر. وأضربُ مِثَالًا لتوضيح المسالة: لو أنَّ أَحَدَكُمْ لَبِسَ الْجَوْرَبَ لِصَلاةِ الفجرِ من هذا اليومِ بعد أن أتم الوضوء، ثم أَحدَثَ وتوضأَ في الساعة العاشرة، فيكون ابتدَأَ مدة مسحِهِ من الساعةِ العاشرةِ من صباحِ هذا اليومِ إلى الساعةِ العاشرةِ من صباحِ يومِ السبتِ، فإذا تمَّتِ المدةُ خلعهما، ووجب عليه غسل رجليه إذا توضأ.
أما المسألة الرابعة: فهي عن مبطلات المسح على الخفين وهي:
أولًا: انتهاء المدة، فإذا انتهت مدةُ المسحِ فلا يمسحْ عليهما حتى يَخْلَعَهُمَا، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ويغسل قدميه، ثم يلبسهما.
ثانيًا: إذا نزع الجوربين أو أحدهما بطل المسح، فَمَنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ لاستِبْدَالِهِمَا، أو لأي غرضٍ مثلًا، فإنه لا يعيدهما إن أراد المسحَ عليهما إلا بعدَ وُضُوءٍ جديدٍ.
وهنا مسالةٌ يَحْسُنُ التنبيهُ عليها، وهي إذا خلع شخصٌ الجوربَ، وهو لا زالَ على طهارته، وقد مسح عليه، فإن وضوءه لا ينتقض، وهو الراجحُ من أقوالِ أهل العلمِ، بمعنَى أن المسحَ هو الذي يبطلُ، أما الطهارة فإِنَّهَا باقيةٌ ما لم يحدُثْ منه ناقضٌ من نواقض الوضوء المعروفة، ولا دليل على أن خلع الممسوحَ من الخفافِ أو الجَوَارِبِ ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءُهُ باقيًا، ولكن لو أعاد الخف بعد ذلك، وأراد أن يمسح عليه مستقبلًا فلا يجوز حتى يتوضأ وضوءًا كاملًا مع غسل القدمين.
ثالثًا: من مُبْطِلَاتِ المسحِ حصولُ الحدثِ الأكبرِ. هذه مُبْطِلَاتُ المسحِ سردتها لكم باختصارٍ خَشْيَةَ الإِطَالَةِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ!
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ الله: منَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالمسْحِ على الْخُفَّيْنِ هي مسألةُ المسحِ على الْجَبِيرَةِ، فَيَجُوزُ المسحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، حَتَّى إِنْ وُضِعَتْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فإذا وُجِدَ جُرْحٌ في أَحَدِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جَازَ لِلْمُسْلِمِ المسْحُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ والأَكْبَرِ حَتَّى يَبْرَأَ. أَمَّا صِفَةُ المسحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ: فهِيَ أَنْ يُبَلِّلَ يَدَهُ بالماءِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَى الجَبِيرَةِ كَامِلَةً مِنَ الأَعْلَى والأَسْفَلِ مِمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى أَعْضَاءِ الوُضُوءِ، وَمَنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْغَسْلَ ولَا المْسَحْ فَهُنَا يَلْجَأُ مَنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ إِلَى التَّيَمُّم،ِ وَمَنْ أَجْرَى عَمَلِيَّةً فِي عَيْنِهِ، وَوَضَعَ عَلْيهَا لَاصِقًا أوْ شَاشًا أو نحوه، فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَمَسْحُ مَحَلِّ الْعَيْنِ فَقَطْ، عِبَادَ اللهِ: هَذَا مَا يَسَّرَ الله جَمْعَهُ مِنْ المَسَائلِ المُتَعَلِّقَةِ بالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ، وَتَرَكْتُ مَزِيدًا مِنَ التَّفْصِيلِ خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ، والله أَسْاَلُ أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا، وَهُدًى وَتُقًى.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الخْلَقْ ِوَسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ العَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُوْلِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ - عز وجل - فعَظِّمُوا اللهَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَخَافُوهُ - جَلَّ وَعَلَا - وَرَاقِبُوهُ، وَتَفَكَّرُوا فِي وُقُوفِكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].
عباد الله: إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمٍ أن يَعْبُدَ الله على نورٍ وبصيرةٍ، وأنْ يَتَعَلَّمَ أُمُورَ دِينِهِ، وقَدْ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم لفضل ذلك بقوله: « مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدين »، ألا إن من المسائِلِ الشَّرْعِيَّةِ التي يَحْتَاجُ المسلمُ أن يتعلَّمَهَا، وَيَفْقَهَ أَحْكَامَهَا هِيَ: مَسْأَلَةُ المسحِ على الخفين، وحَدِيثِي مَعَكُمُ اليومَ عن هذا الموضوعِ، وقد لخصته في خمسِ مسائلَ مُوجَزَةٍ:
أما المسألة الأولى: فأعلموا أن المسحَ على الخُفَّيْنِ سُنَّةٌ ورُخْصَةٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رَوَى ذَلِكَ أكثرُ من سبعينَ صَحَابِياً.
ففي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ بنِ عبدِ الله البُجَلِيِّ -رضي الله عنه- قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، وأَجْمَعَ المسلمونَ على جَوَازِ المسْحِ على الخُفَّيْنِ لحَاجَةٍ أو لغيرِ حاجةٍ إذا لُبِسَا على طَهَارَةٍ.
أما المسألة الثانية: فمَنْ أَرَادَ المسحَ على الخفينِ فلا بُدَّ من تحقِيقِهِ لشروطِ المسحِ، وهي كما يلي:
أولًا: لبْسُهُمَا على طَهَارَةٍ: ومعنى ذلك أن يَلْبسَهُمَا بعدَ وُضُوءٍ كاملٍ، وهنا مسألةٌ قد يغفل عنها البعض، وهي أن هناك من يغسِلُ رجلَهُ اليمنَى ثم يَلْبسُ الجَوْرَبَ، ثُمَّ يغسِلُ رجلَهُ اليسرى، ثم يَلْبسُ الجوربَ الآَخَرَ، وهذا أمرٌ مَرْجُوحٌ؛ لأنه في الحقيقةِ لم يتحقَّقْ لُبْسُهُما على طهارةٍ، قال العلامةُ ابن بازٍ رحمه الله: (لا يجوزُ للمسلمِ أن يمسحَ على الْخُفَّيْنِ إلا إذا كان قد لَبِسَهُمَا بعد كمالِ الطهارةِ، والذي أَدْخَلَ الخُفَّ أو الجَوْرَبَ برجلِهِ اليُمْنَى قبل غَسْلِ رِجْلِهِ اليسرَى لم تَكْتَمِلْ طَهَارَتُهُ).
ثانيًا: من شُرُوطِ المسحِ: أَنْ تَكُونَ الخِفَافُ أو الجَوَارِبُ طَاهِرَةً في ذاتها، فَإِن كانَتْ نَجِسَةً فَلا يَجُوزُ المسْحُ عَلَيْهِمَا.
ثالثًا: مِن شُرُوطِ المسحِ أن يَكُونَ خِلَالَ المدةِ التي حدَّدَهَا الشرع، وَهِيَ كَمَا تَعْلَمُون يَوْمٌ ولَيْلَةٌ للمقيم، وثلاثة أيامٍ ولياليهن للمسافر، قال علي رضي الله عنه: (جَعَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أيامٍ وليالِيهِنَّ للمسافرِ ويومًا وليلةً للمقيم).
ومن المسائلِ التي يَحْسُنُ التنبيهُ عليها أَنَّ مَنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ، ومَنْ مَسَحَ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وهو الراجحُ من أقوالِ أهل العلم، وإِذَا شَكَّ شَخْصٌ في ابتداءِ مُدَّةِ المسحِ ووَقْتِهِ؛ فَإِنَّ الصوابَ أَنْ يَبْنِيَ على اليقين، فَمَثَلًا لو شكَّ هل مَسَحَ لِصَلَاةِ الظهرِ أو لِصَلَاةِ العَصْرِ، فَإِنَّهُ يجعلُ ابتداءَ المدةِ من صَلَاةِ العَصْرِ؛ لأن الأصلَ عدمُ المسحِ، وهو بقاء ما كان على ما كان.
رابعًا: من شُرُوطِ صِحَّةِ المسحِ أن يكون المسحُ في الحدثِ الأصغرِ، وليسَ فيما يُوجِبُ الغسلَ لِمَا ثَبَتَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ».
خامسًا: من شروط المسح أن تكون الجواربُ ساترةً للمفروض، ومعنى ذلك أن تكونَ ساترةً للكعبين، فإن لم تكن كذلك فلا يجوزُ المسح عليهما، وألا تكون شفافة رقيقة، ويجوزُ المسحُ على الجورب المخروقِ إذا كان الخرق يسيراً.
أما المسألةُ الثالثةُ: فما هي طريقة المسح على الخفين؟ ومتى يبدأ حساب مدة المسح؟ أما كيفية المسح: فإذا وصل المتَوَضِّئُ إلى قدميه وعليهما الجوربين، وقد أدخلهما على وضوء كما مر معنا، فإنه يبلل يده بالماء، ويمسح بيده على ظاهر قدمه من أطراف أصابع الرجلين إلى بداية ساقه فقط، ويكون المسح باليدين معاً على الرجلين جميعًا. وأما متى يبدأ حساب مدة المسح: فهي من أول مسحٍ بعد الحدث، وليس من أول وقتِ لُبْسِ الجوربِ كما يظُنُّ البعض، وهذه مسألةٌ مهمةٌ فَلْيُنْتَبَهْ لهذا الأمر. وأضربُ مِثَالًا لتوضيح المسالة: لو أنَّ أَحَدَكُمْ لَبِسَ الْجَوْرَبَ لِصَلاةِ الفجرِ من هذا اليومِ بعد أن أتم الوضوء، ثم أَحدَثَ وتوضأَ في الساعة العاشرة، فيكون ابتدَأَ مدة مسحِهِ من الساعةِ العاشرةِ من صباحِ هذا اليومِ إلى الساعةِ العاشرةِ من صباحِ يومِ السبتِ، فإذا تمَّتِ المدةُ خلعهما، ووجب عليه غسل رجليه إذا توضأ.
أما المسألة الرابعة: فهي عن مبطلات المسح على الخفين وهي:
أولًا: انتهاء المدة، فإذا انتهت مدةُ المسحِ فلا يمسحْ عليهما حتى يَخْلَعَهُمَا، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ويغسل قدميه، ثم يلبسهما.
ثانيًا: إذا نزع الجوربين أو أحدهما بطل المسح، فَمَنْ نَزَعَ خُفَّيْهِ لاستِبْدَالِهِمَا، أو لأي غرضٍ مثلًا، فإنه لا يعيدهما إن أراد المسحَ عليهما إلا بعدَ وُضُوءٍ جديدٍ.
وهنا مسالةٌ يَحْسُنُ التنبيهُ عليها، وهي إذا خلع شخصٌ الجوربَ، وهو لا زالَ على طهارته، وقد مسح عليه، فإن وضوءه لا ينتقض، وهو الراجحُ من أقوالِ أهل العلمِ، بمعنَى أن المسحَ هو الذي يبطلُ، أما الطهارة فإِنَّهَا باقيةٌ ما لم يحدُثْ منه ناقضٌ من نواقض الوضوء المعروفة، ولا دليل على أن خلع الممسوحَ من الخفافِ أو الجَوَارِبِ ينقض الوضوء، وعلى هذا فيكون وضوءُهُ باقيًا، ولكن لو أعاد الخف بعد ذلك، وأراد أن يمسح عليه مستقبلًا فلا يجوز حتى يتوضأ وضوءًا كاملًا مع غسل القدمين.
ثالثًا: من مُبْطِلَاتِ المسحِ حصولُ الحدثِ الأكبرِ. هذه مُبْطِلَاتُ المسحِ سردتها لكم باختصارٍ خَشْيَةَ الإِطَالَةِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ!
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، فَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ الله: منَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بالمسْحِ على الْخُفَّيْنِ هي مسألةُ المسحِ على الْجَبِيرَةِ، فَيَجُوزُ المسحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، حَتَّى إِنْ وُضِعَتْ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فإذا وُجِدَ جُرْحٌ في أَحَدِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جَازَ لِلْمُسْلِمِ المسْحُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ والأَكْبَرِ حَتَّى يَبْرَأَ. أَمَّا صِفَةُ المسحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ: فهِيَ أَنْ يُبَلِّلَ يَدَهُ بالماءِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَى الجَبِيرَةِ كَامِلَةً مِنَ الأَعْلَى والأَسْفَلِ مِمَّا كَانَ مِنْهَا عَلَى أَعْضَاءِ الوُضُوءِ، وَمَنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْغَسْلَ ولَا المْسَحْ فَهُنَا يَلْجَأُ مَنْ يُرِيدُ الطَّهَارَةَ إِلَى التَّيَمُّم،ِ وَمَنْ أَجْرَى عَمَلِيَّةً فِي عَيْنِهِ، وَوَضَعَ عَلْيهَا لَاصِقًا أوْ شَاشًا أو نحوه، فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَمَسْحُ مَحَلِّ الْعَيْنِ فَقَطْ، عِبَادَ اللهِ: هَذَا مَا يَسَّرَ الله جَمْعَهُ مِنْ المَسَائلِ المُتَعَلِّقَةِ بالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ، وَتَرَكْتُ مَزِيدًا مِنَ التَّفْصِيلِ خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ، والله أَسْاَلُ أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا، وَهُدًى وَتُقًى.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الخْلَقْ ِوَسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ العَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُوْلِكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.