قرة العين في بر الوالدين (خطبة) - منتديات احساس ناي

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ فَعِاليَآت احساس ناي ) ~
                             


عدد مرات النقر : 349
عدد  مرات الظهور : 9,576,156
عدد مرات النقر : 329
عدد  مرات الظهور : 9,576,153
عدد مرات النقر : 223
عدد  مرات الظهور : 9,576,192
عدد مرات النقر : 176
عدد  مرات الظهور : 9,576,192
عدد مرات النقر : 324
عدد  مرات الظهور : 9,576,192

عدد مرات النقر : 23
عدد  مرات الظهور : 3,094,311

عدد مرات النقر : 47
عدد  مرات الظهور : 3,088,900

عدد مرات النقر : 20
عدد  مرات الظهور : 3,089,424


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-10-2023, 09:23 AM
حكاية ناي ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
Awards Showcase
 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » يوم أمس (08:15 PM)
آبدآعاتي » 3,719,868
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة : 2253
الاعجابات المُرسلة » 791
مَزآجِي   :  08
?? ??? ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
 آوسِمتي »
 
افتراضي قرة العين في بر الوالدين (خطبة)

Facebook Twitter


الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هدى بإذن ربه القلوب الحائرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه نجوم الدجى والبدور السافرة، والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، لو لم يرد في دين الله عز وجل الأمر ببر الوالدين، لكانت المروءة الإنسانية والفطرة البشرية داعية إلى البر بهما، وموجبة ذلك لهما؛ قال الإمام ابن الجوزي (رحمه الله): غير خافٍ على عاقلٍ لزومُ حق المنعم، ولا منعم بعد الحق سبحانه على العبد كالوالدين؛ فقد حمَلَتِ الأم بحمله أثقالًا كثيرةً، ولقيت وقت وضعه مزعجاتٍ مثيرةً، وبالغت في تربيته وسهِرَت في مداراته، وأعرضت عن جميع شهواتها لمرادته، وقدَّمته على نفسها في كل حال وقد ضم الوالدُ إلى تسبُّبه في إيجاده ومحبته بعد وجوده وشفقته في تربيته الكسبَ له والإنفاق عليه، والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخسِّ صفاته، فإذا أضاف إلى جحد الحق المقابلةَ بسوء الأدب، دل على خبث الطبع ولؤم الوَضْع وسوء المنقلب، وليعلم البارُّ بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يفِ بشكرهما؛ (كتاب البر والصلة - لابن الجوزي).

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، البر معناه: الإحسانُ والخير والعطاء. وهو اسم جامع لكل معاني الخير.

- البَرُّ مِن أسماء الله الحسنى: قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]، الْبَر: أي المحسِنُ إلى عباده.
معنى بر الوالدين: بر الوالدين: الإحسانُ إلى الوالدين بالقول والفعل؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى.

وسُئل الحسن البصري رحمه الله: ما بر الوالدين؟ قال: (أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلا أن يكون معصية).

أيها الأحبة في الله، إن من له أدنى علاقة بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلحظ ذلك الكم الهائل من نصوص القرآن والسنة التي تحث على بر الوالدين، وتنهى عن عقوقهما، وليس المقام مقام حصر واستيفاء، وإنما الغرض الإشارة إلى طرف من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تذكر وتؤكد هذا الحق العظيم، لعلها تكون موقظة عند من ابتلي بكبيرة العقوق.

كثيرًا ما يقرن الله - عز وجل - الأمر بطاعة الوالدين بعبادته - سبحانه وتعالى - كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وكما في قوله: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

وفي هذا الاقتران ما يدل على تعظيم شأن بر الوالدين، بل كثيرًا ما يوصي الله عز وجل بالإحسان إلى الوالدين؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، وقوله سبحانه: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].

بل قرن الله - عز وجل - في كتابه الكريم شكر الوالدين بشكره سبحانه، فقال - عز وجل -: ﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فأمر الله تعالى الولد بشكر الوالدين، وقرن شكرهما بشكره سبحانه، وهذا والله غاية عظيمة في الوصاية بالوالدين.

بل إن شريعتنا الإسلامية المباركة لا تهمل الإحسان إلى الوالدين، ولو كانا كافرين، فضلًا عن الوالدين العاصيين ولقد حثنا القرآن العظيم بأسلوب رائع بليغ على بر الوالدين، وإن كانا مشركينِ؛ عسى أن تكون هذه المعاملة الطيبة سببًا في هدايتهما.

قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

وأما ما جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحثِّ على بر الوالدين، فهو كثيرٌ، من ذلك: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر - أحدهما أو كلاهما - فلم يدخل الجنة"؛ أي: رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر، فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة، بل عقهما وفعل معهما ما يوجب تعذيبه، وما يوجب سخط الله - تبارك وتعالى - وغضبه عليه.

وروى الشيخانِ عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على ميقاتها))،قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم برُّ الوالدينِ))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ (البخاري مسلم).

وروى مسلمٌ عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: أقبل رجلٌ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجرَ من الله، قال: ((فهل مِن والديك أحَدٌ حيٌّ؟))، قال: نعم بل كلاهما قال: ((فتبتغي الأجرَ من الله؟))، قال: نعم قال: ((فارجع إلى والديك فأحسِنْ صحبتَهما))؛ (مسلم).

وروى الشيخان عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: ((أحيٌّ والداك؟))، قال: نعم قال: ((ففيهما فجاهِدْ))؛ (البخاري مسلم).

قال الإمام ابن حجر العسقلاني - تعليقًا على هذا الحديث -: يحرُمُ الجهادُ إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمينِ؛ لأن برَّهما فرض عين عليه، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعيَّن الجهادُ فلا إذنَ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني).

وروى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريَه فيُعتقَه))؛ (مسلم)، قوله: (لا يجزي)؛ أي: لا يكافئ. قوله: (ولدٌ والده)؛ أي: إحسانَ والدِه.
- قوله: (إلا أن يجده)؛ أي: يصادف والده مملوكًا لرجلٍ آخر.
- قوله: (فيعتقه) معناه: يجعله حرًّا بالشراء.

وروى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن اليمن، فقال: ((هل لك أحد باليَمن؟))، قال: أبواي قال: ((أَذِنا لك؟))، قال: لا، قال: ((ارجِعْ إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهِدْ، وإلا فبَرَّهما))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني).

روى ابن ماجه عن جابر بن عبدالله أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: ((أنتَ ومالُك لأبيك))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني).

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بحُسن صَحابتي؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((ثم أبوك))؛ (البخاري ومسلم).

وروى ابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثًا، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقربِ فالأقرب))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه - للألباني).
قوله: (ثلاثًا)؛ أي: كرره ثلاث مرات لمزيد التأكيد.

فضائل بر الوالدين أيها الكرمــاء الأجلاء:
لــبــر الــوالدين من الفضائل الكثير والكثير؛ أذكر منها أن: بر الوالدين من صفات الأنبياء: قال تعالى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]، وقال سبحانه عن عيسى ابن مريم: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32].

بر الوالدين بركة في العمر وسَعة في الرزق: روى مسلم عن أنس بن مالكٍ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن سَرَّه أن يبسط عليه رزقه، أو يُنسَأ في أثره، فليصِلْ رحمه))؛ (مسلم).
- (يُنسَأ)؛ أي: يؤخَّر.
- (أثره)؛ أي: أجَله
- (يبسط عليه رزقه) بسطُ الرزق: توسيعُه وكثرته وقيل: البركة فيه.
-قال الإمام النووي (رحمه الله): وأما التأخير في الأجل، ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تَزيد ولا تنقص؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].

وأجاب العلماء بأجوبةٍ الصحيح منها: الأول: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ، ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنةً إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله تعالى ما سيقع له من ذلك، وهو مِن معنى قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39]، فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين يتصور الزيادة، وهو مراد الحديث.

والثالث: أن المرادَ بقاءُ ذِكره الجميل بعده، فكأنه لم يمُتْ؛ (مسلم بشرح النووي).
أيها المسلمون، إن مِن أعظم بركات بر الوالدين أنه سبب في تفـريج الكربات وإجابة الدعوات، فقد روى البُخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْهُما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم، فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا).
فانظر كيف كان البر سببا في تفريج الكربة وانفراج الصخرة.

وروى مسلم عن أسير بن جابرٍ قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامرٍ؟ حتى أتى على أويسٍ، فقال: أنت أويس بن عامرٍ؟ قال: نعم قال: من مرادٍ ثم من قرنٍ؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهمٍ؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامرٍ مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ، ثم من قرنٍ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهمٍ، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل))، فاستغفِرْ لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبُّ إليَّ؛ (مسلم).
- قوله: (أمداد أهل اليمن) هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو؛ (مسلم بشرح النووي).
- غبراء الناس: فقراء الناس الذين لا يَنتبه إليهم أحدٌ.

تأمل - أخي المسلم الكريم - كيف كان بر الوالدين سببًا في جعل أويس بن عامرٍ القرني مجابَ الدعوة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه رضي الله عنهم أن يطلبوا من أويس أن يستغفرَ لهم.

بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة: هل علمت أيها العاقل: أن بر الوالدين أقرب طريق إلى الجنة؟! وليس هذا من عندي، بل هو من كلام رسولنا صلى الله عليه وسلم، فاسمع، وتدبَّر!

عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال: قلت: يا نبي الله، أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟! قال: «الصلاة على مواقيتها»، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»؛ [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].

وروى البخاري (في الأدب المفرد) عن طيسلة بن مياسٍ، قال: قال لي ابن عمر: أتفرَقُ النارَ وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله، قال: أحيٌّ والدُك؟ قلت: عندي أمي، قال: فوالله لو ألَنْتَ لها الكلام، وأطعَمْتَها الطعام، لتدخلن الجنةَ ما اجتنبتَ الكبائر؛ (صحيح) (صحيح الأدب المفرد - للألباني).

رضا الوالدين سبب في رضا الله تعالى: ما أعظمها من غنيمة أن يفوز البار لوالديه برضا الله تعالى، وإذا رضي الله تعالى عن عبد من عباده ؛ أسعده في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد»؛ [رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني].

قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني، مَن أرضى والديه فقد أرضى الرحمنَ، ومن أسخَطهما فقد أسخَط الرحمنَ؛ (بر الوالدين - لأبي بكر الطرطوشي).

بر الوالدين يوصل إلى الله تعالى: تتفاوت الأعمال الصالحة بتفاوت درجاتها وفضلها، ولكن كلها تقرب إلى الله تعالى، إلا أن بر الوالدين طريق قصير لبلوغ قرب الله تعالى؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله من بر الوالدة).

بر الوالدين سبب في غفران الذنوب: ويدلك على ذلك؛ هذه القصة: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟»، قال: لا, قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم, قال: «فبرَّها»؛ [رواه الترمذي – واللفظ له – وابن حبان والحاكم/ صحيح الترغيب للألباني].

صُوَر مشرقة
أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، هناك الكثير من النماذج المشرقة في بر الوالدين، وسوف نذكر بعضًا منها؛ لتكون نبراسًا يسير عليه أبناؤنا في كل مكان.

إبراهيم عليه السلام: ذكَر لنا الله تبارك وتعالى مثالًا رائعًا في معاملة الوالدِ الكافر؛ فهذا إبراهيم عليه السلام يدعو أباه الكافرَ إلى الإيمان بالله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا *يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 45].

أخي الكريم، إذا كانت هذه هي معاملة الوالد الكافر، فكيف تكون معاملة العصاة من الوالدين؟! فليتدبَّر كلٌّ منا هذا النموذج الرائع في بر الوالدين ونضعه أمام أعيننا، ولنتَّقِ اللهَ في آبائنا.

إسماعيل صلى الله عليه وسلم مع أبيه إبراهيمَ عليه السلام: قال الله تعالى عن إبراهيم: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

رَسُول اللَّهِ ﷺ وهذه صور من بر النبي:
أيها المسلمون: لم ينسَ النبي صلي الله عليه وسلم أمه التي ولدته أو أرضعته ورعته إذ أنه أبر خلق الله عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى مَن حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور فإنها تذكِّر بالموت.

ثانيًا: حليمة بنت أبي ذؤيب، الكل يعرف مرضعة رسول الله حليمة السعدية:
صور من بره بها: جاءت حليمة لزيارة ولدها من الرضاعة بعد أن تزوج النبي من خديجة رضي الله عنها وأرضاها، فأكرمت خديجة وفادتها، فأعطتها أربعين شاة وبعيرًا؛ الطبقات الكبرى لأبن سعد.

- وفي يوم آخر تذهب لزيارة النبي صلي الله علية وسلم، وما أن رآها حتى خلع رداءه وبسطه تحتها، فتعجب الصحابة الذين لا يعرفونها، فسأل واحد منهم وقال لمن حوله: من هذه؟ فقالوا أمه التي أرضعته؛ الطبراني ورجاله ثقات.

ثالثًا: ثويبة مولاة أبي لهب: هي أول من أرضع النبي صلى الله عليه وسلم، واجتمع على ثديها هو وعمه حمزة بن عبدالمطلب.

صور من بره بها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها وهو في مكة قبل الهجرة حتى توفيت في العام السابع بعد غزوة خيبر، ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا سأل عن ابنها مسروح، فقيل له: لقد مات قبلها، ولم يبقَ من قرابتها أحد.

رابعًا: فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب: لما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى كفالة عمه أبي طالب، قامت فاطمة بنت أسد برعاية النبي صلي الله عليه وسلم، فلم ينسَ لها هذا الفضل.

صور من بره بها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: لَما ماتت فاطمة أم على بن أبي طالب، خلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه وألبسه إياها، واضطجع في قبرها، فلما سوى عليها التراب قال بعضهم: يا رسول الله، رأيناك صنعت شيئًا لم تصنعه بأحد، فقال: ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت معها في قبرها؛ ليخفَّف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت من أحسن خلق الله إليَّ صنيعًا بعد أبي طالب؛ الطبراني في الأوسط.

خامسًا: بركة الحبشية أم أيمن: كانت أمة عند عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انتقلت إلى خدمة النبي وكفلته بعد وفاة أمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حقها: أم أيمن أمي بعد أمي.

صور من بره بها: قام النبي بعتقها بعد زواجه من خديجة، وزوَّجها من مولاه زيد بن حارثة، فأنجبت أسامة بن زيد بن حارثة، وكان يسمى (الحِب بن الحب)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويُكرمه من أجل أمه وأبيه.

أيها المسلمون، وعلى هذا سار سلف الأمة، وضربوا أروع الأمثلة في ذلك، وإليك طرفًا من برهم:
أبو هريرة: روى البخاري (في الأدب المفرد) عن أبي حازمٍ: أن أبا مرة مولى أم هانئ ابنة أبي طالبٍ أخبره: أنه ركب مع أبي هريرة إلى أرضه بالعقيق، فإذا دخل أرضه صاح بأعلى صوته: عليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمتاه، تقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، يقول: رحمكِ الله، ربيتِني صغيرًا، فتقول: يا بني، وأنت فجزاك الله خيرًا، ورضي عنك، كما برَرْتَني كبيرًا؛ (صحيح الأدب المفرد للألباني).

- قال محمد بن سيرين: كنا عند أبي هريرة ليلةً، فقال: اللهم اغفر لأبي هريرة، ولأمي، ولمن استغفر لهما، قال لي محمد: فنحن نستغفر لهما حتى ندخل في دعوة أبي هريرة؛ (صحيح الأدب المفرد - للألباني).

أسامة بن زيد: كانت النخلة تبلغ بالمدينة ألفًا، فعمَد أسامة بن زيدٍ إلى نخلةٍ فقطعها من أجل جمارها، فقيل له في ذلك، فقال: إن أمِّي اشتَهَتْه عليَّ، وليس شيء من الدنيا تطلُبُه أمي أقدِرُ عليه إلا فعلتُه؛ (مكارم الأخلاق - لابن أبي الدنيا).

عليُّ بن الحسين: قال محمد بن شهاب الزهري: كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبٍ لا يأكل مع أمه، وكان أبَرَّ الناس بها، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن آكل معها فتسبق عينها إلى شيءٍ من الطعام وأنا لا أعلم به، فآكله، فأكون قد عققتُها؛ (البر والصلة - لابن الجوزي).

قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - شهد ابن عمر - رضي الله عنهما - رجلًا يمانيًّا يطوف بالبيت حمل أمَّه وراء ظهره يقول: إنِّي لها بعيرها المذلَّل... إن أذعرت ركابها لم أذعر، ثم قال: يا بن عمر، أتراني جزيتها قال: «لا، ولا بزفرة واحدة"؛ الأدب المفرد للبخاري.

وعن زرعة بن إبراهيم أن رجلًا جاء إلى عمر، فقال: إن لي أمًا بلغ بها الكبر وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضئها وأصرف وجهي عنها، فهل أدَّيت حقَّها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري وحبست نفسي عليها، فقال عمر: إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك وأنت تتمنى فراقها؛ (البر لابن الجوزي).

وجاء رجل إلى ابن عمر، فقال: (حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها مناسك الحج أتراني جزيتها، قال: لا ولا طلقة من طلقاتها)؛ البر والصلة لابن الجوزي.

الهذيل بن حفصة بنت سيرين: قالت حفصة بنت سيرين: "بلغ من برِّ الهذيل ابني بي، أنه كان يكسر القصب في الصيف، فيوقد لي في الشتاء، قال: لئلا يكون له دخان، وكان يحلب ناقته بالغداة، فيأتيني به، فيقول: اشربي يا أم الهذيل؛ فإن أطيب اللبن ما بات في الضرع قالت: فمات، فرزق الله عليَّ من الصبر ما شاء أن يرزق، وكنت أجد مع ذلك حرارةً في صدري لا تكاد تسكن، قالت: فأتيت ليلةً من الليالي على هذه الآية: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]، فذهب عني ما كنت أجد"؛ (البر والصلة - لابن الجوزي).

محمد بن المنكدر: كان محمد بن المنكدر يضع خده بالأرض، ثم يقول لأمه: ضعِي قَدَمكِ عليه؛ (مكارم الأخلاق - لابن أبي الدنيا).

مِسعَر بن كِدام: استسقَتْ أمُّ مِسعَر بن كدام منه ماءً في الليل، فقام فجاءها به وقد نامت، وكره أن يذهب فتطلبه ولا تجده، وكره أن يوقظها، فلم يزل قائمًا والإناء معه حتى أصبح؛ (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا).

سعيد بن سفيان الثوري: قال سعيد بن سفيان الثوري: ما جفَوْتُ أبي قط، وإنه ليدعوني وأنا في الصلاة غير المكتوبة فأقطعها له؛ (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا).

الفضل بن يحيى البَرْمكي: قال الخليفة المأمون: لم أرَ ابنًا أبَرَّ بأبيه من الفضل بن يحيى البرمكي، بلغ مِن بره أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماءٍ سخن وهما في السجن، فمنعهم السجان من إدخال الحطب في ليلةٍ باردةٍ، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقمٍ كان يسخن فيه الماء، فملأه، ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائمًا وهو في يدِه حتى أصبح؛ (المجالسة وجواهر العلم - للدِّينوري).

حَيْوة بن شريح: كان حَيْوة بن شريح، وهو أحد أئمة المسلمين، يقعد في حلقته يعلِّم الناس، فتقول له أمه: قم يا حيوة وألق الشَّعيرَ للدجاج، فيقوم ويترك التعليم؛ (بر الوالدين - لأبي بكر الطرطوشي).

طَلْق بن حبيب: كان طَلْق بن حبيب من العبَّادِ، وكان يقبِّل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيتٍ وهي تحته؛ إجلالًا لها؛ (بر الوالدين - لأبي بكر الطرطوشي).

ابن عمرَ بنِ ذرٍّ: لما مات ابنُ عمرَ بنِ ذر، قيل له: كيف كان بره؟ قال: ما مشى معي نهارًا قط إلا كان خلفي، ولا ليلًا إلا كان أمامي، ولا رقِيَ على سطحٍ أنا تحته؛ (البر والصلة - لابن الجوزي).

الزبير بن هشام: قال مصعب بن عثمان: كان الزبير بن هشامٍ بارًّا بأبيه، إن كان لَيرقى إلى السطح في الحَرِّ فيؤتى بالماء البارد، فإذا ذاقه فوجد برده لم يشرَبْه، وأرسله إلى أبيه؛ (البر والصلة - لابن الجوزي).

قال رجل لعبيدالله بن عميرٍ: حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيتُ بها المناسك، أتُراني جزيتها؟ قال: لا، ولا طلقة واحدة؛ (البر والصلة - لابن الجوزي).

حارثة بن النعمان رضي الله عنه: وأما حارثة، فإنه كان يفلي رأس أمه، ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج، ماذا قالت أمي؟ البر والصلة لابن الجوزي)، وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك البر، قال: وكان أبر الناس بأمه"؛ رواه ابن وهب في الجامع، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

بكر بن عياش، يقول: "ربما كنت مع منصور في منزله جالسًا، فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى، وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها؛ البر والصلة لابن الجوزي.

كان حجر بن الأدبر يلمس فراش أمه بيده ويتقلب بظهره عليه ليتأكد من لينه وراحته، ثم يضجعها عليه؛ البر والصلة لابن الجوزي.

أيها المسلمون، المواقف الدالة على حرص أسلافنا على برِّهم بآبائهم وأمهاتهم كثيرة جدًّا، لا تحصرها هذه الدقائق، لكنها في جملتها تعكس صورة ذلك المجتمع البار، وحقيقة أولئك الأخيار الذين زكت نفوسهم، واهتدت قلوبهم، فكانوا لنا مثلًا في برهم، ونبراسًا في طاعتهم، فهيَّا لنتفقد حالنا مع آبائنا وأمهاتنا، وننظر بعين الملاحظة هل نحن في برهم وطاعتهم على الحال الذي يجب، والطريقة التي تنبغي أو أننا غير ذلك؟ فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح، ألا هيَّا فلنبادر إلى برِّهما وطاعتهما قبل أن يرحلا، ويفوت الوقت فينتقلا، هيا قبل أن نحزن على فقْدهما، ونذرف الدموع ندمًا على التقصير في حقهما.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخـــطــبـــة الثـــانــيــــة
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله، أما بعد:
ف: حبي إليهم لا يضاهى ماعدا
حبي لربي والنبي محمدَا
أبواي لو جادوا علينا بالرضا
يكن الطريق إلى الجنان مُمهدا
أبواي كنتم على الدوام تُناضلا
كي تجعلوني بين قومي سيدَا
فأخذت منكم ما يجب وزيادة
وكأنكم أنجبتموني واحدَا
وكنت أطلب مالكم تعطونني
لم تبخلوا لم تجعلوه محددَا
وبدا عليكم إذا مرضت كآبة
وإذا شفيت يزول عنكم ما بدا
وإن تسمعا أني أحقق مطلبًا
كنتم لأجلي تفرحان وتسعدَا
اليوم أخبر والديَّ بأنه
حبي إليهم في الفؤاد ممدَا
الشمس شهدت والسماء بعطفهم
والقمر يشهد والسحاب مؤيدَا
والله يشهد لا أبالغ مطلقًا
هل مثل ربي في الشهادة شاهدا
يا رب تحفظ والديَّ كلاهما
واجعل لهم من حوض طه موردَا
واكتُب لهم حسنَ الختام لأنه
باب العبور إلى النعيم الخالدَا


أيها الأحبة في الله، إن من حقوق الوالدين عليك محبتهما وتوقيرهما على من سواهما؛ روى البخاري في الأدب المفرد أن أبا هريرة أبصر رجلين، فقال لأحدهما: ما هذا منك؟ فقال: أبي فقال: لا تسمه باسمه ولا تمشِِ أمامه ولا تجلس قبله.

ومن برهما الإحسان إليهما بالقول والعمل والحال؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾، ومن حقوقهما الدعاء لهما في الحياة وبعد الممات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾، وفي الحديث: ((إن الرجل ليرتفع في الجنة فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك؛ أخرجه أحمد، ومن حقوقهما صلة أهل ودِّهما، فقد روي عن ابن عمر مرفوعًا: ((إن أبر البر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه))؛ (مسلم).

ومن حقوقهما النفقة عليهما إذا كانا محتاجين للنفقة وعند الولد ما يزيد على حاجته؛ قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: على الولد الموسر أن ينفق على أبيه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصغار وإن لم يفعل ذلك كان عاقًّا لأبيه قاطعًا لرحمه مستحقًّا لعقوبة الله في الدنيا والآخرة.

ومن حقوقهما التواضع لهما وخفض الجناح؛ قال الله تعالى: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

ومن حقوقهما إنفاذ عهدهما أي وصيتهما، ففي سنن أبي داود أن رجلًا قال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: ((نعم الصلاة عليهما الدعاء لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما))؛ أبو داود.

ولنحذر كل الحذر من عقوق الوالدين وهذا ما نختم به خطبتنا: التحذير من عقوق الوالدين:
معنى عقوق الوالدين: العقوق في اللغة: مشتق مِن العَقِّ، وهو القطع.

عقوق الوالدين: صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قولٍ أو فعلٍ، إلا في شركٍ أو معصية؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني).

قال الإمام ابن الجوزي (رحمه الله): عقوق الوالدين: مخالفة الوالدينِ فيما يأمرانِ به من المباح، وسوء الأدب في القول والفعل؛ (كتاب البر والصلة - لابن الجوزي).

عقوبة عقوق الوالدينِ: يمكن أن نوجز عقوبة عقوق الوالدين في الأمور التالية:
عقوق الوالدينِ سبب غضب الله تعالى على الأبناء؛ روى الترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رضا الربِّ في رضا الوالد، وسَخَط الربِّ في سَخَط الوالد))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني).

عقوق الوالدين مِن الكبائر؛ روى الشيخانِ عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدينِ))، وجلَس وكان متكئًا، فقال: ((ألا وقول الزور))، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليتَه سكَتَ؛ (البخاري ومسلم).

وروى البخاري عن المغيرةِ بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن اللهَ حرَّم عليكم عقوقَ الأمهاتِ))؛ (البخاري).

قال الإمام ابن حجَر العسقلاني (رحمه الله): قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذِّكر؛ لأن العقوق إليهن أسرعُ من الآباء؛ لضعف النساء، ولينبِّهَ على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأبِ، في التلطف، والحُنوِّ، ونحو ذلك؛ (فتح الباري - للعسقلاني).

وكــذا روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أكبر الكبائر أن يلعَنَ الرجلُ والديه))، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجلُ والديه؟ قال: ((يسُبُّ الرجلُ أبا الرجلِ، فيسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه))؛ (البخاري ومسلم).

عقوق الوالدين سبب دخول النار: روى النسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجِّلة، والدَّيُّوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والمدمِن على الخمر، والمنَّان بما أعطى))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح النسائي - للألباني)؛ قال السندي (رحمه الله): قوله: (لا ينظر الله إليه)؛ أي: نظر رحمة أولًا، وإلا فلا يغيب أحد عن نظره، والمؤمن مرحوم بالآخرة قطعًا، (العاقُّ لوالديه): المقصر في أداء الحقوق إليهما، (المترجِّلة): التي تتشبَّه بالرجال في زيِّهم وهيئاتهم، فأما في العلم والرأي فمحمود، (والدَّيُّوث) وهو الذي لا غيرةَ له على أهله، (لا يدخلون الجنة): لا يستحقُّون الدخولَ ابتداءً؛ (سنن النسائي).

وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف))، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَن أدرك أبويه عند الكِبَر، أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة))؛ (مسلم).
رغم أنف: أي: ألصقه بالتراب وأذله.

عقوق الوالدينِ يمنَع قبول العمل الصالح. روى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثلاثة لا يقبَل الله منهم صَرْفًا (فرضًا)، ولا عدلًا (تطوعًا): عاقٌّ، ومنَّانٌ، ومكذِّبٌ بالقدر))؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع - للألباني).

عقوبته معجَّلة في الدنيا قبل الآخرة؛ روى الحاكم عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بابانِ مُعجَّلانِ عقوبتهما في الدنيا: البَغْيُ والعقوق)) (صحيح الجامع - للألباني).

أيها المسلمون وأخيرًا الجزاء من جنس العمل: قال الأصمعي (رحمه الله): حدثني رجل من الأعراب قال: خرجتُ من الحي أطلب أعَقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة، والحر شديد، وخلفه شاب في يده رِشاء (الحبل) من قِدٍّ (جلد مدبوغ) ملويٍّ يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرًا، قال: اسكت، فهكذا كان هو يصنَع بأبيه، وهكذا كان يصنَع أبوه بجده، فقلت: هذا أعَقُّ الناس؛ (مساوئ الأخلاق - للخرائطي). اجتهدوا أيها الشباب في بر والديكم، واحذروا الإساءة إليهما أو إلى أحدهما، فإن غضب الوالد على ولده عار في الدنيا وشؤم عليه وحسرة، وفشل وعقوق من أولاده له، ونار عليه في الآخرة أعاذنا الله وإياكم من العقوق ومن الخيبة والخسران التي يُمْنَى بها العاق، اللهم أعنَّا على برِّ والدِينا أحياء وأمواتًا، اللهم وفِّق الأحياء منهم، ومُدَّهم بالصحة والعافية، واعمُر أوقاتهم بطاعتك وألسنتهم بذكرك، ووفِّقنا لكسب رضاهم ودعائهم، اللهم مَن توفيتَه منهم فنوِّرْ قبره، واغفر خطأه وزللَه، اللهم اجزِهم عنا خيرًا، اللهم اجمعنا وإياهم في دار كرامتك ومستقر رحمتك، اللهم أصلحنا وأصلح شبابنا وبناتنا، ووفِّقهم في دينهم ودنياهم، وأقرَّ بصلاحهم وتوفيقهم أعينَنا يا سميع الدعاء؛ وأقِم الصلاة.



 توقيع : حكاية ناي ♔

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 01-10-2023, 09:33 AM   #2



 
 عضويتي » 60
 جيت فيذا » Dec 2022
 آخر حضور » 11-21-2024 (05:14 PM)
آبدآعاتي » 326,155
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » ساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond reputeساكن الروح has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة » 106
الاعجابات المُرسلة » 112
مَزآجِي   :
 آوسِمتي »

ساكن الروح متواجد حالياً

افتراضي



جزاك الله خيرا
وجعلة فى ميزان حسناتك


 توقيع : ساكن الروح

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 01-10-2023, 03:30 PM   #3



 
 عضويتي » 77
 جيت فيذا » Jan 2023
 آخر حضور » 01-12-2023 (07:44 AM)
آبدآعاتي » 26
 حاليآ في » /
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » الثريا is on a distinguished road
الاعجابات المتلقاة » 0
الاعجابات المُرسلة » 27
مَزآجِي   :
 آوسِمتي »

الثريا متواجد حالياً

افتراضي




بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء..
على كل ما تقدم لنا من درر قيمة..
جعلها الله في موازين حسناتك..
مع كامل التحية والتقدير..
حفظك المولى وحماك..


 توقيع : الثريا

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 01-12-2023, 08:03 PM   #4



 
 عضويتي » 16
 جيت فيذا » Sep 2022
 آخر حضور » يوم أمس (08:15 PM)
آبدآعاتي » 3,719,868
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » حكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond reputeحكاية ناي ♔ has a reputation beyond repute
الاعجابات المتلقاة » 2253
الاعجابات المُرسلة » 791
مَزآجِي   :  08
sms ~
لولا سعة الأمل لضاقت بنا الحياة
اللهم أيام كما نُحب و نتمنى ..♥️
 آوسِمتي »

حكاية ناي ♔ متواجد حالياً

افتراضي



اسعدني حضوركم


 توقيع : حكاية ناي ♔

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عقوق الوالدين حكاية ناي ♔ › ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪• 1 12-09-2023 02:12 PM
العين يانور العين للشوق تواقه | غريب ال مخلص حكاية ناي ♔ › صوتيات - مرئيات أدبية 1 12-02-2023 03:26 PM
خطبة المسلم على خطبة أخيه عطيه الدماطى › ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪• 1 09-01-2023 10:02 AM
]مراجعة خطبة العين حق عطيه الدماطى › ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪• 1 05-15-2023 07:42 PM
خطبة الجمعة عرفات وتنزل الرحمات ودروس من خطبة حجة الوداع الشيخ ثروت سويف عازف الناي › ~•₪• نبضآت إسلآمِيـہ ~•₪• 6 11-17-2022 09:22 PM


الساعة الآن 05:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.